أسواق العقار في نيوزيلندا تستيقظ من غيبوبة الركود

الأسعار في العاصمة ويلينغتون الأكثر ارتفاعا بنسبة 10%

TT

أصبحت أسواق العقارات في أستراليا ونيوزيلندا في العقد الماضي من أهم وأكبر الأسواق في منطقة الباسيفيك القريبة من جنوب شرقي آسيا وخصوصا إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وغيرها. وقد ساهمت الهجرات الآسيوية المتتالية على كل من البلدين في زيادة الطلب على العقارات وتطوير أسواق القروض وفتحها كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية. وقد تعرضت كل من استراليا ونيوزيلندا لتراجع كبير في الأسعار بعد أزمة الائتمان الدولية أيضا منتصف عام 2007 وخلال الركود الاقتصادي العالمي الذي خلفها العام الماضي والعام الحالي، وكما هو حال جميع بلدان العالم. كما شهدت نيوزيلندا قبل ذلك، طفراتها العقارية الكبيرة كما حصل في كثير من الدول الأوروبية والآسيوية على حد سواء منذ بداية عام 2000. وكانت الجزيرة الجنوبية المعروفة بـ«ساوث ايلاند» وهي الجزيرة الثانية من ثلاث جزر (واحدة صغيرة) تتألف منها نيوزيلندا، قد حصلت على أكبر نسبة من ارتفاع الأسعار خلال الطفرة بسبب وجود كثير من المناطق الساحلية السياحية الهامة مثل كريستشيرش ودونيديبن ووكينز تاون ونيلسون وغراي ماوث وغيرها. ووصلت نسبة ارتفاع الأسعار خلال تلك الفترة 150 في المائة في بعض المناطق. لكن هذه الصورة بدأت تتغير كما تشير التقارير الأخيرة الخاصة بنيوزيلندا. وأكدت الأرقام الصادرة عن هيئة العقار الوطنية (رينز) (REINZ) أن أسعار العقارات خصوصا العقارات السكنية متوسطة الحجم، ارتفعت بنسبة لا تقل عن 6.1 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي (2008) حتى سبتمبر هذا العام (2009). ووصل معدل سعر العقار المتوسط في هذه الفترة إلى 254.4 ألف دولار. ويأتي ذلك كما يبدو على خلفية التدخل الحكومي الكبير لتحفيز الاقتصاد العام وتحريك بعض القطاعات الهامة، بالإضافة إلى معدلات الفائدة المتدنية على المستوى التاريخي منذ عامين تقريبا. ومع هذا تعتبر هذه النسبة نتيجة التصحيح الحاصل والبطيء على أسعار العقارات، إذ إن الأسعار عادت إلى ما كانت عليه عام 2007 حيث كان معدل سعر العقار نحو 260 ألف دولار. وكانت أسعار العقارات في نيوزيلندا قد ارتفعت بنسبة كبيرة خلال الفترة الأخيرة بين عامي 2000 و 2007. ووصلت نسبة ارتفاع الأسعار خلال السنوات السبع تلك نحو 94 في المائة، منها 35 في المائة عام 2005 وحده و11.4 في المائة عام 2006 قبل أن تتراجع إلى 4.6 في المائة عام 2007 نتيجة وصول أزمة الائتمان الدولية. وكان تراجع الطلب على العقارات، نتيجة الركود الاقتصادي العالمي، العام الماضي بشكل خاص، قد أدى إلى تراجع الأسعار بنسبة لا تقل عن 8 في المائة تقريبا. وقد صرفت الحكومة أو ضخت في الاقتصاد الوطني منذ عام 2008 حتى الآن أكثر من5.2 مليار دولار. وعوضا عن التخفيض الضريبي العام وخصوصا للشركات الصغيرة والمتوسطة، رصدت الحكومة ما لا يقل عن نصف مليار دولار في فبراير (شباط) هذا العام لمساعدة ترميم المباني العامة والمدارس والطرقات. أي مشاريع كثيرة في البنى التحتية التي تساهم في خلق الوظائف وفرص العمل وتحريك بعض القطاعات وتنشيطها. وبالطبع استفاد سوق العقارات في جميع قطاعاته من هذه التحفيزات الحكومية بشكل غير مباشر مما أدى إلى استعادة الأسعار عافيتها في الفترة الأخيرة كما تؤكد معظم التقارير.

ويشير تقرير هيئة العقارات الوطنية في نيوزيلندا (رينز)، أن الأسعار في العاصمة ويلينغتون كانت الأكثر ارتفاعا في الجزيرة حيث وصلت نسبتها إلى ما لا يقل عن 9.8 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي حتى سبتمبر من هذا العام. وكما هو متوقع جاءت أوكلاند وهي المدينة الثانية من حيث الأهمية في البلاد، بعد ويلينغتون من ناحية الارتفاع الحاصل على أسعار العقارات حيث وصلت النسبة إلى 8.8 في المائة. وجاء بعد ذلك كريستشيرش التي حصلت على نسبة معقولة أيضا وصلت إلى 6 في المائة. ومن المعروف أن كريستشيرش أكبر مدن الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا، وقد ارتفعت الأسعار فيها خلال الطفرة العقارية بعد عام 2000 بنسبة لا تقل عن 105 في المائة. وتشير التقارير الأخيرة أيضا إلى أن الأسعار في القسم الشمالي أو في الجزيرة الشمالية (نورث ايلاند) ارتفعت أيضا لكن ليس بنفس النسب التي حصلت في القسم الجنوبي فمثلا لم تتعد نسبة ارتفاع الأسعار خلال طفرة عام 2000 إلى 80 في المائة في العاصمة ويلينغتون وفي أوكلاند بنسبة أقل قليلا وأقل قليلا أيضا في المناطق الأخرى كنابيار وهانغنوي ونيو بليموث وتورانغ ووانغاري روتوروا وغيرها.

ومع هذا لا تزال مدينة أوكلاند في القسم الشمالي من أغلى المناطق العقارية حتى الآن في البلاد كما تؤكد الأرقام الأخيرة الصادرة عن المؤسسات الحكومية والخاصة والمعنية بالعقار وأرقامه، ووصل معدل سعر المنزل متوسط الحجم فيها بين سبتمبر العام الماضي وسبتمبر العام الحالي إلى 336 ألف دولار، مقارنة بمعدل سعر العقار المتوسط في العاصمة (284 ألف دولار) وكريستشيرش في الجنوب (240 ألف دولار)..

وبالطبع هناك أسعار أرخص في المناطق الأخرى سواء كانت في الجزيرة الشمالية أو الجنوبية رغم الارتفاعات الأخيرة ويصل معدل العقار في هذه المناطق الجانبية والهامة - في بعض منها - إلى 220 أو 180 ألف دولار.

ويبدو من الأرقام التي نشرتها «غلوبال برابارتي» مؤخرا عن نيوزيلندا، أن الارتفاع لم يتوقف على الأسعار في أسواق العقار النيوزيلندية بل تعداها إلى عدد الصفقات العقارية والمبيعات بشكل عام. وقد وصلت نسبة الارتفاع لأعلى في عدد الصفقات العقارية في العاصمة ويلينغتون إلى نحو 42 في المائة وهي نسبة لا بأس بها في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية. والاهم من هذا أن نسبة الارتفاع في عدد الصفقات العقارية على المستوى الوطني كانت أعلى بكثير ووصلت إلى ما لا يقل عن 66 في المائة بين سبتمبر العام الماضي وسبتمبر العام الحالي. وكما سبق وذكرنا فإن حركة الهجرة المتواصلة إلى نيوزيلندا والتي لم تتوقف فعليا منذ سنوات طويلة، حركت أسواق العقار وزادت الضغوط عليها وأدت بها إلى التطور للتأقلم مع العالم الجديد. وهذا بالطبع فرض بناء المزيد من العقارات والمنازل سنويا نتيجة الحاجة المتجددة للسكان وارتفاع أعدادهم. ورغم أن عدد السكان قد ارتفع بما لا يقل عن 50 ألفا العام الماضي، فإن عدد المنازل المبنية والجديدة لا يزال تحت المعدل المطلوب ولذا يتوقع أن تواصل أسعار العقارات ارتفاعها هذا العام والعام القبل (2010) حتى يحدث توازن بين العرض والطلب والذي ينحو نحو العرض هذه الأيام. فحتى الآن لا يتم بناء أكثر من 7 آلاف عقار جديدة في البلاد حسب المعلومات المتوفرة فيما تحتاج البلاد إلى أكثر من 20 ألف عقار جديدة سنويا حسب النصائح الحكومية والخاصة بهذا الشأن. ولهذا ربما تراجع عدد العقارات الجديدة المسكونة من 22 ألف عقار العام الماضي إلى 13 ألف عقار هذا العام. وبلغت قيمة الزيادة في العقارات وأعدادها وخاصة المسكون منها إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار. كما أن هناك - مع ارتفاع أسعار العقارات وعدد الصفقات - ارتفاعا وزيادة في النشاط الإنشائي والمشاريع في جميع المناطق رغم بطئها. وتؤكد كثير من التقارير أن حركة الهجرة إلى نيوزيلندا كانت من أهم أسباب الطفرة العقارية التي شهدتها البلاد بين عامي 2000 و2007. وقد تراجعت هذه الحركة العام الماضي بشكل كبير عما كانت عليه خلال السنوات الماضية. وفي منتصف عام 2000، لم تتعد الـ3800 فرد. ولكن هذا العدد من المهاجرين كان قد وصل إلى 38 ألفا عام 2002، ثم 35 ألفا عام 2003 وتلاها 15 ألفا عام 2004. لكن في العام الحالي استعادت الأرقام عافيتها كما يبدو وتم تسجيل وصول ما لا يقل عن 20 ألف مهاجر، مما ساهم في ارتفاع الطلب على العقارات أيضا وخلال فترة وجيزة وسط نقص لا يقل عن 15 ألف عقار. وعلى هذا الأساس يتوقع أن يرتفع عدد سكان البلاد من 4.3 مليون نسمة إلى 5 ملايين نسمة عام 2020 (بنسبة ارتفاع 1 في المائة سنويا).

كما أن سوق القروض العقارية في البلاد ليست بعيدة عن كل هذه التطورات والطفرة العقارية وما تبعها مؤخرا من ارتفاع في الأسعار، وقد نما سوق القروض خلال العقد الماضي بشكل لم يسبق له مثيل في نيوزيلندا. وارتفعت نسبة القروض من الناتج المحلي الإجمالي من 56 في المائة عام 1998 إلى أكثر من 90 في المائة العام الماضي (2008). وارتفعت نسبة القروض نفسها بين عامي 1998 و2008 بنسبة لا تقل عن 186 في المائة، وهي نسبة متقاربة مع النسب الأوروبية الممتازة في القسم الشمالي من القارة. كما ارتفعت قيمة القروض العقارية منذ العام الماضي بنسبة لا تقل عن 5 في المائة ووصلت قيمتها نهاية سبتمبر هذا العام إلى 117 مليار دولار.

بأية حال فقد أشار تقرير أخير لمؤسسة «كوليارز» حول التطورات الشهرية على الأسعار في نيوزيلندا، بأن الأسعار الشهر الماضي - اعتمادا على رينز - ارتفعت بنسبة لا تقل عن 0.2 في المائة، وخلال الأشهر الثلاثة السابقة من نوفمبر (تشرين الثاني) وصلت نسبة الارتفاع إلى أكثر من 4 في المائة مقارنة بما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي (2008). ورغم أن مؤشر رينز النيوزيلندي أشار إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام خلال هذا العام بنسبة 6.6 في المائة فإن أسعار العقارات لا تزال أقل مما كانت عليه في قمتها عام 2007 بـ3 في المائة.

ووصلت نسبة الارتفاع على أكثر مناطق العقارات حرارة في الجزيرة الشمالية أي أوكلاند، إلى 12 في المائة تقريبا منذ العام الماضي. ووصلت هذه النسبة إلى 5 في المائة تقريبا في العاصمة وإلى 5.7 في المائة في كريستشيرش و2.4 في المائة في بقية المناطق في القسم الشمالي خاصة. كما ارتفع مؤشر رينز الخاص بعائدات الإيجار الشهر الماضي (نوفمبر 2009) بنسبة لا تقل عن 1.8 في المائة أي أكثر من نوفمبر العام الماضي بنسبة 0.3 في المائة وهو تحسن ملموس على أهم القطاعات العقارية وأكثرها نشاطا في البلاد.

بأية حال فإن الأسواق والأرقام الخاصة بها في نيوزيلندا تتجه نحو الأعلى وتخرج من الركود الذي أصابها خلال العامين الماضيين مما يحسن من الفرص الاستثمارية الخارجية والداخلية في وقت تجذب فيه نيوزيلندا المهاجرين أكثر من أي وقت مضى وخصوصا الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية من المستعمرات البريطانية السابقة والبلدان الآسيوية القريبة والمكتظة بالسكان.