انتعاش في الصين وأميركا مع تقلب في التوقعات في أوروبا ودول العالم الثالث

توقعات أسعار العقار في 2010

توقعات العقار الدولي مختلطة في العام الجديد («الشرق الأوسط»)
TT

تتراوح آراء خبراء العقار بين الاستثمار في الصين شرقا إلى الولايات المتحدة غربا خلال عام 2010 لأن هذين السوقين تقدمان أفضل فرص الاستثمار العقاري في عام 2010، بالمقارنة مع أوروبا والدول الناشئة. وتعتمد الآراء في ترجيح هذين الموقعين على أسبقية الخروج من مرحلة الكساد الاقتصادي واستعادة فرص النمو بعد عقد تأرجحت فيه أسواق العقار بين الطفرة صعودا والانحطاط هبوطا.

وحدد أول تقرير عن توقعات العام الجديد صدر من مؤسستي «إيربان لاند إنستيتيوت» و«برايس ووترهاوس كوبر» المدن الصينية شنغهاي وهونغ كونغ وبكين كأفضل ثلاث مدن آسيوية للاستثمار العقاري في عام 2010. وقال التقرير، وهو بعنوان «إيمرجنغ تريندز إن ريل إيستيت 2010»، أن القطاع الإسكاني الصيني هو الأفضل استثماريا، وأن المدن الآسيوية الأخرى الواعدة عقاريا هي مومباي ونيودلهي وهوشي منه. وأجمع خبراء التقرير على أن شنغهاي هي أفضل مدينة استثمار عقاري في آسيا في العام الجديد نظرا لقرار الحكومة الصينية ضخ المزيد من السيولة إلى الاقتصاد الصيني، وهي سيولة توجهت إلى القطاع العقاري وكان لها رد فعل فوري في رفع الأسعار. وتحتل شنغهاي أيضا المركز الأول في فرص تطوير العقار. وأشار التقرير إلى سباق شركات التطوير العقاري على شراء الأراضي في المدينة بغرض البناء عليها.

وسوف يدفع الاستثمار العقاري في شنغهاي خلال العام الجديد انعقاد معرض «إكسبو وورلد 2010» الذي سوف يحضره 70 مليون زائر من داخل الصين وخارجها. وتقود شنغهاي موجة الانتعاش الآسيوي المتوقعة في العقارات خلال العام الجديد معتمدة على موقعها في الاقتصاد الصيني الذي يستعيد قواه.

أما هونغ كونغ فلم تستفد من السيولة الحكومية ولكنها ما زالت تقدم أفضل الفرص في قطاع الإيجار. وصعدت العاصمة الصينية بكين إلى المركز الثالث بعد ظهور معالم الانتعاش في الاقتصاد الصيني الذي انعكس إيجابيا على القطاعين الإسكاني والتجاري في المدينة.

وفي أنحاء آسيا الأخرى تظهر مومباي كمدينة واعدة نظرا لإقبال الحكومة الهندية على مشاريع إسكانية ضخمة في المدينة للفئات محدودة الدخل. كما تسهم البنوك الهندية بقروض ذات فوائد مخفضة، الأمر الذي يعد بإقبال كبير من الطبقات الوسطى خلال العام الجديد واعتماد المدينة على نفسها بدلا من الطلب الأجنبي على العقار فيها. وفي مدينة هوشي منه الفيتنامية انعكس نمو الطبقة الوسطى على نمو القطاع العقاري فيها على جانبيه الإسكاني والتجاري.

واعتمد التقرير على آراء 270 شركة عقارية عالمية بما فيها شركات استثمارية وسماسرة عقار وخبراء ماليون واستشاريون، واعترف هؤلاء بأن الأسواق الآسيوية تراجعت بشدة خلال العامين الماضيين على خطى مماثلة لما وقع في الأسواق العالمية، ولكن بوادر الانتعاش العقاري بدأت تظهر خلال الربع الأخير من العام الماضي متأثرة بعودة النمو في الاقتصاد الصيني المستفيد من عدة حوافز مالية واستثمارية قدمتها الحكومة لتخطي مرحلة الكساد. ونتيجة لذلك أظهرت عدة أسواق آسيوية علامات إيجابية في مجالات عدد صفقات العقار التي عقدت في الشهور الأخيرة وأسعار هذه الصفقات التي شهدت ارتفاعا ملحوظا.

وتقدم الولايات المتحدة في الوقت الحاضر أفضل الفرص العقارية نظرا لتدني الأسعار وفقا للخبير ليام بيلي من موقع «رايت أباوت بروبرتي» الاستشاري الذي يقول من خلاله إن السوق الأميركية تقدم أفضل فرص البيع القسري بأسعار متدنية، وأحسن فرص الربح من الشراء بغرض التأجير. وهو يؤكد أن الاستثمار بغرض التأجير هو الأفضل في المدى القصير بالقياس إلى الطلب العالي في السوق الأميركية وعدم وجود السيولة الاستثمارية الكافية. وهو يركز على القطاع السياحي الذي يشهد موجة انتعاش غير مسبوقة في العام الجديد. وهو ينصح المستثمرين بالنظر إلى المناطق التي تظهر فيها علامات الخروج السريع من الكساد.

ولكن تقريرا إحصائيا لخبراء الصناعة الأميركيين حذر من أن السوق في القطاع التجاري لم تخرج من مرحلة الكساد بعد، وأن بلوغ قاع السوق سوف يكون خلال العام الجديد. ويعني هذا أن السوق الأميركية، على الأقل في القطاع التجاري، سوف يشهد المزيد من التراجع قبل التحسن. ويرى التقرير، واسمه «تريندز إن ريل إيستيت»» أن أسعار القطاع العقاري التجاري سوف تتراجع بنسب تبلغ 40 إلى 50 في المائة من الآفاق التي بلغتها في عام 2007. وأن هذه النقطة لم تبلغها الأسواق بعد وسوف تصل إليها خلال عام 2010. وعلق التقرير أن موجة التصحيح التي تشهدها الأسواق هي الأعمق والأسوأ منذ الكساد العظيم في الثلاثينات.

ولاحظ التقرير أن معظم العاملين في الصناعة ما زالت آراؤهم سلبية بالنسبة للعام الجديد قياسا بحجم الطلب الضعيف والتكاليف الباهظة للمشروعات القائمة بالفعل. وأشارت سوزان سميث المشرفة على التقرير أن هناك العديد من المستثمرين الذين بالغوا في الاقتراض وفي افتراضاتهم غير الواقعية حول العوائد، وهؤلاء سوف يضطرون إلى بيع عقاراتهم في العام الجديد وسوف يستفيد من الموقف من لديه سيولة استثمارية.

ويمكن النظر إلى هذا التقرير على أنه يتيح أيضا فرصا استثمارية في السوق الأميركية لمن يمتلك السيولة، خصوصا أن البنوك والحكومة سوف تقبل على بيع الأصول العقارية التي استولت عليها من المتعثرين. ومع استمرار عدم إقبال البنوك على الإقراض العقاري، سوف تتاح الفرصة للمستثمرين لاقتناص أفضل الفرص.

وعلى هامش السوق الأميركية تبدو الأسواق الكندية أقل تأثرا بالكساد مع تراجع في القيم العقارية لا يزيد على 20 في المائة من الذروة، بينما تراجعت أسواق العقار المكسيكية على نمط مماثل لما حدث في السوق الأميركية. وتظل البرازيل هي الاستثناء الوحيد في القارة اللاتينية لأنها تقع ضمن دائرة صغيرة من الدول الناشئة التي تتقلد زمام المبادرة الاقتصادية في العالم.

واتفق الخبراء على أن العوامل المؤثرة في سوق العقار الأميركية في عام 2010 هي بالترتيب: الوظائف ثم أسعار الفائدة والأجور ومعدلات التضخم. وسوف تشهد الأسواق بوادر الانتعاش أولا في القطاعات الفاخرة والاستثمارات الكبيرة التي تجذب إليها كبار المستثمرين، مثل صناديق المعاشات، بالإضافة إلى المستثمرين الأجانب. ومن الناحية الجغرافية سوف تشهد العاصمة الأميركية واشنطن أفضل الفرص نظرا لأنها تستند إلى قواعد اقتصادية سليمة، تليها سان فرانسيسكو وبوسطن ونيويورك. وتعد واشنطن لاعبا رئيسيا في السوق الأميركية خلال فترات الكساد نظرا للطلب المستقر من الإدارات الحكومية على مساحات المكاتب وخدمات المنافذ التجارية.

ويطلب أهل الصناعة من الحكومة الأميركية التدخل لتنظيم السوق العقارية وليس إنقاذها على نمط ما فعلته مع البنوك أو شركات السيارات.

وهم ينصحون المستثمرين بعقد صفقاتهم نقدا والتريث في اتخاذ القرار والتركيز على العقارات ذات النوعية العالية التي تقدم أفضل العوائد والاقتصار في الاستثمار على المدن الكبيرة المفتوحة عالميا. ومن الناحية القطاعية ينصح التقرير بالتركيز على شراء المجمعات السكنية والفندقية بالإضافة إلى المجمعات السياحية التي تباع قسرا. وقد تقدم المخازن الصناعية أيضا فرص استثمار جيدة في مرحلة لاحقة حين تستعيد الصناعة قواها. ولكن التقرير ينصح شركات العقار بعدم خوض تجربة بناء مشروعات جديدة في الوقت الحاضر، وحتى عام 2012 على الأقل، وأن تنسى فكرة بناء مشروعات بتمويل مصرفي أو خاص، حتى إشعار آخر. ومن الهند تشير مصادر الصناعة إلى أن مطوري العقار تعلموا درسا جيدا خلال فترة الكساد، وهو درس يصلح أيضا لمطوري العقار العرب. فالطلب على العقارات الفاخرة محدود بينما تحول شركات العقار لتطوير القطاعين المتوسط والشعبي يضمن ارتفاع الطلب المستمر ونمو عمليات البيع حتى أثناء الكساد. للتسعير المرن المتجاوب مع ظروف السوق أهمية أيضا في منع السوق من الانهيار. ويعتقد مستثمر هندي أن الكساد كان جيدا من أجل استقرار السوق والأسعار عند مستويات مقدور عليها من قطاعات كبيرة من المشترين. وقد انعكس هذا الدرس على المشروعات الناجحة في المدن الهندية الرئيسية التي تقود عودة الانتعاش العقاري بعد مرحلة الكساد.

وفي دبي قال تقرير من غرفة التجارة فيها إن توقعات الاقتصاد في الإمارة جيدة في عام 2010 لعدة عوامل منها عودة الإنفاق الحكومي وارتفاع أسعار النفط وعودة روح المغامرة الاستثمارية ونمو الإنفاق الاستهلاكي.

وفي بريطانيا تتراوح التوقعات، وفق قاعدة معلومات «فاينانشيال تايمز» بين تقديرات لارتفاع قيم العقارات البريطانية بنسبة خمسة في المائة خلال العام الجديد إلى انخفاضها بنسبة 10 في المائة. وكان أكثر الخبراء تفاؤلا مدير شركة «أسيتس» العقارية «سمارت لو» الذي ذكر أن أهم العوامل الفاعلة في السوق البريطانية هو ندرة الإمدادات العقارية بسبب توقف الاستثمار في عمليات البناء والتطوير في العامين الأخيرين. وأضاف أن صناعة البناء سوف تجد صعوبة خلال عام 2010 في توفير العقارات المطلوبة عندما يرتفع الطلب. كما توقع أن يزداد الضغط الحكومي في عام الانتخابات العامة على البنوك من أجل توفير الإقراض العقاري بتسهيلات إضافية للمشترين لتشجيع السوق. إضافة إلى ذلك يتوقع لو أن تتنافس البنوك على الإقراض من أجل الاستفادة من التطورات الإيجابية في القطاع العقاري. من العوامل الأخرى في السوق البريطانية احتمال توجه أسعار الفائدة الأساسية إلى معاودة ارتفاعها، وإن كان هذا لن يؤثر كثيرا على أسعار الإقراض العقاري المرتفعة فعلا. وهو يتوقع أيضا أن تستقر معدلات التوظيف بعد بلوغ البطالة مستويات قياسية في نهاية عام 2009.

وعلى النقيض يتوقع الخبير دومنيك بيكاردا من مجموعة «فاينانشيال تايمز» أن تتراجع أسعار العقارات البريطانية بنسبة 10 في المائة مع انهيار السوق لأنها ما زالت تفوق قيمتها الحقيقية بنسبة كبيرة. وهو يشير إلى العلاقة بين أسعار العقار ومتوسط قيمة الدخل الفردي في بريطانيا ويرى أنها تشبه إلى حد بعيد النسبة التي كانت سائدة في عام 1989، أي قبل الانهيار العقاري السابق. ويضيف أن التاريخ يؤكد أن الانهيارات العقارية الكبيرة تحدث عادة بعد موجات الكساد وليس أثناء الكساد، وهذا يعني أن التراجع العقاري مرشح لعام 2010. واستنتج بيكاردا أن توجهات العقار البريطاني ما زالت سلبية وأن الأمور لن تتحسن إلا بعد انقضاء عام 2010 الذي سيشهد أسوأ مراحل التراجع العقاري.

وتجري مؤسسة «فاينانشيال تايمز» هذه التقديرات سنويا وتعلن في نهاية كل عام عن الفائز بالتوقعات الصحيحة. وفي العام الأخير فاز الخبير كيفن جاكسون من مجموعة «فاينانشيال تايمز» الذي توقع زيادة طفيفة في أسعار العقار خلال عام 2009 لا تزيد على نسبة واحد في المائة. وكان هو الفائز أيضا في توقعات عام 2008. والمثير أن الخبير نفسه لا يشعر بالتفاؤل في عام 2010 ويقول إن العقار البريطاني سوف يتراجع بنسبة ثلاثة في المائة.

ويشترك في الرأي مع جاكسون خبير شركة «نايت فرانك» العقارية ليام بيلي الذي توقع أيضا انخفاضا بنسبة ثلاثة في المائة للعقار البريطاني خلال العام الجديد. وهو يعلل هذه التوقعات السلبية بضعف الاقتصاد البريطاني الذي سوف ينعكس سلبيا على معدلات الأجور والقدرة الشرائية والرغبة في الاستثمار العقاري. وهو يذكر أيضا استمرار ارتفاع معدلات البطالة وتجميد الأجور وارتفاع الضرائب وأقساط القروض العقارية. وهو يخشى من تباطؤ عودة الانتعاش للاقتصاد البريطاني وتراكم الديون الحكومية التي سوف تنعكس على المستهلك البريطاني قريبا في صورة ضرائب باهظة وتراجع فرص التوظيف. وبوجه عام ما زال الرأي العقاري في بريطانيا منقسما بين انتعاش طفيف وتراجع كبير.

وهكذا تبدو توقعات العقار الدولي مختلطة بين الانتعاش في الصين وفي الولايات المتحدة مع تقلب في التوقعات بين أوروبا ودول العالم الثالث. ولكن الصورة في مجملها تبدو أفضل مما كانت عليه في بداية العام الماضي.