خلافا للتوقعات.. أسعار العقارات في بريطانيا ارتفعت بنسبة 6% عام 2009

قد ترتفع بين 2012 و2015 بنسبة 27%

TT

أكد التقرير الأخير لبنك «نيشن وايد» Nationwide البريطاني، أن أسعار العقارات السكنية ارتفعت في بريطانيا منذ 8 أشهر بنسبة لا تقل عن 5.9 في المائة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام السابق 2008، أو ما يطلق عليه عام الركود والتراجع فعليا. ويأتي هذا الارتفاع على خلفية الركود الاقتصادي العام والتراجع في النمو والأسعار وارتفاع معدل البطالة وخسارة العملة الوطنية نسبة كبيرة من قيمتها في أسواق الصرف. ولذا حذر البنك المعروف في عالم القروض العقارية والذي يعد من أكبرها، من القراءة السريعة لهذا الارتفاع والتعافي في الأسواق العام الماضي؛ إذ إن الأسواق، على حد قول البنك، لا تزال غير مستقرة، ولا يمكن الركون لأرقامها رغم إيجابيتها.

كما تواصلت موجة ارتفاع الأسعار في أسواق العقار السكنية بعد ذلك بنسبة لا تقل عن 0.4 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي مما رفع معدل سعر العقار أو المنزل إلى 162.1 ألف جنيه. ومع هذا كانت أقل من الشهرين السابقين، أي نوفمبر (تشرين الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، حيث وصلت إلى 0.5 في المائة. ويبدو أن المشترين الجدد، ومعظمهم من المستثمرين والأغنياء، قد تحركوا ونشطوا في الأسواق في الفترة الأخيرة لاقتناص الفرص رغم قلة المعروض للبيع وقلة الزبائن.

وخالفت هذه النسبة الكثير من التوقعات، إثر التراجع الكبير سنويا على الأسعار منذ بدء أزمة الائتمان الدولية نهاية أغسطس (آب) عام 2007، ووصلت بعض نسب التراجع إلى أكثر من 15 في المائة. وكانت التوقعات آنذاك بأن تتراجع الأسعار في الأسواق العقارية بنسبة لا تقل عن 35 في المائة بين عامي 2008 و2011. ومع هذا، يحذر البنك من القراءة السريعة لهذا التطور، فإن أسعار العقارات حاليا أو نهاية العام الماضي بشكل أدق لا تزال أقل مما كانت عليه في أكتوبر عام 2007 بنسبة لا تقل عن 12.2 في المائة. أي نهاية الطفرة العقارية التي تواصلت لسنوات طويلة في بريطانيا. والأرقام والنسب الأخيرة تعني أيضا أنه، ومع الأخذ بعين الاعتبار نسب التضخم، ارتفعت أسعار العقارات خلال العقد الماضي بنسبة لا تقل عن 68 في المائة، أي منذ عام 1999 إلى نهاية عام 2009. وهي أفضل نسبة نمو تسجلها الأسواق العقارية السكنية خلال عقد واحد منذ سنوات طويلة، ولربما لأول مرة. على عكس ما حصل في التسعينات، وخصوصا بعد الفقاعة العقارية عام 1991، حيث تراجعت الأسعار بنسب لا تقل عن نسب العام الماضي التي وصلت آنذاك إلى 14 في المائة. وفيما تراجعت الأسعار في مقاطعة ويلز في تلك الفترة، أي في التسعينات، بنسبة 24 في المائة، سجلت خلال العقد الماضي أكبر نسبة ارتفاع بين المقاطعات والمناطق البريطانية، ووصلت هذه النسبة، وهي أعلى من المعدل الوطني، إلى 82 في المائة.

ومن غرائب الأمور أيضا، أن إنجلترا التي تضم لندن كانت الأسوأ أداء من ناحية النمو خلال العقد الماضي، وبالتحديد منذ عام 2000، إذ لم تتعد نسبتها 65 في المائة. ومع هذا هناك مناطق في إنجلترا سجلت أيضا نسبا أعلى من المعدل الوطني، وكانت منطقتا يوركشير وهامبيشر أكثر المناطق نموا للأسعار خلال العقد الماضي في إنجلترا حسب الأرقام التي نشرتها الحكومة والمؤسسات الخاصة أخيرا.

وفي تقرير لهيئة تسجيل الأراضي في بريطانيا، تشير الأرقام إلى أن الأسعار في نوفمبر الماضي ارتفعت بنسبة 1 في المائة تقريبا (0.9). كما أن أسعار العقارات في العاصمة لندن ارتفعت بنسبة 2.2 في المائة الشهر الأخير من العام الماضي عما كانت عليه الشهر السابق، مما رفع معدل ارتفاع الأسعار السنوي في العاصمة إلى 3.5 في المائة. ولم تسجل أي حالة على تراجع الأسعار إلا في منطقة «الإيست ميدلاندز»، حيث تراجعت الأسعار بنسبة 0.4 الشهر الماضي.

على أي حال، فإن الأهم من نسب الارتفاع على الأسعار هذه هو ارتفاع عدد الصفقات العقارية بنسبة لا تقل عن 10 في المائة خلال العام الماضي، وهي نسبة ممتازة من شأنها أن تساعد الأسواق على التوازن والصمود خلال السنة المقبلة. وحسب أرقام هيئة تسجيل الأراضي، فإن أسعار العقارات ارتفعت على التوالي خلال الستة الأشهر الأخيرة أو خلال الربعين الأخيرين من العام الماضي، وعادت إلى ما كانت عليه في الفترة نفسها من العام السابق، أي أنها استعادت ما خسرته عام 2008 في الحقيقة. كما أن الهيئة تقدر معدل سعر العقار حاليا بـ161 في المائة، أي أقل بنسبة 0.3 في المائة عن العام السابق (162 ألف جنيه). وفي ويلز وصلت نسبة الارتفاع أيضا في نوفمبر إلى 3 في المائة تقريبا.. ولندن التي كانت تقود هذه الموجة من النمو، 2 في المائة في نوفمبر، بنسبة 3.5 في المائة عما كانت عليه في الفترة نفسها العام السابق. ووصل معدل سعر المنزل في لندن حاليا إلى نحو 324 ألف جنيه. ومن أفضل المناطق أداء في إنجلترا منذ نوفمبر العام الماضي العاصمة لندن والمناطق الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية.

وكانت أكبر نسبة ارتفاع العام الماضي كما يبدو في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر، حيث وصلت إلى 0.6 في المائة عما كانت عليه في الفترة نفسها عام 2008. كما تشير أرقام الهيئة أيضا إلى أن عدد الصفقات ارتفع من 50.1 ألف صفقة بين يونيو (حزيران) وسبتمبر عام 2008 إلى 55.5 ألف صفقة في الفترة نفسها العام الماضي، أي بارتفاع نسبته 10.6 في المائة. وتشير معظم التقارير الصادرة إلى جانب تقرير هيئة تسجيل الأراضي إلى وجود مخاوف من أن تدفع هذه الارتفاعات الكثير من أصحاب العقارات إلى وضع عقاراتهم في الأسواق للبيع، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع الأسعار من جديد.

وكان تقرير صادر عن «التايمز اللندنية» قبل أيام قد أشار نقلا عن تقارير السماسرة إلى أن أسعار العقارات في المناطق الريفية ارتفعت بنسبة لا تقل عن 10 في المائة خلال العام الماضي. وذلك بسبب ارتفاع الطلب الأجنبي على هذا النوع من العقارات التي عادة ما تكون عقارات كبيرة وفاخرة مع أراض وخدمات أخرى.

ويتوقع لهذه المناطق الريفية التي تستقطب الأغنياء الأجانب أن تسجل نسب ارتفاع أكثر من غيرها من المناطق البريطانية في المستقبل. ويتوقع روب بروس، عن مؤسسة هامبتونز إنترناشونال العقارية المعروفة، أن تكون الأسعار في هذه المناطق مشابهة للذروة التي شهدتها البلاد عام 1997 ولندن لاحقا.

وهناك كما يبدو خلاف بين السماسرة حول التوقعات الخاصة بالعام الحالي، حيث يتوقع الكثير منهم أن تواصل الأسعار ارتفاعها هذا بنسبة 7 في المائة، ويتوقع آخرون أن تتراجع الأسعار بالنسبة نفسها التي ارتفعت بها العام الماضي، أي 6 في المائة.

وحول التوقعات بشأن العام الحالي والمستقبل، تقول يولاندي بارنز، عن مؤسسة سافيلز Savills: إن ارتفاع الأسعار السنة الماضية يعود إلى قلة المعروض من العقارات في الأسواق. لكن يتوقع هذا العام أن يرتفع عدد الباعة مما سيؤدي إلى تغيير وجهة الأسعار. وعوضا عن ذلك لا يتوقع أن يرتفع عدد القروض العقارية بسبب أوضاع أسواق القروض والبنوك والشروط المفروضة للحصول عليها، ما من شأنه المحافظة على معدل الأسعار الحالية. لكن مع التغيير الحكومي والانتخابات المقبلة وما تعنيه من ارتفاع لاحق للضرائب ونمو بطيء للاقتصاد العام وتصحيح في أسواق الأسهم وارتفاع في معدلات الفائدة، فإن الأسعار على المستوى الوطني العام ستتراجع بما لا يقل عن 6.6 في المائة هذا العام، وفي لندن بنسبة 1 في المائة. ومع هذا، فإن التوقعات الخاصة بأسواق العقار المستقبلية لا تزال متفائلة على المدى البعيد، وتتحدث بعض المؤسسات عن ارتفاع للأسعار بين عامي 2012 و2015 بنسبة لا تقل عن 27 في المائة، أي بمعدل نمو سنوي لا يقل عن المعدل الحالي، إذا لم يكن أكثر قليلا. وتتوقع مؤسسة «إيرنست أند يونغ» أيضا أن تتراجع أسعار العقارات السنة الحالية بنسبة لا تقل عن 5 في المائة. والأهم من هذا أن الأسواق لن تتراجع حسب المعطيات الجديدة بنسب كبيرة بعد الآن كما حصل في عامي 2007 و2008. وحتى في حال لم تتراجع الأسعار، فإنه لا يتوقع لها أن تواصل ارتفاعها، بل أن تحافظ على نفسها لا أكثر ولا أقل. ويربط الاقتصادي، مايكل سوندرز، في مدينة لندن بين نمو الأسعار ومسألة الحفاظ على معدل منخفض للفائدة. فمن شأن أي تغيير أن يؤثر على وجهة الأسعار. ولهذا لا يتوقع أن يغير البنك المركزي أو بنك إنجلترا خلال الستة أشهر المقبلة معدل الفائدة العام. ويمكن أن تبقى معدلات الفائدة منخفضة خلال السنوات القليلة المقبلة. وما حرك الأسواق العقارية في الفترة الأخيرة هو عودة المشترين إليها ونشاط المستثمرين الباحثين عن فرص. كما أن قلة عدد العقارات المعروضة للبيع كانت أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار خلال السنة الماضية. لكن تطور القدرة الشرائية لدى البعض قد يساعد الأسعار على النمو السنة الحالية. ويرجع سوندرز ذلك إلى نية البنوك تخفيف شروط القروض هذا العام واستعادة بعض الزبائن. أما الاقتصادي في بنك «نيشن وايد»، مارتن غاهبوير، فيقول: إنه لا يتوقع أن يرى الحركة نفسها والنشاط في الأسواق العقارية هذا العام كما حصل في الماضي والسنة الماضية وقبلها بشكل خاص. وعلى المدى القريب لا يتوقع أن تواصل الأسعار نموها كما حصل العام الماضي. بل يتوقع جمود الأسعار أو ركودا من دون حركة في أي اتجاه.

ويؤكد غاهبوير أن ما حصل العام الماضي من نقص كبير في عدد العقارات المعروضة للبيع سيكون معكوسا هذا العام. وكان الوضع العام الماضي استثنائيا. لكن، ومع هذا، لا يتوقع أن يكون عدد العقارات المعروضة للبيع كبيرا جدا أو قادرا على إغراق الأسواق بالعقارات، لكنه سيكون كافيا لتصحيح التوازن بين العرض والطلب، ما من شأنه تخفيف حدة نمو الأسعار قليلا. ويربط غاهبوير أيضا بين الأوضاع الحالية في أسواق العقار والوضع الحالي في مسألة البطالة ومعدلها، إذ يبدو أن ارتفاعها لم يكن كبيرا كما كان يتخوف، كما أن أسعار العقارات لا تزال بعيدة عن متناول الكثير من الناس أو أصحاب الأجور المتدنية أو حتى الذين يتقاضون المعدل الوطني العام.