النمو الاقتصادي في إندونيسيا لم يترجم إلى طفرة عقارية

على عكس الأسواق العقارية الآسيوية المهمة

TT

على عكس بعض الأسواق العقارية الآسيوية المهمة، لا تزال الأسواق العقارية في إندونيسيا، على اختلاف أنواعها، تجد صعوبة في الخروج من ركودها النسبي وإعادة النمو والانتعاش الذي شهدته الأسواق قبل أزمة الائتمان الدولية والركود الاقتصادي العالمي، مدعومة باستقرار سياسي وتطورات اقتصادية إيجابية على شتى الصعد، خصوصا أن الصعد الاستثمارية الأجنبية تعد بالمزيد من النمو كما هو الحال في ماليزيا وغيرها من الاقتصادات الصاعدة في جنوب شرقي آسيا.

ويبدو أن عوامل كثيرة لعبت دورا في الركود العقاري، أو بكلام أدق النمو البطيء على استقراره لأسعار العقارات، ومنها ارتفاع قيمة القروض العقارية وارتفاع تكلفة مواد البناء على جميع أنواعها، وارتفاع معدل الضرائب بشكل عام، أضف إلى ذلك البيروقراطية الحكومية.

وتخلف الأسواق سببه الأسواق المتطورة في هونغ كونغ وسنغافورة وغيرها من الأسواق العالمية. وقد دفع هذا أيضا إلى تفعيل الأسواق الداخلية على حساب الأسواق الاستثمارية الخارجية. وتعتمد معظم الأرقام العقارية الأخيرة على هذا النشاط أكثر من غيره.

وقد أشارت الأرقام الأخيرة التي نشرتها «غلوبال» إلى أن أسعار العقارات السكنية في البلاد ارتفعت بشكل عام بنسبة 0.69 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي (2009)، وهي نسبة بسيطة جدا، إن دلت على شيء فهي تدل على مقاومة الأسواق للتراجع السابق، وعلامة من علامات الخروج منه أيضا، إذ إنها أعلى من نسبة الربع الثالث التي لم تتعد الـ0.2 في المائة، ولم تكن نسبة الارتفاع السنوية أقل من 2.31 في المائة، أي منذ الربع الأخير في عام 2008 إلى الربع الأخير من العام الماضي. ولم تتعد هذه النسبة السنوية في الربع الثالث أكثر من 2.02 في المائة.

وحسب الأرقام التي نشرها مؤخرا بنك إندونيسيا، فإن الارتفاع البطيء والمستقر على الأسعار في الربعين الأخيرين من العام الماضي ولأول مرة منذ سنة ونصف السنة تقريبا وبالتحديد منذ منتصف عام 2008، جاء نتيجة ارتفاع المبيعات في القطاعات العقارية المختلفة في الربع الأخير.

وفيما سجلت المباني والعقارات الصغيرة أكبر نسبة ارتفاع على الأسعار من بين شتى أنواع العقارات في الربعين الثالث والأخير من العام الماضي، وكانت نسبة الارتفاع على هذا النوع من العقارات من ربع إلى آخر نحو 0.9 في المائة. أما المنطقة التي ارتفعت فيها الأسعار أكثر من غيرها من المناطق فكانت منطقة «ماكاسار» (Makassar)، حيث وصلت نسبة الارتفاع في الأسعار عن تلك الفترة نحو 2 في المائة (1.89%). وكان الارتفاع في هذا المنطقة أكثر على أسعار العقارات المتوسطة بدلا من الصغيرة، وقد وصلت نسبته إلى نحو 2.35 في المائة.

وأوضح التقرير الأخير لبنك إندونيسيا الذي غطى 14 مدينة في البلاد في الربع الأخير من العام الماضي، أن المؤشر العقاري العام ارتفع إلى 132.79، أي بزيادة كما سبق وذكرنا بنسبة 0.69 في المائة، وقد كانت أعلى من الربع الثالث الذي لم يسجل أكثر من 0.44 في المائة كنسبة ارتفاع (وهي أكثر من أرقام «غلوبال»). ويضيف التقرير أن هذا الارتفاع على أسعار العقارات السكنية بالتحديد يعود في معظمه إلى الزيادة في كميات مواد البناء وارتفاع أجور العاملين في قطاع الإنشاءات والعمارة.

أما الزيادة الملحوظة التي تعرضت لها العقارات السكنية الصغيرة والتي وصلت نسبتها إلى نحو 2.31 سنويا، فقد كانت أقل من نسبة العام الماضي (2.56 في المائة). ورغم نسبة الارتفاع على الأسعار سنويا وربعيا منذ الربع الثالث للعام الماضي تنطبق على جميع أنواع العقارات، فإن العقارات الصغيرة كانت في رأس حربة النمو والارتفاع، حيث وصلت نسبة النمو في القطاع إلى أكثر من 3.14 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي.

وكان أكثر الأقاليم نموا على هذا الصعيد إقليم بونتياناك (Pontianak)، حيث وصلت نسبة النمو هناك أكثر من 3.54 في المائة، أما في قطاع العقارات المتوسطة فوصلت نسبة النمو إلى الـ6.6 في المائة سنويا.

وفي منطقتي جابوديبيك وبانتين نمت الأسعار بنسبة 2.61 في المائة سنويا (الربع الأخير 2009) أي أقل بكثير من نسبة النمو في الفترة نفسها من العام السابق أي الربع الأخير من عام 2008. ويتوقع بنك إندونيسيا في تقريره الأخير أن تواصل الأسعار في البلاد نموها في الربع الأول من هذا عام (2010) ويتوقع للأسعار أن تنمو هذا الربع الأول بنسبة لا تقل عن 0.55 في المائة، وأن تكون أكبر نسبة ارتفاع في منطقة لامبونغ (2 في المائة تقريبا). كما يتوقع أن يطال الارتفاع هذه السنة أيضا منطقتي بانتين وجابوديبيك.

وحول المبيعات العقارية، تشير الأرقام الأخيرة، إلى أن عدد المبيعات العقارية في الربع الأخير من العام الماضي ارتفع بنسبة 0.42 في المائة (العقارات المتوسطة سجلت نسبة قدرها 0.57 في المائة أما العقارات الصغيرة فقد سجلت نسبة 0.39). وقد تزامن الارتفاع في عدد مبيعات العقارات المتوسطة والصغيرة في الوقت نفسه الذي ارتفع فيه الطلب على هذا النوع من العقارات. ويعتبر هذا الطلب هو الأعلى في البلاد ومن بين جميع أنواع العقارات منذ أكثر من سنة.

ويبدو أن هناك استقرارا بين العرض والطلب في الأسواق العقارية في إندونيسيا بشكل عام. وأن هذا الاستقرار سيستمر أيضا خلال العام الحالي، وبالتأكيد في الربع الأول.

أما حول العاصمة جاكارتا فقد أشارت الأرقام الأخيرة لـ«كوليارز إنترناشيونال»، أن أسعار الطلب في المدينة لا تزال على حالها منذ الربع الثالث في عام 2008، إذ لا يزال معدل سعر المتر المربع فيها 1.2 ألف دولار. وهو أقل معدل للأسعار في القارة الآسيوية حتى الآن حسب مؤشر «غلوبال باربارتي»، بعد ماليزيا. وقبل ذلك تأتي الفيلبين بسعر ألفي دولار، وتايلاند وكمبوديا وقبلهما الصين بسعر 2.8 ألف دولار. ويأتي على رأس اللائحة بالطبع سنغافورة بسعر 11.3 ألف دولار، وفي المرتبة الثانية الهند بسعر 9.54 ألف دولار وفي المرتبة الثالثة تايوان بسعر 3.9 ألف دولار.

وكانت أسعار العقارات، وخصوصا الفاخرة، في العاصمة جاكرتا ارتفعت قبل ذلك عام 2007 بنسبة لا تقل عن 9 في المائة نتيجة النمو الاقتصادي الكبير آنذاك، رغم أن أسعار العقارات على المستوى الوطني تتراجع بنسبة 5.8 في المائة سنويا.

وتشير الأرقام الاقتصادية الأخيرة التي نشرتها المؤسسات الرسمية والخاصة في إندونيسيا وأوروبا، إلى أن الاقتصاد الإندونيسي نما بنسبة 6 في المائة تقريبا بين عام 2005 وعام 2008. كما نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.3 في المائة في العام السابق (أي 2007)، وهي أعلى نسبة نمو منذ عام 1997، أي منذ 10 سنوات. لكن يتوقع لهذا النمو أن يتراجع هذا العام (2009) ليصل إلى 4 في المائة. وهي نسبة عالية مقارنة ببعض الدول المجاورة التي يشهد بعضها انكماشا اقتصاديا على خلفية الركود العامي وتراجع حجم الصادرات والنشاط التصنيعي.

وكانت إندونيسيا شهدت استقرارا ملحوظا ومهما على الصعيد الاقتصادي منذ الأزمة المالية الآسيوية، ونما الاقتصاد بعدها، وخصوصا بين عامي 2000 و2003 بنسبة لا تقل 4.6 في المائة، وبنسبة 5.4 في المائة بين عامي 2004 و2006، وبنسبة 6.2 في المائة بين عامي 2007 و2008.

ومع هذا يتساءل الخبراء لماذا لا يزال النمو على الأسعار بطيئا على استقراره رغم أن الأسواق العقارية لم تتعرض للانهيار كما حدث في بعض الدول الآسيوية خلال السنوات القليلة الماضية، وأن النمو الاقتصادي في البلاد كان ممتازا العام الماضي.

ويبدو أن المعوقات أمام تملك الأجانب أهم العوامل الأساسية والجوهرية التي تعوق نمو هذه السوق المستقر من الأسواق العقارية الآسيوية، وتجعل من نسب النمو نسبا عالية تجذب المستثمرين وتتناغم مع الحجم الكبير من النشاط العمراني في البلاد.

وعلى الرغم من النمو الاقتصادي الكبير، فإن مؤشر أسعار العقارات الإندونيسي كان أقل بنسبة 50 في المائة عما كان عليه عام 1994، ويعيد البعض أسباب ذلك في معظمها إلى نسبة التضخم في البلاد. ومع هذا فقد تراجعت نسبة التضخم من 58 في المائة عام 1998 إلى 20 في المائة عام 1999 و3.8 في عام 2000. أما في عامي 2001 و2002 فقد عادت وارتفعت لتصل إلى 11 في المائة ولتستقر على 6 في المائة عام 2004. وبعدها عادت إلى 10 في المائة العام التالي (2005) وتراجعت إلى 6.2 في المائة عام 2007 قبل أن تعاود ارتفاعها عام 2008 إلى 9.8 في المائة. وبسبب هذا التضخم ذاته يلجأ الأغنياء في جميع أنحاء البلاد تعويضه بشراء المزيد من العقارات على عكس الطبقة العاجزة عن القيام بذلك وبالتالي تحريك الأسواق أكثر.

كما يعيد البعض أسباب عدم ترجمة النمو الاقتصادي في البلاد إلى طفرة عقارية ونمو ممتاز إلى أسعار العقارات مقارنة ببعض الدول الأخرى، إلى الكمية الكبيرة من المشاريع والنشاط العمراني. فقبل الأزمة المالية الآسيوية - حسب أرقام «كوليارز» - ارتفع الطلب على الشقق السكنية، وفي جاكرتا من 6 آلاف عام 1996 إلى 18 ألف شقة عام 1997. وتم بناء 9500 شقة جديدة عام 2004 في العاصمة جاكرتا مما رفع عدد الشقق المتوفرة في المدينة إلى أكثر من 31 ألف شقة آنذاك. أما عام 2005 و2006 فقد تم إضافة 10 آلاف شقة جديدة إلى الأسواق، وفي عام 2007 انفجر الوضع وارتفع عدد الشقق الجديدة إلى 16 ألف شقة مما جعل ما هو متوفر في الأسواق أكثر من 57 ألف شقة أو عقار. وقد وصل عدد الشقق السكنية المتوفرة في الأسواق في العاصمة في الربع الأخير من العام الماضي إلى نحو 80 ألف شقة أو عقار، ويتوقع أن يصل الرقم إلى 120 ألف عند نهاية عام 2011.

ويتوقع بعض الخبراء أن تؤثر هذه النسبة من الارتفاع على عدد الشقق السكنية المتوفرة في الأسواق في العاصمة إلى ترطيب الأسعار وربما تراجعها مع الوقت إذا لم تتراجع تكلفة القروض العقارية وترتفع نسبة المستثمرين الأجانب وفتح الأسواق على أنواعها أمام الأجانب بشكل عام. على أي حال فإن إندونيسيا منهمكة في نموها الاقتصادي وتغيير معالمها الصناعية والإنتاجية، ولن تقلق كما يبدو من نسب النمو البطيئة على أسعار العقارات في ظل ما يحدث من فوضى في الكثير من الأسواق العالمية.