البنوك تفضل المستثمر على المشتري بغرض السكن

قواعد الاستثمار العقاري بغرض التأجير تتغير

الاستثمار العقاري يحافظ على قيمته أفضل من أنواع الاستثمار الأخرى
TT

لم تعد البنوك تنظر بشك إلى المستثمر العقاري وتعامله كمستثمر من الدرجة الثانية كما كانت تفعل في الماضي، ومع الانفتاح البطيء لأسواق الائتمان مرة أخرى تتعامل البنوك مع المستثمر العقاري بصورة أفضل بالمقارنة مع المشتري الجديد الذي يبحث عن موطئ قدم في سوق العقار بغرض السكن.

وحتى وقت قريب، كانت البنوك تفرض رسوما إضافية على قروض شراء العقارات بغرض التأجير تزيد بنسبة واحد في المائة على الأقل على القروض الإسكانية للمشترين الجدد أو المنتقلين من عقار سكني لآخر، وكان تعليل هذه التفرقة في المعاملة هو أن مخاطر الاستثمار العقاري أكبر من الاستخدام للسكن، بسبب توسع بعض المقترضين عشوائيا وامتلاكهم لعدد كبير من العقارات، ولأن أسواق الإيجار ليست مضمونة مع احتمالات متزايدة لإفلاس هذا النوع من المستثمرين.

الآن، تغير الوضع وتفضل البنوك هذا النوع من المستثمرين على المشترين الجدد، وتقدم لهم امتيازات أفضل من صغار المشترين، فهي لا تشترط مثلا دفع ربُع الثمن مقدما لشراء عقار، كما لا تفرض أي زيادات على فوائد القروض، بل تطرح لهم نسبا أقل لإغرائهم، وأدت التوجهات الجديدة للبنوك إلى توسع الاستثمار العقاري بغرض التأجير في بريطانيا كأحد أهم ركائز السوق حاليا، ولكن هذا الوضع يزيح من السوق شريحة المشترين الجدد بغرض الإقامة في العقارات، بسبب صعوبة الحصول على التمويل اللازم، وعدم كفاية مدخراتهم لسداد نسب عالية من ثمن العقارات تشترطها البنوك حاليا، وكما سبق ونشرت «الشرق الأوسط» تتوجه السوق البريطانية حاليا نحو نمط مشابه للأسواق الأوروبية الأخرى بالاعتماد على التأجير للجيل الجديد وترك الاستثمار العقاري للمحترفين.

من بين أفكار الاستثمار الجديدة التي ظهرت في مجال تأجير العقار، تكوين شركات أو سنديكات تجمع استثمارات فردية في مجموعات تشتري بها عقارات تؤجرها ثم توزع عوائد الأرباح على المشاركين، وتوفر هذه السنديكات حاليا عوائد أعلى مما يتاح من أغلب الاستثمارات الأخرى سواء في البورصة أو في ودائع حسابات التوفير، ويقول ألن فورسايث مؤسس واحدة من هذه الشركات، إنه يركز على قطاع المدخل الذي يقل فيه السعر عن 200 ألف إسترليني، لكي يضمن أعلى العوائد الإيجارية، وهو يعطي المستثمر الجديد في هذا المجال الكثير من الأفكار الجيدة حتى يكون استثماره مربحا، وتستثمر شركة «فورسايث» داخل وخارج بريطانيا، خصوصا في الأسواق الناشئة، وهو يؤكد أن قواعد الاستثمار العقاري الناجح واحدة في كل الأسواق مع بعض الفوارق المحلية، وتعمل شركته من دون الحاجة إلى الإعلان عن طريق إبلاغ المستثمرين لغيرهم عن أسلوب الاستثمار الفريد.

من هذه الأفكار، ضرورة البحث عن العقارات منخفضة الثمن التي لا تحتاج إلى الكثير من التمويل في عملية إعدادها للإيجار، ويتركز البحث أيضا عن العقارات جيدة الموقع من وجهة النظر الإيجارية، وتبحث الشركة عن العقارات التي تقدم في مجملها قيمة ذاتية جيدة لتحقيق أرباح في حالات إعادة البيع، وتضع الشركة حساباتها على أساس تقدير القيمة الإيجارية للعقار وحساب قيمة العقار الإجمالية بحيث لا تقل القيمة الإيجارية السنوية عن نسبة 7 في المائة من قيمة العقار.

ولا تقول الشركة إن مثل هذه المهمة سهلة في المناخ الحالي الذي لا توفر فيه أفضل حسابات التوفير عوائد أكثر من 3 في المائة سنويا، ولكن الشركة تعتمد على العمل السريع لخطف مثل هذه العقارات لدى طرحها في السوق لأنها لا تبقى معروضة للبيع طويلا، وهو ينصح المستثمر في هذا المجال باتباع المنطق والعقلانية فلا يبحث عن عوائد خيالية تزيد عن 10 في المائة ولا يتوقع أن تكون قيمة العقارات المعروضة للبيع مخفضة بأكثر من هذه النسبة أيضا.

وفي الأسواق العالمية، يتركز البحث عن الأسواق الناشئة مع حساب كافة التكاليف غير المتوقعة مثل الضرائب وعمولات الشراء وغيرها، ومقارنة التكاليف بالعوائد الإيجارية، وباتباع القواعد نفسها وجدت الشركة أن بعض أفضل الفرص متاح في مواقع غير معتادة مثل الجمهورية التشيكية وبولندا وألبانيا.

ولا ينصح المستثمر فورسايث الارتباط بأي شركة تطوير عقاري للشراء من على الخريطة، لأن مثل هذا الأسلوب انتهى مع نهاية الطفرة، والأسلوب الأمثل حاليا هو الدراسة المتأنية لحسابات العائد والتكلفة وشراء العقار الذي يوفر عائدا إيجابيا واضحا، بل إنه لا ينصح بالتعامل مع أي شركة تطوير عقاري غير معروفة، فلا بد أن يكون للشركة سجل ممتاز في التطوير وفي التعامل مع عملائها.

ويقول مستثمر عقاري آخر هو جوزيف تان من كوالالمبور (ماليزيا) إن هناك بعض الأخطاء الواضحة التي يقع فيها المستثمر العقاري ويمكن تجنبها ببساطة، من هذه الأخطاء ما ارتكبه تان بنفسه بشراء مجموعة من منافذ البيع الرخيصة التي اعتقد أنها تمثل قيمة جيدة، ولكنه فشل في العثور على مستأجرين لأن الموقع سيئ، كما فشل في بيع الموقع على الرغم من محاولات مستميتة استمرت عدة سنوات.

وهو ينصح بعدم الشراء بناء على «مطبوعات» مصقولة وخلابة، لأن المشتري لا يشتري البروشور وإنما العقار الفعلي الذي يكون في العادة مختلفا عما هو مرسوم على الورق، وهو يضيف نقطة تبدو أساسية لجميع مستثمري العقار وهي ضرورة اختيار الموقع الجيد، فمن دون الموقع الجيد سوف يكون من الصعب إيجاد المستأجرين للعقار وأيضا إعادة بيعه.

وسواء دخل المستثمر إحدى السنديكات أو فضل الاستثمار المنفرد فهناك الكثير من الاستراتيجيات التي يمكن أن يتبعها وفقا لظروفه الخاصة، فأحد كبار المستثمرين يقول إنه يشتري عقارات كل عام أو عامين في المتوسط، وإنه لا يدفع من قيمة العقار أكثر من 25 إلى 30 في المائة، وقبل الشراء يبحث المستثمر في المنطقة لمعرفة معدلات الإيجار فيها وحجم الطلب، على أساس أن الإيجار هو أساس دفع أقساط القروض العقارية، ويرى أن من الضرورة الحصول على قرض عقاري مرن يمكن معه زيادة دفع الأقساط أو تخفيضها وفقا للظروف ومن دون جزاءات مالية، ولا يستخدم هذا المستثمر أي نسبة من الإيجار لنفسه بل يعيد ضخها لدفع قيمة العقار في أقصر مدة ممكنة، لكي يعيد الكرة مع عقار آخر، وهو يقول إنه لا يشتري لكي يؤجر وإنما يشتري لكي يمتلك، وهو لا يهتم بتقلبات السوق لأن يشتري للمدى البعيد كما يختار نوع القروض العقارية التي تدفع أصل الثمن بالإضافة إلى الفوائد وليس الفوائد فقط، ومثل هذا الأسلوب يزيد من نسبة الملكية تدريجيا ويحصن المستثمر ضد تقلبات أسعار العقار مهما كانت متغيرات السوق.

وتقدم شبكة الاستثمار العقاري (propertyinvesting.net) بعض نصائحها للمستثمرين الجدد في مجال الشراء بغرض التأجير، ومن أهم النقاط التي يوضحها الموقع أن الاستثمار العقاري في الوقت الحاضر هو أفضل أنواع الاستثمار بالمقارنة مع البدائل المالية الأخرى، وهو استثمار يحافظ على قيمته وله عوائد عالية ومستقرة (الإيجار) ويمكن توكيل إدارته إلى شركات عقار متخصصة، من دون ضغوط على وقت المستثمر أو جهده، وهناك دوما نقص في إمدادات العقار، بما يعني أن الأسعار سوف تصعد على المدى البعيد، بغض النظر عن التقلبات الموسمية بين الكساد والانتعاش.

وعن أفضل أنواع العقار المناسب للتأجير يقول الموقع إن الجهة الأولى التي يجب أن يتوجه لها المستثمر هي شركات التأجير المحلية، وسؤالها عن أفضل العقارات التي تلقى طلبا عاليا على إيجارها في المنطقة، ويجب حساب معايير الإيجار بدرجة مختلفة عن التفضيل الشخصي، فالشقق القريبة من المواصلات العامة أفضل من الشقق الفاخرة المعزولة نسبيا، والمنازل متعددة الغرف القريبة من الجامعات لها سوق أفضل من المنازل الكبيرة في مدن أخرى، لأن معظم المستأجرين يفضلون المنازل الصغيرة، وهكذا، ولكل منطقة ظروفها المختلفة عن غيرها، التي يجب دراستها عن كثب قبل اتخاذ قرار الاستثمار.

ويفضل البعض الاستثمار في المناطق القريبة من محل إقامته، بينما يلجأ البعض الآخر إلى المناطق البعيدة ويعهد بإدارة العقارات إلى شركات محلية متخصصة، وترتفع تكلفة إدارة العقارات عن بعد، ولكنها تزيل عن كاهل المستثمر الكثير من أعباء الإدارة والصيانة.

وتوفر البنوك الآن نسبة 85 في المائة من تكاليف الاقتراض لشراء عقار بغرض التأجير (مقابل 25 في المائة مطلوبة من المشترين بغرض السكن)، وتحدد البنوك بعض المعايير التي تستخدمها في هذا النوع من الإقراض، مثل قيمة الإيجار المحتمل، ويجب أن تكون قيمة هذا الإيجار بنسبة 125 في المائة على الأقل زيادة على قيمة أقساط القرض العقاري، كما تشترط البنوك تقييم العقارات من جهات محايدة، وتقرض بناء على هذه القيمة، التي يمكن أن تكون أقل من قيمة السعر المعلن للعقار والمطلوب من المشتري.

وبالإضافة إلى قيمة العائد الإيجاري تأخذ البنوك في الاعتبار أيضا أصول المستثمر ومصادر دخله الأخرى، وحجم الديون المتراكمة عليه إذا كان يمتلك محفظة عقارية، وبوجه عام، لا تحبذ البنوك أن تكون نسبة الديون العقارية أكثر من 70 في المائة من قيمة العقارات، كما ترفض الإقراض إذا كان المستثمر يعاني من قرض عقاري واحد أعلى في قيمته من قيمة العقار حتى لو كان يمتلك عدة عقارات أخرى، وتؤكد بعض البنوك البريطانية أنها مستعدة للإقراض بغرض الاستثمار العقاري للبريطانيين غير المقيمين أو الأجانب المقيمين بصفة شرعية في بريطانيا.

ولا يقتصر الاستثمار بغرض التأجير على بريطانيا بالطبع، فهناك الكثير من المواقع التي يذهب إليها المستثمر داخل وخارج أوروبا، وتعتمد توجهات الاستثمار على تفاعل العرض والطلب في مواقع الاستثمار ومدى جاذبية هذه المواقع للسياحة الصيفية والشتوية، وأحيانا على مدار العام، وأسعار العقارات حاليا وتوقعات زيادة القيمة في المستقبل، من العوامل المساعدة أيضا سهولة المواصلات والاتصالات في الموقع ونوعية المناخ والموقع الجغرافي القريب من المدن أو التجمعات السكانية. ويدخل المستثمر في حساباته مخاطر قيمة العملة ومدى استقرار اقتصاد الدولة التي يقع فيها العقار، وأخيرا قيمة الإيجار المتوقع من العقارات.

أفضل الوسائل لدفع القروض العقارية مبكرا

* على الرغم من تغير قواعد اللعبة واعتراف البنوك بقيمة الاستثمار العقاري بغرض التأجير وتفضيله على المشترين الجدد بغرض السكن، فإن التعامل مع البنوك يبقى صعبا، ولا بد من اكتساب بعض الخبرة في التعامل معها، فمعظم البنوك تقدم أفضل شروطها للعملاء الجدد فقط، والحل هو عدم الاعتماد على بنك واحد طوال فترة القرض العقاري، والبحث دوما عن أفضل الفرص، خصوصا لو كانت البنوك المقرضة سوف تتحمل التكاليف الإضافية المصاحبة لنقل القرض، فحتى هوامش الفائدة البسيطة يمكنها أن توفر مبالغ طائلة على فترات طويلة.

من الأساليب الأخرى المتبعة، تطوع المقترض بدفع مبالغ إضافية لسداد القرض كلما أتيحت له الفرصة لتقصير فترة القرض. وتتيح بعض البنوك هذا بلا جزاءات مالية، بينما تشترط بنوك أخرى ألا تزيد المدفوعات الإضافية عن نسبة 10 في المائة سنويا، وهناك أيضا أنواع من الحسابات تسمى «أوفست» تتيح للمقترض أن يجمع كل رصيده وديونه في حساب واحد، لخفض تكاليف الفائدة عليه، ولكن مثل هذا الحساب يجب دراسته بدقة، لأنه لا يصلح في جميع الحالات.

وأخيرا، يجب على المقترض أن يكتسب الخبرة اللازمة لكي يعرف متى يختار القروض ذات الفوائد الثابتة (عند توقع ارتفاع أسعار الفائدة في المستقبل)، ومتى يختار الفائدة المتغيرة في الحالات العكسية، والكثير من المستثمرين في بريطانيا لا يدفعون اليوم أكثر من 1.5 إلى 2 في المائة من الفوائد على أقساط قروضهم العقارية، لأنهم ربطوها بسعر الفائدة الأساسي في الوقت المناسب وقبل الأزمة الاقتصادية التي هبطت بسعر الفائدة الأساسي في بريطانيا إلى نصف في المائة.