أسواق العقار «المتقلبة» بجنوب شرقي آسيا تسعى لـ«إغراء» المستثمرين الأجانب

العقارات الفاخرة في الفيلبين وهونغ كونغ من عناوينها البارزة

جانب من هونغ كونغ التي شهدت ارتفاعا قياسيا في أسعار العقارات خصوصا الفاخرة («الشرق الأوسط»)
TT

في منطقة جنوب شرق آسيا الكثير من الأسواق العقارية الهامة من الناحية الاستثمارية - كما هو الحال مع اقتصادات المنطقة الهامة والصاعدة التي بدأت تترك بصماتها على في الكثير من الدول كماليزيا وإندونيسيا وانتهاء بفيتنام وتايوان والفيلبين وهونغ كونع وتايلاندا وكوريا الجنوبية وغيرها. لكن هذه الأسواق تشهد تغيرات وتقلبات كثيرة منذ سنوات وتحاول أن تنفتح على العالم وتستقطب أكبر عدد من المستثمرين من الخارج، ومن هذه الأسواق المتفاوتة في الحظوظ هونغ كونع والفيلبين القريبتين كلتاهما من الأخرى.

وقد أشارت معظم التقارير الأخيرة إلى أن التحسن الاقتصادي في هونغ كونغ تواصل مما ساعد خلال الأشهر الستة الماضية على تحسين أوضاع الأسواق العقارية. ورغم أن قطاع الخدمات التجارية لا يزال يعاني قليلا من الركود والانكماش الذي جاء بعد الأزمة المالية العالمية، فإن قطاع التصدير تحسن كثيرا في النصف الثاني من العام الماضي. وجاء ذلك إضافة إلى الطفرة العقارية الجديدة على خلفية التعافي الكبير الذي شهده قطاع المال في الجزيرة الأم. وتحسن معدل تراجع الصادرات منذ النصف الثاني للعام 2008 إلى النصف الثاني من العام الماضي (2009) من -5.7 إلى -0.9 في المائة.

لكن تحسن الشهية الاستهلاكية ومعدلات البطالة، أسهمت في إخراج الجزيرة من الركود وتحسين حظوظ أسواق العقار وخصوصا الفاخر.

على أي حال فقد أشارت الأرقام الأخيرة إلى أن أسواق الاستثمار العقاري لم تعكس في تحسنها ارتفاعا في عدد الصفقات في القطاعات العقارية كلها أكان ذلك على صعيد السكن أم الصناعة أم الإيجار أم التجاري. وأن المستثمرين الأغنياء الذين يملكون الكثير من السيولة لا يزالون يسيطرون على أسواق الاستثمار العقاري في هونغ كونغ وأن الوحدات والمحلات التجارية في المناطق المزدحمة والمحلات الأرضية الأكثر جذبا لهؤلاء المستثمرين الباحثين عن عائدات كبيرة خلال فترات قصيرة.

وقد ارتفعت أسعار العقارات الفاخرة في الجزيرة منذ النصف الثاني للعام الماضي بنسبة قريبة من 10 في المائة، رغم أن عدد الصفقات نفسها لم يرتفع في نفس الفترة، بل تراجع قليلا في الربع الأخير من العام الماضي. ويتوقع أن تتواصل شهية المستثمرين الأجانب ومن الوطن الأم والمستثمرين المحليين هذا العام على العقارات النوعية والهامة والتي عادة ما تكون قليلة في الأسواق.

أما على الصعيد العقاري الصناعي فقد أكدت كوليارز الدولية أن سوق الإيجار لا تزال ضعيفة نتيجة الانكماش الذي حصل على قطاع التصدير قبل ذلك ورغم تحسن الوضع الاقتصادي. لكن الكثير من الشركات تحاول استغلال الوضع وتراجع معدلات الإيجار للإنتقال إلى مكاتب ومراكز أفضل من ناحية الخدمات أو بكلام آخر تحسين موقعها العقاري وأهمية المنطقة التي تعمل فيها.

بشكل عام يتوقع أن يكون الأداء العقاري في الجزيرة لهذا العام أفضل من العام الماضي، رغم الكثير من المحاذير وعلى رأسها سهولة تحرك ونقل الأموال من الجزيرة وإلى الخارج وخصوصا الوطن الأم، واحتمال عودة معدلات الفائدة إلى سابق عهدها أو ما كانت عليه قبل أزمة الائتمان الدولية، يتوقع أن يكون النمو في الأسواق العقارية السكنية خلال هذا العام أيضا بنسبة 10 في المائة.

وحسب أرقام مكتب التسجيل العقاري في هونغ كونغ، فإن عدد الصفقات العقارية بشكل عام في الجزيرة وخصوصا العقارات السكنية قد تراجع بنسبة 17 في المائة من ربع إلى آخر في الربع الأخير من العام الماضي. وقد وصل العدد إلى 30.7 ألف صفقة. وكانت مؤسسة «غلوبال» في تقرير سابق حول أسواق العقار السكنية في الجزيرة أن الأسعار في الجزيرة ارتفعت بنسبة لا تقل عن 71 في المائة من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1995 وأكتوبر عام 1997. لكن بعد الأزمة المالية الآسيوية المعروفة تراجعت بشكل كبير خلال 1997 - 1998. ووصلت نسبة التراجع إلى 40 في المائة عندها. وكان للتدخل الحكومي في الأسواق، وهو ما يحصل عادة في هونغ كونغ، دور في ذلك في هذه الفترة والفترة اللاحقة في عام 2003 عندما تراجعت بنسبة أكبر لا تقل عن 61 في المائة. وقد كانت الحكومة في الجزيرة قد وعدت قبل ثلاثة عشر عاما أي عام 1997 ببناء ما لا يقل عن ربع مليون عقار جديد قبل عام 2007. وكما سبق وذكرنا فإن هذا أحد العوامل التي تسهم في عدم استقرار سوق العقار في الجزيرة التي تعتبر من المراكز المالية الدولية الهامة على الكثير من الصعد التجارية. لكن تراجع الأسعار الحاد عام 2003 لم يطُل واستعادت الأسعار أنفاسها من جديد وارتفعت عام 2005 بنسبة لا تقل عن 63 في المائة. وبين 2005 و2006 كانت الأسواق أكثر ركودا تبعه ارتفاع على الأسعار حتى منتصف عام 2008 وبنسبة لا تقل عن 33 في المائة.

من الأسواق العقارية الهامة والممتازة والمغمورة في نفس الوقت في القارة الصفراء في آسيا هي أسواق العقار في الفيلبين. وقلما كان يجري الحديث عن هذه الأسواق دون الحديث عن الاستقرار السياسي والأمني كما هو حال الكثير من الدول الآسيوية التي تتمتع باقتصادات ممتازة وتشهد تطورات اقتصادية هامة في السنوات القليلة الماضية.

على أي حال فقد أشارت معظم التقارير الأخيرة بشأن أسواق العقار في البلاد، أن أداء الاقتصاد الفيلبيني يعد النصف الثاني من العام الماضي (2009) كان ممتازا مع ارتفاع المعدل الاستهلاكي العام والعائدات المالية التي يرسلها أبناء الفيلبين الذين يعيشون في الخارج وخصوصا دول الجوار الآسيوية النشطة والخليج العربي والولايات المتحدة الأميركية.

ويتوقع أن يسهم هذا رغم انخفاض عائدات الضرائب الحكومية ما يسبب مشكلة للعجز في الميزانية العامة، في تعزيز الاستثمارات الحكومية والخاصة وتحسين سمعة الاقتصاد الفيلبيني في الخارج.

وعلى الصعيد العقاري تشير بعض الأرقام الحكومية والخاصة المتوفرة، أن أسعار الأراضي لا تزال تتراجع بسبب انخفاض معدل الإيجارات بشكل عام من منتصف عام 2008 حتى الآن. إلا أن نسبة الصفقات العقارية التي شهدها النصف الأول من العام الماضي ارتفعت بمعدل 3.2 في المائة من 238 ألف وحدة سكنية إلى 245.7 ألف وحدة سكنية.

وعلى الصعيد السكني بشكل خاص، وبسبب ارتفاع الطلب على العقارات المعروفة بالكوندومينيوم في وسط العاصمة مانيلا وبالتحديد في منطقة ماكاتي المعروفة دوليا، هناك مشروعات لبناء أكثر من 5 آلاف وحدة خلال السنوات الاربع المقبلة. وقد تراجعت نسبة هذه الوحدات المتوفرة في الأسواق من 8.8 في المائة إلى 8.1 في المائة في الربع الأول من العام الماضي، رغم أنها من العقارات المطلوبة والمرغوبة من المواطنين والأجانب والفيلبينيين الذين يعيشون في الخارج. كما ازدادت هذه الوحدات الفاخرة المتوفرة في الأسواق في نفس الفترة بنسبة لا تقل عن 4.5 في المائة بسبب ارتفاع الطلب على الوحدات الصغيرة.

وفيما يشهد قطاع تأجير الشقق والعقارات السكنية في العاصمة بشكل خاص تصحيحا بطيئا، لا يزال معدل سعر المتر المربع في عقارات الكوندومينيوم ألفين دولار أو أكثر قليلا، لكنه لا يزال أقل مما كان عليه قبل عام من الآن، ومع هذا يتوقع أن ترتفع الأسعار مع دخول عقارات جديدة على السوق وارتفاع الطلب والتنافس عليها.

ويقول تقرير خاص لمؤسسة «كوليارز» الدولية بهذا الخصوص إنه لن يتم الانتهاء بالعمل على المشروعات الخاص بهذه الوحدات العقارية الهامة هذا العام رغم أنه يتوقع أن يتم الانتهاء من العمل في خمس مشروعات هامة وسط مانيلا قبل نهاية العام المقبل (2011). ومن هذه المشروعات، مشروع «رافلز ريزيدانس» الفاخر. ويبدو أن الشركات بدأت تخطط بشكل دقيق وللمستقبل في منطقة ماكاتي في العاصمة حيث تم الإعلان عن مشروعين جديدين منذ فترة، ويتوقع أن يتم الإعلان عن المزيد هذا العام والعام المقبل، إذ يعتمد الأمر على الأداء الاقتصادي وقدرة الكثير على الشركات من الصمود بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة. والمشروعان اللذان تم الإعلان عنهما يعودان إلى شركتَي «روبينسن لاند كوربوريشين» (Robinsons Land Corporation) و«ميغاوورلد كوربوريشين» (Megaworld Corporation).

والأهم من هذا أنه خلال السنوات القليلة المقبلة يتوقع أن يتم الانتهاء من العمل في بناء ما لا يقل عن 20 ألف وحدة كوندومينيوم في منطقة مترو ميلان في العاصمة.

ورغم أن شاغرية العقارات وخصوصا الفاخرة لا تزال أقل من 10 في المائة فإن سوق الإيجار ومعدلاتها لا تزال في حالة من حالات التصحيح، إذ كانت قد تراجعت بنسبة لا تقل عن 2.4 في المائة خلال السنة الماضية.

ونتيجة الحركة التي تشهدها ماكاتي، تشير كوليارز إلى أن إيجار الوحدات السكنية التي تتألف من ثلاث غرف نوم تراجع في الفترة الأخيرة وخصوصا في «روكويل سنتر». لكن نفس الأسعار لم تتراجع في «بونيفاشيو غلوبال سيتي»، وتحاول استعادة أنفاسها واستقرارها.

على أي حال فإن أسواق العقار في هونغ تختلف كثيرا عن أسواق العقار في الفيلبين وغيرها من دول منطقة جنوب شرق آسيا كإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، إذ لا تزال من أغلى مناطق العالم ويصل معدل سعر المتر المربع في بعض المناطق الهامة إلى 15 ألف دولار. وفيما تعتمد الأسواق في هونغ كونع على أموال الأغنياء الصينيين هذه الأيام، تبقى الفيلبين أيضا معتمدة على أموال مغتربيها الذين يعيشون في الخارج وحركتهم الداخلية أي باتجاه الوطن.

كما يبقى التركيز في الفيلبين على العاصمة مانيلا والوسط التجاري أو الدولي الذي يقدم معظم الخدمات للأجانب والسفارات الأجنبية والسكن الغالي الثمن والفاخر لمديري الشركات الأجنبية. ورغم وجود الكثير من الخطط الحكومية لتطوير القطاع العقاري وتطوير البنى التحتية في المدن الفرعية الأخرى والمناطق الداخلية والريفية، فإن البنى التحتية العقارية لا تزال فقيرة بشكل عام وتحتاج إلى ثورة للتمكن من الالتحاق بمثيلتها في المنطقة وآسيا بشكل عام.