هروب من أوروبا الشرقية إلى مناطق خارج اليورو

أزمة اليورو تعصف بأسواق العقار الأوروبية

النشاط العقاري في شرق أوروبا استفاد من أزمة اليورو
TT

قبل عامين فقط كان أمل معظم الدول الأوروبية الشرقية هو الالتحاق بقطار اليورو لاعتقادها أن العملة الأوروبية الموحدة من شأنها أن تمنحها حماية نقدية وغطاء اقتصاديا وتوفر لها عضوية أكبر ناد مالي في العالم. ولكن ما إن انفجرت أزمة الاقتصاد اليوناني التي عصفت باليورو كعملة مستقرة وهددت كل الدول التي تستخدمه حتى ولو كان اقتصادها سليما، حتى أعادت دول شرق أوروبا حساباتها على أساس التريث في دخول نادي اليورو.

وأثار تعليق المسؤول الألماني كارل هاينز دوبه المزيد من المخاوف عندما صرح في الأسبوع الماضي أن أي دولة عضو في مجموعة اليورو تعلن إفلاسها معناه نهاية تجربة اليورو بعد 10 سنوات من بدايتها. فهذا، على حد قوله، سوف يؤدي إلى انهيار النظام كله.

وفيما يتعلق بالاستثمار العقاري كانت النظرة التقليدية هي أن أسواق اليورو من اليونان وإسبانيا والبرتغال وحتى أيرلندا توفر الحماية للقيمة والسيولة أكثر من أسواق عشوائية تقع خارج نطاق اليورو في شرق أوروبا مثل بولندا والجمهورية التشيكية. ولكن بعد أزمة اليونان تغيرت المعادلة وأصبحت الأسواق التي تقع خارج منطقة اليورو أكثر جاذبية للمستثمر من تلك التي تقع داخله.

ويقول مدير شركة «كنغ ستورج» العقارية في براغ إن الاستثمار العقاري في الجمهورية التشيكية في الماضي كان مضاربة من مستثمرين يستخدمون السوق من أجل القفز إلى أسواق أكثر خطورة في شرق أوروبا مثل أوكرانيا. ولكن الآن فإن معظم المضاربين عادوا إلى بريطانيا بينما يشتري في الجمهورية التشيكية من يريد البقاء مع استثماره عدة سنوات. وفيما تراجعت الأسواق التشيكية في العام الأخير بنسبة نحو 5 في المائة، إلا أنها في وضع قوي الآن مع توقع عودة النمو.

والسبب في ذلك هو أن الأسواق التشيكية لم تشهد فورة العقار التي شهدتها أسواق أخرى مثل إسبانيا أو أيرلندا ولذلك لم تتراجع كثيرا عندما وصل الكساد. ولا تزيد النسبة بين قمة السوق وقاعها عن 15 في المائة.

وتتمتع العاصمة براغ بأنها تقع في وسط أوروبا وبها عمالة ماهرة وتصلها رحلات الطيران الرخيص من أنحاء أوروبا. وكانت الجمهورية التشيكية قد خططت للالتحاق باليورو هذا العام، ولكن كل الخطط تجمدت بعد الأزمة اليونانية، خصوصا بعد مشاهدتها متاعب جيرانها الذين تبنوا العملة الموحدة. فجمهورية سلوفاكيا التي دخلت إلى كتلة اليورو عام 2000 تعاني من متاعب التضخم ويذهب منها الآلاف أسبوعيا لقضاء رحلات التسوق في الجمهورية التشيكية والمجر لأنهما خارج منطقة اليورو وأسعارهما أرخص. وترتفع أسعار العقارات أيضا في سلوفاكيا عنها في الدول المجاورة بسبب تأثير اليورو.

والأمر الذي تأكد الآن هو أن اليورو مفيد في حالات الانتعاش التي تعم على جميع الأعضاء، ولكن في أوقات الأزمة التي يتعرض فيها أحد أعضاء النادي إلى المتاعب فإن الآخرين يعانون معه أيضا. وفي مؤتمر يوروموني الذي انعقد في فيينا مؤخرا قال رئيس الجمهورية التشيكية فاكلاف كلاوس، وهو خبير اقتصادي، إن الفترة الأخيرة مرت وكأنها اختبار اقتصادي تقليدي حول فوائد العملة المستقلة لكل بلد على حدة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، لأنها تتيح للدول الكثير من الأدوات المالية والاقتصادية للتعامل مع الكساد، بدلا من التقيد بسياسة واحدة وبعملة جماعية جامدة مثل اليورو.

وأضاف اقتصادي آخر أن النظرة التقليدية من دول شرق أوروبا ما زالت تتلهف على استخدام اليورو تحت الاعتقاد السائد أن الدخول إلى مجموعة اليورو معناه الخطوة الأخيرة من الانتقال من مرحلة الشيوعية إلى الاقتصاد الحر، وكأن اليورو هو مقياس الكفاءة وحسن الإنجاز الاقتصادي في الوصول إلى معايير ماستريخت. ولكن النظرة بدأت تتغير الآن من الجهتين، خصوصا فيما يتعلق بالاستثمار العقاري.

وتبدو مزايا العقار في دول شرق أوروبا الآن مغرية ليس فقط من جهة أنها أرخص من تلك المتاحة داخل منطقة اليورو، ولكن لأن المرونة في التعامل مع الكساد من خارج منطقة اليورو تعني إمكانية العودة السريعة إلى الانتعاش. وفي دول مثل إسبانيا، انهار قطاع العقار فيها ولكنه ما زال مرتبطا باليورو، الأمر الذي يجعل قيمته باهظة للمشتري الأجنبي. وهذا يعرقل عودة القطاع إلى الانتعاش بسرعة على الرغم من تراجع الأسعار المحلية.

ويقول دافيد كوكس من شركة «إنترناشيونال انفستمنت بروبرتي» إن أحد الاعتقادات الخاطئة في السنوات الأخيرة أن مجرد الإعلان عن قرب دخول منطقة اليورو كان معناه الارتفاع الفوري في قيمة العقارات. وحدث هذا في أكثر من بلد. وكان أحد النماذج في قبرص التي ازداد عليها الطلب في العام الذي سبق دخولها إلى منطقة اليورو، ليكتشف المشترون أن الأسعار بقت على حالها. ويشرح كوكس أن جانب المضاربة على دخول منطقة اليورو كان قد تحقق بالفعل في السوق القبرصية قبل دخول الجزيرة إلى مجال اليورو بسنوات. ويضيف أن الأسعار استفادت من الانضمام إلى سوق كبيرة ولكن العوامل المحلية في كل سوق تبقى هي الحكم الأخير في القيمة بغض النظر عن العملة المستعملة.

ولإثبات أهمية العوامل المحلية في تحديد القيمة يقول كوكس إن الاعتقاد الخاطئ عن شرق أوروبا كان بمقارنة أسعارها بأسعار غرب أوروبا والنظر إليها على أنها في المستقبل سوف تكون سوقا واحدة متكاملة. وكان أكبر هذه الأخطاء في بلغاريا التي أقبل عليها الاستثمار بالجملة من الأجانب نظرا لانخفاض أسعارها، وكانت موجات الشراء المتتالية تعتمد على أن الأسعار ترتفع، بينما الأسعار كانت ترتفع بسبب موجات الشراء. وبعد عدة سنوات اكتشف المستثمرون في بلغاريا أن البحر الأسود ليس بحرارة ولا بجاذبية البحر المتوسط على الشاطئ الإسباني.

وكانت النتيجة هي آلاف العقارات الشاغرة التي انخفضت أسعارها الآن إلى ما يقل عن 10 آلاف إسترليني لمن يرغب في الشراء في بلغاريا. وهو ينصح المستثمرين الراغبين في دخول السوق البلغارية أو أسواق شرق أوروبا الأخرى بالتوجه إلى المدن وليس إلى السواحل حيث التعداد المتزايد من صغار السن له تطلعات غربية من حيث أسلوب المعيشة والعقار المطلوب في المدن. وهذا التعداد يضم الطلب العقاري المستمر طوال أشهر العام وليس فقط في مواسم الصيف.

وبالمقارنة مع بلغاريا كانت بولندا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم تدخل مرحلة الكساد وسجلت في العام الماضي نسبة نمو بلغت 1.5 في المائة. وهي تتمتع بتعداد متعلم وبنية تحتية جيدة في العاصمة والمدن الرئيسية. وهي بالإضافة إلى الجمهورية التشيكية والمجر تزداد ثراء، وبها طبقات متطلعة لمستويات معيشة أفضل ويستطيع المستثمر الأجنبي أن يتوقع من هؤلاء عوائد إيجارية مستقرة على استثماره العقاري. وتتبنى هذه الأسواق تدريجيا المعايير القانونية والاجتماعية السائدة في غرب أوروبا، ولذلك فإن الاستثمار فيها أسهل من مناطق جغرافية بعيدة.

أما الخبير العقاري كريغ ثين من شركة «تشسترتون» فيعتقد أن روسيا هي سوق المستقبل. ويقول إن موسكو هي أكبر مدينة أوروبية. وهو يشير إلى أن شركته افتتحت مكتبا في موسكو مؤخرا للاستفادة من السوق الجديدة التي يبدو واضحا فيها أن الروس لديهم الكثير من السيولة، لأن أجورهم عالية ولا يدفعون منها إلا نسبة 13 في المائة ضرائب. ويبلغ تعداد موسكو حاليا نحو 12 مليون نسمة، وهي تختلف عن مدن غرب أوروبا في أن تعدادها ينمو بوتيرة عالية. وما زالت أسعار الخدمات متدنية بالنسبة إلى الأجور مقارنة مع الأسعار المقابلة في أوروبا الغربية. وبوجه عام يمكن اعتبار شرق أوروبا من المناطق الناشئة التي تعتمد على أيدٍ عاملة نشيطة وتبدو جذابة للاستثمار الأجنبي. وحتى مع ظروف الكساد الحالية التي تراجعت خلالها قيمة العقارات بنحو 25 في المائة، فقد ذهبت روح التشاؤم التي عمت هذه المنطقة قبل سنوات وبدأ إنجاز المنطقة يتحسن مع اعتقاد متنامٍ بأن الانتعاش سوف يعود إلى المنطقة بوتيرة أسرع منها في غرب أوروبا.

ويسود الاعتقاد أيضا بين خبراء العقار أن أزمة اليورو الحالية سوف تجعل أسواق العقارات خارج منطقة اليورو أكثر جاذبية، لأنها لا تعاني من مشكلات ديون متراكمة ولا تفتقد إلى المرونة في التعامل مع الموقف. ولا توجد مشكلة ديون حكومية كبيرة في دول شرق أوروبا. ومع ذلك يظل الرأي السائد بين المسؤولين هو أن دول شرق أوروبا لن تؤجل أو تلغي قرار الالتحاق باليورو بسبب أزمة اليورو الحالية، ولكنها قد تتريث في اتخاذ القرار حتى تستقر الأمور. وعلى أي حال لن تتأهل بعض هذه الدول قريبا لأنها ما زالت لا تلبي المعايير المطلوبة للانضمام إلى اليورو.

وفي الوقت نفسه، ما زالت أزمة اليورو مستمرة في جهة تأثيرها على الأعضاء الأضعف في المجموعة الأوروبية. وتعتقد المستشارة الألمانية ميركل أن ارتفاع معدلات الديون العامة في اليونان وفي دول أخرى يهدد مصير اليورو، وأن الخروج من هذه الأزمة قد يتطلب بعض الوقت.

الأسعار في لندن تعاكس التيار - ارتفاع الشهر الأخير بلغ 3.2%

* أكدت آخر إحصاءات نشرتها شركة «نايت فرانك» العقارية أن توجهات الأسعار في لندن ما زالت إيجابية وهي بذلك تخالف التراجع الذي سجلته أسعار بقية أنحاء بريطانيا. وبلغت نسبة الارتفاع في شهر فبراير (شباط) الماضي وحده نحو 3.2 في المائة، وهي أقوى نسبة نمو في السوق اللندنية منذ عام 2007.

ولكن الشركة لاحظت أن معظم هذا الارتفاع جاء في القطاع الفاخر الذي تزيد فيه الأسعار عن 5 ملايين إسترليني. وفي الوقت نفسه، أكدت المؤشرات الشعبية الأخرى التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، مثل مؤشر «نيشن وايد» ومؤشر «هاليفاكس» أن معدل أسعار العقار البريطانية تراجع خلال الشهر نفسه بين واحد و1.5 في المائة، وهو أسوأ تراجع خلال الستة أشهر الأخيرة. وكان من بين أسباب التراجع سوء الأحوال الجوية، حيث كان هذا الشهر قارس البرودة، مع ارتفاع نسبة العقارات المعروضة للبيع من دون وجود مشترين في السوق. ولم تؤثر هذه العوامل على القطاع الفاخر في السوق. وفي القطاع الفاخر أيضا، كما يقول ليام بيلي من شركة «نايت فرانك»، تأثرت الأسعار إيجابيا بنقص الإمدادات عما كانت عليه في السنوات الماضية، وهي نسبة نقص قدرها بيلي بنحو 22 في المائة.

وفي الوقت نفسه، بقي الطلب قويا مع وجود الكثير من المشترين الأجانب النشطين في هذا القطاع ومن بينهم مستثمرون من منطقة الشرق الأوسط. وسجلت الشركة نسبة إقبال زائدة بنحو 30 في المائة عن السنوات الماضية للمشترين المسجلين معها للبحث عن عقارات متميزة للشراء في لندن. وهي نسبة لم تشهدها شركة «نايت فرانك» منذ 5 سنوات.

وفي لندن، لم تتأثر الأسعار على الرغم من زيادة المعروض من العقارات خلال فبراير بنسبة 7 في المائة بسبب ارتفاع الطلب. ويعزو خبراء شركة «نايت فرانك» نسبة كبيرة من هذا الطلب إلى المشترين الأجانب، وأيضا إلى المصرفيين الحاصلين على مكافآت إنجاز سنوية. وكان الإقبال على اتخاذ قرار الشراء، للاستفادة من معدلات الأسعار السائدة قبل أن ترتفع موسميا خلال فصل الربيع الحالي.

وتؤكد شركة «نايت فرانك» أن الطلب الأجنبي هو العامل الأساسي في ارتفاع أسعار العقارات الفاخرة اللندنية، وتشير إحصاءات الشركة إلى أن نسبة 45 في المائة من العقارات، التي تزيد قيمتها عن مليوني إسترليني، ذهبت إلى مشترين أجانب خلال العام الأخير. ويذهب هؤلاء المشترون الأجانب إلى شركات العقار مباشرة أو عبر وكلاء يمثلونهم.