أغرب الصفقات العقارية.. «فيلا ليوبولدا» الفرنسية

الملياردير الروسي بورخوروف يخسر عربونا بـ40 مليون دولار لشرائها

بنيت فيلا ليوبولدا على مساحة قدرها عشرون هكتارا تقريبا محاطة بالكثير من الحدائق والغابات
TT

عندما تم الإعلان عن صفقة بيع فيلا ليوبولدا في الكوت دوزور في الريفييرا الفرنسية في الجنوب في أغسطس (آب) عام 2008، وهي من أهم العقارات السكنية الأوروبية، تنافست وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية على وصف الصفقة بأنها صفقة العصر ووصفها البعض الآخر بأنها أكبر صفقة عقارية في التاريخ حتى الآن إذ إن الحديث كان يجري عن 750 مليون دولار و500 مليون دولار و350 مليونا ومبالغ خيالية ضخمة لا يمكن تصورها ثمنا لعقار واحد. أي أكثر بكثير من سعر منزل كيزينغتون في وسط لندن الذي اشتراه الملياردير البريطاني أو أغنى رجال بريطانيا الصناعي وملك الصلب لاكاشمي ميتال عام 2004 بمبلغ 250 مليون دولار آنذاك، وكان يعتبر أغلى عقار في العالم.

وعندها أيضا جرى الحديث عن أن أغلى عقار في العالم سيكون من نصيب الثري الهندي والآسيوي الذي يعتبر من أغنى أغنياء القارة الصفرارء موكيش امباني، ولن يصمد سعر فيلا ليوبولدا كأحد أغلى الأسعار، إذ إن امباني آنذاك كان يخطط لبناء منزل ضخم له ولعائلته في مدينة مومباي الهندية بعلو سبعة وعشرين طابقا وبسعر لا يقل عن بليوني دولار. وقد اتسمت الصفقة آنذاك بالسرية، ولم يتم الإعلان عن اسم الملياردير الروسي الذي ينوي شراءها، وتم تداول الكثير من الأسماء وجرت كثير من التكنهات وطرحت كثير من أسماء الأغنياء الروس الذين ارتفعت أعدادهم في أوروبا في العقد الماضي نتيجة الثروات التي راكموها بعد التغيير في الاتحاد السوفياتي السابق. وتم نفي الكثير من الإشاعات وتأكيد بعضها في أغرب صفقة عقارية في تاريخ أوروبا. ومن هؤلاء الذين طرحت أسماؤهم ونفى أي علاقة بالموضوع، صاحب نادي تشيلسي الإنجليزي لكرة القدم رومان ابراموفيتش الذي تصل قيمة ثروته كما يقدر إلى 10 مليارات دولار. إلا أن الصفقة كانت كما يبدو لاحقا من نصيب الملياردير الروسي ميخائيل بورخوروف، الذي كان يعتبر قبل سنتين أو ثلاث في المرتبة الرابعة والعشرين على لائحة فوربس الأميركية للأغنياء، وفي المرتبة التاسعة والثمانين على لائحة أغنى الناس في العالم، وفي المرتبة السادسة في بلاده روسيا، ولم تكن من نصيب ابراموفيتش أو بيل غيتس الذي طرح اسمه كثيرا أيامها أيضا. لكن الصفقة فعلا لم تتم وقد أكدت وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية في الأسابيع الأخيرة أن بورخوروف لم يتمكن من شراء الفيلا وخسر المبلغ المقدم الذي وضعه أو العربون الذي وضعه لشراء الفيلا وبلغت قيمته أربعين مليون دولار. صحيح أن هذا الخبر لم يجد نفس المساحة التي جاء فيها خبر شراء الفيلا عام 2008 والضجة التي حصلت نتيجة ذلك، لكنه أكد كل التخمينات السابقة التي تقول إن بورخوروف كان يعاني من مشاكل مادية ولن يتمكن من شراء الفيلا لمدة ثلاث سنوات. ويفترض أن تحتفظ أرملة ادمون صفرا، ليلي صفرا، التي ورثت المنزل عن زوجها بالمبلغ كاملا كما جاء في قرار المحكمة الفرنسية الأخير. ويفترض أيضا كما قضت المحكمة أن تتسلم صفرا تعويضات بقيمة مليون ونصف المليون دولار تعويضا لها عن تسريح ما لا يقل عن 28 شخصا من الموظفين الذي كانوا يعملون لديها في الفيلا قبل عملية البيع المزعومة. وكان ادمون صفرا وهو لبناني سويسري الجنسية (ويقال إنه يهودي حلبي من سورية)، زوج ليلي صفرا وهي في السبعينات من العمر، قد لقي مصرعه في حريق مفتعل بهدف السرقة من قبل أحد ممرضيه في شقته في موناكو عام 1999. ويتوقع، كما أكدت صفرا، أن تمنح جزءا كبيرا من المبلغ إلى الجمعيات الخيرية ومراكز الأبحاث الطبية حول العالم وأوروبا بشكل خاص. وقد أكدت بعد قرار المحكمة أنها ستمنح مركزي أبحاث الأعصاب الطبية في ال «إمبريال كوليدج» في لندن (Imperial College London) و«كينغز كوليدج» (King’s College London) ما قيمته مليون دولار للأبحاث الطبية. وستمنح صفرا أيضا الكثير من الأموال إلى الجمعيات الخيرية التي تدعمها منذ سنوات طويلة وتركز على الأبحاث الطبية والقضايا الإنسانية العامة والعناية الطبية والتعليم وغيره. وقد ساهم انهيار الصفقة بعد نحو ثلاث سنوات من الحديث عنها، في تراجع وانهيار أسواق العقار الفاخرة في الريفييرا الفرنسية، على الرغم من استعادة الأسعار أنفاسها مؤخرا. إذ أشارت الكثير من المصادر إلى أن أسعار العقارات في الكوت دوزور العام الماضي خسرت جزءا كبيرا مما حققته أيام الطفرات العقارية السابقة وقبل عام 2008، وأصبحت الأسعار الآن أرخص من أي وقت مضى بسبب قلة السيولة والمشاكل التي يمر بها أصحاب المال والأعمال بعد أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ركود اقتصادي عالمي. ومع هذا لا تزال أكثر من ستة وثمانين فيلا في المنطقة ملكا للأغنياء الروس الذي تكاثروا كما سبق وذكرنا بعد رحيل غورباتشوف ومجيء بوريس يلتسين نهاية الثمانينات. ويؤكد بعض خبراء العقار الدوليين والمختصين بالعقارات الفاخرة والغالية الثمن والمناطق الساخنة، أن سعر فيلا ليوبولدا حاليا لا يصل إلى نصف السعر الذي كان يجري الحديث عنه بداية الصفقة (نحو 500 مليون يورو أو 750 مليون دولار)، وربما أقل، إذ إن بورخوروف ضخم سعره خلال محاولاته حيازة العقار وواصل رفعه إلى درجة لم يتمكن معها من الوفاء بوعده. وقبل ذلك كانت ليلي صفرا مصرة على عدم بيع الفيلا التي أحبتها واعتنت بها لسنوات طويلة، إلا أن بورخوروف ظل يزيد من عرضه وسعره لإغراء صفرا، حتى وصل المبلغ إلى نحو 750 مليون دولار، أي أنه ظل يرتفع بسبب رفضها للبيع حتى وصل إلى رقم خيالي لم يتمكن صاحبنا من دفعه لاحقا رغم قبول صفرا وعدم قدرتها على رفض هذا النوع من المبالغ المالية التاريخية. وقد لعبت أزمة الائتمان الدولية دورا كبيرا في قصة الصفقة وما حصل، إذ إن بورخوروف خسر الكثير من الأموال أثناء هذه الأزمة، وتشير بعض المصادر أن خسائره وصلت إلى عشرة مليارات دولار بسبب انهيار بعض البورصات وتراجع نشاطاته الخاصة بالمعادن والنيكل. وقد اضطر إلى بيع جزء كبير من نشاطاته وأسهمه في بعض الشركات لتعويض هذه الخسائر، ومنها حصته التي تبلغ خمسة وعشرين في المائة من شركة «نورليسك» (Norilisk) بعدة مليارات من الدولارات. ورغم أن ميخائيل بورخوروف يدير أكبر مؤسسات إنتاج الذهب في روسيا حاليا وهي مؤسسة (Onexim)، فقد تعززت خسائر ميخائيل بورخوروف وفشلت صفقته العقارية ربما نتيجة خلافاته ومشاكله مع القضاء الفرنسي كما تأكد مرارا من المؤتمرات الصحافية التي عقدها محاميه منذ سنوات. ولطالما ارتبطت قضية الصفقة أي صفقة فيلا ليوبولدا بقضية الاتهامات التي وجهت إلى الملياردير بالدعارة والقوادة في منتجع كورشفيل للتزلج عام 2007. وتقول التفاصيل إن قوات الشرطة الفرنسية داهمت الفندق الذي كان ينزل فيه بورخوروف مع ستة وعشرين شخصا آخرين من النساء والرجال، واحتجزت الملياردير الروسي لمدة أربعة أيام في السجن للتحقيق بعد توجيه تهمة الدعارة والقوادة إليه. وترافق ذلك أيامها مع زيارة الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف إلى باريس لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية بين فرنسا وروسيا. وقد اعتبرت الحادثة آنذاك من أكبر الفضائح الجنسية في فرنسا منذ وقت طويل وتركت آثارا سيئة على العلاقات بين البلدين، واعتبر الأمر في الأوساط الروسية الرسمية والمالية والإعلامية والشعبية على حد سواء إهانة لروسيا ولكرامتها. وهدد بورخوروف معها بمقاضاة الدولة الفرنسية وطالب باعتذار علني ورسمي من فرنسا. وقد تم ذلك لاحقا واعتذرت فرنسا للملياردير الروسي بعد لقاء على مستوى عال مع المسؤولين الروس مؤخرا. وقبل بورخوروف الاعتذار واعتبر أن القضية انتهت، لكن علاقاته مع شركائه تضررت بشكل كبير بعد الفضيحة ومنهم أكبر الشخصيات الروسية وأقواها على المسرح المالي والسياسي في روسيا، فلاديمير بوتين الذي كان شريكا له لمدة خمسة عشر عاما. وفي النهاية وبعد ثلاث سنوات على الفضيحة وبعد سنتين على محاولة شراء أهم عقار في العالم، انتهى الملياردير الروسي خالي الوفاض بخسارة عشرات الملايين من الدولارات ومليارات الدولارات في الأسواق وخسارة الكثير من الشركاء، وبقي العقار في يد ليلي صفرا التي حاولت أصلا ألا تبيعه. وفي أي حال، فإن هذا العقار التاريخي والهام عبارة عن فيلا ضخمة وجميلة بلون الكريم، على تلة أو هضبة في فيل فرانش سور مير، تطل على كاب فيرا، في منطقة الكزوت دوزور في الريفييرا الفرنسية وبين نيس وموناكو. وتنتشر الفيلا على مساحة قدرها عشرين هكتارا تقريبا محاطة بالكثير من الحدائق والغابات. ويبلغ عدد أشجارها التي تضم الكثير من أشجار السرو والزيتون والحمضيات وغيره، أكثر من 1200 شجرة. ويضم العقار أو الفيلا عددا كبيرا من الغرف منها تسعة عشر غرفة نوم فاخرة أو ملكية، وعددا من برك السباحة والمطابخ والمسارح وقاعات السينما وقاعات التمرين الرياضي وممارسة الرياضة نفسها كالتنس وغيره، فضلا عن الكثير من الحدائق والبلاكين والممرات الخاصة بالسير على الأقدام وغيره من الأدراج ومرائب السيارات وقاعات الضيافة والطعام والمعالم العقارية الفاخرة التي لا نهاية لها أحيانا. وقد بدأت قصة هذا العقار مع الملك البلجيكي ليوبولد الثاني، عندما أراد أن يبني قصرا أو مقرا صيفيا للترفيه. ومن ذلك الوقت أصبحت المنطقة محطة للأغنياء والباحثين عن العقار الفاخر في جيرة ملكية فاخرة، وانتشر وذاع صيتها كما ذاع صيت الفيلا نفسها بين الأغنياء. وبعد ذلك استخدمت في الحرب العالمية الأولى عام 1917 وبأمر من الملك فيليب البلجيكي لمعالجة الضباط وكبار الرتب العسكرية من جرحى الحرب. وبعد ذلك بسنوات وبالتحديد عام 1952 اشترت عائلة جاني اغنيلي الغنية والمعروفة في إيطاليا لملكيتها لشركة «فيات» لصناعة السيارات، بمبلغ 100 ألف دولار أميركي. وعام 1980 اشترى الفيلا ادمون صفرا المصرفي اللبناني المعروف بمبلغ 3 ملايين دولار. ورثت زوجته ليلي صفرا العقار بعد مقتله في موناكو عام 1999. ومنذ الخمسينات ذاع صيت الفيلا وحفلاتها الشهيرة والمشاهير الذين زاروها وحضروا حفلاتها ومنهم أشهر المغنين كفرانك سيناترا وأشهر السياسيين كالرئيس والممثل السابق رونالد ريغان.