خبير بنكي يتوقع تصحيحا عقاريا في بعض مناطق السعودية مع انخفاض الأسعار 20%

اسفيكياناكيس كبير اقتصاديي البنك السعودي الفرنسي: لا بد من طرح المزيد من الأراضي لخفض أسعارها خلال الفترة المقبلة

توقع الخبير البنكي اسفيكياناكيس (في الإطار) انخفاضا في أسعار العقارات السكنية عطفا على المعروض (تصوير: خالد الخميس)
TT

توقع خبير بنكي أن تشهد العقارات السكنية تصحيحا في بعض المناطق التي سجلت نموا سريعا في حجم المعروض خلال السنوات الماضية، وذلك بعد ملاحظة وجود انخفاض في أسعار العقارات السكنية في تلك المناطق، بواقع 15 إلى 20 في المائة.

وبين الدكتور جون اسفيكياناكيس، المدير العام وكبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، أن المتابعين لاحظوا بيع بعض مطوري العقارات السكنية ما لديهم من عقارات، فيما يحجم البعض الآخر عن بيعها، مرجعا ذلك إلى أن الذين يحجمون عن البيع يتوقعون أن ترتفع أسعار الأراضي بمجرد دخول نظام الرهن العقاري حيز التنفيذ.

وقال «فيما يعتبر ذلك مسألة عامة تتعلق بالقدرة على شراء العقارات السكنية، إذ ارتفعت أسعارها إلى مستويات جعلت المواطن السعودي العادي غير قادر على شرائها».

وأضاف أن «بعض مطوري العقارات السكنية أدركوا هذه القضية لذلك حاولوا استهداف ذوي الدخل المتوسط في وحداتهم السكنية، إلا أنها لا تزال باهظة التكاليف بالنسبة لتلك الشريحة»، ويتوقع اسفيكياناكيس أن الذي سيحدث هو تصحيح ملحوظ في أسعار العقارات السكنية لأنها ارتفعت مؤخرا بوتيرة متسارعة.

وأشار إلى أن أسعار العقارات التجارية ستنخفض حتما لأن حجم المعروض منها نما بشكل كبير، بينما جاء المعدل العام لنمو الطلب عليها دون المستويات المتوقعة، بسبب عدم نمو طلب القطاع الخاص على العقارات بالوتيرة المتوقعة.

ويضيف اسفيكياناكيس «قد تشهد العقارات السكنية بعض التصحيح في المناطق التي سجلت نموا سريعا في حجم المعروض خلال السنوات الثلاث الماضية».

إلى تفاصيل التقرير الذي أعده الدكتور جون اسفيكياناكيس:

تذبذب الأسعار: يرجع صعود الأسعار وانخفاضها إلى دينامية العرض والطلب، فهي ترتفع عندما يكون المعروض محدودا، مرجعا ذلك لما يعانيه القطاع السكني. وهنا يشير إلى أن «القطاع لا يزال يعاني من نقص حاد في معروض الوحدات السكنية التي تناسب ذوي الدخل المتدني والمتوسط».

ولفت إلى أن أسعار العقارات السكنية تصاعدت أيضا بسبب قلة الأراضي المعروضة للبيع، فعدم توافر الأراضي بالكميات الكافية يرفع أسعارها، مما يؤدي، بدوره، إلى ارتفاع أسعار العقارات السكنية.

والحل كما يراه الدكتور جون للحد من ارتفاع أسعار العقارات السكنية هو زيادة الأراضي المعروضة للبيع لخفض التكلفة الإجمالية لهذه العقارات، لأن تكلفة الأراضي تمثل جزءا كبيرا من التكلفة الإجمالية للعقارات.

في حين يلمح إلى ضرورة الالتزام بقواعد تخطيط المدن حتى في حال توفير المزيد من الأراضي خارج المدن الرئيسية، لأن الذين يعيشون في مناطق تبعد عن المدن الرئيسية 20 إلى 30 كيلومترا، مثلا، يحتاجون إلى شبكة طرق معبدة ونظام فعال للنقل العام.

وتابع «لتوفير مثل هذا النظام، ينبغي التفكير بجدية في تغيير أسعار الوقود لأن الأجانب قد يستخدمون نظام النقل العام بصورة تلقائية، بينما سيكون من الضروري ابتكار الحوافز اللازمة لتشجيع السعوديين على استخدامه».

ويعتقد الدكتور جون أن معالجة مسألة العقارات السكنية في السعودية تتطلب حلولا تشارك فيها جميع القطاعات الاقتصادية، مع ضرورة ابتكار تقنيات إنشائية جديدة أقل تكلفة وأعلى كفاءة في استهلاك الطاقة، وذلك من وجهة نظره سيسمح بظهور سوق ثانوية للبيوت الأفضل، التي تفتقر لها السعودية في المرحلة الراهنة، كما ينبغي وضع استراتيجية سكنية لأن البلاد مقبلة على اعتماد نظام الرهن العقاري.

تأثيرات الرهن العقاري: يتمثل التأثير الإيجابي لقانون الرهن العقاري بعد اعتماده في وجود قانون عقاري ساري المفعول يمكن اختبار خصائصه التشريعية، بالإضافة إلى ردود فعل البنوك والسوق عليه على حد رأي كبير الاقتصاديين في البنك الفرنسي، مبينا أن القضية الأولى التي ستخضع للاختبار، هي كيف سيتعامل قانون الرهن العقاري مع حالات التخلف عن سداد القروض ومسألة استعادة ملكية العقارات؟

ويتوقع أن تبدأ البنوك بتقديم قروض صغيرة، مستندا إلى تجربة الماضي، حيث يسود الاعتقاد بأن البنوك ستراقب أولا كيف سيتطور أداء سوق الرهن العقارية، ثم تتخذ قرارها بشأن تقديم قروض ضخمة.

ويؤكد الدكتور جون أن قانون الرهن لن يحل مشكلة عدم قدرة المواطنين على شراء العقارات السكنية، لأن حل هذه المشكلة يتطلب خفض أسعار الأراضي أولا. ويضيف: لن يعالج قانون الرهن العقاري قضية الأجور والرواتب لأنه لا يمكن زيادتها بين عشية وضحاها، وبما أن القدرة على شراء الأراضي والعقارات السكنية مسألة جوهرية، فإنها ينبغي أن تعالج قبل تمرير قانون الرهن العقاري، مقترحا زيادة فعالية القانون، ولإنجاحه لا بد من زيادة الأراضي المعروضة للبيع الملائمة للدخل المتوسط والصغير بأسعار ملائمة.

ويلمح إلى أنه ينبغي أخذ المضاربات بعين الاعتبار لأنها تمثل عنصرا مهما في ارتفاع أسعار الأراضي، كما ينبغي أن تُجبى زكاة الأراضي بالشكل الصحيح وأن تُرصد عمليات بيع وشراء الأراضي بشكل دقيق.

العرض والطلب: يشير الدكتور جون إلى وجود حاجة لتوجه مختلف في السعودية، حيث تعتبر العقارات مصدرا مهما للدخل، وقد أُطلقت الكثير من الأعمال التجارية بواسطة عائدات تحققت، بشكل أو بآخر، من خلال العقارات، لكن بات من الضروري اليوم أن يتعاون القطاعان الخاص والعام، في هذه القضية، فكما يحتاج مطورو العقارات السكنية إلى تعزيز إدراكهم لمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم وقدرة المواطنين على شراء المساكن وتحسين نوعيتها، في الوقت ذاته، ينبغي على الحكومة السعودية أن تدرك أنه في حال عدم زيادة الرواتب والأجور، فإن السبيل الوحيد لخفض تكاليف العقارات هو خفض أسعار الأراضي، مع التأكيد أنه لا توجد حلول سريعة لهذه المسألة.

تنظيم الفوضى: شدد اسفيكياناكيس على ضرورة وضع الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمعالجة مسألة العرض، لكن لا يمكن الفرض على السوق متى وكيف ينبغي أن تتقلب أسعارها.

ويضيف «يمكن السيطرة، قدر المستطاع، على أسعار الأراضي والمضاربات التي ترفع أسعارها، كما يمكن أن توجه السوق، فعلى سبيل المثال يمكن التفكير في تطوير نظام مناطقي سليم قائم على نظام تسعيري فعال، يستطيع احتساب القيم التجارية على أساس نظام سعري خاص بكل منطقة، يسمح بوضع الحدود الدنيا (أدنى) والقصوى (أقصى) لأسعار أراضيها».

فيما يعتبر الدكتور جون التفكير في إنشاء هيئة عقارية عليا تشرف على القطاع العقاري، على الأقل، خلال المراحل الأولى التي تعقب دخول قانون الرهن العقاري حيز التنفيذ، أمرا قد يكون له أثر إيجابي على القانون.. موضحا أنه لا بد من التفكير بمرونة لتشجيع أكبر عدد ممكن من المؤسسات الحكومية التي تبني حاليا مراكز تجارية ومراكز للتسوق، على بناء وحدات سكنية أيضا بأسعار مناسبة، وبدعم من صندوق التنمية العقارية، مع الإشارة إلى أن الصندوق سيحتاج إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف رأسماله الحالي لكي يستطيع منح المزيد من القروض، وتقليص فترة الانتظار الحالية - التي تزيد على عشرين سنة - إلى أقل من خمس سنوات.

ويشير إلى أن الإسكان إحدى أهم طرق خلق وتحويل الثروة، في حين يعيش اليوم نحو أكثر من نصف سكان السعودية في مساكن مستأجرة، لكن الأهم من ذلك هو حقيقة أن الشباب السعودي لا يستطيع شراء المساكن لأن أسعارها أعلى مما ينبغي.

ويستند في حديثه إلى أن السعوديين الذين تقل أعمارهم عن أربعة عشر عاما يمثلون نحو 37 في المائة من مجموع السكان، بينما يمثل الذين تقل أعمارهم عن تسعة وعشرين عاما نحو 66 في المائة من مجموع السكان.

في حين يرغب الكثير من الشبان السعوديين في الزواج وتكوين أسر، إلا أن هذا أصبح اليوم صعبا للغاية، والاتجاه السائد حاليا بالنسبة للأزواج الشباب الذين لا يستطيعون شراء بيت أو شقة هو العيش مع عائلته «أمه وأبيه»، في حين تغيرت التطلعات من شراء المساكن إلى شراء سيارات، بينما كان الوضع قبل بضع سنوات فقط، التطلع إلى الزواج وشراء مساكن خاصة بهم.