الانتخابات البريطانية «تجمد» الحركة في أسواق العقار

بسبب تردد المشترين وتخوفات من «برلمان معلق»

جانب من العاصمة البريطانية لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

بدأت الحملات الانتخابية البريطانية في التأثير على أسواق العقار السكنية في البلاد، وكان عدد المشترين الجدد للعقارات في الأسواق وعدد الصفقات العقارية المعقودة الشهر الماضي أول ضحايا الانتخابات المتوقعة في السادس من مايو (أيار). وعاد معدل النمو البطيء إلى معدل العام الماضي (2009)، أي إلى الوراء كما تؤكد نسبة كبيرة من السماسرة. وتأتي هذه التطورات السلبية الجديدة على أسواق العقار السكني، بعد أشهر من النمو البطيء للأسعار بعد عامين من الركود والتراجع نتيجة أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ركود اقتصادي عالمي.

ومع هذا فإن الأخبار ليست كلها سيئة، وتعتمد على تردد المشترين في دخول الأسواق قبل معرفة ما سيحدث الشهر المقبل وطبيعة التغير الحكومي والسياسات الاقتصادية التي ستتبع، خصوصا على صعيد القروض العقارية ومعدلات الفائدة والضرائب التي يتوقع أن يطرأ عليها تغيير كبير في حال أي تغيير سياسي، خاصة إذا ما ترتب عن الانتخابات «برلمان معلق». وقد أدى هذا الإحجام بدوره أيضا إلى رفع عدد المنازل والعقارات السكنية المختلفة المعروضة للبيع في الأسواق. فقد أكد المعهد الملكي للمساحين القانونيين «آر آي سي إس»، أن تسعة في المائة من المساحين أو السماسرة سجلوا في الشهر نفسه، أي الشهر الماضي مارس (آذار) 2010، ارتفاعا للأسعار في بعض المناطق بدلا من التراجع. وهي نسبة أقل بـ18 في المائة من عدد المساحين الذي سجلوا ارتفاعا على الأسعار في فبراير (شباط) 2010، وثلاثين في المائة أقل من بداية العام أي يناير (كانون الثاني) 2010. كما أن عدد المساحين الذين سجلوا أي نسبة ارتفاع على عدد الباحثين عن العقارات تراجع من سبعة في المائة إلى صفر في المائة. مما يعني أن هناك إحجاما كبيرا من المشترين للمرة الأولى، وهو ما يكفي للتأثير على الأسواق وحركتها وأرقامها.

ويؤكد التقرير الأخير للمعهد الملكي البريطاني أن نسبة العقارات الموجودة لدى المساحين والسماسرة والمعروضة للبيع ارتفعت بنسبة ستة في المائة، وهي أكبر نسبة تسجل لدى المعهد منذ فبراير عام 2008. أي أن معدل السمسار وصل حاليا إلى 67 عقارا تقريبا. كما تراجع عدد الصفقات بنسبة 2.8 في المائة لدى أكثر من 17 من السماسرة. كما أن معدل المبيعات أو الصفقات العقارية نسبة إلى ما هو معروض للبيع من العقارات السكنية، هي الأقل منذ يوليو (تموز) العام الماضي.

ومع هذا، يقول اين باري، المتحدث باسم المعهد الملكي، في هذا الصدد «حتى الآن، الكثير من مؤشرات أسواق العقار لا تزال إيجابية أو مستقرة».

بينما علق هيوارد آرشار، الاقتصادي في «اي إتش إس غلوبال إنسايت»، على التطورات العقارية الأخيرة متوقعا أن تكون الأسعار غير مستقرة هذا العام ومتقلبة، وعلى الأرجح أن تكون الأسعار مسطحة بشكل عام تتراوح بين نسبة واحد في المائة هبوطا وصعودا، خصوصا إذا ما اتخمت الأسواق وأغرقت بالعقارات المعروضة للبيع وأخلت بالتوازن بين العرض والطلب، والذي من شأنه عادة دفع الأسعار إلى التراجع نتيجة التنافس وارتفاع عدد الخيارات أمام المشترين.

وحسب التقرير، فإن عدد الباحثين عن العقارات والسائلين عنها قد تراجع في لندن العاصمة وجنوب شرق إنجلترا الشهر الماضي، وهي من أهم المناطق العقارية في بريطانيا. والوضع أسوأ في بعض المناطق الأخرى على صعيد المهتمين بالعقارات الذي يرغبون في شرائها كما تشير الأرقام خصوصا في مناطق إيست انغليا والمناطق الشرقية الوسطى.

ومع هذا أشارت الأرقام أيضا إلى اشتداد الاهتمام في المناطق الشمالية الغربية ومنطقتي يوركشير وهامبشير في الجنوب من إنجلترا واسكوتلندا، بالعقارات والبحث عنها إلى جانب ارتفاع الطلب الفعلي عليها.

كما كان عدد المساحين والسماسرة، الذين سجلوا تراجعا على أسعار العقارات السكنية نفسها في يوركشير والمناطق الغربية الوسطى وشمال وشرق انغليا وهامبشير، أكبر من عدد المساحين الذين سجلوا ارتفاعا للأسعار خلال الأشهر الثلاثة الماضية أي منذ فبراير.

وحسب التقرير، تكون المناطق التي حافظت على نمو الأسعار فيها ولو بمعدلات مختلفة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، هي، من ناحية الأفضل، العاصمة لندن وجنوب شرقي إنجلترا واسكوتلندا والمناطق الشرقية الوسطى ومقاطعة ويلز.

أما المناطق التي شهدت تراجعا في عدد المشترين والمهتمين خلال الأشهر الثلاثة الماضية فهي المناطق الشرقية الوسطى وشرق انغليا والمناطق الغربية الوسطى ولندن والمناطق الجنوبية الشرقية في إنجلترا بالإضافة إلى مقاطعة ويلز.

ويقول المعهد في التقرير إنه على الرغم من هذا التراجع على الأسعار، فإن معدل ارتفاع الأسعار السنوي لا يزال يواصل ارتفاعه، وقد وصل إلى 7 في المائة حاليا. ويشير التقرير إلى الاختلاف بين المناطق عقاريا، لكنه أيضا يشير إلى أن العاصمة لندن لا تزال على رأس أفضل المناطق وأهمها وأكثرها نموا سنويا، إذ وصل معدلها السنوي من النمو على أسعار العقارات السكنية إلى نحو 12 في المائة، تليها المناطق الجنوبية الشرقية بنسبة لا تقل عن 9 في المائة. وهناك الكثير من التناقض بين المناطق بالطبع، فمعدلات الأسعار في المناطق الشمالية الشرقية من إنجلترا، مثل ميدلزبره ونيوكاسل والمناطق المحيطة بهما والمحاذية لاسكوتلندا، لا تزال أقل مما يفترض أن تكون عليه وأقل مما كانت عليه في فبراير العام الماضي (2009). وكان المعهد الملكي قد نشر أيضا أرقام المبيعات العقارية السكنية في ديسمبر العام الماضي، والتي تثبت وتشير إلى أن المشترين الجدد تسابقوا على العقارات عندها بسبب الإعفاء الحكومي لرسم الطابع الأميري للعقارات التي لا يتعدى سعرها الـ175 ألف جنيه (225 ألف دولار)، لا أكثر ولا أقل. ورغم أن الأرقام أيضا تشير إلى تراجع في نشاط القروض العقارية وعددها ونسبها، فإنه يتوقع أن تنعكس الصورة خلال الأشهر القليلة المقبلة ويتحسن عدد القروض الممنوحة بعد اتضاح صورة الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد. وفيما يتوقع ارتفاع الطلب، حسب المعهد الملكي، فإن الفائدة من ذلك الارتفاع قد تتبخر إذا ما ارتفع عدد العقارات المعروضة للبيع في الأسواق.

وعلى صعيد العقارات السكنية في أوروبا بشكل عام وبعض المناطق بشكل خاص، أشار المعهد في تقرير خاص إلى أن الأسواق بدأت تبدي علامات قوية على التعافي والخروج من الركود، على صعيدي الأسعار ومعدلات المبيعات العقارية. وتوقع المعهد في التقرير الذي نشره في العاصمة البلجيكية بروكسل، أن يتواصل التعافي في بعض الدول الأوروبية على الأسعار والمبيعات هذا العام في أوروبا. ويبدو أن التعافي في بعض الدول الأوروبية قد بدأ في ربيع وصيف العام الماضي، ويتوقع أن يتواصل هذا العام أيضا. ويبدو أيضا أن التعافي بشكل عام في بعض الأسواق العقارية الأوروبية المهمة جاء على خلفية أسعار ومعدلات الفائدة المنخفضة جدا وإلى معدلات تاريخية، والتدخل الحكومي في بعض الدول والتحفيزات الاقتصادية والخطوات التي اتخذتها معظم الحكومات لتفادي الغوص في الركود الاقتصادي.

لكن لا يتوقع لهذا التعافي أن يستعيد نسب التسعينات والطفرات العقارية التي شهدتها الكثير من البلدان، بل أن يكون بطيئا وذا معدلات متواضعة باستثناء المناطق الساخنة بالطبع. ولا يتوقع أيضا وقريبا أن تستعيد الأسواق العقارية الأوروبية، خصوصا الأوروبية الشرقية، عافيتها وتخرج من الخانة السلبية وتوقف التراجع على الأسعار الذي وصلت نسبته في بعض المناطق إلى 45 في المائة وأكثر. فالتقرير يتوقع أن يبقى التراجع هذا العام في بعض الدول على حاله.

لكن هناك دولا أوروبية أيضا سجلت معدلات ارتفاع ممتازة على الأسعار خلال العام الماضي، مثل بعض الدول الاسكندنافية كالنرويج التي سجلت نسبة لا تقل عن 12 في المائة، وفنلندا التي سجلت نسبة لا تقل عن 8 في المائة. ورغم أن بريطانيا شهدت ارتفاعا متواضعا على الأسعار بنسبة 1 في المائة، فإن نسبة الارتفاع على الأسعار منذ أبريل (نيسان) العام الماضي حتى الآن وصلت إلى 10 في المائة تقريبا، أي أن هناك احتمالا بارتفاع الأسعار أكثر مع الوقت. وكان أبريل الماضي في بريطانيا يعتبر الأسوأ منذ سنوات طويلة، أي منذ عام 2007. ومع أن كلا من هولندا وفرنسا وإيطاليا سجلت تراجعا على الأسعار طيلة العام المضي، فإن نسب التراجع لم تكن كبيرة أو دراماتيكية تهدد الأسواق، وتراوحت بين «- 4» و«- 6» في المائة. ورغم أن هذه الأسواق لا تزال غير مستقرة ومتقلبة، فإن هناك شواهد على التعافي وبعض النمو في الأسعار بشكل عام. أما حسب تقرير المعهد الملكي الأوروبي، فإن الدول التي كانت الأسوأ أداء وشهدت تراجعات كبيرة على الأسعار العام الماضي هي أيرلندا وإسبانيا، التي لا تزال تعاني عقاريا، واليونان المفلسة حاليا، بالإضافة إلى دول أوروبا الشرقية والوسطى كما سبق أن أشرنا، خصوصا دول البلطيق، حيث تراوح التراجع على أسعار العقارات السكنية طيلة العام الماضي بين «- 27» في المائة و«- 53» في المائة. ولأن الاقتصادات الأوروبية بشكل عام أيضا لا تسجل هذه الأيام معدلات ممتازة أو محترمة من النمو، سيؤثر ذلك على حركة الأسواق العقارية وحجم تعافيها ونموها، وعلى الأرجح لجمها قليلا حتى يحصل نمو اقتصادي ملموس، أكبر من واحد في المائة وصفر في المائة وغيرهما، خصوصا إذا ما واصلت معدلات البطالة ارتفاعها في بعض البلدان.

ويقول التقرير إنه باستثناء ألمانيا وسويسرا، فإن قطاع بناء العقارات السكنية لا يزال يعاني الأمرين من الركود الاقتصادي العالمي، وإن تحقيق التوازن بين العرض والطلب وما هو متوافر في الأسواق من عقارات نسبة إلى الحاجة المحلية سيستغرق بعض الوقت. ويقول واضع التقرير الخبير مايكل بول، إن سطحية التراجع في الأسواق العقارية السكنية المهمة والأساسية في أوروبا قد فاجأت الكثير من المراقبين خلال الفترة الماضية. لكن أوروبا ليست الولايات المتحدة الأميركية، وأن المشكلات والسياسات في كلتا المنطقتين مختلفة أيضا. فأوروبا لم تشهد عددا كبيرا من المصادرات العقارية كما حصل في الولايات المتحدة وكان عددها متواضعا. كما أن تراجع معدلات الفائدة ودعم المؤسسات المالية والبنوك التي تقدم القروض العقارية في أوروبا خلال الركود قد ساعد الأسواق العقارية على إظهار علامات التعافي والخروج من الركود. وساهمت أيضا التحفيزات المالية والتخفيضات والإعفاءات الضريبية أيضا في هذا التحسن الذي قد يؤدي إلى استقرار الأسواق بعد عامين من المعاناة.