المدن الآسيوية ما زالت تقود النمو العقاري في العالم

الصين تخشى فقاعة عقارية

المدن الآسيوية تقدم أفضل فرص النمو العقاري («الشرق الأوسط»)
TT

من شنغهاي إلى طوكيو تستمر وتيرة النمو العقاري المتزايد في المدن الآسيوية التي يبدو أنها لم تتأثر بأزمة الاقتصاد العالمي ولا بخمول الأسواق الأوروبية، وهي تقود حاليا تيار النمو العقاري في العالم وتقدم أفضل العوائد ولا يجب أن يغفلها المستثمر العربي من حساباته.

انتعاش أسواق العقار الآسيوية هو أحد معالم أسواق العقار العالمية في الوقت الحاضر. وهذا الربيع سوف تكون آسيا موقعا لثمان من أكبر عشر ناطحات سحاب في العالم، مع افتتاح المركز المالي العالمي في شنغهاي. وهي بالتأكيد من أسرع مناطق العالم نموا اقتصاديا. ولا تقتصر معدلات النمو على الصين التي تقود الأسواق المحلية فيها منطقة شرق آسيا، ولا على النمور الآسيوية التقليدية، بل يشمل أيضا الأسواق الناضجة مثل اليابان واستراليا وسنغافورة.

وتحاول الصين تهدئة الأوضاع بفرض دفع مقدم يبلغ 50 في المائة من ثمن العقارات لدى شراء عقارات استثمارية، وذلك خوفا من فقاعة في الأسعار بعد ارتفاعها في العام الأخير بنسبة 11.7 في المائة وهي أكبر نسبة خلال خمس سنوات.

ووفقا لإحصاءات شركة «لاسال» الاستثمارية، فإن جملة الاستثمارات العقارية في المنطقة خلال الأشهر الستة الماضية بلغ 54 مليار دولار بنسبة نمو قدرها ثمانية في المائة، وكانت نصف هذه الاستثمارات عابرة للحدود. وتنظر شركات الاستثمار إلى السوق الآسيوية حاليا على أنها منطقة «ساخنة» تنمو بمعدلات أفضل من الأسواق الأخرى، ويزداد فيها الطلب على كافة أنواع العقار التجاري والسكني. وخلال العام الماضي زاد الاستثمار في تنمية العقار الصيني بنسبة 34 في المائة إلى 255 مليار دولار وفقا لمكتب الإحصاءات الصيني.

وبلغ من مرونة الأسواق الآسيوية أنها لم تتأثر، وبعضها لم يسمع عن أزمة الرهن العقاري الأميركية. ويدفع الأسواق الآسيوية في المرحلة الحالية موجة إعادة هيكلة هائلة ناتجة عن تحول الكثير من المجتمعات الآسيوية إلى مجتمعات مدنية بعيدا عن الريف. وفي الصين مثلا، التي يستمر فيها معدل النمو فوق العشرة في المائة في المدى المنظور، تتوسع المدن بشكل هائل ويبحث فيها 17 مليون مواطن جديد سنويا عن مساكن وخدمات. ومن المتوقع أن تتوسع شنغهاي لكي تكون أكبر حجما من طوكيو في غضون عشر سنوات.

وفي الهند أسهمت عدة عوامل في توسع أسواق العقار منها إزالة العراقيل أمام الاستثمار الأجنبي وفتح الأسواق فيها وتسهيل تمويل البنوك المحلية للاستثمار العقاري. وحتى في الأسواق الناضجة مثل اليابان التي ينتقل فيها الاقتصاد من التصنيع إلى المعلومات، فإن الطلب يزداد فيها على مساحات المكاتب. وبعد 17 عاما من أزمتها العقارية تبدو طوكيو في عجلة من أمرها لتطوير قطاعات كاملة من العقار فيها. وهناك عشرات المشاريع التي تبدأ في مرحلة البناء خلال العام المقبل في الأحياء المالية من طوكيو.

ويتهافت المستثمرون الدوليون حاليا على كافة قطاعات العقار الآسيوية التي تقدم لهم فرص نمو غير متاحة في أي مكان آخر في العالم. وتدخل الأسواق الآسيوية بقوة كل من صناديق الاستثمار الأوروبية وصناديق المعاشات الاسترالية ومستثمرون أفراد في أميركا. وتتحدث الأسواق الآسيوية عن أن آخر موجة استثمار تأتي إليها من الخارج كانت من الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين.

وفي أوروبا، خصوصا، هناك شهية غير عادية للأسواق الآسيوية من أجل تنويع مصادر الاستثمار والاستفادة من فرص النمو العالية. وهي بالتأكيد أسواق تقدم فرصا جيدة للمستثمر الكويتي ولكن مع الأخذ في الاعتبار عدة مخاطر قد لا تكون ظاهرة للعيان في الوقت الحاضر.

فهناك الكثير من عمليات الشراء قصير المدى من أجل تحقيق مكاسب سريعة في موجة مضاربة تهدد بعودة فقاعة سعرية في السوق قد تكشف عن نفسها في موجة تصحيح مثل تلك التي ما زالت تحدث في أوروبا في الوقت الحاضر. أيضا تنعدم الشفافية في بعض الأسواق الآسيوية بحيث يكون من الصعب إجراء البحث الدقيق اللازم قبل الاستثمار. وبالطبع ينفي وكلاء العقار في المنطقة وجود فقاعة أسعار ويؤكدون أن الطلب حقيقي وأن الأسعار تصعد شهرا بعد شهر. وحتى الآن تبدو كلماتهم واقعية من إحصاءات السوق التي تؤكد استمرار نسب النمو.

وما يميز الأسواق الآسيوية أنها تقام على وجود طلب محلي حقيقي وليس فقط على الاستثمار الأجنبي. وعندما تنفذ شركات أجنبية مشاريع كبيرة في الصين أو في مدن آسيوية سرعان ما يتحول من تصميم مشروعات محدودة إلى بناء مدن كاملة. وتشرح شركة عقار ألمانية أنها كانت بصدد تصميم ميناء حاويات في شنغهاي في الصين، ولكنها توسعت رويدا في المشروع حتى وجدت نفسها تبني مدينة حول الميناء تتسع لنحو 800 ألف نسمة. وبلغ من سرعة النمو المدني الآسيوي أن مدنا آسيوية كاملة نشأت في السنوات العشر الأخيرة. وفي الصين يعيش الآن نحو ثلث التعداد البالغ 1.3 مليار إنسان داخل المدن، وهي نسبة سوف تصل إلى النصف بحلول عام 2020.

وفي الصين تقول الإحصاءات الرسمية إن مائة مدينة جديدة سوف يتم تأسيسها خلال الـ15 عاما المقبلة، لكي تستوعب الهجرة الهائلة التي تستمر من الريف إلى المدن سعيا وراء الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي. وتعتبر الصين حاليا رابع أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة واليابان وألمانيا. ولكن قياسا بالقوة الشرائية الناتجة عن الناتج المحلي، يعتبر الاقتصاد الصيني هو الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة.

وفي عام 2009 بلغ الناتج الصيني المحلي للفرد مبلغ 1800 دولار، وهو ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عشر سنوات فقط. ويستمر نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات ما زالت تعتبر هي الأعلى في العالم على الرغم من توقعات البنك الدولي بتراجعها. وتنمو الصين حاليا بنسبة نمو تصل إلى 10.5 في المائة سنويا.

وفيما ينمو الاقتصاد يزداد الطلب على العقار بأنواعه من مساكن ومكاتب ومصانع. وتعتبر الصين حاليا من أكبر أسواق العقار التي يرصدها المستثمرون الأجانب. وخلال عام 2009 تم التعامل في عقارات صينية قيمتها 12.6 مليار دولار. ويعتبر السوق المفضل حتى الآن للاستثمار الأجنبي في الصين هو الشريط الساحلي الشرقي الذي يمتد جنوبا من شنغهاي. ومن المتوقع أن يرتفع الاهتمام العقاري في الصين خصوصا بعد الموافقة البرلمانية فيها على مبدأ الملكية الفردية للعقار، التي تدخل الآن عداد الوضع القانوني بعد عشرات السنين من التردد بين الحكم الشيوعي واقتصاد السوق.

ويرتفع الطلب من الشركات متعددة الجنسيات التي تنافس بقوة لتأسيس مواطئ قدم لها في السوق الصينية سواء بغرض الاستثمار المحلي أو لاتخاذ الصين قاعدة تصنيع للصادرات.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة زاد الطلب العقاري في الصين بنحو 3.5 في المائة سنويا، كما ارتفعت الإيجارات بنسبة سبعة في المائة. وتتوقع شركة «لاسال» العقارية من مقرها في لندن أن يزداد تنافس صناديق الاستثمار على الاستثمار العقاري في الصين ضمن سعيها الدائم لتحديد فرص الاستثمار محدودة المخاطر مرتفعة الدخل.

ولكن السوق الصينية تحمل أيضا بعض الأخطار حيث تعمل الحكومة الصينية بنشاط لمنع عمليات المضاربة على العقار في أسواقها. وتفرض الصين حاليا ضريبة قيمة مضافة على عمليات بيع العقار السريعة بعد الشراء، كما تراقب الصفقات الكبيرة حتى تضبط أي عمليات تلاعب في الأسواق قبل استفحالها. وتشرف إدارات من الحكومة المركزية على مجالس التسجيل في الأقاليم الصينية المختلفة حتى تتأكد من اتباع القوانين والنظم الجديدة.

ولا تؤثر هذه الإجراءات على المستثمرين الجادين الذين ينظرون إلى المدى البعيد في استثمارهم في السوق الصينية. وكانت آخر الصفقات الكبيرة شراء شركة استثمار أوروبية لمجمع مكاتب كبير في شنغهاي بمبلغ 250 مليون دولار. وما زال المستثمر في هذه الصفقة غير معروف الهوية كما لم تعرف تفاصيل تسديد قيمة الصفقة، ولكنها تعبر عن حجم الصفقات الفردية التي تتوجه حاليا إلى سوق الصين.

وتنافس أسواق كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان الزخم العقاري الصيني بعوائد إيجارية أعلى، وإن كانت على حساب نسب نمو أقل في رأس المال المستثمر. ويقابل هذا من جهة المستثمرين رغبة قوية في رفع نسب الاستثمار العقاري في الأسواق الآسيوية من كبار المستثمرين العالميين. وكشف إحصاء أن ثلاثة أرباع مستثمري العقار في أوروبا يريدون زيادة حصة محافظهم الاستثمارية في آسيا، مقابل خمسة في المائة يرغبون في المحافظة على حجمها الحالي.

وشمل الإحصاء 143 مصرفا وشركة تأمين وصندوق معاشات قال معظمها إن الرغبة في زيادة الاستثمار الآسيوي تعود إلى الحاجة إلى تنويع المخاطر ولأن العوائد الأعلى من آسيا تبدو مضمونة أكثر منها في أي موقع آخر. ويقارن هؤلاء المستثمرون عوائد العقار الآسيوي بعوائد السندات، وهم يطمحون إلى زيادة الاستثمار العقاري الآسيوي إلى حصة لا تقل عن 23 في المائة من مجمل المحافظ الاستثمارية.

وتشير خريطة العوائد العقارية الدولية إلى أن الأسواق الآسيوية تقع في المقدمة حاليا بنسبة متوقعة هذا العام تصل إلى 7 في المائة في المتوسط، وتليها أسواق شرق أوروبا بنسبة 6.6 في المائة ثم الدول الاسكندنافية بنسبة 5.3 في المائة.

ومن المتوقع أن يستمر تفوق المدن الآسيوية الرئيسية مثل طوكيو وهونغ كونغ التي يبلغ فيهما إيجار المتر المربع حاليا 108 و52 دولارا على التوالي، بزيادات تصل إلى 24 في المائة و30 في المائة تباعا.

ويعم الانتعاش المدن الآسيوية بسبب نشاطها الاقتصادي الذي ما زال يسجل معدلات نمو أعلى من مناطق أخرى في العالم. وفي الوقت الذي تعاني فيه البورصات الغربية من مخاوف انعكاسات أزمة الاقتصاد الدولي، تزحف شركات الاستثمار العقاري إلى أنحاء آسيا سعيا وراء الصفقات الكبيرة من ناحية، وأعلى معدلات للأرباح من ناحية أخرى. وهي فرصة تبدو أيضا سانحة للمستثمر العربي لو أراد أن يغامر باتجاه الشرق الآسيوي عقاريا.

وكانت إحصاءات البنك المركزي الصيني عن فترة النصف الأخير من العام الماضي قد أظهرت أن عمليات بيع العقار زادت بنسبة 53 في المائة عما كانت عليه في عام 2009. كما زاد الاستثمار العقاري في الصين خلال الفترة نفسها بنحو 11.6 في المائة أيضا، هذا على الرغم من أن الحكومة الصينية ما زالت تمارس سياسة متقشفة بالنسبة للتمويل العقاري تتبعها منذ العام الماضي. وتشير الإحصاءات الصينية إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة واحد في المائة في 70 مدينة صينية خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحده، وهي أكبر زيادة شهرية خلال العام الماضي.

وليس من المتوقع أن تهدأ الأسعار الصينية في المدى المنظور، بل إنها تتوجه إلى زيادة بنسبة 20 في المائة من الآن وحتى نهاية عام 2010 وفقا لتقديرات المحلل الاقتصادي في بنك «يو بي إس»، إيريك وونغ. وتتوافق المؤشرات نفسها مع تقديرات من جهات أخرى من بينها شركة استشارية اسمها «ستانلي إنفستمنت منجمنت». ويخشى اقتصاديون في سنغافورة أن تقبل الحكومة الصينية على إجراءات غير مدروسة في محاولاتها لتهدئة أسواق العقار التي يبدو أنها تخالف السائد في قطاعات الصين الاقتصادية الأخرى.

وتختلف مؤسسة «موديز» لتقدير الملاءة في نظرتها إلى السوق الصينية، حيث تقول في أحدث تقاريرها إن نمو الأسعار العقارية في الصين ما زالت تحت السيطرة وأن زيادة الأسعار الحالية ناتجة عن زيادة الثقة والسيولة الفائضة في السوق. وتعتقد المؤسسة أن على السلطات الصينية أن توجه المزيد من الاهتمام للبورصة وليس إلى أسواق العقار التي تبدو في حال جيدة. وتضيف شركة «لاسال» العقارية أن سوق الصين تعاني من ندرة فرص الاستثمار البديلة عن العقار مما أدى إلى زيادة الانتعاش العقاري غير المتوقع.

ويشكو عمدة مدينة شنغهاي، هان زينغ، من أن أسعار العقار في المدينة بلغت آفاقا غير معهودة قد تضر بقطاع الإسكان فيها. وهو يطالب الحكومة باتخاذ بعض الإجراءات لتهدئة السوق ومنع موجة أخرى من التضخم. وقرر زينغ زيادة تخصيص الأراضي لقطاع البناء مع اشتراط بناء وحدات اقتصادية لخدمة الطبقة المتوسطة لمساعدة الأسر محدودة الدخل.

وتعترف نائبة رئيس بنك الصين، هيسيو لينغ، أن هناك خطرا من ظهور فقاعة عقارية، وتقول إن الظروف الحالية تشير إلى زيادة الطلب غير المبرر بسبب السيولة وتراجع فائدة البنوك وانعدام فرص الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي وتوجه كافة الأموال إلى القطاع العقاري. ولكن ليس من المتوقع أن تخفف الحكومة الصينية من قيود التمويل العقاري في المدى المنظور وهي تراقب عن كثب أوضاع السوق في المرحلة الحالية وترى أن قيودها كافية لضبط السوق.