مستثمرون يكسرون قاعدة المسكن «المرفه» ويفرضون خريطة إسكانية جديدة

فرضتها التحولات الاجتماعية والاقتصادية في مدن منطقة مكة المكرمة

المساكن الاقتصادية ملاذ مفروض على ذوي الدخل المحدود (تصوير: عبد الله بازهير)
TT

دفع ارتفاع معدلات إيجارات العمائر السكنية في المجمعات والمدن الكبيرة إلى تغيير مفاهيم السعوديين عن المساكن، بالتنازل عن عادات السكنى في البيوت ذات المساحات الكبيرة التي تجمع العائلات الممتدة، والقبول بالوحدات السكنية الصغيرة، والشقق ذات المساحات المحدودة التي لا تفي إلا بالأسرة ذات العدد القليل.

أزمة المساكن التي يعيشها عدد من المدن السعودية، خاصة في منطقة مكة المكرمة، استقطبت الكثير من المستثمرين لبناء وحدات سكنية صغيرة تلبية للطلب المتنامي نحو الوحدات السكنية الصغيرة ذات «الغرفتين» وتماشيا مع حجم المرتبات المنخفضة، الأمر الذي أحدث تحولا في منطقة مكة المكرمة.

وقدرت مصادر مطلعة حجم الأموال المتدفقة في هذا الاتجاه بأكثر من مليار دولار ونصف المليار سنويا، استأثرت بها ثلاث مدن سعودية فقط، مع تنام في حجم الاستثمار يصل إلى 8 في المائة، مقارنة ببقية الاستثمارات العقارية المختلفة.

وقال عبد الله الأحمري، رئيس اللجنة العقارية في الغرفة الصناعية التجارية في جدة لـ«الشرق الأوسط، إن استثمارات العقارات الصغيرة في منطقة مكة المكرمة كانت تحت وطأة تغيرات اقتصادية كبيرة اجتاحت الصناعة العقارية، وألقت بظلالها على فئة المستفيدين، الذين كانوا في المقام الأول من فئة الشباب الواعدين والمقدمين على الانخراط في المؤسسة الزوجية.

وأضاف: «إن حجم الاستثمارات في الوحدة الصغيرة لمنطقة مكة المكرمة من فلل (دوبليكس) وشقق صغيرة ذات الغرفتين بمنافعهما، مشتملة على مدن كجدة ومكة والطائف، يصل ما بين مليار دولار إلى مليار وثمانمائة مليون دولار سنويا، وبنسبة من 5 إلى 8 في المائة عند مقارنته بحجم الاستثمارات في الأبراج والفلل والعمائر والفنادق السكنية».

وأوضح عبد الله الأحمري أن لدى السعوديين عادات وتقاليد، تجبر الجميع على التملك، أو الإيجار للمناطق السكنية الواسعة، ولم تكن لديهم في الأصل ثقافة السكن في عمائر مشتركة، وحين ارتفعت الإيجارات والعقارات، ووصلت إلى مراحل عليا، وزيادة مضطردة في أعداد السكان مرتفعة بشكل لافت، تبدد ذلك المفهوم لدى معظم الشباب وراغبي الحصول على عقارات مستأجرة.

وأشار الأحمري إلى أن الأمر الذي حدا بعقاريين نحو التوجه وطرح مشاريع سكنية للاستثمارات السكنية الصغيرة كان في مجمله مشروعا موجها نحو الأجانب، استنادا إلى مشكلات كثيرة اعترت حقبة زمنية في السابق وما زالت تداعياتها إلى اللحظة، والسبب في ذلك هو عدم تطبيق أنظمة ولوائح رسمية معمول بها من عشرات السنين وهي العلاقة بين المالك والمستأجر، مبينا أنها واضحة وصريحة وصادرة من مجلس الوزراء، تقضي بأن تقوم الجهات الحكومية بالإشراف المباشر وتنفيذ العقود بين الأطراف.

وأبان رئيس اللجنة العقارية بغرفة جدة، أن المحاكم امتلأت بعدد كبير من القضايا العالقة بين ملاك العقارات والمستأجرين، وهو ما دعا المستثمرين إلى الانخراط في تنفيذ المشاريع، التي فصلت تفصيلا دقيقا مستهدفة فئة الشباب العاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود والمتواضع من العاملين في الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وهذه المشاريع أتت كطوق نجاة لانتشالهم من تداعيات الغلاء الفاحش، الذي يعتري الأسواق العقارية في مدينة جاذبة من ناحية الوظائف، ومرتفعة في العقار.

وقال الأحمري: «المسألة تحكمها مسألة العرض والطلب، ومشكلتنا في عملية الاستثمار أن الناس إذا استثمروا في جانب، اتجه معهم آخرون نظير بيع الاستثمار العقاري الذي درج عليه، في شكل غير منظم وبعيد عن الترتيبات العقارية».

وأضاف: «نحن بحاجة إلى دفع جميع الجهات ذات الصلة إلى خلق فرص تملك لدى جميع السعوديين بلا استثناء وإبعادهم عن شبح الإيجارات بكل تداعياتها».

وتصدرت أحياء كثيرة في مدينة جدة تلك الاستثمارات تركزت في الصفا والمروة والفيصلية، التي شاعت فيها الشقق ذات الغرفتين، ورفع المستثمرون في داخل المجمعات السكنية لافتات للتعريف بوجود الغرفتين بأسعار تتفاوت ما بين 4 آلاف دولار إلى 5 آلاف دولار.

وبحسب بندر الحميدة، الخبير العقاري ورجل الأعمال، فإن «العرف» في الثقافة السكنية بدأ يتحول من خمسة عشر عاما إلى التقليل من المساحات السكنية والتوجه إلى المساكن الاقتصادية، وهو توجه على استحياء - على حد قول الحميدة - وكانت بوادر تلك الاستثمارات هي فلل على مساحة 900 م، والتحول في المنطقة الغربية إلى فلل الـ«دوبليكس» التي تبدأ من مساحة 400 م نزولا.

وأشار بندر الحميدة، إلى أن شغر بعض الغرف في عمليات الاستئجار لدى السعوديين معطل، وبحسابات اقتصادية فإنه من الممكن الاستغناء عنها خاصة غرفة الطعام وصالون الضيوف، مؤكدا في ذات السياق، أن تدني مستوى الرواتب هو ما دفع بأولئك الشباب نحو التفكير مليا وطلب استئجار المساكن الصغيرة، إذ إنه من غير الممكن منطقيا الزج بثلث راتب ضعيف دفعة واحدة في عملية الإيجار.

ومن خلال ممارسة حياتية، يقول الحميدة إن التنامي في حجم تلك الاستثمارات بات جليا، والمرحلة القادمة هي فقط مرحلة المساكن الاقتصادية نحو الهروب من إيجارات تربك العمليات الحسابية الاقتصادية لدى الكثير من العائلات والأسر السعودية.

وحول إن كانت ظاهرة صحية، أفاد الحميدة بأنها كذلك في ظل الخروج من عملية حسابية معقدة، خاصة إذا كانت فئة الغرفتين مضافة إلى صالون كبير فإن عملية الترغيب تزيد حظوتها لدى فئة الشباب، وهي نقطة تحول وتعامل منطقي مع ظروف الحياة ريثما تحسن الوضع المعيشي وبلورة وضع اقتصادي أقوى في مقتبل الأعوام.

وأورد من جانبه أحمد الزهراني، أحد المقبلين على الزواج في الصيف المقبل ويرغب في الحصول على شقة سكنية للإيجار، أن الحاجة دفعته نحو تقديم الكثير من التنازلات الاجتماعية تجاوبا مع شح الراتب الذي يتقاضاه والذي أصبح مقسما بين الفواتير والمصاريف التي يفرضها الغلاء المتصاعد في الأمور المعيشية، واصفا ذلك بقوله: «اتفقت مع زوجتي، التي لم تمتعض من فكرة الغرفتين، على أمل تحسن دخلي الشهري ومن ثم الانتقال إلى شقة أكبر بعد أن يرزقني الله بدخل أعلى».