نظرة جديدة لمباني الطوب الأبيض في نيويورك

تتميز بالخطوط البسيطة والإطارات الرمادية للنوافذ والأسطح الملساء التي تجعلها ذاتية التنظيف

إمبريال هاوس واحد من 140 عمارة سكنية مشيدة من الطوب الأبيض في مدينة نيويورك («نيويورك تايمز»)
TT

عندما بدأت لوري بيرغر البحث عن مكان مؤقت داخل مانهاتن قبل ثلاثة أعوام، وضعت أمامها مجموعة من الأولويات. وكانت تفضل الجانب الغربي من المدينة على الجانب الشرقي؛ لأنه - ببساطة - يسهل الطريق من مسكن العائلة الرئيسي في فيرفيلد بولاية كونيتيكت إلى المدينة. وكانت تريد مساحة مفتوحة، وهو ما جعل معظم المباني المشيدة قبل الحرب (أي بداية من أواخر ثلاثينات القرن الماضي) غير مطروحة. ولأنها اختبرت مع زوجها ترميم مطبخ وحمام في المنزل؛ لذا كانا يريدان شقة يستطيعان الانتقال إليها فورا.

لم تنجذب بيرغر بقوة عندما رأت المبنى رقم 165 في الجانب الغربي، شارع رقم 66، ولكنها تذكرت بعد ذلك قول أبيها: «أنت تعيشين داخل المنزل، وليس خارجه».

وهذه هي الطريقة التي اشترت بها بيرغر شقة بها غرفة نوم واحدة، داخل مبنى من الطوب الأبيض ذي السطح الأملس، ولفترة طويلة كان يُنظر إلى مباني الطوب الأبيض على أنها مثل الفائز بجائزة الأداء المشرِّف في سباق العقارات؛ فلم تكن تحتوي على التفاصيل القديمة للمباني المشيدة قبل الحرب، ولا على الحداثة الرائعة التي تتميز بها الأبنية ذات الحوائط الزجاجية الجديدة.

وقد أنشئت مباني الطوب الأبيض من أجل الطبقة الوسطى المكافحة خلال الخمسينات والستينات؛ عندما ظهر نحو 140 مبنى وسط المباني المشيدة من الطوب الأحمر والطوب الرملي الأسمر داخل المدينة. ولكن في هذه الأيام، تمثل هذه المباني عنصر جذب لمن يرغبون في ترشيد نفقاتهم، وأمام عشاق تصميم منتصف القرن الماضي، ويرجع ذلك إلى الشكل الجمالي المعتمد على البساطة.

وتقول بيرغر: «أعلم أنه لم يكن به إغراء المباني المشيدة قبل الحرب أو المباني الزجاجية الحديثة، ولكنني فكرت كثيرا في نصيحة والدي».

وكانت الشقة بها ما تريده؛ خزانة للملابس، وشرفة صغيرة يمكنها الجلوس فيها واحتساء كوب قهوة وقراءة الصحف. وبسبب أثر الرطوبة على الطوب الأبيض، يجري حاليا استبدال واجهة المبنى بواجهة ذات لون رمادي داكن.

وتقول بيرغر: «سأحبه كثيرا في الوقت الحالي؛ لأنه لا يشبه مباني الستينات بدرجة كبيرة، وأعتقد أنه إذا ما رغبت في بيعه؛ فإن ذلك يعتبر قيمة ثمينة».

ومع استثناءات قليلة، وعلى رأسها مانهاتن هاوس، الذي صممه المعماري غوردون بونشافت في «ثيرد أفينيو»، والشارع 66، لا تحظى هذه الأبنية بالكثير من التقدير.

وخلال العقد الماضي، نالت الرطوبة من المبنى رقم 35 في الجانب الشرقي، الشارع رقم 85، والمبنى رقم 400 الجانب الشرقي، الشارع رقم 85، واختار كلا المبنيين إخفاء الطوب الأبيض، واختارا واجهات من الطوب الأحمر تذكر بالطراز المعماري الجورجي.

ويقول كرايغ تومان، وهو شريك في شركة «كيتسوجورج تومان آند آلن» التي عملت في المشروعين، بالإضافة إلى أعمال الترميم في المبنى رقم 900 في «فيفث أفينيو»، وهو مبنى آخر من الطوب الأبيض، تم الانتهاء منه العام الماضي: «عندما شرعنا في عملية التصميم، أخبر السماسرة الهيئات (المختصة) أن التغيير إلى الطوب الأحمر سوف يزيد من قيمة شققهم». ويقول تومان عن هذا المبنى: «فكرنا في استخدام اللون الرمادي الداكن، ولكنه معلم بارز، وعارضت لجنة الحفاظ على المعالم البارزة ذلك».

ويرى محبو الطوب أن عمليات التجديد ليست جاذبة.. وتقول فرانسوا بولاك، وهي معمارية وأستاذة مشاركة في جامعة كولومبيا: «عندما يتم استبدال الطوب الأبيض بالطوب الأحمر وقاعدة تاريخية من الجير، أرى أناسا لا يثقون في المستقبل، بل يريدون شيئا تاريخيا لأنه أنيق، وسوف يأسفون لذلك بعد 20 عاما».

وشأنها شأن غيرها من المعجبين بالمباني المشيدة من الطوب الأبيض، تتحدث بولاك وكريس فوغاتري، أيضا مهندسة معمارية، باستحسان عن الخطوط البسيطة لهذه المباني والمشاهد الخارجية غير المزينة، والإطارات الرمادية الأنيقة للنوافذ، وأبراج الأسقف التي يحيط بها الطوب المزخرف، والارتدادات الجدارية المدرجة، والأسطح الملساء التي كانت من المفترض أن تجعل المباني ذاتية التنظيف.

«الطوب الأبيض هو هذه المادة البسيطة اللطيفة»، هكذا قالت فوغاتري، وهي شريكة في شركة «فوغاتري فينغر» للتصميمات المعمارية، التي دمجت جزءا من هذه «المواد البسيطة» في تصميمها لبرج سكني زجاجي سيتم بناؤه في الطريق الأول المتفرع، الشارع رقم 51، خلال العامين المقبلين.

وقالت فوغاتري: «أصبحت المباني المشيدة من الطوب الأبيض مظهرا سيئا للغاية. ويقول الناس، بعيدا عن مانهاتن هاوس، إن شكلها أصبح مريعا، والصحيح أن الكثير منها مجرد نسخ غير متقنة. وترى الكثير من ذلك يحدث في هذه الأيام مع النسخ غير المتقنة من الهياكل الزجاجية التي شيدها المعماري ريتشارد ميير».

وفي الحقيقة، تنقسم الآراء بشأن المباني المشيدة من الطوب الأبيض ذات السطح الأملس منذ أن بدأ الخليط الإسمنتي يجف على واجهاتها اللامعة قبل 60 عاما.

وقال فريدريك بيل، المدير التنفيذي لقسم نيويورك بالمعهد الأميركي للمعماريين: «لقد كانت نوعا من بداية جديدة بعد عقدين من المشكلات. لقد مثل الطوب الأبيض الأسلوب الجديد الذي يُنظر به إلى الكميات الضخمة من الزجاج على أنها تقدمية. إنه شيء مُرحب به، وبمثابة رد فعل ضد أكوام الحجر الجيري في الطريق الخامس وطريق بارك. لقد تحدثت إلى مستقبل نيويورك».

ولا يبدو أن هذا المستقبل يشمل الأسر؛ حيث إن الشقق في المباني المشيدة من الطوب الأبيض معظمها شقق صغيرة، تحتوي على غرفة نوم واحدة أو غرفتين. وقالت كاثرين هازباند، طالبة بجامعة كولومبيا، وتكتب موضوع رسالة الماجستير الخاصة بها حول المباني المشيدة من الطوب الأبيض: «لن تحتوي على أماكن للإقامة الدائمة. قال أحد الإعلانات إن هذا المبنى مثالي بالنسبة إلى الشباب المتزوجين حديثا، ورجال الأعمال وسيدات الأعمال».

وبالنسبة إلى الأشخاص الذين ينظرون إلى هذه المباني على أنها تضيء الأفق، اعتقد آخرون أنها في غير محلها؛ ففي غرينويتش فيليدج، على سبيل المثال، يُنظر إلى الطوب الأبيض على أنه يدمر الطبيعة غير المقيدة بعرف في المنطقة.

كما أن هذه المباني، كما هو الحال الآن، كانت تعاني نوعا من أزمة الهوية. كان يتم التباهي بها على أنها مساكن فاخرة، لكن الكثير منها كانت به تصميمات بسيطة تشمل العناصر الأساسية فقط؛ حيث تحتوي على مطابخ صغيرة وعدد قليل من الممرات. وتحتوي على أحدث وسائل الراحة (أجهزة تكييف الهواء المركزي، والكثير منها يوجد به مرائب للسيارات). لكن أسماءها في الغالب أسماء إنجليزية مثل «تاونسند هاوس»، و«ويستمنستر هاوس» التي تشير إلى تاريخ عريق. وقالت هازباند: «إنها تجتهد أن تحتوي على العنصرين الأساسيين بتوفير وسائل الراحة الحديثة؛ في حين تستحضر روح الماضي».

وقالت كاثي برادوك، مستشارة عقارية: «إنها ليست جذابة، لكنها عملية. إنها تشبه الشخص الوسيم والجاد؛ فالنوافذ حجمها معقول، والأروقة نظيفة وحجمها معقول».

وأردفت قائلة: «لا أحد يدخلها ويقول: لا أستطيع الانتظار لشراء شقة في أحد المباني المشيدة من الطوب الأبيض. لكن بعدما يرون المنظر بالكامل، تبدأ المباني المشيدة من الطوب الأبيض تبدو مثيرة للاهتمام. إنك تحصل على قيمة كبيرة مقابل الأموال التي تدفعها».

وعلى سبيل المثال، يبلغ السعر المعروض في شقة صغيرة (استوديو) في المبنى المشيد من الطوب الأبيض رقم 301، في الجانب الشرقي، شارع رقم 69، نحو 349 ألف دولار، وصيانة شهرية تبلغ 641 دولارا، حسبما ذكر ستيوارت موس، نائب رئيس شركة «كوركوران» التي لديها قائمة بهذه الشقق. ويبلغ سعر شقة صغيرة مشابهة في أحد المباني المشيدة قبل الحرب في المبنى رقم 205، في الجانب الشرقي، شارع رقم 78، نحو 389 ألف دولار، إضافة إلى صيانة شهرية تبلغ 879 دولارا.

وعلى الجانب الغربي من المدينة، عرض موس شقة تحتوي على غرفتي نوم وحمامين في المبنى رقم 150 الجانب الغربي ويست إند، المشيد من الطوب الأبيض عام 1961، بسعر 1.199 مليون دولار، إضافة إلى صيانة شهرية تبلغ 2398 دولارا. كما يبلغ سعر شقة أخرى في أحد المباني المشيدة قبل الحرب تحتوي على غرفتي نوم وحمامين في المبنى رقم 260 الجانب الغربي، في ويست إند 1.399 مليون دولار، وصيانة شهرية 2569 دولارا.

إن الأمر في الغالب يتم عن طريق المبادلة، حسبما يقول الوسطاء؛ فالأسقف في المباني المشيدة من الطوب الأبيض قد تكون أكثر انخفاضا مقارنة بالمباني المشيدة قبل الحرب، لكن البار قد يكون أيضا أكثر انخفاضا. وقد لا تحتوي الشقق في المباني المشيدة من الطوب الأبيض على أروقة أو غرف معيشة أو غرف فسيحة للخادمات، لكنها «تحتوي على غرف فسيحة وحمامات كبيرة الحجم»، حسبما ذكر إل أليس ريد، نائب رئيس شركة «إدوارد لي كيف»، وهي شركة تابعة لشركة «براون هاريس ستيفنز». وأضاف: «في المباني المشيدة قبل الحرب وعند المستوى نفسه من الأسعار، تكون غرف النوم في بعض الأحيان صغيرة للغاية».

وإحدى النقاط الأخرى المميزة أثناء بيع الشقق في المباني المشيدة بالطوب الأبيض، حسبما تقول تامي شاوول، نائبة رئيس مجموعة «كوركوران»، هي السهولة النسبية في دمج الوحدات وإجراء الترميمات. وقالت شاوول: «الجدران أكثر سمكا في المباني المشيدة قبل الحرب. ولا تعرف أين توجد الأنابيب».

وقالت إليان ريمر، نائبة الرئيس التنفيذي في شركة «هولستيد بروبرتي»، التي عاشت في ثلاث شقق مختلفة في المبنى المشيد من الطوب الأبيض رقم 303، الجانب الغربي، شارع 57، إنها وجدت أن المباني المشيدة قبل الحرب «مظلمة وكئيبة».

وقالت: «أحب الشعور الأكثر سعادة والأكثر إشراقا في المباني المشيدة من الطوب الأبيض. تم تشييد هذا المبنى بحكمة لا تصدق. لقد تم تشييده بهذه الطريقة التي تجعلك تشاهد جميع أنحاء مانهاتن».

وفيما كان هوارد فايتسمان وزوجته آرلين بلات يفضلان العيش في أحد المباني المشيدة قبل الحرب؛ فكل ما أراداه في الحقيقة كان منظرا جميلا وهيكلا جيدا. وقال فايتسمان، مطور عقاري: «إننا نبحث عن شقة نستطيع ترميمها، شقة تتيح لنا شعورا بالرقي». لذا في عام 2007، اشترى الزوجان شقة حجمها 1400 قدم مربعة «توجد بها حمامات في كل مكان» في 25 ساتون بليس ساوث، وهو مبنى مشيد من الطوب الأبيض، لكن لونه في الواقع قرنفلي باهت.

وقال فايتسمان: «يركز التصميم في الشقة الخاصة بي على التصميم الحديث لمنتصف القرن. وقدم ذلك لي شقة أكثر نظافة بالمقارنة بشقة في أحد المباني المشيدة قبل الحرب، التي كنت سأشعر فيها أنني أدمر شيئا جميلا».

وأضاف: «أتمنى أن يكون لدينا أسقف عالية ونوافذ أكبر حجما. لكن الحياة مليئة بالحلول الوسط».

وبطبيعة الحال، تم إنشاء المباني المشيدة من الطوب الأبيض بالتساوي. إنها بمثابة نجوم، مثل: مانهاتن هاوس، وإمبيريال هاوس، في الشارع رقم 69؛ بين ليكسينغتون والطريق الثالث، وهو أحد مشروعات المصمم إيمري روث، وكذلك مبان أكثر بساطة مثل المبنى رقم 250 الجانب الشرقي شارع رقم 65، والمبنى رقم 201 الجانب الشرقي شارع رقم 66، والمبنى رقم 200 الجانب الشرقي شارع رقم 74، حسبما ذكر موس، الذي أضاف أن الموقع غالبا ما يشكل الطريقة التي يتم بها استيعاب المباني المشيدة من الطوب الأبيض، وتسعيرها.

وقال: «عندما تكون في طريق بارك أو الطريق الخامس أو سنترال بارك ويست، تبدو غير متناغمة مع الفنون المعمارية في المنطقة. أعتقد أن قيمتها تتضرر بصورة كبيرة في بيئات من هذا القبيل. لكن عندما يكون الفرد أحد المشترين في الطريق الثالث؛ فإنك تتوقع أن تعرض عليه أحد المباني المشيدة من الطوب الأبيض، والمباني التي تبدو أفضل في هذا السياق. وفوق كل ذلك، فإن المباني المشيدة قبل الحرب هي التي تبدو في غير محلها».

* خدمة «نيويورك تايمز»