انخفاض اليورو وتراجع الأسعار يوفر فرصا سعرية غير مسبوقة

التوقيت مناسب للاستثمار في عقارات البحر المتوسط

مواقع البحر المتوسط تعود إلى واجهة أسواق العقار («الشرق الأوسط»)
TT

في معرض للعقار في منطقة البحر المتوسط عقد في لندن قبل أسبوع كان الإقبال على العقارات الساحلية في منطقة اليورو أكبر من المتوقع لعدة أسباب منها انخفاض سعر اليورو وتراجع أسعار العقارات الأوروبية عن الذروة التي كانت قد بلغتها عام 2008. كما زاد من زخم المعرض رغبة البريطانيين في السفر إلى مواقع مشمسة بعد شتاء قارس البرد هذا العام. وأشار هذا المعرض إلى بداية موجة انتعاش جديدة في العقارات الأوروبية تواكب دخول فصل الصيف الذي يمثل ذروة نشاط البيع والشراء في الأسواق الأوروبية.

وكان الاختيار يجري بين ما يعتبره المستثمرون مواقع آمنة للاستثمار، وهي المواقع التقليدية التي توجه إليها الاستثمار في الماضي مثل إسبانيا وإيطاليا، والمناطق الواعدة الجديدة. وتقول باربارة وود من شركة «بروبرتي فايندر» إنها تنصح عملاءها بالتوجه إلى المناطق المضمونة وإغفال المناطق الواعدة في الوقت الحاضر، لأنها المناطق التي تتراجع بنسب أقل في أوقات الكساد وتكون أول المناطق ارتفاعا مع عودة الانتعاش. ولأنها تتخصص في إسبانيا فهي تنصح بمناطق مثل جزيرة مايوركا وشواطئ كوستا برافا وكوستا بلانكا ومناطق كتالونيا التي يشتري فيها أثرياء برشلونة، بالإضافة إلى المناطق الشمالية بالقرب من الحدود الفرنسية. أما المناطق غير المعروفة والتي قد تتطور وقد تتدهور في خلال خمس سنوات فيجب الابتعاد عنها. وهي تؤكد أن الالتزام بالمناطق التقليدية له ما يبرره لأن حتى هذه المناطق شهدت تراجعا في الأسعار. وفي مدينة ماربيا المرغوبة عربيا تراجعت فيها الأسعار، حتى في المناطق الراقية مثل بورتو بانوس، إلى ما كانت عليه عام 2003. وهي أسعار تقل بنسبة 20 في المائة عن أسعار الذروة عام 2007 و2008.

وهي تنصح هؤلاء الذين يعتبرون أن مناطق النخبة الإسبانية قد تفوق قدراتهم المالية أن يعيدوا التفكير مرة أخرى في الظروف الراهنة بعد انخفاض الأسعار، أحيانا بنسب تصل إلى 30 في المائة. وهي تؤكد من تجربتها الشخصية أنها حققت صفقة بيع لفيلا في ماربيا انخفض ثمنها من 1.6 مليون يورو إلى 900 ألف يورو. وفي حالة أخرى لبائع مضطر للتخلص من عقاره انخفض السعر في شقة تطل على البحر في سان بدرو من 1.5 مليون يورو إلى 580 ألف يورو.

ومن المتوقع أن تستمر مايوركا في جذب المزيد من الاهتمام السياحي والعقاري بعد استثمارات كبيرة في منشآتها السياحية. وهي حاليا تضم أكبر مرفأ سياحي لليخوت السوبر في البحر المتوسط. كما تضم إلى جانب المنشآت الحديثة الكثير من العقارات التقليدية التي تم ترميمها بأسلوب جذاب.

أما إذا كانت الرغبة هي في فيلا إسبانية تقليدية، فهناك فيلا في الأندلس بالقرب من مدينة روندا التاريخية تقع وسط أراض مساحتها 12 فدانا وبها حمام سباحة تحت أغصان أشجار التين والزيتون. وكان السعر المطلوب لهذه الفيلا 1.5 مليون يورو، وتراجع إلى 1.1 مليون ثم إلى 920 ألف يورو وهو السعر المطلوب فيها حاليا.

وتقول وود إنه بالسعر نفسه يمكن شراء فيلا في منطقة كوستا ديل سول قريبة من البحر على مساحة نصف فدان، يمكن بالسفر 20 كيلومترا إلى داخل الأراضي الإسبانية شراء فيلا تقع على مساحة 20 فدانا وبها إسطبلات للخيول ومزارع لأشجار الزيتون.

وتضيف وود أن المزادات توفر فرصا جيدة لشراء العقارات التي يريد أصحابها صفقات فورية فيها. وتصلح هذه الصفقات للمشترين نقدا وهم يحققون أسعارا جيدة فيها. وتشهد المزادات الكثير من العقارات المصادرة بسبب عدم القدرة على التمويل. ومن أمثلة ذلك بيع بلدية مدينة ملقة لشقة فاخرة مصادرة كان تقديرها الأصلي 1.2 مليون يورو بسعر لا يزيد عن 420 ألف يورو، وجرت الصفقة قبل أن تعرض الشقة في المزاد.

أما السوق الإيطالي فيتميز بانتهاء فترة الخمول في الأسواق التي كانت سائدة في الأسواق خلال السنوات الماضية، كما تقدم الحكومة الإيطالية إعفاءات ضريبية سخية للمستثمرين الراغبين في تجديد العقارات القديمة والأثرية. وتعتقد مصادر السوق أن إيطاليا تقدم هوامش نمو كبيرة، وأن المستثمر الأجنبي مرحب به في إيطاليا. وتختلف إيطاليا كثيرا في تضاريسها ومناطقها وبها سلسلتان من الجبال هي الألب والأبينين، وتمتد جبال الألب لمسافة 600 ميل من الشرق إلى الغرب وتقع بالقرب منها سفوح وبحيرات مثل بحيرتي كومو وغاردا. كما تضم إيطاليا أيضا جزيرتي صقلية البركانية وسردينيا.

تجدر الإشارة إلى تنوع الاقتصاد الإيطالي بين المناطق المختلفة وبالتالي قد يكون من الأفضل النظر إلى الأقاليم الإيطالية كل على حدة وعدم اعتبار السوق الإيطالية سوقا متجانسة.

ومن أهم المناطق التي ارتفعت أسعارها كثيرا في العامين الأخيرين منطقة توسكاني، وإلى حد ما منطقة أمبريا وجزيرة سردينيا. وهناك الآلاف من العقارات الإيطالية المعروضة للبيع في المناطق الريفية ما زالت تعتبر بين الأرخص أوروبيا. ولكن الاستثمار الأجدى قد يكون في المدن النامية في مجالات الصناعات والخدمات الحديثة مثل تورينتو وميلانو. وتعتبر المناطق التالية واعدة في الاستثمار العقاري في إيطاليا:

* توسكاني: وهي أهم وأشهر منطقة إيطالية، وأيضا الأغلى ثمنا عقاريا. وتنافس توسكاني الكثير من المناطق السياحية الأوروبية في اجتذاب الاستثمار العقاري الأجنبي. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار العقار فيها فإنها ما زالت تجتذب الكثير من المستثمرين الذين يبحثون عن عقارات ذات مواقع متميزة.

* أمبريا: وهي منطقة جبلية بلا شواطئ تقع في المنتصف تقريبا من شبه الجزيرة الإيطالية. وتنتشر بها الجبال التي تكتسي قمما بيضاء في الشتاء والوديان الخصبة طوال العام. وينبع منها نهر تايبر الذي يتوجه نحو روما. وهي تتسم بشبكة مواصلات ممتازة ومطار دولي قريب في روما..

* كالابريا: وهي منطقة طبيعية تقع فيها مدينة سكاليا التاريخية التي تمتد على مرتفع في وسطها وما زالت تحتفظ بالسور القديم الذي يحيط بها منذ العصور الوسطى. وهي تحتفظ بالطابع التقليدي لحارات ضيقة داخلها يمنع فيها مرور السيارات، ودرجات من السلالم تربط بين أنحائها الجبلية.

* بوغليا: وهي تقع في الجنوب الشرقي من إيطاليا وتشتهر بمساحات زراعية شاسعة تنتج الزيتون والكروم. وهي منطقة ذات تاريخ عريق وبها الكثير من القلاع وتمتاز بالهدوء والسكينة ولكنها منعزلة بعض الشيء عن زخم بقية المناطق الإيطالية.

وتختلف الأسعار كثيرا بين منطقة وأخرى وفقا للموقع وسعة العقار ونوعه وحالته. وفي القطاع المتوسط يمكن شراء منازل ريفية في حدود 120 ألف يورو بينما تبدأ أسعار العقارات التي تحتاج إلى ترميم من نحو 20 ألف يورو. وتختلف تكاليف المعيشة في إيطاليا أيضا وفقا للمناطق، حيث تميل المناطق الشمالية إلى ارتفاع الأسعار بالمقارنة مع مناطق الجنوب الريفية. وتماثل المدن الإيطالية الرئيسية في تكاليف المعيشة الكثير من المدن الأوروبية الأخرى خارج إيطاليا.

وخارج منطقة اليورو، يقول جوليان ووكر الذي يدير موقع عقارات متخصص في تركيا اسمه «سبوت بلو» إن الوقت ملائم الآن للشراء في تركيا نظرا لاستقرار الأسعار والقيمة التي تقدمها هذه العقارات بالمقارنة مع بقية أنحاء أوروبا. وهو يعرض عقارات في الكثير من المواقع التركية ويقول إن فيلا في موقع سياحي مثل كالكان يصل ثمنها إلى 400 ألف يورو تقدم قيمة تمثل ضعف ما تقدمه فيلا في أي موقع في جنوب أوروبا. وهو يقول إن السوق التركية تتمتع بسيولة مالية عالية، حيث يوجد عدد أكبر من المليونيرات في إسطنبول عنها في أي مدينة أوروبية أخرى، كما أن نشاط السياحة زاد هذا العام بنسبة 20 في المائة عما كان عليه في بداية العام الماضي.

وتعتبر تركيا أحد أرخص أسواق منطقة البحر المتوسط وهي من الأسواق الجاذبة بشدة للاستثمار العقاري الأوروبي والأجنبي على أساس أن هذه العقارات يمكن أن تزيد في قيمتها إذا ما قبلت عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وقد حدث هذا من قبل في الأسواق التي اكتسبت عضوية الاتحاد الأوروبي ودخلت ضمن منظومة اليورو. ولكن تركيا، بمقاييس أوروبا، ما زالت سوقا فقيرة، وهي متأخرة عن أوروبا قانونيا ونموا عقاريا بنحو 20 عاما، وما زالت معظم الصفقات العقارية فيها تجري نقدا بلا أي استعانة بالتمويل المصرفي.

وتؤكد شركة «نايت فرانك»، وهي من كبرى شركات العقار الدولية الموثوق فيها، أن تركيا تعد من أكثر الأسواق مرونة في الوقت الحاضر وأن أسعار العقار فيها مرشحة للزيادة بنحو 10 إلى 15 في المائة خلال العام الجاري. وتسجل شركة تغيير عملة متخصصة أن الطلب البريطاني على العقارات التركية تضاعف ثلاث مرات في العام الأخير، كما توقع تقرير مصرفي أن تكون تركيا هي ثالث أكبر سوق للاستثمار العقاري للبريطانيين، حيث يوجد حاليا نحو 23 ألف مستثمر بريطاني في تركيا. وهم يتركزون في المناطق الساحلية مثل كوساداسي على بحر إيجه وألانيا على البحر المتوسط.

وضمن خطط الحكومة التركية لمضاعفة عدد السياح الزائرين إلى عشرة ملايين سائح في عام 2012، تستثمر الحكومة التركية في الكثير من مشاريع البنية التحتية والخدمات السياحية بما فيها ملاعب غولف منتشرة على ساحل دالامان. وهي تشجع أيضا مشاريع المطارات والرحلات السياحية المباشرة للكثير من المناطق. وتطير شركات الطيران الرخيص مثل «إيزي جت» مباشرة إلى دالامان وإسطنبول حاليا. كما يجري بناء مطار جديد شمال مدينة إزمير سوف يفتح مناطق كبيرة للسياحة والاستثمار العقاري لم تكن مشهورة من قبل، وتقتصر الآن على الأتراك فقط.

وفيما يتوسع الاستثمار العقاري خارج نطاق إسطنبول نظرا لأن الأسعار خارجها أرخص وتتراوح بين 70 و180 ألف دولار لمنازل وشقق من غرفتين، إلا أن الاستثمار يركز أيضا على إسطنبول الخلابة، خصوصا على جانبي مضيق البوسفور. وتباع العقارات بسعر المتر المربع الذي يبدأ من نحو 1400 دولار، بحيث يمكن شراء شقة استوديو في المدينة بنحو 80 ألف دولار. وهناك مشاريع جديدة تتيح مثل هذا الاستثمار مثل مشروع «لايف ستوديو» بالقرب من مطار أتاتورك الدولي، ومشروع «أستروم تاورز» على بعد ستة أميال من المطار، وهو مشروع تتوقع له بعض أوساط العقار الارتفاع في القيمة بنسبة 30 في المائة في غضون عام واحد.

وتبقى منطقة بودروم هي الأكثر شعبية للسياح الأوروبيين في تركيا، وهي تشتهر أيضا بين زوار الشرق الأوسط بسبب طبيعتها السياحية وسهولة الوصول إليها. وهي تروق أيضا للمستثمرين من كل القطاعات وحتى الفئات الفاخرة التي تقبل على فيلات ساحلية لا تقل قيمة الواحدة منها عن مليوني دولار.

المعيشة في تركيا ما زالت منخفضة التكاليف، وهي من أرخص المواقع في أوروبا، حيث يمكن مثلا تغطية تكاليف وجبة عشاء فاخرة لشخص واحد بأقل من 11 يورو. وأخيرا فإن تركيا تتمتع بقدر كبير من الأمان حيث معدلات الجريمة فيها منخفضة وتعد الأدنى بالمعدلات الأوروبية.

وتقبل تركيا في الوقت الحاضر على الكثير من عمليات التحديث، فهي تبني في الوقت الحاضر نحو 17 ملعبا للغولف، وتجدد ثلاثة مطارات، كما تحفر نفقا سوف يخفض مدة السفر بين مطار دالامان ومنتجع فاثي من 45 دقيقة إلى نصف ساعة فقط. وهي لا تعاني من مشكلات المياه العذبة، مثل الكثير من المواقع الأوروبية الأخرى في حوض المتوسط، حيث تصدر تركيا المياه العذبة للخارج. وتبدو تركيا جذابة في الوقت الحاضر بالإضافة إلى المناطق العقارية التقليدية في إسبانيا وإيطاليا.