شقق «وان هايد بارك»: أغلى مشروع عقاري في لندن

المرحلة الأولى بيعت بالكامل لمشترين أجانب بينهم عرب .. ويضم شقة قيمتها 100 مليون جنيه إسترليني

وسط لندن يشهد منافسة ضارية بين أكثر من مشروع عقاري فاخر («الشرق الأوسط»)
TT

عرض الأخوان «كاندي آند كاندي» هذا الأسبوع شقة في الطابق السادس في مشروع «وان هايد بارك» ضمن بداية المرحلة الثانية في أغلى مشروع عقاري في لندن، بعد أن نفدت كل شقق المرحلة الأولى. وعلى الرغم من أجواء الكساد والتقشف التي تعيشها بريطانيا في الوقت الحاضر، فإن جميع وحدات المرحلة الأولى في المشروع نفدت بالكامل. وقال نيكولاس كاندي إن الأغلبية الساحقة، وبنسبة 90 في المائة من المشترين كانوا من الأجانب، من بينهم روس وعرب وآسيويون.

وبلغ ثمن الشقة المعروضة في المرحلة الثانية من المشروع نحو 25 مليون جنيه إسترليني، وهي في الطابق السادس من العنوان المشهور «وان هايد بارك». ولا تزيد مساحة الشقة على أربع غرف مع أربعة حمامات بالإضافة إلى غرفة استقبال وغرفة مكتب ومطبخ. وتطل الشقة على حديقة «هايد بارك»، فوق قمم مجموعة من أشجار الحديقة التي يقترب ارتفاعها من مستوى الطابق السادس. وهي فاخرة التجهيز بمواد مثل الرخام والبورسلين، مع تشغيل الوظائف كافة بالريموت كونترول؛ من التعرف على الضيوف خارج الباب عبر الكاميرات، إلى فتح الباب لهم، حتى تحريك الستائر والأجهزة كافة في الشقة. وتتفوق الشقة في التجهيزات الأمنية أيضا، حيث الزجاج الخارجي على النوافذ مضاد للرصاص ويزن نحو طنين. وتصل مساحة الشقة إلى نحو 4700 قدم مربع، أي ما يعادل مساحة منزل كبير الحجم.

وبيعت شقق المرحلة الأولى بمبلغ 768 مليون جنيه إسترليني، ثم توقف المشروع لفترة في أعقاب صدمة الأزمة الاقتصادية، واستأنف كاندي مبيعات المرحلة الثانية خلال الأسابيع الأخيرة وبدأ الشراء يتوالى من أثرياء أجانب يريدون أن يكون لهم موطئ قدم في لندن. وقال نيكولاس كاندي إن هناك تعاقدات ملزمة لبيع ثلاث شقق أخرى بمبلغ إجمالي يصل إلى 55 مليون جنيه إسترليني، كما عبر عن ثقته في بيع ثلاث شقق أخرى بمساحات أكبر يبلغ ثمنها الإجمالي أكثر من مائة مليون جنيه إسترليني. وهو يعتقد أنه سوف يبيع كل الوحدات البالغ عددها 80 شقة، كلها من تصميم المصمم ريتشارد روجرز، بنهاية العام الحالي.

ومن ضمن الوحدات المعروضة ما يمكن اعتباره أغلى شقة في العالم، حيث يبلغ ثمنها مائة مليون جنيه إسترليني، ويتم الانتهاء من تشطيبها في نهاية العام الحالي. وهي مزودة بنظام لتنقية الهواء فيها بالإضافة إلى غرفة أمان للاستخدام في حالات الطوارئ. وتتصل الشقق بممر تحت أرضي يصل مباشرة إلى الفندق الفاخر المجاور، «ماندرين أوريينتال». وتحقق شقق «وان هايد بارك» الرقم القياسي في أسعار لندن بقيمة ستة آلاف جنيه إسترليني للقدم المربع الواحد، وهي أعلى من الرقم القياسي السابق الذي كان لشقة فاخرة على طابقين في حي بلغرافيا بلغ سعر القدم المربع فيها 4200 جنيه إسترليني.

وتقع المنطقة وسط الحي التجاري في لندن وهي قريبة أيضا من الحي المالي، وفيها خيارات كثيرة لمطاعم فاخرة ومسارح ومقاه. ويقع العقار على مرمى حجر من محلات «هارودز» و«هارفي نيكولز». ولم يتسلم معظم المشترين من المرحلة الأولى شققهم بعد، ولكنهم دفعوا نصف إجمالي الثمن ولم ينسحب أي منهم من التعاقد خلال فترة الأزمة الاقتصادية في العامين الماضيين. وقد استفاد المشترون الأجانب من ميزة أخرى وهي تراجع قيمة الجنيه الإسترليني أمام الدولار واليورو مما خفض من الثمن المتبقي بنسبة كبيرة.

وكان كونسورتيوم من الشركات يملك فيه الأخوان كاندي نسبة الثلث قد اشترى مبني «وان هايد بارك» لتطويره بمبلغ 150 مليون إسترليني عام 2004 وكان المبني حينذاك مجرد مجموعة من المكاتب التي بنيت في الستينات اسمها «بووتر هاوس».

وعلق مدير قسم الأبحاث في القطاع الإسكاني بشركة «نايت فرانك» العقارية ليام بيلي أن «وان هايد بارك» يثبت أن القطاع الفاخر جدا في لندن لم يتأثر بالكساد وأنه ما زال قويا. وهو يشير إلى أن الإنجاز الذي حققه مشروع «وان هايد بارك» على قمة هرم العقار اللندني ليس استثنائيا وأن تأثير المشروع كان إيجابيا على القطاع كله لأنه رفع من قيمة العقارات الفاخرة من 2500 جنيه إسترليني للقدم المربع عام 2006 إلى أربعة آلاف جنيه إسترليني العام الماضي.

وهو يشير إلى أن أكبر مجموعة من المشترين في المشروع هم من الروس، حيث يمثلون ثلث المشترين، كما أن ربع المشترين من الشرق الأوسط والنسبة الباقية مقسمة بين الأوروبيين والأميركيين والبريطانيين. ويشير هذا التوزيع الجغرافي للمشترين إلى موقع لندن كعاصمة عالمية.

وتنظر الأوساط العقارية في لندن إلى مشروع «وان هايد بارك» على أنه أغلى مشروع في العالم. وجرى اختيار شركات تنفيذ المشروع عن طريق التعيين والاتفاق على الثمن وليس عبر مناقصات علنية. وشمل الشركة المشرفة على المشروع أيضا واسمها «لانغ أوروك». وتطلب المشروع بعض التخطيط لأن تسليم الشقق يجب أن يتم على التوالي ومن دون إزعاج للمشترين الذين تسلموا عقاراتهم. ولذلك بنت الشركة شقة نموذجية في مخزن في شمال لندن كبديل عن نموذج ثلاثي الأبعاد على الكومبيوتر، وذلك حتى يتم توضيح النوعية المطلوبة للشركات المشاركة في تنفيذه.

وأشارت مصادر عقارية إلى أن الأخوين كاندي المشرفين على المشروع من خلال شركتهما «كاندي آند كاندي» لديهما بعض الأفكار غير العادية حول التسهيلات التي سوف يتمتع بها المشترون في هذا المشروع منها برادات خاصة للمعاطف المصنوعة من الفراء، ومرأب للسيارات ذو أرضية يتم تسخينها حتى لا يشعر أصحاب السيارات بالبرد في الشتاء، ومرايا بذاكرة بحيث يمكن لمستخدمها النظر إلى صورته في المرآة بعد نصف دقيقة حتى يمكنه أن يرى خلفية رأسه وجسمه في المرآة قبل الخروج! ولكن يبدو أن بعض هذه الأفكار هي من نسج خيال الإعلام البريطاني.

وتبدو أخبار نجاح مشروع «وان هايد بارك» سارة لشركة الأخوين كاندي خاصة وأن مشروعهما الآخر في منطقة تشيلسي يعاني من المتاعب التي وصلت إلى المحاكم بين شركة «كاندي آند كاندي» وشركة «ديار» القطرية الشريكة في المشروع (انظر الكادر).

* تدخل الأمير تشارلز أوقف أكبر مشروع عقاري في لندن

* تنظر المحكمة العليا في لندن دعوى من شركة «سي بي سي» التي يملكها الأخوان كاندي ضد شركة «ديار» القطرية للعقار، يطالبان فيها بالتعويض عن إلغاء تصميمات مشروع «تشيلسي باراكس» الذي يمتد على مساحة 13 فدانا في منطقة تشيلسي. وكانت «ديار» قد اشترت أرض المشروع لبناء أكبر مشروع عقاري في لندن من حيث المساحة والقيمة وقام بتصميم المشروع اللورد روجرز، ولكن ما إن اعترض الأمير تشارلز على التصميم حتى سحبت الشركة تصميمات المشروع قبل أن تحصل على ترخيص البناء. وتطالب شركة «سي بي سي» بتعويض قدره 81 مليون جنيه إسترليني لاعتقادها أن سحب المشروع يخل بالتعاقد مع شركة «ديار».

وتدخل «سي بي سي» شريكة في المشروع من شركة «ديار»، ودفع الطرفان مبلغ 959 مليون جنيه إسترليني في شراء الأرض وحدها أثناء ذروة الفقاعة العقارية في لندن. ويتكلف المشروع بعد اكتماله نحو ثلاثة مليارات جنيه إسترليني.

وكانت شركة «ديار» قد اشترت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حصة شركة «سي بي سي» ووافقت على دفع مبلغ 81 مليون جنيه إسترليني مكافأة إذا حصل المشروع على ترخيص البناء من مجلس الحي، وهو المبلغ المختلف عليه حاليا في المحكمة وتطالب به شركة «سي بي سي». وتشير الشركة إلى أن شركة «ديار» ألغت تصميمات اللورد روجرز بعد اعتراض الأمير تشارلز عليها، ولم تمنحها فرصة الحصول على الترخيص، ولذلك لا يحق لها إلغاء المكافأة المستحقة وفق الاتفاق.

وتستمر القضية في المحكمة العليا حتى شهر يونيو (حزيران) 2010 على الأقل. ولن يؤثر مجرى القضية على التصميم الملغى للمشروع بعد أن جرى إسقاطه نهائيا من قبل شركة «ديار».

ووفقا لصحيفة «التايمز» اللندنية، فإن اللورد روجرز قال إن «الأمير تشارلز قام بسابقة خطيرة بالتدخل لدى الإدارة العليا للشركة القطرية لإلغاء مشروع تشيلسي»، ونادى بتحديد صلاحياته الدستورية والحد من تدخله في بعض المجالات التي اعتاد التدخل فيها مثل العقارات والبيئة والطب. ولكن أستاذا في القانون بجامعة اكسفورد اسمه فيرنون بوغدانور قال إن اللورد روجرز مخطئ لأن الأمير تشارلز من حقه التدخل في المسائل العامة ما دام أنه ليس طرفا في نزاع أو يعبر عن آراء سياسية. والاختلاف في الرأي لا يعني أن المسألة دستورية. وأضاف بوغدانور أن الوضع سوف يتغير إذا أصبح تشارلز ملكا حيث تكون التصريحات محسوبة بعد استشارة خبراء ووزراء بحيث لا يكون لها تأثير ضار على أي جوانب محتملة.

والمعضلة في هذه الحالة أن تدخل الأمير تشارلز جاء بعد أشهر وتكلفة باهظة في تصميم المشروع من شركة اللورد روجرز التي لن ترى المشروع يخرج إلى النور. وقررت الشركة القطرية المشرفة على المشروع سحب التصميمات وإعادة النظر في المشروع باستشارة كثير من الجهات ومنها شركة بيئية يشرف عليها الأمير تشارلز.

وفي حوار مع راديو «بي بي سي» قال اللورد روجرز إن المشكلة أن الأمير تشارلز لا يناقش وإنما يبدي أراء قوية ولذلك لا بد من التساؤل حول جدوى تدخله في موضوعات من هذا النوع. ويبدو غضب اللورد روجرز مبررا بعد أن فقدت شركته تصميمات المشروع لصالح تصميم بديل يقال إن الأمير تشارلز قدمه بنفسه لرئيس مجلس إدارة شركة «ديار». فحتى لو حصلت شركته على مستحقاتها المالية كاملة، فهو يشعر بالمهانة لأن المنافسة بين كبار العقاريين في لندن تكون أحيانا مسألة كرامة و«برستيج» قبل أن تكون مسألة مالية.

وفي حين ينقسم الرأي العام على المشروع، كانت هناك جهات متطوعة للدفاع عن أراء الأمير تشارلز الذي «يحمي الذوق المعماري العام» ويحافظ على الشخصية التقليدية لمباني لندن. كما كتب كثيرون في الصحافة أن الأمير كان سباقا في كثير من الموضوعات البيئية قبل أن تصل إلى العامة مثل الحديث عن البيئة وإعادة تدوير الزجاجات في قصره قبل سنوات من تعميم الفكرة في كل أنحاء بريطانيا.

وكان البعض يعيب على التصميم الأصلي أنه يحتوي على كثافة سكنية عالية بحيث تشبه إلى حد كبير مشروعات الإسكان الشعبي في الستينات. ويلاحظ البعض أن المشروع يجاور مستشفى تاريخيا يوفر شكلا معماريا أقل كثافة وأجمل شكلا من المشروع الجديد. وكان لهذا المستشفى الذي صممه المعماري التاريخي سير كريستوفر رين الأثر الأكبر في غضب الأمير تشارلز في التناقض الصارخ بين المعمار التقليدي الجميل والتكدس الحديث الهادف للربح.

ولكن المدافعين عن التصميم الأصلي الذي قدمته شركة اللورد روجرز لمجلس حي وستمنستر للموافقة عليه يقولون إنه يضم مساحات خضراء تفوق في مساحاتها مساحات البناء. وهي مساحات تقع بمحاذاة النهر، وتضم 300 شجرة على الأقل. كما يشمل المشروع أيضا فندقا راقيا ومنافذ تجارية ومركزا رياضيا به حمام سباحة طوله 25 مترا. ويتم تسويق المشروع على أنه «موطئ قدم» للأثرياء في لندن خاصة هؤلاء الذين ينتقلون من مدينة لأخرى ويريدون موقعا دائما داخل لندن بالمواصفات الفاخرة. وسيتم هدم برجين سكنيين ضمن المعسكر القديم قبل البدء في أعمال البناء في المشروع الجديد.

ولكن السلبيات في المشروع هو أنه يجاور منطقة سكن رخيص تدخل ضمن نطاق المشروع، بها عدد مماثل من الوحدات السكنية، يشترطها المجلس المحلي للإسكان الشعبي لذوي الوظائف الحيوية، وقد يجد الأثرياء أنفسهم جيرانا لسائقي الحافلات والممرضات ورجال الإطفاء. وفي العادة يلبي المقاولون هذه الرغبة ببناء المساكن الشعبية في مواقع أخرى بعيدة عن المشروعات الفاخرة، ولكن في حالة مشروع تشيلسي أصر مجلس حي ويستمنستر على أن تكون الوحدات الرخيصة داخل إطار المشروع نفسه.

من الشروط الأخرى التي يفرضها المجلس المحلي هو أن تكون الشوارع التي تتخلل المشروع مفتوحة وليست مغلقة ببوابات أمنية. وقد يؤثر هذا على الرغبة في الشراء من كبار الأثرياء، حيث معدلات الجريمة في لندن ما زالت مرتفعة، الأمر الذي يجعل مسألة الأمن حيوية. وسوف تتضح أبعاد التصميم الجديد بعد الانتهاء من النزاع القضائي على تعويض الأخوين كاندي.