أنواع جديدة من الاستثمار تعفي المستثمر من شراء العقارات

توريق الاستثمار العقاري يتداول في البورصة

تداول وحدات صناديق العقار ينتشر في معظم البورصات («الشرق الأوسط»)
TT

من التحولات الجذرية التي تجري تحت سطح الأحداث في أسواق العقار العالمية، خصوصا في أوروبا، ما يسمى بتوريق الاستثمار العقاري. وتأخذ هذه التحولات عدة أشكال استثمارية، كما أنها تتبلور بوتيرة مختلفة في كل سوق، فهي مطبقة بالفعل في السوق الأميركية وتتطور بسرعة في الأسواق الأوروبية، خصوصا في ألمانيا وبريطانيا، وبعدها سوف تنتشر آسيويا وعربيا.

هذه التحولات هي باختصار تحول الاستثمار العقاري إلى التداول في البورصة بحيث يتملك المستثمر عقارات ويبيعها في مناخ من السيولة العالية ومن دون أن يتوجه إلى السوق لإجراء عمليات الشراء الفعلي لهذه العقارات. وكان من أسباب هذا التحول الرغبة في زيادة سيولة أسواق العقار التي تقتصر في مجملها على صفقات تأخذ أحيانا عدة شهور حتى تكتمل بالبيع أو الشراء، مع وجود نفقات متكررة تضاف إلى أعباء المستثمر، مثل المسح العقاري وتكاليف الإجراءات القانونية والضريبية، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة والاقتراض.

في دراسة أوروبية حول توجهات كبار المستثمرين العقاريين فيها، قال 77 في المائة منهم إن قرار الشراء كان بدافع البيع الفوري بعد ذلك بهوامش أرباح. وتدخل القيمة الكامنة في الاستثمار العقاري ضمن أهم اعتبارات اتخاذ قرار الشراء في المقام الأول.

ولا يقوم هؤلاء في الوقت الحاضر بتنفيذ هذه الصفقات في السوق مباشرة، بل يعتمدون على شركات استثمار متخصصة تدير لهم الاستثمارات العقارية وتطرح أسهما عقارية في السوق تمثل مشاركة مباشرة في أسواق العقار من دون الحاجة إلى شراء الأحجار والإسمنت.

ويقول خبراء استثمار من بنك «مورغان ستانلي» إن أسواق العقار الأوروبية تنمو باتجاه أسواق الاستثمار بحيث يمكن القول إن اندماجهما بات واقعا. وينمو الآن قطاع صناديق الاستثمار العقاري المنافس في أسواق العقار بالنيابة عن المستثمرين في هذه الشركات، بغرض بيع وشراء وتداول العقار ثم توزيع العوائد والأرباح دوريا.

في العام الماضي كانت حصة هذه الصناديق من السوق الأوروبية نحو مليار يورو، زادت إلى 4.2 مليار يورو في الوقت الحاضر. وتشهد الأسواق الدولية، والأوروبية بصفة عامة، نمو هذا النوع من الصناديق الاستثمارية التي تسمى (REITS) وتعمل بأسلوب الاستثمار العقاري المباشر بالنيابة عن المساهمين فيها. وهو نموذج جديد يوفر السيولة والمرونة في التعامل والكثير من أساليب واستراتيجيات الاستثمار. كما أنها توفر الاستقرار والعمق لأسواق العقار وتسهم في حمايتها من التقلبات المفاجئة لأنها مهيأة للاستثمار على المدى البعيد.

ويجذب هذا النوع من الاستثمار الكثير من الحكومات وكبار المستثمرين العرب والأجانب، بالإضافة إلى صناديق التقاعد وشركات التأمين العالمية. وهي تتميز بنسبة عالية من العوائد مع الاستقرار بعيدا عن تقلب أسهم البورصات العالمية في المجالات الأخرى. ويمكن اعتبار هذه الصناديق نوعا من الاستثمار غير المباشر في العقار للذي يعفي المستثمر فيه من إدارة شؤون العقار على نحو يومي أو متابعة عمليات البيع والشراء في توقيت يضمن الأرباح ويتجنب الخسائر. ويقتصر اهتمام المستثمر في صناديق الاستثمار العقاري على الاختيار بين ما يناسبه من حيث حجم ونوع الاستثمار الذي يرغب فيه، ويترك مهمة إدارة المحفظة العقارية للشركات النشيطة والمتخصصة في هذا المجال.

وتشمل الصناديق كل أنواع الاستثمار العقاري من سكنى وتجاري وصناعي. ويقبل مجمل الاستثمار العربي في الخارج على المكاتب والمساكن ومجمعات التسوق. ويزداد الطلب العربي على هذا النوع من الاستثمار في الأسواق الأميركية والأوروبية ضمن محفظة الاستثمار العقاري العربي التي تشمل أيضا الاستثمار بالشراء المباشر. ويقدر حاليا حجم الاستثمار العقاري العالمي في مجال الصناديق في الشق التجاري وحده بنحو 600 مليار دولار، أو 800 مليار دولار، بإضافة القطاع السكني أيضا. ويبلغ هذا المعدل ضعف ما كان عليه في عام 2003.

الاستثمار في أوروبا

* ويبلغ حجم الاستثمار العقاري الأجنبي المتوجه إلى أوروبا حاليا نحو 200 مليار يورو، بزيادة 30 في المائة عما كان عليه في عام 2005. ولا توجد إحصاءات دقيقة لحجم الاستثمار العربي من هذا المجموع، حيث تختلط الأرقام بين استثمارات حكومية وأخرى خاصة وثالثة عبر شركات أوروبية أو صناديق مسجلة في أوروبا بملكية عربية. ومن بين هذه الاستثمارات تتوجه حصة كبيرة إلى ألمانيا وبريطانيا باعتبارهما نقاط الجذب الجديدة للاستثمار الأجنبي في أوروبا. وتحصل ألمانيا على ربع الاستثمار العقاري الأجنبي في أوروبا حاليا بقيمة 50 مليار يورو، وهي نسبة تبلغ ضعف ما كانت عليه منذ عام واحد. وتعتبر السوق الألمانية من أسرع أسواق الاستثمار العقاري نموا، وتنضم إلى أسواق نشيطة أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الآسيوية.

ويتعامل المستثمر في الوحدات الاستثمارية من هذه الشركات كما يتعامل في الأسهم. وتضاف إلى مزايا هذا النوع من الاستثمار أنه يمكن أن يخصم من الأعباء الضريبية في حالات تراجع الأسواق وتسجيل خسائر. كما أنه يوفر السيولة التي تتيح البيع والشراء السريع من دون تعقيدات وقيود شراء وبيع العقارات الفعلية. ويضمن هذا النوع من الاستثمار أيضا عوائد أعلى من أسعار الفائدة التي هي تكلفة الاقتراض، لأنه يعتمد أساسا على عوائد إيجارية تكون في الغالب أعلى من أسعار الفائدة. كما أنه استثمار لا يحتاج إلى اقتراض مبالغ كبيرة من البنوك كما في حالات تمويل الشراء العقاري العادي.

ولكن على الرغم من نسبة النمو السريع لهذا النوع من الاستثمار العقاري فإن المعروض في السوق حاليا لا يلبي إلا نسبة ضئيلة من الطلب المتزايد عليه من الشرق الأوسط ومن مناطق أخرى. ولذلك يضطر المستثمر العربي الكبير إلى مزج استثماراته العقارية في أوروبا بين وحدات الاستثمار العقاري غير المباشر وبين الاستثمار الفعلي في مشروعات عقارية قائمة، يحتفظ بها للمدى البعيد.

وما زال معظم المستثمرين العرب يبحثون عن فرص الاستثمار العقاري غير المباشر في أوروبا التي توفر تقليديا أسعار فائدة منخفضة مما يجعل عوائد الوحدات العقارية جذابة. وتعتبر النسبة الأكبر من نمو قطاع العقار الأوروبي حاليا متعلقة بالطلب الأجنبي حيث الطلب المحلي مستقر عند حدود شبه ثابتة منذ عدة سنوات.

وتقول مؤشرات سوق العقار الدولية خلال النصف الأول من عام 2009 (وهي الفترة الأخيرة المتاحة لها إحصاءات) إن مستثمري الشرق الأوسط توجهوا بنسبة أكبر إلى الأسواق الأميركية التي تراجع فيها الاستثمار العقاري القادم من مناطق أخرى مثل أوروبا. ومن كل الاستثمارات العقارية المصدرة من المنطقة بلغ حجم الاستثمار العربي في أوروبا ثلاثة مليارات دولار، مقابل مبيعات بلغت ملياري دولار خلال الفترة نفسها. وفي الولايات المتحدة باع العرب ممتلكات عقارية قيمتها مليار دولار ولكنهم استثمروا في شراء عقارات أميركية قيمتها خمسة مليارات دولار. كما بلغ استثمارهم العقاري في آسيا خلال هذه الفترة نفسها نحو 500 مليون دولار.

التوجه نحو آسيا

* من ناحية أخرى يتوجه الاستثمار العقاري بأسلوب الصناديق إلى مناطق جديدة سعيا وراء المزيد من هوامش الأرباح. وتعتبر آسيا من أهم هذه المناطق، خصوصا أكبر الأسواق فيها، وهي السوق الصينية. وتعتبر الصين حاليا من أنشط أسواق العقار التي يرصدها المستثمرون الأجانب. وخلال عام 2009 بلغ التعامل الأجنبي في العقارات الصينية نحو 6.6 مليار دولار. ويتركز الاستثمار الأجنبي في الصين حاليا على الشريط الساحلي الشرقي الذي يمتد جنوبا من شنغهاي. ومن المتوقع أن يرتفع الاهتمام العقاري في الصين خصوصا بعد موافقة البرلمان الشيوعي فيها على مبدأ الملكية الفردية للعقار، ووضعه القوانين اللازمة التي تضمن حقوق الاستثمار الأجنبي.

ويرتفع الطلب العقاري من الشركات متعددة الجنسيات التي تشتري مواقع لها في السوق الصينية، سواء بغرض الاستثمار أو لاتخاذ الصين قاعدة لها لتصنيع للصادرات. ولكن السوق الصينية تحمل بعض الأخطار الإضافية، حيث تعمل الحكومة الصينية بنشاط لمنع عمليات المضاربة على العقار في أسواقها. وتفرض الصين ضريبة قيمة مضافة على عمليات بيع العقار التي تتم عقب الشراء بفترات زمنية قصيرة، كما تراقب الصفقات الكبيرة حتى تضبط أي عمليات تلاعب في الأسواق.

وتنافس الصناديق أيضا في أسواق كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان التي تلاحق النمو العقاري الصيني بعوائد إيجارية أعلى، ولكن بنسب نمو أقل في رأس المال. وتؤكد إحصاءات أوروبية أن ثلاثة أرباع مستثمري العقار في أوروبا يريدون زيادة حصة محافظهم الاستثمارية في آسيا، مقابل 18 في المائة يرغبون في خفض هذه المحفظة وخمسة في المائة يرغبون في المحافظة على حجمها الحالي.

وشمل الإحصاء 143 مصرفا وشركة تأمين وصندوق معاشات قال معظمها إن رغبة زيادة الاستثمار الآسيوي تعود إلى الحاجة إلى تنويع المخاطر ولأن العوائد الأعلى في آسيا تبدو أكثر ضمانا منها في أي موقع آخر. وهم يطمحون إلى زيادة حصة الاستثمار العقاري الآسيوي إلى 23 في المائة من مجمل قيمة المحافظ العقارية الدولية لديهم.

وتشير خريطة العوائد العقارية الدولية إلى أن الأسواق الآسيوية تقع في المقدمة حاليا بنسبة متوقعة تصل إلى سبعة في المائة في المتوسط هذا العام، تليها أسواق شرق أوروبا بنسبة 6.6 في المائة ثم الدول الاسكندنافية بنسبة 5.3 في المائة، ونسب متقاربة للأسواق البريطانية والفرنسية والألمانية في حدود الخمسة في المائة سنويا.

ومن ناحية قيمة الإيجارات تتفوق المدن الآسيوية الرئيسية مثل طوكيو وهونغ كونغ التي يبلغ فيهما إيجار المتر المربع حاليا 108 و52 دولارا على التوالي، بزيادات تصل إلى 24 في المائة و30 في المائة تباعا عما كانت عليه منذ عام واحد. ولكن أيهما لم يصل إلى مرتبة لندن التي ما زالت تحتل قمة العوائد الإيجارية في العالم بسعر 130 دولارا للمتر المربع.

.. ولمن يريد امتلاك العقار فعليا.. هناك الملكية الجزئية

* يعتبر أسلوب «الملكية الجزئية» أحد الابتكارات الأخرى في سوق العقارات لتسهيل دخول المستثمرين إلى قطاع العقارات الفاخرة. وهو أسلوب يوزع المخاطر والعوائد على المساهمين في الاستثمار. ويجمع عدد من المستثمرين مواردهم معا من أجل شراء عقار غالي الثمن ثم يقومون بتقسيم الملكية في منافعه من حيث العوائد الإيجارية وثمن البيع النهائي.

هذا الأسلوب الجديد للملكية الجزئية نما أيضا خلال السنوات الأخيرة إلى درجة أنه أصبح صناعة قوامها عشرات الملايين من الدولارات، خصوصا في الولايات المتحدة. وهو ينتقل الآن تدريجيا إلى أوروبا عبر بريطانيا ويغري المزيد من المستثمرين. ولا يحتم هذا الأسلوب أن يعرف الشركاء بعضهم بعضا معرفة شخصية، كما أنه لا يعني إقامة علاقات شخصية في المستقبل أيضا.

الفائدة الواضحة من هذا الأسلوب أن المشتري يستطيع أن يملك حصة معينة من عقار فاخر لم يكن يستطيع أن يملكها من دون المشاركة. كما أنه يستطيع في حالة الملكية الجزئية دعوة معارفه وأصدقائه لزيارته في عقاره الفاخر في مناطق خلابة دون أن يعرف أي منهم أنه لا يملك كل العقار. كما أن المشتري يكون شريكا في رأس المال وفي ملكية العقار، وليس فقط مستخدما للعقار خلال فترة محدودة كل عام، فهو يستفيد من نمو أسعار العقار عندما يحين وقت البيع.

وتقوم عدة شركات استثمارية في الوقت الحاضر بتسويق هذا النوع من ملكية العقار، من بينها شركة اسمها «بست غروب» التي تعتبر من مبتكري هذا النوع من الاستثمار العقاري. ومن بين مبيعات هذه الشركة فيللا كاريبية فاخرة يبلغ ثمنها نصف مليون دولار فقط، ولكنها موزعة على خمسة مستثمرين اختارتهم الشركة من بين زبائنها لأن رغباتهم في الشراء وفي حجم رأس المال المتوافر لهم متماثل إلى درجة كبيرة. ويدفع كل مستثمر مائة ألف دولار، وفي المقابل يمتلك أحد أخماس الفيللا، أو نسبة 20 في المائة منها، تتيح له استخدامها الشخصي أو تأجيرها لمدة عشرة أسابيع كل عام.

هذا الأسلوب يناسب المستثمر المرتبط بأعمال وظيفية أو استثمارية لا تتيح له وقتا طويلا لقضائه في عقاره السياحي. كما أن البعض يختار هذا الأسلوب أيضا بعد متابعة قصص مستثمرين آخرين يمتلكون عقارات في الخارج بالكامل ويعانون من الكثير من المشكلات عندما تقع مشكلة صيانة في العقار. فالشركة التي تدير العقار توفر خدمات الصيانة والتجديد بالكامل. كما أنها توفر أيضا مستأجرين في الفترات الشاغرة. ويسهم المستأجرون بدورهم في تخفيض تكاليف الإدارة على المستثمر الذي يختار التأجير بدلا من الإقامة في عقاره خلال الفترة التي تخصه.