مساكن الطلاب تقدم أفضل عوائد الاستثمار العقاري في بريطانيا

320 ألف طالب أجنبي يدرسون سنويا في لندن

جامعة كمبريدج زادت قيمة العقارات المحلية في المدينة
TT

من أبرز المؤشرات إلى مواقع العقار الناجحة، المدن الجامعية في أوروبا والولايات المتحدة التي تفوقت على مر السنين في معدل ارتفاع أسعارها عن كل المناطق الأخرى بما فيها ما يسمى بـ«النقاط الساخنة».

سبب هذا الانتعاش الدائم وجود الطلب المستمر على العقار من الطلبة الجامعيين الذين يتوافدون عاما بعد عام على هذه المدن. ويلجأ معظم الطلاب الجدد إلى استئجار العقار للإقامة في هذه المدن بينما يتوجه المستثمر الجاد إلى الشراء فيها، خصوصا إذا كان هدف الشراء في مرحلته الأولى هو إقامة أحد أبناء العائلة في المدينة للدراسة. وبعد انتهاء مرحلة الدراسة يمكن تأجير العقار واستثماره أو حتى بيعه بربح عالٍ.

وكانت بداية هذا التوجه الاستثماري من أهالي الطلاب الذين لجأوا إلى شراء العقارات المخصصة لإسكان الطلبة كنوع من الاستثمار أثناء فترة الدراسة. وهو نوع من استثمار يعفي الطلبة من تكاليف إيجار السكن من ناحية، ويتيح لهم فرصة تأجير غرف في العقار نفسه لطلبة آخرين من ناحية أخرى. وتساهم هذه العوائد في دفع تكاليف القرض العقاري على العقار أو المساهمة في تغطية تكاليف التعليم الجامعي.

بعد ذلك اكتشف مستثمرو العقار الآخرون أن الاستثمار في المدن الجامعية يقدم أفضل العوائد وترتفع قيمته بنسب أكبر من بقية الأحياء السكنية الأخرى. ولفت هذا الانتعاش في المدن الجامعية والعقارات القريبة من الجامعات انتباه الكثير من شركات العقار التي راحت تستثمر في وحدات سكنية طلابية متخصصة وتعرضها للبيع لمستثمري العقار، أو تقوم بتأجيرها مباشرة للطلاب.

في بريطانيا يتكلف الطالب الجامعي نحو 12 ألف جنيه إسترليني سنويا، ما بين رسوم دراسية وتكاليف إقامة وسكن. وتلجأ العائلات التي تملك إمكانيات الاستثمار إلى شراء العقارات القريبة من الجامعات وتأجير بعض الغرف فيها لطلبة آخرين. ويساهم الإيجار في دفع تكاليف القرض العقاري أو المصاريف الجامعية. وبعد أربع سنوات يحتفظ المستثمرون بالعقار لتأجيره أو يحولون ملكيته إلى الخريج الجديد لكي يتولى إدارته ويتحمل أيضا تكاليف القرض العقاري عليه.

وتؤكد الإحصاءات العقارية من جمعيات البناء البريطانية لهذا العام أن أسعار العقارات في المدن التي تضم أكبر الجامعات البريطانية زادت خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 70 في المائة. وهذه المعدلات تتفوق على المتوسط العام لزيادة الأسعار في سوق العقار البريطانية. وكانت أفضل نسب الارتفاع في مدن مثل درهام التي زادت بنسبة 92 في المائة، وأكسفورد وكمبريدج بنسب مشابهة.

وينصح خبراء العقار بدراسة مواقع هذه المدن ومعدلات الأسعار السائدة فيها قبل الإقبال على هذا النوع من الاستثمار. فإذا كان الطالب قد قضى بالفعل عاما أو عامين في سكن داخلي أو بالإيجار بالقرب من الجامعة، فإن الشراء بغرض البيع بعد التخرج في غضون عامين قد لا يكون مربحا، مع الأخذ في الاعتبار تكاليف البيع والشراء ونسب النمو السائدة في السوق. والأفضل هو الإقبال على هذا النوع من الاستثمار للمدى الطويل.

ومن الناحية القانونية قد يكون من الأفضل تسجيل ملكية العقار باسم الطالب، أو بالمشاركة مع والديه، لإلغاء أعباء ضريبية خاصة بالحدود المتاحة لزيادة القيمة العقارية، لأن العقار في هذه الحالة يمكن اعتباره مقر الإقامة الرئيسي للطالب مما يعفيه من كل الضرائب الرأسمالية. وتفضل البنوك مشاركة الوالدين في الملكية لضمان استمرار دفع القرض العقاري، أو على الأقل تقديم ضمانات للقرض المقدم باسم الطالب.

وفي بريطانيا، تلجأ أسر كثيرة إلى تدبير التمويل الإضافي بإعادة رهن منزل العائلة والحصول على قرض عقاري أكبر يوفر تكلفة الشراء ومقدم الثمن على العقار الجديد. وتطلب البنوك في العادة عشرين في المائة من ثمن العقار. وهي تطرح عروضا بفوائد تصل في الوقت الحاضر إلى خمسة في المائة تقريبا، ولكنها قد ترتفع في القريب نظرا لتوجه أسعار الفائدة حاليا (في بريطانيا وأوروبا بشكل عام) إلى المزيد من الارتفاع. وينصح خبراء التمويل طلب قروض بفوائد ثابتة لفترة لا تقل عن عامين على الأقل حتى تتضح توجهات أسواق التمويل.

وفي حالات الاقتراض الإضافي لتمويل شراء مسكن للطالب لا بد من مراعاة أن الاقتراض الإضافي يجب أن يظل ضمن حدود الممكن تحمله من ميزانية الأسرة.

دخول الشركات

* الشركات التجارية بدورها لاحظت منذ عدة سنوات هذه التطورات الإيجابية في عقارات المدن الجامعية، فدخلت بدورها لاستغلال الفرص الاستثمارية، وشرعت في بناء وحدات عقارية مخصصة لسكن الطلبة وبها كل التجهيزات الحديثة من وسائل معيشة واتصال ونقاط للإنترنت وأجهزة تلفزيون بشاشات مسطحة. وتدعو هذه الشركات المستثمرين من آباء الطلبة وغيرهم للمساهمة في هذه الاستثمارات بشراء وحدات عقارية طلابية مجهزة ومضمونة الإيجار وذات عوائد مرتفعة بالمقارنة مع بقية العقارات في السوق. وتعاني معظم الجامعات، في أوروبا والولايات المتحدة، من ندرة أماكن الإقامة للطلبة، وهي ترحب بالاستثمارات الجديدة وتتعاون مع الشركات لتوفير المعلومات للطلاب الراغبين في الإقامة في الوحدات العقارية الجديدة. ولا تقدم الجامعات مساكن إلا لنسبة 20 في المائة فقط من الطلبة الراغبين فيها. وفي لندن مثلا يوجد نحو 320 ألف طالب أجنبي يدفعون نحو مليار إسترليني رسوم الدراسة وحدها سنويا، ولا توجد مساكن ملائمة إلا لنسبة الثلث من هذا العدد. ويضطر عدد كبير إلى الإقامة مع أسر بريطانية أو في عقارات رديئة غير مناسبة بالمرة.

إحدى الشركات المساهمة في هذا النوع من الاستثمار، واسمها «يونايت»، بدأت من الصفر قبل سبع سنوات، وتقدم الآن نحو 40 ألف شقة مخصصة للطلبة. وتحتوي كل شقة استوديو على ركن للنوم وآخر للمكتب، ومطبخ مجهز، وتلفزيون مسطح، ونظام أمن مركزي للدخول ببطاقات ذكية. وتقدم الشركة للطلبة تعاقدات سنوية لمدة خمسين أسبوعا بإيجارات تصل في المتوسط إلى نحو 150 جنيها في الأسبوع.

شركات أخرى قررت أن توسع من رقعة الطلب في المناطق الجامعية ببناء شقق صغيرة للبيع الاستثماري على أساس أنها تصلح لإقامة الطلبة وأيضا لإقامة العاملين في المدينة أو الطلبة بعد تخرجهم وعملهم. وهي شقق تتوجه أيضا للطلبة الأجانب في لندن الذين ينفقون في العادة مبالغ أكبر من الطلبة البريطانيين. وتقدم الشركات تسهيلات ائتمانية مغرية للاستثمار في هذه العقارات للمستثمرين الذين يشترون وحدات من الخرائط. وتشمل التسهيلات دفع تكاليف التسجيل والرسوم القانونية وتقديم تجهيزات ومفروشات العقار مجانا. ولكن النصيحة هي اختيار الموقع بعناية للاستفادة من فرص ارتفاع الأسعار.

ويمكن للطلبة العرب القادمين إلى مدن غربية للدراسة الاستفادة من هذه التطورات بالتفكير جديا في شراء وحدة سكنية أثناء الدراسة توفر الإقامة بلا إيجار وقد توفر دخلا إضافيا في حالة تأجير بعض الغرف لطلبة آخرين.

ضغوط سعرية

* ومع استمرار ارتفاع أسعار العقار عاما بعد عام، يسود القلق قطاعات كبيرة من الآباء الذين يريدون ضمان قدرة الأبناء على دخول مجال الاستثمار العقاري للسكن في المستقبل. ونشأت من هذا القلق فكرة شراء العقارات لصالح الأبناء كنوع من الاستثمار طويل الأجل للاستفادة من الإقامة أثناء فترة الدراسة الجامعية ثم الاستثمار أو البيع والشراء في موقع آخر بعد التخرج. وفي بريطانيا على وجه الخصوص تبلورت الفكرة الآن إلى درجة التفكير في شراء العقار الجامعي للأطفال الصغار حتى من قبل دخولهم المدارس! وهي فكرة استثمارية صائبة لها عدة فوائد، فالاستثمار العقاري على المدى الطويل استثمار جيد ومتدني المخاطر وله عوائد دورية أكثر استقرارا من عوائد الأسهم. وهو أيضا ضمان لشراء عقارات المستقبل بأسعار اليوم وتأمين الأطفال من مخاطر عدم القدرة على شراء العقار بأسعار المستقبل. وأحيانا يكون في العقار فوائد ضريبية حيث يسري الإعفاء من ضريبة الإرث إذا كان العقار هو مقر الإقامة الرئيسي للأطفال بعد مرحلة البلوغ.

ويؤكد هذا التوجه الجديد الكثير من وكالات العقار البريطانية التي شهدت هذا العام الكثير من المبيعات للآباء الذين يبحثون عن عقارات استثمارية لأبنائهم، ويطلبون عقارات ذات عوائد إيجارية جيدة يمكن الاقتراض عليها بسهولة من البنوك.

ولكن على الرغم من بساطة الفكرة وفوائدها فإنها لا تخلو من مخاطر، وفي بريطانيا تأتي هذه المخاطر علي شكل ضرائب. فهناك ثلاثة أنواع من الضرائب يتعين على المستثمر أن يتعامل معها. الأولى هي ضريبة الدخل على العوائد الإيجارية الدورية من العقار، ثم هناك ضريبة القيمة الرأسمالية وتفرض على الفارق بين ثمن الشراء وثمن البيع عند انتقال الملكية في ما بعد، ثم ضريبة الإرث في حالات انتقال العقار إلى الأبناء بعد وفاة الآباء.

الضريبة الأولى يمكن تخفيف وقعها بحساب دقيق لكل تكاليف الاستثمار العقاري التي تشمل الصيانة والتقادم على الأثاث والمفروشات (بنسبة 10% سنويا) وقيمة الفوائد المدفوعة في القرض العقاري. وتساهم هذه التكاليف، التي تخصم من قيمة الإيجار الإجمالي، في خفض نسبة الضرائب إلى الحد الأدنى.

أما ضريبة زيادة القيمة الرأسمالية فهي تفرض بقيمة 40 في المائة، ولكنها تتناقص إلى نسبة 24 في المائة بعد عشر سنوات من الملكية.

ويتعامل البعض مع ضريبة الإرث بإهداء العقار إلى الأبناء أثناء حياتهم، وتسمح القوانين البريطانية بمثل هذه الهدية بشرط أن لا يكون الإهداء قبل فترة وجيزة من الوفاة. وتلغى الضريبة بعد مرور سبع سنوات بعد إهداء العقار إلى الأبناء. ولكن بعض الآباء يخشون إهداء العقارات إلى الجيل الثاني، خصوصا في أعمار مبكرة؛ خوفا من سوء التصرف. ويمكن في هذه الحالة إنشاء صندوق أمانة، أو «Trust» باسم الأبناء يمكن من خلاله السماح لهم بالإقامة المجانية في العقار أو استفادة المستثمر بالعوائد أثناء حياته، ثم تتحول الملكية إلى الأبناء في ما بعد. ولكن هذا النوع من تحويل الملكية ما زال يخضع لتعديلات قانونية تتغير سنويا. وإذا حدثت الوفاة قبل سبع سنوات من تقديم الهدية العقارية فإن الضريبة تفرض بنسب متقلصة عاما بعد عام من تاريخ الإهداء.

خطوات الاستثمار في المدن الجامعية

* الخطوة الأولى في هذا النوع من الاستثمار العقاري هي تدبير التمويل اللازم. ويحتاج المستثمر إلى قرض عقاري استثماري بغرض التأجير وليس السكن، وهو قرض اصطلح على تسميته «Buy to Let»، يماثل بدرجة كبيرة القرض العقاري العادي ولكنه يزيد عنه هامشيا في التكلفة. ويتضمن القرض بعض المرونة في الشروط. فهو لا يعتمد على دخل المقترض وإنما على العائد الإيجاري من العقار، الذي يجب أن يزيد عن حجم القرض العقاري بنسبة 25 في المائة على الأقل. وفي العادة يدفع المستثمر أقساط الفوائد فقط لهذا النوع من القرض (لأنها تخصم ضمن تكاليف ملكية العقار عند حساب الضرائب). كما تتطلب هذه القروض دفع نسبة مقدم لا تقل عن 20 في المائة على الأقل.

وينصح الخبراء بشراء العقارات بأسماء الطلبة الأبناء مباشرة وبتمويل من الآباء. وباعتبار أن مثل هذا العقار هو المسكن الرئيسي للطالب، فهي تعفى في هذه الحالات من ضرائب القيمة الرأسمالية. كما يمكن الاستفادة من إعفاءات ضريبية أخرى بتأجير غرف في المنزل. ولأن الطالب لا يعمل ولا يدفع ضرائب في العادة فله الحق أيضا في إعفاء ضريبي (على الدخل) يصل إلى نحو خمسة آلاف جنيه سنويا قبل أن تستحق عليه الضرائب.

وتعترف الكثير من البنوك بهذا النوع من التمويل وتأخذ في الاعتبار دخل الآباء وقدرتهم على سداد القرض العقاري، مع اعتبار أن الجيل الثاني سوف يأخذ على عاتقه تسديد الأقساط على المدى البعيد. وتماثل شروط مثل هذا القرض أنواع الاقتراض الاستثماري الأخرى ولا تزيد في التكلفة إلا هامشيا عنها.

وبعد شراء العقار وتدبير القرض اللازم يبدأ إعداد العقار للإيجار، وهنا يجب أن يتحمل مالك العقار مسؤولياته القانونية التي تشمل تأمين العقار والتأكد من صلاحية التركيبات الكهربائية وسلامة نظام التدفئة بالغاز وفق معايير السلامة المطلوبة. ويتكفل المالك أيضا بكل لوازم الصيانة ويتعاقد مباشرة مع المستأجر على تحصيل الإيجار شهريا. وإذا أراد أن تقوم شركة عقارية بهذه المهام بالنيابة عنه فعليه أن يخصص لها نسبة 15 في المائة إضافية من قيمة الإيجار لقاء هذه الخدمات.

من الضروري في هذا النوع من الاستثمار اختيار العقار المناسب الذي يتيح مساحة جيدة وموقعا متوسطا في المدن وحالة جيدة من الصيانة. والعقارات الأنسب هي الصغيرة أو متوسطة الحجم، التي يمكن اعتبارها مدخلا لصعود السلم العقاري وعبئا مقبولا على ميزانية الوالدين من ناحية، وعلى الجيل الجديد عندما يتحمل المسؤولية من ناحية أخرى.