الاستثمار القطري في لندن يتوجه إلى المنشآت الأولمبية وبيوت المزاد

الإعلام البريطاني منقسم حول الظاهرة

مشروع كناري وارف شرق لندن يدخل ضمن اهتمامات شركة «ديار» العقارية («الشرق الأوسط») («الشرق الأوسط»)
TT

تتوقع مصادر لندنية أن يتوجه الاستثمار العقاري القطري في العاصمة البريطانية نحو المنشآت الأوليمبية قبل وبعد انعقاد أولمبياد عام 2012 في لندن. وكان المدير التنفيذي لمجموعة «ديار» العقارية التي تتحكم في الاستثمار العقاري في بريطانيا قد أكد في لقاء مع صحيفة «فايننشيال تايمز» أن المجموعة تتطلع للمشاركة في الاستثمارات المكثفة التي تحتاجها المنشآت الأوليمبية خلال العامين المقبلين. كما نشر الإعلام البريطاني توقعات انضمام بيت المزادات البريطاني «كريستيز» أيضا إلى قائمة مشتريات قطر في لندن.

وفي وقت التقشف والكساد البريطاني لا يمكن للإعلام البريطاني إلا أن يرحب بالمستثمرين الأجانب، ولكنه في حالة الاستثمار العقاري القطري ينقسم بين مؤيد بحذر وبين متحفظ. وحتى الآن لم تظهر انتقادات لاذعة مثل تلك التي كانت تصاحب أي استثمار عربي في الماضي، بما في ذلك استثمار الفايد في شراء «هارودز» في الثمانينات. السبب قد يكون ابتعاد الاستثمار القطري عن الأضواء كلما كان ذلك ممكنا والاحتفاظ بالأصول إلى المدى الطويل، وأيضا جهد المحافظة على طبيعة الاستثمارات البريطانية بلا تغيير حتى ولو كان ذلك أحيانا على حساب الشركاء في المشاريع.

وكان المدير التنفيذي لشركة «ديار» القطرية قد كشف مؤخرا في مقابلة مع «الفايننشيال تايمز» أن استراتيجية الشركة سوف تتحول إلى المنشآت الأوليمبية قبل وبعد موعد الأولمبياد في عام 2012. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التوجه يعد تحولا جذريا في استراتيجية الشركة القطرية التي ركزت حتى الآن على شراء المعالم العقارية البارزة في لندن. ولكن مدير شركة «ديار» غانم بن سعد السعد أكد أن الاستثمارات الأولمبية سوف تكون بالإضافة إلى الاستراتيجية التقليدية للشركة. كما أشار إلى وجود استثمارات أخرى للشركة في عقارات لندن الفاخرة.

وكانت آخر الصفقات التي جرى الإعلان عنها هذا الشهر شراء شركة «بروة» التابعة لمجموعة «ديار» لمجمع «بارك هاوس» من شركة «لاند سيكيورتي» البريطانية بمبلغ 250 مليون جنيه إسترليني. وما زالت أعمال الإنشاءات والأساسات جارية في المشروع الذي يطل على شارع أكسفورد أمام محلات «سيلفردجز». وهو موقع استراتيجي حيوي على الرغم من عدم وجود مستأجرين مؤكدين للموقع، ولا يبعد أكثر من مرمى حجر من استثمار قطري آخر في مبنى السفارة الأميركية الحالي الذي استكملت «ديار» شراءه بمبلغ غير معلن.

ونشرت بعض الصحف البريطانية تقارير حول نوايا شركة «ديار» لشراء كامل أسهم شركة «سونغ بيرد» التي تملك مجموعة عقارات «كناري وارف» شرقي لندن. وتملك «ديار» بالفعل نسبة 24 في المائة من أسهم الشركة وتريد اقتناء كامل الأسهم في صفقة يصل حجمها إلى 700 مليون جنيه إسترليني. وترفض «سونغ بيرد» التعليق رسميا على صفقات لم تتم بعد. ولكن مصادر السوق تتوقع أن تتقدم «ديار» بعرض شراء قريبا، خصوصا أنها سبق وساهمت بنجاح في جهود إعادة هيكلة الشركة بالتعاون مع مؤسسة الاستثمار الصينية التي تملك بدورها 15 في المائة من أسهم المشروع. وكان الحجم الإجمالي لصفقة إعادة هيكلة مشروع «كناري وارف» نحو مليار جنيه إسترليني. ويقول القريبون من شركة «سونغ بيرد» إن شركة «ديار» لا تخفي إعجابها بـ«كناري وارف» وإنها اشترت كل الخيارات التي كانت متاحة لها وفق اتفاق إعادة الهيكلة.

وتشير بعض صحف «التابلويد» اللندنية إلى صفقات قطر بالقول إن الزوار العرب الأثرياء يأتون إلى لندن لشراء الأغراض الثمينة من المحلات الفاخرة، أما قطر فهي تشتري المحلات الفاخرة بما فيها. وهي إشارة إلى أكبر صفقة جرت هذا العام في لندن وهي شراء شركة «ديار» لمحلات «هارودز» من رجل الأعمال المصري محمد الفايد بمبلغ 1.5 مليار جنيه إسترليني. وليست صفقة «هارودز» إلا واحدة من عشرات الصفقات العقارية التي ترفع الاستثمار العقاري القطري في بريطانيا منذ عام 2006 إلى نحو خمسة مليارات جنيه إسترليني.

وتشمل الاستثمارات القطرية أيضا حصصا في كل من ناطحة سحاب مدببة اسمها «شارد» والعقار الفاخر «وان هايد بارك» وبالطبع موقع «تشيلسي باراكس» الذي كان الأغلى قياسيا في العالم من حيث ثمن الأرض وحدها (نحو مليار جنيه إسترليني)، وهو الأكثر إثارة للمتاعب أيضا حيث تدور حوله قضية تعويض بين الشركاء بسبب تدخل الأمير تشارلز من أجل إلغاء تصميمات المشروع قبل إصدار تراخيص البناء. وانتهى في الأسبوع الماضي الفصل الأول من هذه القضية أمام المحاكم البريطانية وكانت آخر تطوراتها خسارة الشركة القطرية للجولة الأولى ونشر رسالة من الأمير تشارلز إلى رئيس الوزراء القطري لكي يستعطفه إلغاء تصميمات المشروع واستبدال أخرى بها تقليدية، وهو ما كان.

ويعود أصل المشكلة إلى توقعات من شركاء المشروع، الأخوان كاندي، بأن يلتزم التعاقد بما نص عليه من علاوة مالية ضخمة في حالة الموافقة على المشروع، ولما ألغي المشروع بتدخل الأمير تشارلز لم تدفع «ديار» العلاوة مما استدعى اللجوء إلى القضاء. ويقول الأخوان كاندي إن الموافقة التي لم تتم كانت بسبب تدخل خارجي لا علاقة له بالمشروع. أما شركة «ديار» فتقول إنها سحبت المشروع قبل التقدم للموافقة عليه لوجود مؤشرات واضحة أن المجلس المحلي أو عمدة لندن كانا بصدد رفض المشروع. ورأى قاضي المحكمة العليا في لندن هذا الأسبوع أن تدخل الأمير تشارلز في المشروع كان «غير مرحب به» وأنه وضع إدارة «ديار» في وضع حرج بعد انتقاده للتصميم الحديث للمشروع. ثم جاءت ظروف السوق الرديئة التي جعلت تنفيذ المشروع شبه مستحيل.

وجاءت هذه التعليقات بعد عامين من الصراع القضائي حول المشروع الذي يتكلف ثلاثة مليارات جنيه إسترليني حكم القاضي بعدها بأن الشركة القطرية أخلت بالاتفاق مع الأخوين كاندي، ولكنه لم يحكم بحجم التعويض تاركا ذلك لجولة ثانية من النزاع. ويطالب الأخوان كاندي بتعويض تصل قيمته إلى 68.5 مليون جنيه إسترليني. من الملاحظ أن القاضي انتقد الطرفين في القضية وطالبهما بالعمل سويا من أجل تسوية خلافاتهما وعدم إهدار ملايين الجنيهات في صراعات قضائية لا طائل من ورائها. كما أشار إلى أن سحب شركة «ديار» القطرية للمشروع قبل النظر في ترخيصه تحت ضغوط الأمير تشارلز لا يعد مخالفة للتعاقد في حد ذاتها وأن الوقت ليس متأخرا لإجراء مصالحة وإعادة النظر في التعاون بين الطرفين.

وقالت روث ريد من معهد مصممي العقار الملكي البريطاني إن الدلائل التي قدمت في هذه القضية للمحكمة تسرد التدخل غير المباشر في مشروع تشيلسي من الأمير تشارلز، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انهيار المشروع، بينما كان المشروع يسير نحو مرحلة النظر في ترخيص البناء. وأضافت أن نظام تراخيص البناء البريطاني نظام ديمقراطي ويمكن لأي مواطن أن يعترض على المشروع ويتقدم بشكوى إلى المجلس المحلي من أجل منع إصدار الترخيص. وكان يمكن للأمير تشارلز أن يتبع الخطوات نفسها وأن يسجل اعتراضه أمام سلطات الترخيص بدلا من اللجوء إلى الأساليب غير المباشرة بالضغط على الشركات المعنية بالمشروع لسحبه قبل الموافقة عليه.

ويذكر أن الأخوين كاندي وشركاءهما في صندوق «ديار» يشرفان أيضا على أغلى مشروع في لندن وهو مشروع «وان هايد بارك». وتباع وحدات مشروع «هايد بارك» بأسعار أغلى من مشروع تشيلسي. وما زال المشروع قيد البناء ولم يتم بيع كل وحداته العقارية بعد. ويضيف هذا من أعباء مشروع تشيلسي. وتعاني لندن حاليا من تخمة عقارية مع ندرة في التمويل. وتطال الأزمة كل قطاعات العقار حتى القطاع السوبر فاخر. وبالتالي فقد يكون من الصعب إقناع مستثمر بشراء شقة بعشرة ملايين جنيه إسترليني في سوق متراجعة. ومعنى هذا أن مشروع تشيلسي قد لا يغطي تكاليفه، إذا التزم بمواصفات الأمير تشارلز وخفض حجم الوحدات السكنية المعروضة فيه.

وفي حوار مع راديو الـ«بي بي سي» قال اللورد روجرز المهندس المعماري المعروف إن المشكلة أن الأمير تشارلز لا يناقش وإنما يبدي آراء قوية ولذلك لا بد من التساؤل حول جدوى تدخله في مواضيع من هذا النوع. ويخشى اللورد روجرز أن ترى شركته مشروعا بديلا في تشيلسي بدلا من المشروع الذي صممه، حتى لو حصلت شركته على مستحقاتها المالية كاملة لأن المنافسة بين مصممي العقار في لندن تكون أحيانا مسألة سمعة قبل أن تكون مسألة مالية.

وفيما ينقسم الرأي العام على المشروع، كانت هناك جهات متطوعة للدفاع عن آراء الأمير تشارلز الذي «يحمي الذوق المعماري العام» ويحافظ على الشخصية التقليدية لمباني لندن. كما كتب كثيرون في الصحافة أن الأمير كان سباقا في الكثير من القضايا العامة مثل الحديث عن البيئة وإعادة تدوير النفايات في قصره قبل سنوات من تعميم الفكرة في كل أنحاء بريطانيا. وكان الأمير تشارلز قد ذكر في خطابه إلى رئيس الوزراء القطري أن تصميم الموقع في تشيلسي من شأنه أن «يدمر روح لندن المعمارية» كما تحدث إلى الكثير من الشخصيات العامة في بريطانيا وخارجها عن عدم ترحيبه بالمشروع، مما أدى في نهاية المطاف إلى سحبه طوعيا.

من ناحية أخرى لا يعرف بعض المراقبين الأسباب التي دعت الأمير تشارلز لإبداء هذا الاعتراض شديد اللهجة على المشروع. حيث يضم المشروع الملغي الذي قدمه اللورد روجرز والأخوان كاندي لمجلس حي وستمنستر للموافقة عليه مساحات خضراء تفوق في مساحاتها مساحات البناء. وهي مساحات تقع بمحاذاة النهر، وتضم 300 شجرة على الأقل. كما يشمل المشروع أيضا فندقا راقيا ومنافذ تجارية ومركزا رياضيا به حمام سباحة طوله 25 مترا. ويتم تسويق المشروع على أنه «موطئ قدم» للأثرياء في لندن خصوصا هؤلاء الذين ينتقلون من مدينة لأخرى ويريدون موقعا دائما داخل لندن بالمواصفات الفاخرة.

ولكن على الرغم من متاعب هذا المشروع فإن شهية «ديار» لعقارات لندن ما زالت مفتوحة، وهي تنظر حاليا في الكثير من عروض الشراء التي تتقدم بها من أجل استكمال عدة صفقات بعضها لفنادق راقية. وعلى الرغم من وجود تكهنات كثيرة في أسواق العقار اللندنية حول الهدف التالي للاستحواذ القطري فإن معظم الصفقات الحقيقية تبقى سرية لحين اكتمالها.

من أسماء الفنادق المتداولة المرشحة للبيع في صفقات لصالح «ديار» كل من «السافوي» و«غروفنر هاوس». وتؤكد مصادر لندنية أن قطر هي أكبر مصدر للاستثمار العقاري الأجنبي في عام 2010 حتى الآن. وتشير هذه المصادر، ومنها شركة «جونز لانغ لاسال» إلى أن الاستثمار العقاري القطري لا يقتصر على لندن وحدها وإنما ينتشر عالميا في موجة استثمارية غير مسبوقة. وهناك بالطبع استثمارات خليجية أخرى وبعضها من صناديق سيادية، ولكن أيها ليس بحجم الاستثمار القطري، وفقا لمصادر شركة «لاسال».

ويقول بيتر جي من مجموعة «كنغ ستورج» العقارية إن المستثمرين الأجانب يتنافسون على اقتناء معالم بريطانية العقارية وعلاماتها التجارية البارزة. وأضاف أن إشاعات السوق تشير إلى أن هناك عدة فنادق أخرى على لائحة الشراء من القطريين منها فندق «كلاريدجز» وفندق «باركلي» وفندق «كونوت». وتحتاج الفنادق إلى عمليات إعادة تمويل في نهاية العام الجاري مما يجعلها واردة في لائحة البيع ولو بصفة جزئية حتى اكتمال بيعها فيما بعد.

وجدير بالذكر أن أحدث الإشاعات التي نشرتها الصحف البريطانية حول توجهات استثمارات قطر في لندن تتعلق ببيت المزادات العريق «كريستيز» الذي يعد أقدم بيت مزاد بريطاني. ويملك «كريستيز» في الوقت الحاضر الثري الفرنسي فرانسوا بينو الذي يملك أيضا علامة غوتشي. وتعود هذه الإشاعات إلى مؤشرات واضحة لنوايا بينو بيع «كريستيز» بعد عام عصيب فقدت خلاله الشركة نحو ربع موظفيها بسبب الكساد. وتعاني بيوت المزاد البريطاني من أحلك فترة كساد في تاريخها بسبب ركود حركة البيع والشراء في مجال التحف الفنية والأثريات.

وكان بينو قد اشترى «كريستيز» عام 1999 وهو يملك أيضا شركة «إيف سان لوران» الفرنسية وعددا كبيرا من شركات المنتجات الفاخرة ويملك قصرا في البندقية وتقدر ثروته بنحو 17 مليار دولار. وحتى الآن تنفي شركة «بينو» القابضة، واسمها «أرتيميس» التعليق على بيع «كريستيز» بينما ترفض إدارة بيت المزادات التعليق على «تكهنات صحافية». وتشير الصحافة البريطانية إلى شغف قطر باقتناء التحف وبناء متحف في الدوحة للفن الإسلامي، ودخولها بقوة في سوق التحف والآثار المتاحة للبيع من متاحف الغرب.