انكماش سوق العقارات الإسباني 57%

صندوق النقد الدولي يتوقع تحسن السوق نهاية العام الحالي

خلال العقد الماضي ارتفعت أسعار المنازل في إسبانيا بنسبة ثلاثة أضعاف، بما يقرب من 10% في العام
TT

خلال العامين الماضيين كانت عبارة «أزمة الائتمان» العبارة الأكثر انتشارا في إسبانيا. في البرلمان والشوارع ووسائل الاتصال، ومراكز العمل والمتاجر، وحتى بين موظفي الحكومة ذاتها، حتى أنهم استغرقوا بضعة أشهر للاعتراف بالموقف.

والآن يبدي الجميع في إسبانيا قلقا تجاه عمق وصعوبة الأزمة الاقتصادية فيها. وتظهر الأرقام أن الدولة قادرة على النجاة من الانهيار لكنها بحاجة إلى اتخاذ قرار. وأول الأسئلة التي تطرح في مثل هذا الموقف هو كيف ولماذا انزلقت إسبانيا إلى هذا الموقف؟

تشير المنظمات الدولية والمحللون إلى أن قطاعي البناء والمصارف يقفان وراء وصول البلاد إلى هذه المستويات الخطرة.

فأرقام قطاع الإنشاءات واضحة، ففي الربع الأول من العام تم البدء في بناء 31198 مسكنا، ووفقا لمعلومات «بيانات المنازل المجانية والمحمية لوزارة الإسكان»، وهو رقم بعيد تماما عما يقرب من 900 ألف منزل سنويا، تم تشييدها خلال عام 2006، أثناء «فقاعة» العقارات، عندما قامت إسبانيا ببناء منازل أكثر من ألمانيا والمملكة المتحدة معا.

واقع الأمر أن هناك مخزونا ضخما من العقارات الخالية التي تقدرها بعض المنظمات بمليون منزل. وقال بياتريس كوريدور، مسؤول بوزارة الإسكان، هذا الأسبوع إنها «قد تصل إلى 700 ألف شقة تبحث عن مالك».

هذا المعروض الضخم الذي سيستغرق سنوات عدة حتى تتمكن السوق من استيعابها أدى إلى إيقاف الإنشاءات الجديدة، ولم يبدأ العمل بين يناير (كانون الأول) ومارس (آذار) سوى في 17876 منزلا غير مدعومة حكوميا و13322 شقة محمية (مدعومة من الحكومة)، وهو ما يعني انخفاضا بنسبة 21.7 في المائة في القطاع الخاص و17 في المائة في المنازل الرسمية مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

وخلال الفترة بين أبريل (نيسان) 2009 ومارس 2010 تم الشروع في بناء 75278 شقة خاصة تمثل انخفاضا بنسبة 57.7 في المائة عن الأشهر الـ12 الماضية.

وخلال العقد الماضي ارتفعت أسعار المنازل في إسبانيا بنسبة ثلاثة أضعاف، بما يقرب من 10 في المائة في العام. على الرغم من انخفاض الأسعار في 2007 بنسبة 4.8 في المائة وواصلت انخفاضها في 2008 إلى أكثر من 4 في المائة. بيد أن المحللين توقعوا أن يكون ذلك هو الانخفاض الأكبر.

وتصر جمعية «أبرايزال سوسايتي» على وجود توجه للانخفاض على الرغم من وجود صيغة أكثر اعتدالا قد يتمكنون من تحويلها إلى انتعاش طفيف في المواقع المركزية من المدن الكبرى حيث يكون العرض محدودا. بيد أن الأرقام الحكومية تقول إن مناطق مثل مدريد وإقليم الباسك خارج هذه السوق، وتأتي مدن أندلسية وكتالونيا وفالينسيا على رأس هذا النشاط.

يتوقع صندوق النقد الدولي والحكومة الإسبانية أن المبيعات ستواصل الهبوط لتصل إلى القاع، بيد أنهم أملوا في أن يبدأ القطاع في التعافي بنهاية عام 2010.

كيف حاولت الحكومة الإسبانية الحفاظ على هذا القطاع الهام؟ تجديد البناء، فإذا لم تتمكن الحكومة من بناء مساكن جديدة، فسوف تختار دعم الأفراد ممن يملكون منازل بحالة جيدة. حيث قدمت الحكومة أكثر من 6.600 مليون يورو على هيئة قروض لإعادة وتجديد المباني. وقررت الحكومة خفض الضريبة على أعمال الإنشاءات، وسوف نشهد النتائج العام القادم لكن الخبراء يشيرون إلى أننا لن نشهد انتعاشة عقارية. وتجدر الإشارة إلى أن الانهيار في قطاع الإنشاءات ارتبط بانهيار النظام المالي. وقد قال جيم أونيل، المحلل البريطاني في «غولدمان ساكس»: «أنا مندهش من مدى تنوع نشاطات البنوك الإسبانية والإيطالية الكبرى، فالمواقف المالية لكليهما تشير إلى أنهما تعلمتا من مشكلات الماضي على الرغم من المخاطر التي تواجهها المؤسسات المالية الإسبانية الأصغر حجما».

حقيقة الأمر أن الحكومة توصلت إلى اتفاق فريد مع المعارضة لتغيير القانون بشأن بنوك الادخار، التي تشكل أهمية خاصة في إسبانيا نظرا لعملها الاجتماعي، وهي ليست مثل البنوك الضخمة التي تسعى من أجل الربح. بل هي مثل بنوك الادخار العامة.

وفي ظل تطبيق القواعد الجديدة، دخلت أكثر من 38 مؤسسة مالية في مجموعات جديدة بفضل الاندماجات (13 في أسبوعين)، وربما كان الأهم بينها «بانتشايا وكاجا مدريد» التي أصبحت المنافس الأكبر للبنوك الكبرى.

أجبر إصلاح النظام المالي الإسباني على جعل بنوك الادخار أكثر قوة وأكثر تنافسية. على الرغم من ذلك، فإن تكلفة الأزمة الاقتصادية التي تدين منها الدولة للدولة للبنوك وبنوك الادخار الإسبانية ستصل إلى 22 مليار يورو منها 5 مليارات يورو إلى البنوك الخاصة و17 مليار يورو إلى بنوك الادخار، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي.

أزمة هذين القطاعين وتعافيهما أيضا يرتبطان ببعضهما بصور مباشرة. وبحسب إحدى المؤسسات الرسمية، فمنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 تم منح 3 آلاف رهن عقاري أكثر من العام السابق والفضل في ذلك عائد إلى انخفاض معدلات الفائدة والأسعار التي يمكن أن تسهم في موازنة قطاع العقارات وهو ما يساعد أعمال البنوك.

على أي حال، ترى المنظمات الدولية أن إسبانيا ستكون الدولة الأوروبية الوحيدة التي تواجه استمرار الركود هذا العام بانخفاض نسبته 0.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

* صحافية في «اللوموندو» الإسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»