باريس تشن حملة ضد المنازل المستغلة لبضعة أسابيع في العام

ملاكها غالبتيهم من الأجانب ويؤجرونها لباقي أيام العام

جانب من العاصمة الفرنسية باريس («الشرق الأوسط»)
TT

يشتري الكثيرون منازل في باريس بهدف استغلالها لبضعة أسابيع من العام وتأجيرها لباقي أيام العام، لكن معظم هؤلاء لا يدركون أنهم بذلك ينتهكون القانون. الآن، تحاول حكومة المدينة تناول المشكلة عبر توجه يحمل طابعا مباشرا أكبر تجاه مسألة فرض القانون.

في هذا الإطار، أصدر عمدة المدينة برتراند ديلانو أوامره لإحدى الوكالات العام الماضي بتحذير مالكي العقارات من أن تأجير شقق سكنية لفترة تقل عن عام في المرة الواحدة يعد انتهاكا للقانون الفرنسي. وهدفت هذه الخطوة لتناول نقص المساكن ذات الأسعار المعقولة في قلب المدينة. وأكد ديلانو على أن من يتجاهلون هذا التحذير سيتعرضون للمحاكمة.

إلا أنه منذ الشروع في تطبيق هذا القانون في الخريف الماضي، لم يرسل سوى قرابة 25 خطابا - كان معظمها ردا على شكاوى تقدم بها جيران. ولم تنتقل سوى حفنة من هذه القضايا إلى المحكمة.

ومع ذلك، يساور القلق القائمين على صناعة تأجير الشقق في المدينة التي تحظى بأكبر عدد زائرين عالميا، ومع إدراك مزيد من مالكي المنازل لهذا القانون، تتنامى مشاعر الحيرة والتخبط. الملاحظ أن البعض أقدم على سحب العقارات التي يملكها من السوق، بينما عمد آخرون إلى حذف العناوين أو أي معلومات مفصلة قد تفيد في التعرف على الهوية من القوائم المطروحة عبر شبكة الإنترنت. في تلك الأثناء، عملت العشرات من وكالات التأجير على جمع صفوفها لإنقاذ تجارتها المربحة.

في هذا الصدد، قالت سوزي هولاندز، من «فينغت باريس»، وهي شركة استثمارات عقارية وشؤون إدارية «لا تتوافر إحصاءات دقيقة حول عدد المساكن في باريس التي يبلغ إجمالي عدد المساكن بها 1.3 مليون وحدة، التي يجري تأجيرها لفترات قصيرة». ويقدر مهنيون بصناعة العقارات أن أعداد هذه المساكن ربما تصل إلى عشرات الآلاف، يمتلك الأجانب نسبة كبيرة منها والذين اشتروها كمنازل لقضاء العطلات بها أو كعقارات استثمارية. (تنتمي غالبية هؤلاء المشترين إلى الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا، طبقا لما ذكره سماسرة). ويرى بعض المعنيين بالصناعة العقارية أن أعداد المساكن المؤجرة شهدت ارتفاعا حادا في السنوات العشر الأخيرة نظرا لأن شبكة الإنترنت يسرت بدرجة كبيرة العثور على مستأجرين محتملين.

من أجل طرح ممتلكاتهم العقارية للتأجير لفترات قصيرة على نحو قانوني، سيتعين على الملاك إعادة تصنيف عقاراتهم السكنية باعتبارها عقارات تجارية، وهي عملية معقدة تتضمن ضرورة العثور على عقار تجاري بنفس الحي يمكن تحويله ليستخدم في السكن. في هذا الصدد، علق فابريس لوزو، موثق عمومي ساعد الكثير من العملاء الدوليين في الاستثمار بالمجال العقاري بالمدينة، بقوله: «هذا الأمر ليس صعبا فحسب، وإنما هو مستحيل، حيث يجب على المالك التقدم بطلب للحصول على تصريح خاص واحتمالات نجاحه في ذلك ضئيلة للغاية».

من دون الحصول على مثل هذا التصريح، يتعين طرح أي عقار مصنف باعتباره سكنيا داخل أي مدينة فرنسية يتجاوز عدد سكانها 200.000 نسمة للإيجار لمدة لا تقل عن عام واحد كحد أدنى. إلا أن القانون المعني بهذا الشأن والذي جرى تمريره عام 2005 تضمن بعض الاستثناءات بالنسبة لإسكان الطلاب.

بالنسبة لملاك المنازل في باريس، من الممكن أن يترتب على ذلك تباين كبير في الدخل. على سبيل المثال، حسب أسلوب إعادة تجديدها، يمكن تأجير شقة مساحتها 650 مترا مربعا في منطقة سانت جيرمين دي بري الأنيقة باعتبارها مفروشة مقابل 2500 يورو (3100 دولار) في الأسبوع، حسبما أشارت هولاندز.

وتقدر هولاندز أن الدخل السنوي، بناء على أن الشقة يجري تأجيرها قرابة 70% من الوقت، سيحقق ثلاثة أضعاف الدخل الذي يحققه التأجير طويل الأمد.

وأضافت أنه «عند تأجير شقة غير مفروشة لفترة طويلة، ستتراوح قيمة الإيجار بين 2200 يورو و2500 يورو شهريا»، أو 30000 يورو سنويا على أقصى تقدير.

ورغم أن الشرطة مكلفة بتنفيذ القانون، فإنها نادرا ما تضطلع بذلك. وعليه، نجحت باريس بعد محاولات عدة في نقل مسؤولية تطبيق القانون داخل المدينة إلى وكالة الإسكان التابعة للعمدة والمعروفة باسم «مكتب حماية العقارات السكنية».

من ناحيته، أوضح فرانك أفورتي، مساعد مدير الوكالة، أنه «قررنا تطبيق القانون على نحو صارم. وبالفعل، جرى إرسال خطابات إلى أصحاب العقارات، الذين يتضمنون الكثير من الإيطاليين وبعض الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين».

واستطرد أفورتي موضحا أن معظم هؤلاء الملاك أقدموا على سحب ممتلكاتهم من سوق التأجير، بينما يخضع «العديد» من الآخرين ممن لم يفعلوا ذلك للمحاكمة. وقد أثمرت واحدة من القضايا عن صدور حكم أولي لصالح المدينة، في الوقت الذي لم تتحدد فيه مواعيد النظر في القضايا الأخرى أمام المحكمة، حسبما ذكر أفورتي.

جدير بالذكر أن الإدانة قد تسفر عن غرامة تصل إلى 25000 يورو، أما الاستمرار في انتهاك القانون فمن الممكن أن يسفر عن غرامات إضافية تصل إلى 1000 يورو للمتر يوميا. ومع ذلك، اعترف أفورتي أنه بالنظر إلى ضآلة أعداد العاملين بالوكالة البالغ عددهم خمسة أفراد فحسب، فإن تعقب المخالفين «يمثل مشكلة». واستطرد موضحا أنه لذلك «سنعمل على تطبيق هذا القانون بصورة ذكية».

وقال إن الهدف الرئيسي سيتمثل في الملاك الذين «يجعلون التأجير نشاطا دائما، الأمر الذي يشتت العقار السكني بعيدا عن وظيفته الأساسية كمسكن للباريسيين». وأضاف: «الشخص الذي يؤجر مسكنه مرة واحدة في العام» لن يتعرض للمحاكمة.

ومع ذلك، أثارت الشكوك القائمة حاليا قلق الكثير من المعنيين بهذه الصناعة.

وفي خطاب وجهته لعملائها في نوفمبر (تشرين الثاني)، تناولت هولاندز من «فينغت باريس» الحملة الصارمة الرامية لتنفيذ هذا القانون. وقالت: «تعرضت للتوبيخ من جانب عملاء آخرين لكتابتي هذا الخطاب، لكنني شعرت أن الواجب الأخلاقي يفرض علي إخطار العملاء والمستثمرين الذين أتعامل معهم الذين كانوا على وشك إنفاق مليون يورو من دون أن يعلموا حيال هذا الأمر».

يذكر أن الشركة التي تعمل بها هولاندز تعاملت بصورة رئيسية مع عملاء من أميركا الشمالية وبريطانيا على امتداد السنوات السبع الماضية.

في مايو (أيار)، تلقى أحد عملائها «الذي كان قد نفذ عملية تجديد ضخمة خطابا بسبب شكوى جيرانه». وأضافت «كان العميل يؤجر شقته أسبوعيا منذ مارس (آذار) وكانت لديه حجوزات طيلة الصيف. وقد حرص على ألا يسبب إزعاجا لأحد». الآن، يؤجر العميل مسكنه المفروش لمدة عام.

وقد شكلت نحو 35 وكالة تأجير مؤخرا اتحادا يحمل اسم «أسوساسيون دي بروفيسيينل دي لا لاوكاسيون موبيله»، وهو مجموعة من المهنيين العاملين بمجال العقارات المفروشة المؤجرة بهدف العثور على سبيل للعمل في إطار تنظيمات المدينة.

ويثير الاتحاد التساؤلات حول أسلوب تفسير المدينة للقانون والفرضية التي تتحرك بناء عليها والمتمثلة في أن العقارات التي أجبرت على الخروج من سوق التأجير قصيرة الأمد من المحتمل أن تتحول إلى مساكن للباريسيين على المدى البعيد.

وأشار رئيس الاتحاد جان مارك أغنيس إلى أن الخطوة الأولى كانت إصدار أمر «بإجراء دراسة جادة عن السوق لإظهار ما تمثله، ولتوضيح أن العقارات المستأجرة المفروشة لفترات تقل عن 12 شهرا تلبي حاجة اجتماعية واقتصادية في مدينة مثل باريس. الأمر لا يتعلق بإقامة السياح لبضعة أيام فحسب، وإنما يشمل باحثين وأساتذة جامعات وتبادلات بين رجال الأعمال في الشركات الدولية الذين قد يقدمون للمدينة لبضعة شهور». ويتوقع الاتحاد إعلان الدراسة نتيجتها في سبتمبر (أيلول).

في تلك الأثناء، لا يبدو أن القانون الجديد أضر بمبيعات العقارات في باريس، التي تميزت سوقها بكونها واحدة من أكثر الأسواق نشاطا في أوروبا على امتداد فترة التراجع العالمي الأخير في سوق العقارات.

في هذا الصدد، قال لوزو: «لا أرى أن الأسعار تتراجع بما يحقق أمنية ديلانو بتوفير شقق أقل سعرا للباريسيين». وسواء كان العملاء أثرياء أميركيين أو برازيليين أو هنودا أو صينيين، «لا يزالون جميعا راغبين في استجار شقق بباريس»، حسبما أضاف.

من جانبه، حرص المصمم الأميركي وسمسار العقارات آلون كاشا على تنبيه عملائه للمشكلة المحتملة، رغم أن الكثيرين منهم لا يؤجرون منازلهم.

وقال: «لو كانوا يفعلون ذلك من أجل الحصول على دخل من التأجير، فإن هذا الأمر محفوف بكثير من المشكلات. لذا أنصحهم بشراء مخزن في أي مكان وتأجيره. لكن إذا كانوا يشترون منزلا انطلاقا من شغفهم بباريس، فهذا أمر مختلف. وأخبرهم حينها: «إذا نجحتم في تأجيره من دون مشكلات فلا بأس، لكن لا تعتمدوا على هذا الأمر».

* خدمة «نيويورك تايمز»