تركيا تجذب الاستثمار العقاري العربي بأسعار منخفضة وعوائد إيجارية عالية

أختيرت كأفضل موقع استثمار عقاري في أوروبا

تركيا قريبة من الثقافة العربية («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن الاستثمار العقاري العربي في تركيا يرتفع طرديا مع مواقف تركيا السياسية الإيجابية في المنطقة، فبعد فترة كان فيها هذا الاستثمار مرتبطا بنجاح المسلسلات التركية، عاد الاهتمام بتركيا عقاريا واستثماريا من باب السياسة. ولكن الإقبال العقاري العربي على تركيا لا يعتمد على عواطف سياسية فقط، وإنما على قواعد استثمارية صحيحة، حيث توفر تركيا لمستثمريها الأجانب فرصا عقارية أفضل من حيث الأسعار بالمقارنة مع المواقع الأخرى المطلة على البحر المتوسط، بالإضافة إلى عوائد إيجارية تصل إلى نحو 5.4 في المائة وتعد ضمن الأعلى في أسواق اليوم.

وقد يكون من دواعي اطمئنان المستثمرين العرب في تركيا أن أحدث مراجع الاستثمار العقاري العالمية وهو دليل «غلوبال بروبرتي غايد» رشح هذا الشهر تركيا كأفضل موقع استثمار عقاري في أوروبا. وبالمقارنة مع مواقع الاستثمار العقاري الأوروبية التقليدية في فرنسا وإسبانيا والبرتغال، تعد تركيا الأفضل من ناحية العوائد الإيجارية وبنسبة تكاد تصل إلى الضعف أعلى من المواقع الأخرى. وباختلاف عن الاستثمار الأوروبي في تركيا الذي يتركز على المواقع السياحية وملاعب الغولف، ينتشر الاستثمار العربي في تركيا جغرافيا لكي يشمل المدن الرئيسية فيها. ويشير الدليل العالمي إلى كثير من المزايا التركية؛ ومنها أنها لم تتأثر مثل غيرها بالأزمة المالية العالمية، وتحقق نسب نمو اقتصادي جيدة. وتقول إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن نسبة النمو المتوقع في تركيا خلال عام 2011 تصل إلى 6.7 في المائة، وهي أفضل نسبة نمو اقتصادي بين جميع دول أوروبا. وسوف ينعكس هذا الإنجاز بالتأكيد على أسعار العقار فيها.

ويجذب العرب إلى تركيا أسعار أرخص من معظم الدول العربية. ففي إسطنبول مثلا يمكن شراء شقة صغيرة من على الخريطة بمبلغ 60 ألف دولار، ترتفع إلى 90 ألف دولار للشقق الجاهزة. ومن المشاريع التي تجرى حاليا على الجانب الأوروبي من المدينة مشروع اسمه «نايتسبردغ» مكون من شقق مختلفة الأحجام وتبدأ أسعارها من 60 ألف دولار مع ضمان للعوائد الإيجارية فيها لمدة عامين بنسبة 7.5 في المائة.

وفي إسطنبول أعلنت الحكومة التركية عن مشاريع تنمية عقارية، خاصة في القسم الأوروبي من المدينة التي ما زالت تمنع الاستثمار الأجنبي في بعض أحيائه. وأدى الإعلان إلى موجة عارمة من المضاربة العقارية من الأتراك أنفسهم، توقعا لارتفاع الأسعار. ولكن مع تأخر المشاريع الحكومية بعد أزمة التمويل العالمية اضطر مستثمرون إلى إعادة طرح هذه العقارات في السوق مرة أخرى. ويأمل هؤلاء أن تؤدي وعود الحكومة بفتح قطاعات من الأسواق للأجانب إلى موجة انتعاش ثانية في الأسعار.

وتقول مصادر تمويل العقار اللندنية إن استفسارات الاقتراض العقاري على العقارات التركية تضاعفت في الشهر الأخير وإن تركيا تعد الموقع الثالث الأكثر جذبا بعد فرنسا وإسبانيا. وكانت البنوك تعتبر أن عام 2009 هو عام تركيا عقاريا، ولكنها تؤكد الآن أن جاذبية العقار التركي ما زالت مستمرة في عام 2010. وبالنسبة للأوروبيين، تزداد جاذبية تركيا عقاريا وسياحيا لأنها خارج منطقة اليورو، حيث التضخم السعري ينتشر في كل أنحاء أوروبا، خاصة في دول الجنوب مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال التي تعاني في ما بينها من انكماش اقتصادي غير مسبوق. ويمكن القول إن عدم دخول تركيا حتى الآن إلى الاتحاد الأوروبي وتبنيها اليورو عملة لها كان له فوائد اقتصادية لها من باب «رب ضارة نافعة».

ويقول ستيوارت جونسون من شركة الاستشارة العقارية «إكسبيريانس إنترناشيونال» إن العقار التركي ظهر على المسرح الدولي متأخرا في نهاية فترة الفقاعة العقارية السابقة، ولذلك لم ترتفع فيه الأسعار بشدة ولم تتكدس في تركيا مشروعات العقار السياحي كما هي الحال في إسبانيا مثلا. ويعني هذا أن العقار التركي يقدم قيمة جيدة في الوقت الحاضر مع فرص نمو في المستقبل أفضل من معظم الأسواق الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، تقدم تركيا كثيرا من الحوافز الضريبية وأهمها أن العقارات المملوكة لأكثر من خمس سنوات تعفى من ضريبة رأس المال.

ولكن تركيا ليست خالية من المخاطر، حيث إنها جديدة بين أسواق العقار الدولي وليست فيها إحصاءات كافية لمعرفة تطور أسعار العقار فيها على فترة زمنية متوسطة توضح للمستثمر مسار المؤشرات فيها. كذلك يجب الحرص عند التعامل مع شركات العقار التركية، حيث إن بعضها لا يلتزم بالمعايير الدولية للعقار مثل بقية دول أوروبا. والاقتراض في تركيا له أيضا مصاعبه، حيث إن أسعار الفائدة فيها أعلى منها داخل منطقة اليورو.

فالمقترض في أوروبا يمكنه أن يحصل على قرض عقاري بسعر فائدة قريب من اثنين في المائة بشرط دفع نسبة 20% من قيمة العقار مقدما. أما في تركيا، فإن سعر الفائدة يتضاعف إلى أكثر قليلا من أربعة في المائة بشرط دفع نسبة 30 في المائة مقدما من ثمن العقار. ومع ذلك، فإن زخم الاستثمار العقاري الأوروبي ما زال يتركز على المواقع التقليدية، بينما يستأثر العرب بتركيا. ويعتقد الأوروبيون أن المواقع التقليدية في إسبانيا وفرنسا وسويسرا توفر ضمانات أعلى وعوائد مستقرة على المدى البعيد. وتزداد الجاذبية الأوروبية للمستثمر البريطاني بسبب تراجع اليورو من ناحية وأسعار الفائدة عليه من ناحية أخرى.

وفي الوقت الذي ينفتح فيه العرب استثماريا على تركيا، فإنها تنظر إلى تنويع جاذبيتها العقارية بالتوجه نحو أوروبا. فالحكومة التركية أعلنت مؤخرا أنها بصدد بناء مائة ملعب غولف جديد من الآن وحتى عام 2014 موزعة على المناطق السياحية الرئيسية. وسوف تبني حول ملاعب الغولف منتجعات ومنشآت سياحية معظمها متاح للاستثمار الأجنبي. وعلى الرغم من أن لعبة الغولف غير منتشرة بين الأتراك، فإن معدلات الإقبال عليها تتضاعف سنويا ولم يتأثر أي من الملاعب القائمة بموجة الكساد الأخيرة.

وتقل قيمة العقار التركي الآن بنسب تصل إلى 30 في المائة عما كانت عليه في ذروة الطفرة العقارية، كما أن البنوك التركية ما زالت تتمتع بنسب أعلى من السيولة ولا تمانع في الإقراض العقاري للأجانب بضمان العقار نفسه. ويسود الشعور بأن الاقتصاد التركي يعود إلى الانتعاش مع عام 2010، حيث الليرة التركية التي انخفضت أمام الدولار الأميركي بنسبة 15 في المائة، استعادت بعض قيمتها بالارتفاع إلى قيمة 1.5 ليرة لكل دولار بعد أن كانت 1.8 ليرة للدولار. وحافظت تركيا على معدلات متوسطة من التضخم ليس من المتوقع لها أن تزيد على ستة في المائة هذا العام.

ويشير خبير عقاري في إسطنبول إلى أن معدلات الفائدة التركية تتجه نحو الانخفاض، وأن العقار التركي أصبح متاحا للمرة الأولى للطبقة المتوسطة. ويضيف أن كثيرا من شركات التنمية العقارية تعود إلى الأسواق الآن بمشروعات سوف تدخل السوق قبل نهاية هذا العام. وهو يرى أن الوقت الحاضر هو أنسب وقت لدخول السوق التركية. ولكنه يضيف أن هناك كثيرا من العقبات أيضا يجب أن ينتبه إليها المستثمر الأجنبي مثل الحذر من المحتالين والمشروعات الوهمية وتقديرات القيمة العشوائية والتعامل مع شركات سيئة السمعة أو محامين غير محترفين. من الصعوبات الأخرى أيضا، البيروقراطية الحكومية والقيود التي ما زالت تفرض على المستثمرين الأجانب.

من المصاعب التي ذكرها بعض المستثمرين الأجانب أيضا، صعوبة التعامل باللغة التركية لمن لا يعرف اللغة الإنجليزية، وهي لغة التعامل الثانية. كما أن بعض المحامين يلجأون إلى خفض الأسعار في الأوراق الرسمية لتجنب رسوم تمغة وضرائب مرتفعة، ولكن خبراء العقار لا ينصحون بذلك حفاظا على القيمة الحقيقية للاستثمار.

ولكن على الرغم من كل هذه المصاعب، فإن تركيا ما زالت تقدم فرصا نادرة في كل قطاعات السوق السعرية وفي كثير من المناطق الساحلية والمدن الرئيسية. ويستخدم مستثمرون نظام تمويل تركيا خاصا اسمه «سينيت» كبديل للاقتراض العقاري. ويسمح هذا النظام بالتمويل بلا فوائد عن طريق كتابة صكوك مؤجلة على المشتري يتم تمزيقها دوريا مع دفع قيمتها. وهو نظام يشبه إلى حد كبير صيغة الشيكات مؤجلة الدفع.

ويلجأ الأجانب في الوقت الحاضر إلى الإيجار المؤقت في بعض المناطق إلى حين تتاح لهم الفرص القانونية للشراء. وينتظر البعض الآخر بعض الفرص العقارية النادرة. وفي إسطنبول مثلا تتوجه الأنظار إلى العقارات الساحلية على خليج البوسفور، حيث المشاهد الساحلية الجذابة. ولكن الأسعار قد تكون خيالية في بعض العقارات التاريخية، حيث تعرض في السوق الآن فيلا مطلة على البحر مباشرة في منطقة قنديلي على الجانب الآسيوي من مضيق البوسفور، وهي تطل على المياه مباشرة وقريبة من حي الأعمال في المدينة وتحتوي على نحو 14 غرفة نوم. أما السعر المطلوب فيها فهو 45 مليون يورو.

وهناك فرص مماثلة لفيلات أصغر حجما وتحتاج إلى عمليات ترميم بأسعار لا تزيد على ثمانية ملايين يورو. ولكن هذه الأسعار هي الاستثناء وليست القاعدة، حيث تبدأ الأسعار عادة من 250 ألف يورو لشقق ساحلية وتقل عن ذلك في وسط المدينة.

هذا، ويزداد الإقبال الأجنبي على العقار التركي طوال فصول العام، فالبلاد ذات مناخ مشمس معتدل خلال ثلاثة فصول في العام على الأقل، كما أن الأسعار فيها أقل منها في الدول السياحية المتوسطية الأخرى بما يجعل المقارنة لصالح تركيا دائما. فالعقار المماثل يقل في ثمنه بنسبة الثلث في تركيا عنه في فرنسا أو إسبانيا. تركيا أيضا ليست مزدحمة بالسياح، وأسواقها السياحية جديدة نسبيا، ولديها كثير من المناطق الطبيعية الجميلة على البحر المتوسط وبحر إيجة، وتنتشر المنتجعات الساحلية على كثير من الشواطئ التركية.

وطبقت تركيا في السنوات الأخيرة اشتراطات أمان صارمة في العقارات السياحية الجديدة، خاصة في ما يتعلق بمقاومة الزلازل. وكل المنشآت الجديدة تحمل معها ضمانا لمدة خمس سنوات، وخدمات صيانة جيدة لفترة ما بعد البيع. كما تجري الآن كثيرا من التحسينات للبنية التحتية؛ منها توسيع المطارات والطرق، خاصة في المنطقة السياحية جنوب غربي تركيا.

وتناسب تركيا المستثمر العربي بوجه خاص لأنها دولة إسلامية، كما أن شعبها محافظ ومنفتح على الثقافات الأخرى في الوقت نفسه. ولا يقع من تركيا في أوروبا إلا نسبة ثلاثة في المائة من مساحتها بينما الأغلبية الساحقة من أراضيها تقع في قارة آسيا. وهي قريبة جغرافيا من المنطقة العربية ولا يستغرق الطيران إليها من منطقة الخليج إلا ثلاث ساعات في المتوسط.

وهناك عدة مطارات دولية تخدم المنطقة السياحية في تركيا؛ منها بودروم ودالمان واتاليا. وتنتشر بالقرب من هذه المطارات المنتجعات السياحية في المدن الساحلية. وتستقبل هذه المطارات عشرات الرحلات يوميا من شركات «التشارتر» ورحلات الطيران الرخيص من أوروبا، مما يسهل الوصول إليها من أي مكان.

وتختلف شروط السفر إلى تركيا من جنسية لأخرى، ولكن السياح يحصلون في العادة على تأشيرة دخول وخروج متعددة الرحلات، تصل في مدتها إلى ثلاثة أشهر وتتكلف نحو 15 دولارا. ويمكن أيضا الحصول على تأشيرة متعددة الرحلات لمدة عام أو خمسة أعوام، ولكن بتكاليف أعلى.

ولا بد قبل اتخاذ قرار الاستثمار في العقار التركي مراجعة الجوانب العملية التي يجب أن يستعد لها المستثمر نفسيا حتى لا يفاجأ بها. والنقطة الأساسية في عملية الشراء هي ضرورة الاستعانة بشركة عقارية ذات سمعة جيدة، وأيضا بمحام يتحدث لغات أخرى غير التركية (العربية أو الإنجليزية). ومن الأفضل تدبير التمويل اللازم من بلد المنشأ لأن الاقتراض العقاري من تركيا قد يكون أغلى ثمنا. وتستخدم تركيا الليرة الجديدة في التعامل، وهي عملة حلت محل الليرة القديمة التي عانت من التضخم بعد انهيارها في التسعينات. وفي المناطق السياحية تقبل العملات الأخرى بسهولة خاصة اليورو والإسترليني.

ولدى الشراء يدفع المشتري ضرائب نقل ملكية تصل إلى نحو ثلاثة في المائة من ثمن الشراء. وبخلاف الدول الأوروبية الأخرى، فإن ضريبة رأس المال تلغى بعد تخطي زمن ملكية العقار خمس سنوات. وقبل خمس سنوات يدفع البائع ضرائب مبيعات على فارق سعر العقار بين الشراء والبيع بنسبة تتراوح بين 20 و40 في المائة. وهناك كثير من الضرائب المحلية الأخرى التي يتكفل بها المستثمر تشمل ضريبة البلدية والعوائد والصيانة. وإذا كانت تركيا تروق لك عقاريا، فالوقت الآن مناسب للاستثمار فيها.