في الهند.. منتجعات المتقاعدين تحل محل مساكن المسنين

بسبب التغييرات الاقتصادية والاجتماعية وانكماش الأسرة التقليدية

TT

يمشي ساوهني، 64 عاما، نزهته المسائية المعتادة في اشيانا أوتساف، وهو منتجع للمتقاعدين في مدينة بيودي التي تبعد ساعتين من مدينة دلهي الهندية. وفي داخل المنتجع ترى أيضا شارما، 61، التي تتمتع بحيوية الشباب رغم سنها، تلعب تنس الطاولة كل مساء وتعتني بشجر البونسى.

كل من في هذا المنتجع تتجاوز أعمارهم الخامسة والخمسين، وهذه هي القاعدة في هذا المكان، فقد أدى التغيير في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والأسرية في الهند إلى ظهور نوع جديد من قطاعات الإسكان، وهو ما أصبح معروفا الآن بـ«المنتجع أو منازل الاحتفالات».

وتركز الآن شركات العقارات الهندية على إقامة هذه المنازل الفاخرة والمعاصرة للمتقاعدين في جهود تستهدف توفير إسكان مريح لكبار السن المنحدرين من مناطق الحضر.

وتفضل أعداد متنامية من كبار السن من الهنود منتجعات المتقاعدين وذلك لحاجتهم إلى الأمن والرعاية الصحية ووسائل الراحة الأخرى التي توفرها لهم هذه المنتجعات والحياة الكريمة التي تتسم بالحرية.

يقول أنكور غوبتا، العضو المنتدب لـ«شركة اشيانا هوسينغ المحدودة»، رائدة مشاريع منتجعات التقاعد في الهند: «لقد حلت منتجعات المتقاعدين محل فكرة منازل المسنين القديمة. وذلك لأن منازل المسنين كانت تمثل الحل الأخير للمسنين الفقراء الذين تخلى عنهم أهلهم، أما منتجعات المتقاعدين فهي فكرة لطيفة تعد بجعل الحياة بعد التقاعد مليئة بالاحتفالات والبهجة لا الرتابة».

ويضيف غوبتا قائلا: «وباعتبار شركتنا رائدة في هذا المجال في الهند فإننا لا نقدم مجرد سكن بل منتجعا مليئا بكل وسائل الراحة التي يحلم بها كبار السن. المنشآت المتطورة ووسائل الراحة مثل التصاميم الهندسية والتجهيزات الصديقة لكبار السن التي تستهدف درجة أكبر من الآمان. فعلى سبيل المثال، الممرات داخل هذه المنازل تكون واسعة كي تسمح بحركة ودوران الكراسي المتحركة وفي حالة وجود أي طارئ، يحتاج المرء فقط إلى سحب نظام الاستجابة لحالات الطوارئ، ليأتي على الفور من يقدم له المساعدة. كما يتم تنظيم الأنشطة اليومية مثل مسابقات الطبخ وحفلات تناول القهوة للسيدات بهدف القضاء على الملل والضغط النفسي. ولقد أتينا بمفهوم (العيش المساعد) داخل منتجع أشيانا أوتساف. والأهم من ذلك، أننا لا نترك عملاءنا بعد البيع».

ولقد سلمت «أشيانا للإسكان» بالفعل أكثر من 10 ملايين قدم مربع من المنتجعات المشيدة. والآن، تخطط الشركة لبناء منتجعات مشابهة فيما لا يقل عن 10 مواقع جديدة في شمال وجنوب غربي وشرق الهند.

ولم تعد «أشيانا» الشركة الوحيدة لإسكان المتقاعدين في الهند، ففي السنوات السبع الماضية وبالنظر إلى إمكانات النمو العالية لهذا القطاع، والطلب المتزايد والواعد عليها، قامت عشرات من الشركات الأخرى ببناء مشاريع مماثلة ومعظمها تقوم الآن بإقامة مشاريع أخرى.

تقليديا، يعيش كبار السن في الهند مع عائلاتهم - وغالبا مع الابن الأكبر الذي يعتبر رعاية والديه واجبا، تقريبا في نفس أهمية رعاية أطفاله.

ففي الثقافة الهندية الأسرة المثالية هي أسرة واحدة يعيش فيها عدة أجيال في وئام تحت سقف واحد مع الأجداد الذين يقومون بدور حراس لتقاليد الأسرة، وفى بعض الأحيان يقومون برعاية الأطفال. أما الآن، فإن عقدين من النمو الاقتصادي المتسارع قد قوضا هذا التقليد الذي يرجع إلى قرون.

فتبني الهند لنماذج العمل الغربية يعني أن الشباب الهندي من الطبقة المتوسطة يتعين عليهم قضاء وقت أطول في التركيز على وظائفهم كي يتمكنوا من تحقيق التقدم والنجاح.

وهذا يعني في كثير من الأحيان الابتعاد عن مدنهم أو السفر إلى الخارج للبحث عن فرص عمل أفضل.

ويتزوج الأبناء في أعمار متأخرة، والنساء - اللاتي يقمن تقليديا برعاية أهالي أزواجهن - غالبا ما يستمررن في العمل بعد الزواج.

وفي هذا السياق يقول سوماجيت روي، نائب الرئيس المسؤول عن البنية الاجتماعية في مكتب دلهي الخاص بشركة «جونز لانغ لاسال مغراش للعقارات»: «إن هذا الاتجاه آخذ في التنامي. وبحسب تقديراتنا فإن هناك حاجة فورية إلى 200000 وحدة في مختلف أنحاء البلاد».

يوجد حاليا 90 مليون شخص في الهند تزيد أعمارهم على 60 عاما وعلى الرغم من أنهم لا يمثلون حاليا سوى ثمانية في المائة من تعداد السكان البالغ 1.13 مليار، فإن هذه النسبة مؤهلة للارتفاع بسبب انخفاض عدد الأطفال في كل أسرة وزيادة أعمار المواطنين.

وبحلول عام 2025، سيكون هناك 177 مليونا من كبار السن في الهند، وهو رقم يتوقع أن يرتفع إلى 240 مليونا بحلول عام 2050.

ووفقا لدراسات مختلفة، هناك بالفعل 4000 وحدة في هذا القطاع، ومن المتوقع أن يصل عددها إلى 20000 في السنوات الثلاث المقبلة. وغالبية هذه المشروعات التنموية العقارية بها من 50 - 100 وحدة في المنتجعات أو المجمعات ومجموعة من الوحدات تتراوح ما بين وحدات مفردة ووحدات ثلاثية والمنتجعات والشقق ذات الغرفة الواحدة.

ومعظم مجمعات المتقاعدين تلك تقدم أفضل خدمات الرعاية الصحية والأمن ووسائل الراحة، خاصة تلك المتعلقة بكبار السن. وعلى سبيل المثال، فهناك قطبان جانبية للاتكاء عليها في الحمامات والممرات والسلالم ومقاعد بالقرب من المصاعد وأرضية مضادة للانزلاق في الحمامات والمطابخ، وأزرار للإنذار في حالات الطوارئ داخل الوحدات السكنية.

لكن هذه الوحدات لا تشترى بثمن بخس. فعلى سبيل المثال، في مشروع «لافاسا» الذي أقامته شركة «أوتساف» تبلغ تكلفة الوحدة التي مساحتها 915 قدما مربعا 2.7 مليون روبية فيما تصل تكلفة الفيلا ذات الطابقين، التي مساحتها 2430 قدما مربعا 8.2 مليون روبية. إلا أن الشركة تتحمل تكاليف الصيانة وتجهيز مواقف للسيارات. وتعرض الشركات أيضا خيار التأجير لمدى الحياة. وتعمل شركة «أكرون» الجديدة على نموذج طويل الأجل من التأجير. ويمكن تأجير شققها لمدة عشرين سنة مع فترة إغلاق لا تقل عن 12 شهرا. الثمن الفوري للوحدة الفردية (غرفة نوم، مطبخ، حمام) هو مليونا روبية (يعاد ردها بالكامل مع خيار القيمة المضافة). هذا بالإضافة إلى مبلغ شهري يقدر بثمانية آلاف روبية لأعمال الصيانة والحفاظ على المجتمع السكني.

وأسباب زيادة هذا النمو يمكن أن تعزى إلى الكثير من العوامل، والتي من ضمنها الزيادة الملحوظة في معدل القدرة على تحمل التكاليف وذلك بسبب النمو الاقتصادي وتحسن الرعاية الصحية التي تؤدي إلى زيادة الأعمار والتغييرات الاجتماعية الاقتصادية في المجتمع وتحسن الأوضاع الاقتصادية لكبار السن بالإضافة إلى تبني سكان الحضر وآخرين في الهند لعادات «الأسرة النووية» (الأب والأم والأبناء فقط).

وثمة عامل آخر مهم جدا لكبار السن وهو الرعاية الصحية والأمن، فبسبب كبر سنهم يكون لدى كثير منهم مخاوف من التهديدات الأمنية في المدن إذا كانوا يعيشون بمفردهم بعيدا عن أسرهم. وهكذا، فبسبب حاجتهم إلى الأمن والرعاية الصحية ووسائل الراحة الأساسية الأخرى، فإن أعدادا متزايدة من كبار السن أصبحوا الآن يفضلون العيش في منتجعات المتقاعدين لأنها تعدهم ليس فقط بحياة آمنة وكريمة بل أيضا بحرية لا مثيل لها واستقلال في المعيشة وحياة رفاهية لا ينقصها أي شيء.

ولكن مع تزايد المنافسة في هذا القطاع بدأت الشركات العقارية تشعر بالحاجة إلى تنويع عروضها. وفي هذا السياق يقول سومياجيت روي: «إن هناك ترتيبات للاستجابة السريعة لحالات الطوارئ الطبية عن طريق الأطباء وسيارات للإسعاف وروابط مع المستشفيات القريبة. وتقدم بعض المشاريع وحدات الرعاية المستمرة للسكان المرضى. فهذه الأماكن معيشية للمسنين ولتلبية حاجاتهم اليومية».

وقد قام هاربال سينغ، وهو الرئيس الفخري لـ«مؤسسة فورتيس للرعاية الصحية»، وديباك نيريولا، العضو المنتدب سابقا في سلسلة مطاعم «نيريولا»، بتأسيس شركة «إمبكت سنيور ليفنغ ايستات»، وهي الشركة التي أقامت مساكن خاصة بكبار السن في امريتسار وراغاره (هيماشال براديش) ومنطقة العاصمة الوطنية.

ويقو جيفير سينغ، نائب رئيس «إمبكت سنيور ليفنغ ايستات» للإسكان كبار السن، : «إننا نستهدف عملاء من أعلى الطبقة المتوسطة. ومعظم هؤلاء العملاء من المتقاعدين من أجهزة الدول والمحامين والمحاسبين القانونيين وكبار المديرين والهنود غير المقيمين الذين تعودوا على نمط معين من الحياة».

ويعد مشروعهم «إيمبكت سنيور لفينغ»، مشروعا متميزا به منتجع 4 نجوم على غرار منتجعات كبار السن ولكن مع التركيز على توفير درجة عالية من الأمان والرعاية الصحية واللياقة إلى جانب خدمات تدبير المنزل والحراسة على مدار الساعة وخدمات مكتب المساعدة وذلك بجانب الميزات العادية مثل الصالة الرياضية وحمام السباحة والنادي والمنتجع الصحي.

ويضيف سينغ قائلا: «واحد من أهم الجوانب التي تزعج كبار السن هو عدم وجود عمل، لذلك فضلا عن جعل المعيشة مريحة، فنحن نخطط أيضا لتوفير فرص عمل بدوام جزئي لهم مثل الاستشارات والتدريس. وبصرف النظر عن مساعدتهم على تحقيق بعض الإرباح الصغيرة، فإن ذلك العمل سيجعلهم يشعرون بالحياة والنشاط وبأنهم مفيدون للمجتمع».

وتخطط الشركة التي بدأت في امريتسار الآن لبناء هذه المشروعات في مدن أخرى مثل غورغون وهيمتشال برادش وغوا ومومباي، وبلنغور، وحيدر آباد. وقد جذبت هوامش الربح الضخمة ووضوح المجموعات المستهدفة إلى هذا القطاع أعدادا متنامية من الشركات العقارية. فشركة السمسرة العقارية «بابا شانكار» أقامت مجمع المتقاعدين «كلاسك كودومبام» في منطقة شينانيا في جنوب الهند. و«شركة إل آي سي إتش إف إل لمنازل الرعاية» تقوم حاليا بإقامة قرية لكبار السن في بلنغور. ومؤسسة «الكرامة» (دجنتي فوندشين) في مومباي أقامت مدينة للمتقاعدين على مساحة 25 فدانا في منطقة نيرال (في وسط مومباي). وتخطط مجموعة «أكرون»، التي تعمل في مجالات البنية التحتية والضيافة والتجارة، لإقامة مجمع لمتقاعدين يحتوى على 56 شقة على شاطئ بغا. وشركات أخرى (تضم مجموعة ركيندو وبرانجاب اسكيمز وجونز لاسيالا مغراج وريفيردال ريتيرمينت ريزورتس) تقوم الآن بمشروعات في كبرى المدن مثل دلهي وبيون وبلنغور وشيناي وكيومبتور.

كل هذه النماذج تدل على أن فكرة منازل المتقاعدين، المنتشرة في الدول المتقدمة، قد أثارات الاهتمام في الهند وبخاصة بين شركات العقارات.

وفي هذا السياق يقول جون بريتو، مدير مجموعة «أكرون»، إن هناك سوقا كبيرة أمام الشركات التي تقدم خدمات للمتقاعدين شريطة أن تمتلك هذه الشركات المزيج الصحيح من السكن والدعم المتخصص والخدمات الخاصة بأنماط الحياة. وأشار إلى أن شركة «أكرون» تخطط لاستثمار مليار أو ملياري روبية في إقامة مجمعات للمتقاعدين في عشر مناطق من بينها مدينتا كيرالا وبونديتشري.

وأضاف براناى فاكيل، مدير شركة «نيت فرنك إنديا»، أن عيش الآباء بعيدا عن أبنائهم لم يعد بالأمر المستهجن في الهند، «فالشركات تستهدف هؤلاء الذين يؤمنون بعيش حياة الرفاهية. وهم كبار السن الذين استقر أبناؤهم وبناتهم في حياتهم الشخصية والمهنية ويعيشون منفصلين عنهم (سواء داخل الهند أو خارجها)، فهم أناس لديهم القدرة المادية ويرغبون في العيش حياة أكثر راحة مع أناس من نفس أعمارهم».

ومع ذلك، يؤكد الخبراء على الحاجة إلى الإبداع في تصاميم تلك المجمعات وخاصة فيما يتعلق بأنظمة الرعاية المتاحة بعد التسليم وبإدارة المنشأة.