الطفرة العقارية الجديدة في بريطانيا لن تكون قبل 2020

ارتفاع الأسعار سيبدأ في التلاشي في النصف الثاني من العام الحالي

صورة جوية لعقارات في العاصمة البريطانية لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أشار التقرير الأخير الذي أصدرته مؤسسة «رايتموف» (Rightmove) العقارية المعروفة في بريطانيا إلى تحول كبير في وجهة الأسواق العقارية وعالم الأسعار، إذ أشار التقرير وحذر من أن نسبة الارتفاع في أسعار العقارات السكنية (السبعة في المائة) خلال النصف الأول من العام الحالي (2010) ستتلاشى مع نهاية العام، أي أن أسعار العقارات ستتراجع في النصف الثاني من هذا العام.

كما أشار تقرير آخر مهم، حول عالم العقار وأسعاره في بريطانيا، من قبل مؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبر» (Price water house Cooper) الاستشارية العقارية المهمة، إلى أن هناك احتمالا بنسبة سبعين في المائة بأن تكون أسعار العقارات عام 2015 أقل من أسعار العقارات عام 2007، أي قبل أزمة الائتمان الدولية والركود الاقتصادي العالمي الذي تبعها. أي أن معدل الأسعار الآخذة بعين الاعتبار نسبة التضخم لن يرتفع فوق معدل أسعار فترة الركود قبل خمس سنوات. وهناك احتمال بنسبة 50% ألا يرتفع معدل أسعار العقارات عما كان عليه أيام الطفرة العقارية حتى عام 2020.

وترافقت هذه التقارير أيضا مع التقرير الذي أصدرته هيئة المساحين الملكية في بريطانيا «آر آي سي إس» (Rics)، ويشير إلى أن وتيرة عدد العقارات الموجودة حاليا في الأسواق هي الأسرع منذ مايو (أيار) عام 2007. كما أن حجم الطلب على العقارات تراجع للمرة الثانية منذ نهاية عام 2008، رغم ارتفاع نسبة المبيعات الشهر الحالي (يوليو/تموز 2010) بنسبة 0.8 في المائة. وبكلام آخر فإن عدد المنازل أو العقارات المعروضة للبيع حاليا هو الأعلى منذ ثلاث سنوات. ويقول المساح مايكل جويس عن مؤسسة «كوبر آند تيرنر»: «إن الأسعار لا تتراجع فعلا، لكن توقعات البائعين لا تزال عالية»، وإنه سيكون في ظل الأوضاع العقارية الحالية بإمكان أي شخص بيع عقاره من دون تخفيض سعره وبنسبة محترمة.

ويعتقد الكثير من المساحين أن كأس العالم في جنوب أفريقيا والتغيير الحكومي بعد الانتخابات الأخيرة وراء تراجع عدد المهتمين بشراء العقارات في البلاد. ويقول روبين ثوماس، عن مؤسسة «ستراك آند باركر» في منطقة دافن في جنوب إنجلترا بهذا الخصوص، إن «التقلب وعدم الاستقرار حول الحكومة الجديدة والميزانية وتخفيض أجور موظفي القطاع العام، أثر كثيرا على عدد الباحثين عن العقارات والنشاط العقاري بشكل عام».

لكن ثوماس يتوقع بعد نهاية كأس العالم ودورة ويمبلدون وتحسن الأحوال الجوية أن يعود المهتمون إلى الأسواق خلال الأسابيع القليلة المقبلة. كما أكد مؤشر الحكومات المحلية (CLG) أن أسعار العقارات في مايو هذا العام (2010) كانت أعلى من أسعار مايو العام الماضي (2009) بنسبة 11 في المائة، وأعلى من الشهر السابق أي أبريل (نيسان) هذا العام بنسبة لا تقل عن 0.7 في المائة.

وعلى هذا الأساس يكون معدل سعر العقار في بريطانيا قد وصل في مايو إلى 209.5 ألف جنيه إسترليني (300 ألف دولار تقريبا)، وأن نسبة الارتفاع السنوية على الأسعار قد وصلت إلى 11.7 في المائة وبنسبة 3.7 في المائة في اسكوتلندا وبنسبة 10.9 في المائة في مقاطعة ويلز. أما في آيرلندا فقد تراجعت الأسعار في أيرلندا الشمالية بنسبة 1.1 في المائة.

ويسير تقرير هيئة المساحين أيضا إلى أن بعض المساحين لا يزالون يسجلون ارتفاعا على الأسعار في بعض المناطق، لكن كثرة العقارات المتوافرة في الأسواق تؤدي إلى تراجع الأسعار في بعض المناطق الأخرى باستثناء العاصمة لندن واسكوتلندا. وأن غياب وإلغاء الحزمة البيئية الـ«هيبس» سيساعد على ارتفاع عدد المهتمين بشراء العقارات خلال الأشهر القليلة المقبلة. لكن من جديد فإن زيادة عدد العقارات المتوافرة في الأسواق ستؤدي إلى الإخلال بتوازن الأسواق والتأثير على أسعارها سلبا خلال النصف الثاني من هذا العام.

بأي حال فإن تقرير رايتموف يؤكد أن معدل سعر العقار الذي يسأل عنه أصحاب الملك، قد ارتفع من 236.3 ألف جنيه إسترليني (320 ألف دولار تقريبا) في يونيو (حزيران) هذا العام إلى 237.7 ألف جنيه إسترليني (321 ألف دولار تقريبا). كما أن أسعار العقارات في بريطانيا في يوليو هذا العام كانت أعلى من يوليو العام الماضي بنسبة 3.7 في المائة، أي بقليل من يونيو حيث وصلت النسبة إلى 5 في المائة عما كانت عليه في يونيو العام الماضي. ويبدو من المعلومات المتوفرة أن عدد العقارات التي تنزل إلى الأسواق أسبوعيا يصل إلى 30 ألف عقار، أي بزيادة نسبتها 45 في المائة عن الفترة من العام الماضي. كما تشير الأرقام أيضا إلى أن عدد العقارات غير المباعة لكل مساح ارتفع بنسبة 25 في المائة في النصف الأول من هذا العام، ومقابل كل 5 صفقات عقارية تم منح قرضين عقاريين فقط.. ويقول مايلز شيبسايد المدير التجاري في « رايتموف» بهذا الخصوص، إن «عدد القروض العقارية الممنوحة كل شهر أقل من نصف عدد البائعين الجدد، مع تفاقم حالة عدم التوازن بسبب زيادة عدد المنازل المعروضة في الأسواق بنسبة 50 في المائة تقريبا مقارنة بما توفر منها العام الماضي. كما أن التسعير العدواني أو القاسي الآن طبيعي هذه الأيام، مما يعني أن الظروف مهيأة لسوق المشترين بقوة في النصف الثاني من عام 2010. وحسب الأرقام الأخيرة أيضا يبدو أن المناطق الأكثر والأفضل أداء خلال شهر يوليو لهذا العام في العاصمة لندن، كانت منطقة أونسلو، حيث ارتفعت فيها الأسعار بنسبة 2 في المائة تقريبا نسبة إلى ما كانت عليه الشهر السابق (يونيو 2010). وعلى هذا الأساس يكون معدل سعر المنزل أو العقار قد ارتفع من 468.7 ألف جنيه إسترليني إلى 476.5 ألف جنيه إسترليني. وجاء بعد أونسلو منطقة ريتشموند الجنوبية المعروفة حيث ارتفعت الأسعار عن الفترة نفسها بنسبة 1 في المائة، مما يعني أن معدل سعر العقار قد ارتفع من 620.8 ألف جنيه إلى 626.9 ألف جنيه، وتلتها منطقتا كينغستون وايزلينغتون، وأخيرا وستمنستر سيتي، حيث تراجعت الأسعار في يوليو بنسبة لا تقل عن 0.3 في المائة، أي أن معدل سعر العقار في المنطقة قد تراجع من 1.274 مليون جنيه إلى 1.270 مليون جنيه عن الفترة نفسها.

أما المناطق الأسوأ أداء في العاصمة، فكانت على الترتيب التالي: كينزينغتون وتشيلسي، حيث تراجعت الأسعار في يوليو فيها بنسبة 5.2 في المائة نسبة إلى ما كانت عليه في الشهر السابق (تراجع معدل سعر العقار من 1.9 مليون جنيه إلى 1.8 مليون جنيه)، ثم منطقة هارينغاي التي شهدت تراجعا للأسعار بنسبة 3.6 في المائة عن الفترة نفسها (تراجع معدل سعر العقار من 477.9 ألف جنيه إلى 460 ألف جنيه) ومنطقة ساتون التي شهدت تراجعا بنسبة 3 في المائة. وتبدل معدل سعر العقار فيها سلبا من 328 ألف جنيه إلى 318 ألف جنيه. وأخيرا منطقتا بارنت وبرملي اللتان شهدتا نسبة تراجع مماثلة تقريبا، لكن فيما ترجع معدل سعر العقار في بارنت من 515 ألف جنيه إلى 500 ألف جنيه، تراجع في برملي من 345.8 ألف جنيه إلى 335 ألف جنيه.

ويأتي بعد هذه المناطق مناطق: كرويدون بنسبة -0.4 في المائة ومنطقة باركينغ آند باكاهام بنسبة -1.8 في المائة، وهافرين بنسبة -1.2 في المائة، وغرينتش بنسبة -1.3 في المائة، ورودبريدج بنسبة -1.9 في المائة، ثم انفيلد بنسبة -1 في المائة، وهيلينغدون بنسبة -1.9 في المائة أيضا.

على أي حال، وبناء على الأرقام الأخيرة، فإن «برايس ووتر هاوس كوبر» تبني توقعاتها على أساس الميزانية الأخيرة، وأن أكثر من 600 ألف موظف حكومي سيخسر وظيفته قبل عام 2015. لكن المؤسسة تقول إن الميزانية والتغيير الحكومي لن يقضيا على التعافي الحاصل على الأسواق أكثر مما سيصححاه أو يعوقا نموه بعض الشيء، لأن المؤسسة تتوقع نموا في عدد الوظائف في القطاع الخاص خلال هذه السنوات القليلة المقبلة، وأن تبقى معدلات الفائدة متدنية كما هو الحال الآن.

أما نتائج تقرير هيئة المساحين الملكية، فإنها تشير إلى أن حجج المشترين خلال كاس العالم والتغيير الحكومي، ستتغير خلال الأشهر القليلة المقبلة وستكون معكوسة.

لكن مؤسسة «نايت فرانك» الدولية المهمة، تقول أن هناك اتجاها إلى شراء العقارات الممتازة والمهمة في قطاع العقارات الفاخرة خصوصا في الريف الإنجليزي، وفيما لا تزال بعض العقارات من دون زبائن، حصلت بعض البيوت الريفية القديمة أسعارها بزيادة نسبتها 20 في المائة. على أي حال فإن أسعار العقارات الفاخرة نسبة إلى «نايت فرانك» قد ارتفعت في يوليو هذا العام بنسبة 8 في المائة عما كانت عليه في الشهر نفسه من العام الماضي. ومع هذا يتوقع المسؤولون في المؤسسة أن تؤثر الميزانية الحكومية الجديدة على القطاع وتبريد الأسعار حتى نهاية العام. أما مؤسسة «زابولا» العقارية فتقول إن الأسعار قد ارتفعت باطراد في معظم القطاعات العقارية خلال الأشهر الستة عشر الماضية، وإن الناس يبحثون أكثر عن المنازل هذه الأيام من الشقق. كما أن معدل سعر العقار كان 291 ألف جنيه أيام الطفرة عام 2007، وقد تراجعت الأسعار منذ ذلك الحين حتى نهاية العام الماضي (2009) بنسبة لا تقل عن 18.24 في المائة، لكنها عادت وارتفعت منذ نهاية العام الماضي بنسبة لا تقل عن 17.5 في المائة، أي أن معدل سعر العقار قد وصل حاليا إلى 279.8 ألف جنيه.

مهما يكن فإن التطورات الأخيرة على الأسواق والأسعار، تأتي كانعكاس جدي للتقلبات والتغيرات الحاصلة على الصعيد المالي والسياسي وسياسات التقشف التي تتبناها الحكومات والحكومة البريطانية بشكل خاص. كما كان لتقلبات فصل الصيف الذي يشهد عادة نزولا أو ارتفاعا كبيرا للمنازل المعروضة للبيع في الأسواق تقليديا، مع المناسبات الرياضية الضخمة والمهمة، أثر كبير على التحول والتغيير الحاصل من نمو بنسبة 7 في المائة في النصف الأول إلى ناقص 7 في المائة في النصف الثاني.

وعلى هذا الأساس يتوقع أن تشهد الأسواق خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة تقلبات وتغيرات عدة لن تعرف نتائجها قبل استقرار الأوضاع المالية واستعادة أسواق القروض العقارية عافيتها ودورها الكبير الذي تمتعت به قبل الركود العالمي.