أسواق الإيجار تنتعش في بريطانيا بعد تزايد الاهتمام المحلي والأجنبي

أسعار الإيجار الفاخر في لندن ستنمو بنسبة 10% هذا العام

TT

أكدت التقارير العقارية الأخيرة أن أسعار الإيجار في بريطانيا قد ارتفعت بنسبة واحد في المائة في يونيو (حزيران) هذا العام (2010).

ويقول مؤشر «إل إس إل بربرتي سيرفيسيز» الأخير إن أسعار الإيجارات ارتفعت للشهر الخامس على التوالي هذا العام، وإنها أعلى بنسبة 3.2 في المائة مما كانت عليه قبل عام من الآن. وهذا يعني أن معدل الإيجار في الشهر في كل بريطانيا قد وصل إلى 673 جنيها إسترلينيا (1100 دولار تقريبا) حاليا، أي بارتفاع بقيمة 23 جنيها (43.5 دولار) في الشهر. وهذه أعلى نسبة ارتفاع على أسعار الإيجار منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008.

ويؤكد المؤشر أيضا أن العاصمة لندن تأتي على رأس لائحة المناطق التي تسجل معدلات نمو ممتازة، وخصوصا في المناطق الهامة في الوسط التجاري.، إذ ارتفعت الأسعار بشكل عام في المدينة بنسبة 2 في المائة تقريبا في يونيو، مما يعني أن معدل إيجار العقار في الشهر في العاصمة قد وصل إلى 942 جنيها (1430 دولارا تقريبا). وفيما سجلت المناطق الشمالية نسب ارتفاع ملحوظة وإن كانت أقل قليلا من لندن، فإنها تراجعت فقط في المناطق الوسطى من إنجلترا.

ومع هذا وصلت نسبة التراجع على الاستثمارات في قطاع الإيجار من يونيو العام الماضي إلى يونيو العام الحالي إلى 12.3 في المائة بسبب تراجع أسعار العقارات ولو بنسبة قليلة مؤخرا. وهذا يعني أن المستثمر قد حصد ما معدله 19 ألف جنيه إسترليني (29 ألف دولار تقريبا) السنة الماضية من عقاره كمعدل عام، 7 آلاف منها إيجار و12 ألفا تقريبا عائدات أو أرباح رأس المال.

ومع تراجع أسعار العقارات بشكل عام يتوقع أن ترتفع عائدات المستثمرين هذه السنة بنسبة 3.4 في المائة، أي ما يساوي فعلا 5500 جنيه (7750 دولارا تقريبا).

وبشكل عام يتراوح معدل إيجار الشقة العادية (غرفة نوم واحدة) للشهر الواحد في المناطق الشرقية من العاصمة حاليا بين 650 و750 جنيها شهريا. أما في غرب العاصمة فتتراوح القيمة بين 700 و800 جنيه. وفي المناطق الجنوبية أيضا تتراوح بين 600 و700 جنيه. أما في الشمال في مناطق مثل انفيلد وهيرانغاي وكامدن وفينسبري وغيرها فتتراوح حاليا بين 650 و750 جنيها شهريا.

وتشير معظم الأرقام الأخيرة والمعلومات المتوفرة من المؤسسات العقارية الدولية الهامة في العاصمة لندن، إلى أن الوضع الحالي في أسواق العقارات السكنية، سيدفع بمزيد من النمو في قطاع الإيجار، خلال العامين المقبلين على أقل تقدير.

إذ إن الطلب على إيجار الشقق والعقارات أكبر بكثير مما هو متوفر من العقارات المخصصة للإيجار في الأسواق في الوقت الحالي، مما ساهم ويساهم في رفع الأسعار. كما أن أسعار العقارات السكنية التي يتوقع لها الركود خلال الفترة المقبلة ستشجع الكثير من المستثمرين للعودة إلى اقتناص الفرص وشراء العقارات لغاية التأجير فقط.

وقد ارتفع عدد المستأجرين منذ بداية العام حتى نهاية النصف الأول من هذا العام حسب مؤسسة كنتري وايد، بنسبة لا تقل عن 16 في المائة، أي أن عدد هؤلاء قد وصل إلى 50480 مستأجرا. وقد شهد شهر يونيو ربما أكبر نسبة ارتفاع خلال شهر واحد منذ أن بدأت المؤسسة مؤشرها عام 2003.

فيما شهد هذا الشهر 18 ألف مستأجر جديد في الأسواق، تراجع عدد العقارات المخصصة للإيجار بنسبة 6 في المائة.

ويبدو أن الوضع قد يتواصل لفترة أطول مما يعتقد، أي على صعيد نمو الأسعار وارتفاعها خلال السنوات القليلة المقبلة، فالنقص الكبير في عدد العقارات الجديدة والداخلة إلى الأسواق سنويا في بريطانيا لا يسد ولا يكفي حاجة الأسواق السكنية والخاصة بالإيجار، حسب ما أشارت إليه «الفاينانشيال تايمز» والكثير من التقارير مؤخرا. ولا يتوقع لهذا النقص أن يعدل مع تراجع نشاط شركات البناء وصعوبة الحصول على التمويلات. وتتوقع مؤسسة سافيلز الدولية أن يصل حجم النقص في العقارات السكنية خلال السنوات الست المقبلة أي حتى عام 2016 إلى أكثر من 1.138 مليون عقار.

ويبدو أن أوضاع الأسواق بعد الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي مؤخرا، وشحة القروض العقارية وعجز الكثيرين عن دخول سوق العقارات وشراء منازلهم التي يرغبونها هذه الأيام، قد دفع بالكثيرين إلى سوق الإيجار. وعلى الأرجح أن يواصل دفعهم لفترة طويلة ما دامت أعداد المشترين لأول مرة لا تزال أقل بكثير من المعدلات السابقة.

وعادة ما يكون التناقض بين العرض والطلب أكثر وضوحا وجلاء في العاصمة لندن التي تقول مؤسسة سافيلز إنها تشهد هجوما أجنبيا من المهتمين بالإيجار في قطاع الشقق الفاخرة والممتازة، خلال الأشهر القليلة الماضية. كما شهدت أسعار الإيجارات في هذا القطاع خلال النصف الأول نموا بنسبة لا تقل عن 2.5 في المائة، أي بنسبة 5.6 سنويا وهي نسبة ممتازة على الصعيد الاستثماري، رغم أنها أقل بـ8 في المائة تقريبا مما كانت عليه في عز الطفرة العقارية وقبل الركود الاقتصادي العالمي في منتصف عام 2007. أما في وسط لندن التجاري فقد تصل النسب إلى 4.3 في المائة، رغم أنها أقل من مدينة ليفربول التي تصل إلى 6.8 في المائة.

ويقول التقرير الأخير لمؤسسة نايت فرانك الدولية المعروفة والتي تتعامل عادة مع العقارات الفاخرة، والخاص بمدينة لندن - وفي هذا الإطار، إن التضخم في عدد العقارات المخصصة للإيجار في الأسواق العام الماضي تبخرت حاليا، ويبدو أن نسبة الارتفاع التي شهدتها الأسواق في عدد هذه العقارات والتي وصلت إلى 150 في المائة قبل سنة وأكثر، انقلبت رأسا على عقب إذ إن الكثير من هذه العقارات وضع للبيع في الأسواق كالعقارات السكنية العادية. وقد بدأ هذا العام بنقض بنسبة 15 في المائة في عقارات الإيجارات ولا يزال النقص يتواصل كما يبدو. وقد لجأ المستثمرون وأصحاب هذه العقارات إلى وضع الكثير من عقاراتهم في الأسواق وبيعها بين مايو (أيار) وديسمبر (كانون الأول) العام الماضي عندما كانت الأسعار ممتازة وتواصل ارتفاعها.

وتقول «نايت فرانك» إن نسبة ارتفاع الطلب على عقارات الإيجار في لندن ارتفعت بنسبة 20 في المائة مقابل ذلك النقص في العقارات المتوفرة منذ بداية العام.

كما تصل نسبة المستأجرين إلى عدد العقارات الجديدة الداخلة إلى الأسواق لغاية الإيجار 3 إلى 1%، أي أن مقابل كل 3 مستأجرين هناك عقار واحد جديد.

كما طغت العقارات التي تتراوح أسعارها في الأسبوع بين 500 جنيه (750 دولارا تقريبا) و1500 جنيه (2250 دولارا تقريبا)، ووصلت نسبتها من العقارات المؤجرة العام الماضي (2009) إلى 71 في المائة من مجمل العقارات.

وارتفع الطلب على العقارات الفاخرة في قطاع الإيجار كما ذكرنا سابقا من قبل الأجانب، وخصوصا من آيرلندا وألمانيا واليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا والعالم العربي والروس والأستراليين الذي يرغبون في منطقة ماي فير العربية تقليديا.

على أي حال تقول «نايت فرانك» إن بعض التوازن الذي حصل هذا العام بين العرض والطلب في قطاع الإيجار الفاخر، أدى إلى ارتفاع الإيجارات بعد تراجع بنسبة 20 في المائة من يونيو عام 2008 إلى يونيو عام 2009. وقد بدأ الارتفاع في النصف الثاني من العام الماضي بنسبة 2.4 في المائة، ويتوقع أن يتواصل مع تواصل النقص في العقارات الجديدة. كما تتوقع المؤسسة أن ترتفع عائدات وأسعار الإيجارات في القطاع الفاخر في غرب لندن وجنوب غربي لندن بنسبة لا تقل عن 10 في المائة.

على أي حال، فإن المشكلات التي يعاني منها قطاع العقارات السكنية بشكل عام وتقلباته، مثل النقص الكبير في عدد العقارات الجديدة والمطلوبة سنويا، وشحة القروض العقارية وعدد المشترين للمرة الأولى، فضلا عن النقص الكبير في العقارات المفرزة للإيجار مقابل الطلب الكبير محليا ومن الأجانب خصوصا في العاصمة لندن، ستساهم خلال السنوات القليلة المقبلة في إنعاش سوق الإيجارات العادية والفاخرة على حد سواء، إذ إن القطاعين يشهدان نفس الشحة في العقارات الجديدة.

ومن شأن هذا تعزيز نمو الأسعار وعائداتها ودفع المستثمرين الجدد إلى الأسواق وبالتالي تحريكها.