بيع أغلى شقة في العالم في لندن وسط «هجمة» خليجية على العقارات الفاخرة

220 مليون دولار ثمنها في مشروع «وان هايد بارك»

TT

بيعت إحدى شقق مشروع «وان هايد بارك» العقاري الفاخر في العاصمة البريطانية لندن بمائة وأربعين مليون جنيه إسترليني (220 مليون دولار تقريبا)، لتصبح أغلى شقة في العالم، في إطار المشروع الأغلى في العالم حتى الآن. ويأتي هذا بالطبع في إطار الطفرة العقارية التي يشهدها قطاع العقار الفاخر في لندن على حساب القطاع الإسكاني العادي الذي بدأ يشهد تراجعا ملحوظا لأول مرة منذ فترة طويلة.

ورغم ارتفاع أسعار العقارات الفاخرة ونموها بشكل كبير منذ أكثر من سنة، ساهم التنافس الحاد بين المستثمرين والأغنياء الأجانب على أفضل العقارات الفاخرة في العاصمة البريطانية في رفع الأسعار أيضا، لقلة العقارات النخبة وانخفاض سعر صرف الجنيه الإسترليني في أسواق المال الدولية، أمام العملات الرئيسية.

وعلى هذا الأساس ستكون الشقة في «وان هايد بارك» المؤلفة من طابقين (أربع غرف نوم)، أغلى شقة أو «بانت هاوس» كما يطلق عليها، إذ إن سعر القدم المربع سيصل إلى 6 آلاف جنيه إسترليني (9 آلاف دولار تقريبا)، أي أكثر بألفي جنيه إسترليني (نحو 3000 دولار) مما كان عليه في مايو (أيار) الماضي كما سبق أن ذكرت «الشرق الأوسط» آنذاك، وأكثر من ثلاثة أضعاف سعر القدم المربع في بعض المناطق الفاخرة والغالية الثمن في العاصمة البريطانية مثل منطقتي تشيلسي وكينزينغتون ونايتس وماي فير وغيرها، حيث لا يتعدى سعر المتر المربع الـ1200 جنيه إسترليني (نحو 1800 دولار). ويجدر بالذكر هنا أن معدل سعر القدم المربع في العقارات الفاخرة والغالية الثمن في المدينة لا يتعدى عادة الـ450 جنيها إسترلينيا (نحو 730 دولارا). وتقول مؤسسة «غلينتري ايستيت» التي يبدو أن لها علاقة ببيع الشقة، إنها باعت للمستثمرين الأجانب خلال الأشهر الستة الماضية من العقارات الفاخرة جدا والغالية الثمن، أكثر مما باعت خلال العامين الماضيين، أي أيام الركود الاقتصادي وبعد الأزمة المالية العالمية. ويبدو أن الروس والعرب من دول الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، بالإضافة إلى الألمان والآيرلنديين والأميركان والصينيين من هونغ كونغ، على رأس لائحة المستثمرين من الخارج في هذا القطاع المتنامي يوما بعد يوم، لكثرة تحويل المستثمرين أموالهم من قطاع المال والبورصات والأسهم والعملة غير المستقرة وغيرها، إلى قطاعات ملموسة وعلى رأسها العقار والتحف الفنية والمجوهرات الغالية الثمن. ولأن لندن تملك في العادة كمية كبيرة من هذه العقارات الفاخرة والملكية أحيانا في العاصمة لندن وفي المناطق الريفية، ولأن لندن من أهم المراكز والعواصم المالية والثقافية في العالم، لا تزال المدينة أكبر وأهم الأسواق العقارية الفاخرة وأكثر جذبا للمستثمرين الأجانب في العالم. ولهذا السبب أيضا لم يتعرض القطاع للتراجع الفعلي خلال الركود رغم تراجع نسب النمو في بعض الفترات خلال السنوات الثلاث الماضية.

كما لا بد من الذكر هنا أيضا أن المشروع، أي مشروع «وان هايد بارك» يضم ثمانين شقة مختلفة الأحجام والخدمات على شاكلة هذه الشقة التي بيعت على ذمة الـ«ايفنينغ ستاندرد» بـ140 مليون جنيه. وكان الأخوان كريسشين ونيك كاندي اللذان يديران المشروع (مؤسسة كاندي ان كاندي) (الذي يفترض أن ينتهي العمل به في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل 2010)، قد اشتريا الأرض أو الموقع بـ150 مليون جنيه إسترليني (نحو 225 مليون دولار) فقط قبل سبع سنوات تقريبا. ويبدو أن الأوروبيين يشكلون ثلث المشترين للشقق في المشروع وهناك ربع آخر من الشرق الأوسط (الخليج العربي)، ويصل سعر أرخص شقة إلى 20 مليون جنيه إسترليني (نحو 30 مليون دولار). لكن هناك عشرات الشقق التي سيتعدى سعرها الـ100 مليون جنيه إسترليني (نحو 150 مليون دولار).

وعلى هذا الأساس سيكون موقع «وان هايد بارك» العقاري أغلى موقع عقاري فاخر في العالم قبل أعياد الميلاد ورأس السنة.

ورغم أن أسعار المنازل والقصور والعقارات الفاخرة بشكل عام في لندن عادة أغلى من الشقق وأكثر جذبا للأجانب والأغنياء والمستثمرين، فإن نفاد الشقق في المشروع دلالة على النقص الكبير في العقارات القديمة المهمة والمستقلة وتشكل نقلة جديدة في توجه القطاع المهم، إلى درجة أن أصبحت بعض الشقق أغلى من بعض القصور التاريخية.

ولم تشهد أي عاصمة دولية هذه الأسعار والتغيرات من قبل سوى مدينة نيويورك وبعض الشقق الفاخرة المطلة على «فيفث افنيو» وسنترال بارك» فيها قبل ثلاث سنوات، حيث بيعت إحدى الشقق المؤلفة من أربعة طوابق بـ70 مليون دولار.

أما المناسبات الأخرى التي شهدت فيها أسعار الشقق الفاخرة أو الـ«بانت هاوس» قفزة جنونية، فقد كانت في هونغ كونغ قبل عامين، حيث وصل سعر إحدى الشقق القريبة من وسط الجزيرة التجاري والمالي إلى 28 مليون دولار. أما في أستراليا فقد بيعت إحدى الشقق القريبة من دار الأوبرا المعروفة في سيدني بـ20 مليون دولار في الفترة نفسها.

وستكون شقق «وان هايد بارك»، أكثر الشقق أمانا في العالم حسب التقارير الأخيرة التي تشير إلى أنها تتمتع بآخر تقنيات الأمان والتصوير والعبور عبر بصمات العين مع حراس مدربين من قبل القوات البريطانية الخاصة الـ«إس أو إس». كما يمكن السيطرة والتحكم في كل المداخل والنوافذ وما شابه عبر الـ«روموت كونترول». أضف إلى ذلك أن الزجاج المستخدم في المشروع ضد الرصاص. كما سيشمل المشروع إلى جانب الشقق ممرات خاصة تحت الأرض موصولة بالفندق المجاور «ماندرين اوريانتال هوتيل»، بالإضافة إلى ملاعب الاسكواش والجاكوزي والعناية الصحية الـ«سبا» ومرقاب للسيارات ذي أرضية ساخنة ودافئة في فصل الشتاء ومطعم خاص من الدرجة الممتازة ربما سيكون على سطح المبنى الذي يدور آليا للتمتع بمناظر ومشاهد منطقة «نايتس بريدج» وحديقة «هايد بارك» ولندن بشكل عام من علو.

أما على الجانب الآخر من الأسواق العقارية كما سبق أن ذكرنا في المقدمة، فقد كانت الأخبار سيئة للغاية كما كان متوقعا قبل أسابيع، إذ بدأت أسعار العقارات السكنية تتراجع من جديد بعد أكثر من ستة أشهر من النمو والارتفاع، بسبب الأوضاع الاقتصادية الأخيرة في بريطانيا والتراجع المتوقع للنمو من «بنك إنجلترا»، وبشكل خاص وبالتحديد رد فعل المستهلكين والمواطنين على إجراءات التقشف الحكومية المعلنة وما تلاها من تراجع في الثقة بشكل عام من الأوضاع الاقتصادية والمخاوف من ارتفاع معدلات البطالة. ويبدو أن الثقة اليوم بالاقتصاد البريطاني هي الأسوأ منذ أكثر من سنة ونصف السنة حسبما أشارت الأرقام الأخيرة.

كما ساهمت المخاوف من التراجع الاقتصادي العام في أوساط المواطنين في إغراق الأسواق بالمنازل المعروضة للبيع قبل اشتداد الأزمة، مما ساهم في تراجع الأسعار. ولهذا ينصح الكثير من السماسرة الراغبين في بيع عقاراتهم ومنازلهم بتخفيضها على الأقل بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المائة. وقد أصبح عدد العقارات المتوافرة في الأسواق خلال الأسابيع الستة الماضية أكثر مما كان عليه نهاية عام 2007، كما أشار تقرير هيئة المساحين الملكية الأخير.

كما أشارت التقارير الأخيرة، ومنها تقرير لبنك «نيشان وايد»، إلى تراجع كبير ومهم في عدد الداخلين إلى الأسواق أو المشترين للمرة الأولى، بسبب صعوبة الحصول على القروض العقارية دون دفعة أولى وغلاء أسعار العقارات مقارنة بمعدل الأجور العام. ويجد هؤلاء صعوبة في توفير الدفعة الأولى التي يتراوح حجمها في أرخص قرض بين 25 و30 ألف جنيه إسترليني (نحو 45 ألف دولار). ولم تكن هذه الدفعة قبل الركود الاقتصادي العالمي قبل ثلاث سنوات تتعدى الـ1200 جنيه (نحو 1800 دولار). وهذا الوضع الأسوأ منذ أكثر من ربع قرن.

ويقول ستيفان روبيرتسون عن «الكونسورتيوم» البريطاني لقطاع التجزئة في هذا الإطار: «إن الحديث عن الاقتصاد في الإنفاق العام يقلق المستهلكين، ولذلك يركزون هذه الأيام على ما هو ضروري. ويبدو واضحا جدا أن التعافي في حاجة إلى الدعم، وعلى (بنك إنجلترا) عدم الرضوخ للضغوط لرفع معدل الفائدة العام».

ويتخوف الخبراء والعارفون بأحوال الأسواق العقارية والمؤسسات المهمة في بريطانيا أن يساهم التراجع الذي يتوقع أن يكون كبيرا على أسعار العقارات خلال العامين المقبلين، في ضرر الاقتصاد العام ومنعه من التعافي البطيء الذي كان يمر به قبل أسابيع، أي بكلام آخر يمكن أن يؤدي التراجع في أسعار العقارات السكنية الحالي إلى لجم التعافي والإسراع في الركود الثاني والمتتالي.

ولا تزال أسعار العقارات المعروضة للبيع أعلى بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المائة مما هو عليه معدل الأجور العام. ولذا يتوقع البعض أن يواصل القطاع السكني تراجعه حتى يكون هناك تكافؤ بين معدل الأجور العام وأسعار العقارات، أي حتى تتراجع أسعار العقارات بشكل ملموس وكبير. والخطر من عدم حصول ذلك بالطبع كما يقول المحللون أن التفاوت بين معدل الأجور والأسعار يحرم شريحة كبيرة وتقليدية في الأسواق من أبناء المجتمع وإبعادهم عنها. بالإضافة إلى صعوبة حصولهم على القروض العقارية. وبالطبع لا تتحمل الأسواق استبعاد فئة المشترين للمرة الأولى من الأسواق، ولا هي قادرة على خدمتها. لذا يتوقع أن تواصل الأسعار التراجع ويتراجع معدل سعر العرض هذا العام. وعلى أي حال فإن تراجع أسعار العقارات الشهر الماضي يعتبر ثاني أسرع تراجع للأسعار منذ عشر سنوات، أي منذ عام 2000، بسبب غرق الأسواق بالعقارات المعروضة للبيع.

كما أنه في إمكان أي تغيير في معدل الفائدة العام أو معدلات الفائدة على القروض العقارية أيضا أن يؤدي إلى إصابة الأسواق العقارية بضرر كبير وتعريض أصحاب القروض إلى ضغوط هائلة. ويقول البعض إن من شأن عودة معدلات الفائدة إلى ما كانت عليه قبل الركود الاقتصادي العالمي والمحلي رفع فاتورة أكثر من عشرة ملايين مستقرض عقاري بنحو 2000 جنيه (نحو 3000 دولار) سنويا. ومن شأن رفع معدل الفائدة نقطتين، رفع فاتورة أصحاب القروض بين 34 و90 جنيها أسبوعيا، كما أشارت بعض الأبحاث الأخيرة الخاصة بالمستهلك والعقار.

ولا يتعدى معدل الفائدة العام حاليا نصف نقطة أو نصفا في المائة وهو أقل معدل منذ تأسيس «بنك إنجلترا» في القرن الثامن عشر. ويتخوف البعض عقاريا، من أن يدفع تواصل التعافي الاقتصادي «بنك إنجلترا» إلى رفع معدل الفائدة إلى 2.5 أو 3 في المائة العام المقبل.

وفضلا عن هذه المخاوف تراجع أيضا عدد المشترين بشكل عام وتراجع عدد الصفقات العقارية الشهر الماضي. ولا بد من الذكر هنا أن أسعار العقارات خلال العام الماضي، وبعد تراجع بنسبة 25 في المائة إثر الركود العالمي، ارتفعت بنسبة 10 في المائة تقريبا، ولذا وصفها البعض بـ«الطفرة القصيرة».