الفرص متعددة في العقارات المصادرة ولكن لا تتعجل

هل حان وقت العودة للأسواق الأميركية؟

العقارات الأميركية تمر بمرحلة هدوء سعري («الشرق الأوسط»)
TT

بدأ الأميركيون الذين يعانون من أعباء القروض العقارية التي تزيد عن قدرتهم على الدفع، في قلب الطاولات على البنوك التي أقرضتهم بلا حساب قبل عدة سنوات، وتحاول الآن مصادرة عقاراتهم. فبدلا من الانزعاج الشديد من مصادرة العقارات بسبب التأخر في الدفع، تلجأ آلاف العائلات الأميركية حاليا لعدم الدفع عمدا مع تحويل الإنفاق إلى تحسين أحوالهم المالية العادية، مثل دفع الديون الأخرى ولوازم المعيشة وعدم إهدار معظم الدخل على قروض عقارية باهظة. وعلى الرغم من أن النتيجة في النهاية هي فقدان العقار فإن هناك بعض الوسائل القانونية التي تستخدم لكي تؤجل المصادرة إلى فترات طويلة.

وعلى الرغم من وجود برنامج لمساعدة أصحاب العقارات الذين يعانون من المتاعب، أقرته إدارة أوباما الحالية بمبلغ 75 مليار دولار، فإن المبلغ الذي أنفق من البرنامج حتى الآن لا يتعدى 245 مليون دولار، بسبب تعقيدات الروتين وسوء الإدارة من بعض البنوك. بل إن بعض الذين ارتبطوا بهذا البرنامج، وهو يشترط الالتزام بدفع الأقساط العقارية كاملة لمدة ثلاثة أشهر حتى يتم البت في حالاتهم، فقدوا عقاراتهم أسرع من هؤلاء الذين امتنعوا عن الدفع. فبعض البنوك كانت تهمل الطلبات التي تقدم إليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تبدأ أقسام التصفية في البنك نفسها في تفعيل مصادرة العقار. ولم تصدر أي أحكام ضد البنوك التي طبقت هذه الممارسات في الماضي، الأمر الذي دفع الكثير من أصحاب القروض للانسحاب من هذا البرنامج.

وتقول إحصاءات من شركة «ستاندرد آند بور» إن أسعار العقارات الأميركية انخفضت في أكبر 20 مدينة بنسبة 3.1 في المائة، خلال العام الماضي. كما زادت الفترة التي يتم بعدها مصادرة العقارات من 230 يوما لنحو 500 يوم، أي ما يقرب من عام ونصف العام. ولذلك لجأ كثيرون إلى إهمال القروض العقارية والالتفات إلى جوانب حياتهم الأخرى. من ناحية أخرى، لا تسارع البنوك إلى المصادرة لأنها ترزح تحت أعباء الإجراءات الروتينية المطلوبة قانونا، وأيضا تحت وطأة عدد العقارات المصادرة. وتعرف البنوك جيدا أن البيع القهري لا يعود عليها إلا بالخسائر التي تصل إلى نصف حجم القروض العقارية. ويلجأ أصحاب العقارات إلى الاستعانة أحيانا بمحامين لإطالة أمد الإجراءات لعدة أعوام لا يدفع خلالها المقترض شيئا.

وعلى الرغم من أن الجانب الأخلاقي من عدم دفع القروض المستحقة على العقارات غير مبرر في التعاملات المالية فإن المستهلك الأميركي يشعر بالغضب لأنه عاش فترة عشوائية كانت القروض تقدم إليه خلالها فوق طاقته وبلا حساب، والآن تجري مساعدته ببرنامج لا يعينه. وفي الشهر الماضي لجأت شركتا التمويل العقاري «فاني ماي» و«فريدي ماك» إلى الانسحاب من بورصة نيويورك لأن قيمة السهم في كل منهما انخفضت عن الدولار الواحد. وكانت أسعار أسهم الشركتين في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2007 نحو 60 و48 دولارا على التوالي. ويعني هذا التدهور أن الأزمة العقارية الأميركية لم تنته بعد، وأن تفاعلاتها ما زالت سارية المفعول.

والسؤال الذي يدور في ذهن المستثمر الأجنبي هو: هل حان الوقت بعد لدخول الأسواق الأميركية أم أن الانتظار لفترة أخرى قد يجلب هوامش ربح أعلى؟ هناك بعض المؤشرات المشجعة حاليا لأن المخزون العقاري الأميركي المتراكم في السوق منذ عدة سنوات يباع الآن بوتيرة أسرع، عما كان عليه من قبل.

مثل هذه الأوضاع قد توفر فرصة مثالية للمستثمر الدولي في السوق الأميركية، وإن كان الأمر يحتاج إلى بعض الدراسة والتروي والاستشارة. وفي مثل هذه الظروف يكون توقيت دخول السوق حيويا، بالإضافة إلى اختيار الموقع. فهناك بعض الولايات التي ما زالت فيها أسعار العقار تتجه صعوديا، ومنها واشنطن وأوريغون وكارولينا الشمالية وبعض مناطق فلوريدا. ولكن مناطق أخرى تمثل مخاطر عالية وتنهار فيها الأسعار بشكل متسارع، ومنها ميسيسبي ولويزيانا. ولكن حتى داخل الولايات نفسها فهناك مناطق صاعدة وأخرى هابطة، ولذا فالاختيار يجب أن يكون دقيقا.

وإلى حد ما بقت العاصمة واشنطن وولاية فلوريدا معزولتين نسبيا عن الأزمة المالية الأميركية، الأولى بسبب وجود المؤسسات الحكومية فيها، والثانية لأن نسبة 30 في المائة من المبيعات فيها تذهب إلى أجانب. ومع ذلك فإن بعض العقارات المعروضة للبيع في أورلاندو بالقرب من «ديزني لاند» تراجعت في الآونة الأخيرة بنسبة كبيرة، بلغت 30 في المائة في آخر 18 شهرا. ويعني هذا أن المستثمر الدولي يمكنه شراء فيللا في أورلاندو بحجم أربع غرف نوم وحمام سباحة بسعر 240 ألف دولار، وهو ما يعادل سعر شقة بغرفتين في البرتغال. ولكن السؤال هو هل يشتري المستثمر الآن أم ينتظر المزيد من تراجع الأسعار؟ وإذا قرر الشراء فأين أفضل المواقع؟

يعتقد الكثير من مطوري ومستثمري العقار أن عام 2010 سوف يمثل استمرارا للوضع القائم من عدم اليقين، مع ضغوط أكثر من البنوك على المقترضين لرفع تكلفة الإقراض خاصة لهؤلاء الذين اقترضوا مبالغ طائلة. ويعتقد مراقبو السوق أن هؤلاء الذين دخلوا للمضاربة في أوقات متأخرة، أي في العام الأخير سوف يخسرون بنسب كبيرة، أما المستثمرون الموجودون في السوق لفترات طويلة ويتمتعون بالصبر ولا يقترضون كثيرا فسوف يكونون في الوضع الأمثل للاستفادة من تحولات السوق.

وتتفق مصادر السوق على أن التصحيح الجاري حاليا مفيد للصناعة لأنه ينهي عصر الفقاعات ويعادل بين العرض والطلب وفقا لمقومات السوق الحقيقية، وليس على أساس المضاربة ورفع الأسعار بنسب خيالية. ومن فوائد التصحيح أيضا إنهاء تطوير العقار العشوائي وإخراج المضاربين من السوق. وعندما يعود الانتعاش مرة أخرى فسوف يجد المستثمر السوق في وضع أفضل عما كانت عليه أثناء فترة الفقاعة.

أما فيما يتعلق بمكان الاستثمار الأفضل، فهناك الكثير من المواقع التقليدية في السوق الأميركية، التي تربح في كل الأحوال ولا تهبط كثيرا في أوقات التصحيح، ومن هذه المواقع سواحل كاليفورنيا وسان فرانسيسكو غربا، والسواحل الشرقية الشمالية على المحيط الأطلنطي، مثل فيرمونت ونيوهامشير وأنحاء مانهاتن. وترشح شركات العقار، أيضا، المدن التي تقع فيها مطارات رئيسية وتعمل على مدار الساعة، فهي ذات تعداد محترف ومؤهل تعليميا، وقامت بجهود لتطوير مناطق وسط المدن فيها وينفق سكانها على أسلوب حياة مميز.

وتعتبر نيويورك مثالا حيا للمدينة التي لا تنام، وهي وإن كانت الأسعار فيها قد تراجعت قليلا في الآونة الأخيرة فإن سعر الدولار المتراجع يجعلها فرصة لمستثمري العقار في الوقت الحاضر. ومن المدن الواعدة، أيضا، منطقة بوسطن الكبرى، التي نهضت من كبوة انهيار طفرة الدوت كوم. وهي تشهد حاليا نموا قويا في الأجور، كما تشارك نيويورك وسان فرانسيسكو في أعلى الأجور على الإطلاق بين المدن الأميركية.

وهناك ثلاث مناطق تمثل مواقع استثمار عقاري جيدة في عام 2010، هي بالترتيب، فلوريدا وكاليفورنيا ونيو إنغلاند. وهي تختلف فيما بينها، وتمثل أسواقا متعددة داخل السوق الأميركية، ولكن أوضاعها تمثل إلى حد كبير وضع السوق الأميركية بشكل عام.

عقارات فلوريدا

* شهدت عقارات فلوريدا في الماضي عدة صدمات، منها هزة دخول اليورو إلى الأسواق، فقد باع الكثير من المستثمرين الأوروبيين عقاراتهم الأميركية للاستفادة من سعر تحويل الدولار، واشتروا عقارات إسبانية. أما الآن فالعكس هو الصحيح، حيث يحاول كثيرون البيع في إسبانيا والعودة إلى أميركا هربا من اليورو المتراجع واستفادة من الأسعار الأميركية.

وشهدت فلوريدا بعض النشاط في الأشهر الأخيرة، ولكنها ما زالت في مرحلة انكماش سعري، سوف يستمر معها لمدة عام إلى 18 شهرا، على الأقل. وتقول شركات العقار إن التوقيت الحالي هو الأفضل للتفاوض على صفقات مربحة. ومن أفضل المواقع في فلوريدا، وفقا لرأي شركة «إنغل آند فولكر» المتخصصة، هي مدن ميامي وفورت لودرديل ومنطقة بالم بيتش.

وأفضل العقارات للشراء هي تلك التي تطل على الساحل مباشرة، أو في مشاريع متميزة، بها خدمات متفوقة. ويتميز بوجه خاص الساحل الغربي، الذي يطل على خليج المكسيك، حيث آفاق الرؤية البحرية مفتوحة في مناخ تحكمه قواعد صارمة للمحافظة على البيئة. وهناك الكثير من المواقع الساحلية في فلوريدا تباع بأسعار معقولة، مقارنة بالمواقع الساحلية المقابلة في كاليفورنيا. وبعضها مطور حديثا على مساحات شاسعة وبأسلوب معماري أخاذ، يأخذ في الاعتبار المناخ والطبيعة اللاتينية للولاية. ولا بد من التأمين الشامل على العقار والمحتويات من الأخطار الطبيعية، لأن فلوريدا تتعرض بين الحين والآخر إلى أعاصير مدمرة، خاصة المناطق الساحلية فيها.

مناطق كاليفورنيا

* تعتبر كاليفورنيا من أكثر الولايات الأميركية تعدادا وثراء، ولكنها لم تستطع تجنب الآثار السلبية للأزمة المالية. ويجد الكثير من السكان في الفترة الحالية صعوبة بالغة في الحصول على التمويل اللازم لشراء العقارات التي يحتاجونها بسبب تشدد البنوك وارتفاع التكاليف.

ولعل أبرز المدن المنتعشة والواعدة في الوقت الحاضر، مدينة سان دييغو. فهي مدينة ساحلية وطقسها يشبه طقس البحر المتوسط وتمر بمرحلة انتعاش اقتصادي، حيث يزداد فيها عدد الوظائف المتاحة ويتنوع اقتصادها. كما أن مطوري العقار فيها يبنون مشاريع بأحجام محدودة لتجنب الوقوع في خطأ تقديم مشاريع بلا طلب في السوق. وهي أيضا منطقة متنوعة عرقيا، ويسهل فيها الاختلاط والمعيشة.

وتتراوح الأسعار، وفقا للموقع، ففي منطقة لاجولا الساحلية تصل أسعار الفيلات الصغيرة لنحو مليون دولار، بينما تباع الشقق في منطقة كورونادو بنحو 750 ألف دولار. وتباع الفيلات الجبلية القريبة بنحو ثلاثة ملايين دولار، وهي تستفيد من قربها من الساحل ومن ملاعب الغولف، وأيضا من وسط المدينة. أما المخاطر التي تهدد المنطقة، فتشمل حرائق الغابات التي أتت على مساحات كبيرة، هذا العام وأحرقت مئات العقارات المتميزة.

بحيرات نيو إنغلاند

* هذه المنطقة الخضراء التي تضم بوسطن على الساحل الشرقي الشمالي تبدو عليها الآن علامات الانتعاش العقاري. فهي ملتقى الإقبال من عدة إرجاء، خاصة من نيويورك، التي شهدت نزوحا منظما في اتجاه نيو إنغلاند منذ سبتمبر عام 2001. وهي أيضا تجذب سكان بوسطن والمناطق القريبة ونسبة كبيرة من الزوار الأجانب. فهي لا تبعد أكثر من ثلاث ساعات بالسيارة من نيويورك. وتضم المنطقة حاليا نحو 30 ألف نسمة من غير الأميركيين، أي بنسبة خمسة في المائة من تعدادها.

وهي جنة طبيعية حيث تحوي جبال كيلينغتون واوكيمو، وبحيرات أكبرها بحيرة تشاملبين التي يصل عرضها لنحو 120 ميلا. وتستفيد المنطقة من موقعها المتوسط بين رياضتي التزلج على الجليد في الجبال شتاء، والرياضات البحرية والغولف صيفا. ولكنها بالمقارنة مع منتجعات الجليد، التي تقع في كولورادو، تعتبر أرخص بنسبة كبيرة. فالأسعار تبدأ في المتوسط من 200 ألف دولار. وارتفعت أسعار العقار في المنطقة خلال العام الماضي بنحو ستة في المائة، ولكنها بقت بلا حراك منذ ذلك الوقت.

والمواقع المناسبة، هي تلك التي تجمع بين أكثر من نشاط طوال العام، حتى لا ترتبط ارتباطا موسميا برياضات الجليد أو التزلج على الماء. ويجب دراسة هذه المنطقة المتنوعة تضاريسيا دراسة جيدة، وربما الانتظار عدة شهور من الآن لاتخاذ قرار الشراء في التوقيت المناسب، فهناك بعض الانخفاض السعري في الطريق قبل نهاية العام.

نصائح عملية للمستثمر في العقار الأميركي

* قبل اتخاذ قرار شراء عقارك الأميركي لا بد من سماع آراء الخبراء، خاصة فيما يتعلق بالتحذير من بعض المشاريع الخطرة. وأكثر هذه المشاريع، تلك التي تباع من على الخريطة، خاصة إذا كانت الشركة تطلب نسبا عالية، مثل 20 في المائة، كمقدم للثمن عند الاتفاق. وأيضا يجب الحرص على ألا تكون الحوافز المالية التي تقدمها الشركة متضمنة في السعر نفسه. كما يجب الحذر من الارتباط بشركة تمويل معينة، فيجب البحث المنفرد عن أفضل وأرخص مصادر التمويل.

ويفيد الدولار المعتدل المشترين الأجانب، ولكن بشرط اختيار المنطقة الجيدة ذات الخدمات المتوافرة. ويمكن الاستعانة بوكيل شراء عقاري للبحث عن العقار المناسب بالنيابة عنك، ويجب مراعاة تكاليف وضرائب إضافية تصل لحدود ستة في المائة. والاقتراض بالدولار يمنح المقترض بعض الإعفاءات الضريبية. ولا بد من فتح حساب مصرفي أميركي بالدولار لتسهيل المعاملات، والأفضل الاستعانة بمحاسب أميركي في منطقة العقار للتعامل مع الشؤون الضريبية المعقدة.