المستثمرون الصينيون «يغزون» لندن لشراء العقارات

في بعض مناطق العاصمة البريطانية حلوا بالفعل محل المستثمرين القادمين من روسيا والشرق الأوسط

جانب من حي تشاينا تاون (مدينة الصين) وبابه المشهور في لندن
TT

تولت ناومي مينجيشي، امرأة يابانية تبلغ من العمر 21 عاما وعاشت في الصين لمدة 10 أعوام، مهام وظيفتها الجديدة في الآونة الأخيرة مع شركة «فيليسيتي جيه لورد» للسمسرة العقارية في لندن.

ولم يجر تعيين مينجيشي في هذه الوظيفة بسبب خبرتها في مبيعات العقارات - حيث إنها درست الإدارة في لندن - لكن من أجل قدراتها اللغوية، حيث إنها تتحدث اللغة المندرينية (اللغة الرسمية في الصين) بطلاقة، وهي المهارة التي تزداد قيمتها في سوق العقارات السكنية في لندن.

وبمساعدة مينجيشي، باعت الوكالة أربع شقق تحتوي كل منها على ثلاث غرف نوم في تطور جديد مقابل 320 ألف جنيه إسترليني أو 500 ألف دولار، كل منها إلى مشترٍ صيني مختلف، على أساس الصور وتصميم الطوابق. وتعد المنشأة الجديدة قريبة من الاستاد الأولمبي، ويراهن المستثمرون على أن أسعار العقارات سترتفع قبل دورة الألعاب الأولمبية التي ستعقد عام 2012.

وقالت مينجيشي إن العميل الصيني بمثابة حلم. «إنهم أثرياء، ويدفعون نقدا، ويبحثون عن القيمة الجيدة».

وينبغي على المواطنين الصينيين الحصول على موافقة من السلطات المحلية الخاصة بهم لاستثمار أكثر من 50 ألف دولار في العام خارج البلاد. بيد أن الصينيين الأثرياء يلتفون على هذه القيود بمساعدة صناديق الضمان والحسابات بالمصارف الأجنبية، حسبما يقول السماسرة في السوق العقارية.

وقد تكون بعض علامات الهدوء قد ظهرت في الآونة الأخيرة في سوق العقارات في لندن، بيد أن المستثمرين من البر الرئيسي الصيني وهونغ كونغ أكثر انشغالا من ذي قبل، حيث يقدمون العروض، على سبيل المثال، على الشقق الفاخرة في حي نايتس بريدج الراقي في الشارع المؤدي إلى متجر هارودز وعلى المنازل الجديدة القريبة من حي كاناري وارف المالي.

وفي بعض المناطق في لندن، حل المستثمرون الصينيون بالفعل محل المستثمرين من روسيا والشرق الأوسط باعتبارهم أنشط مشترين للعقارات ويمتلكون أموالا طائلة، حيث يبحثون عن الأصول الثمينة ويرفعون الأسعار.

ويشكل المشترون من البر الرئيسي الصيني نسبة ضئيلة من المشترين للعقارات الراقية في لندن، حيث يمثلون 5 في المائة من جميع العقارات التي اشتراها الأجانب في لندن العام الحالي، والتي تتراوح قيمتها بين 500 ألف جنيه إسترليني إلى مليون جنيه إسترليني. لكن حضورهم في السوق العقارية في لندن في نمو مستمر. ووفقا لشركة «سافيلس» للعقارات، شكل المستثمرون الصينيون أقل من 1 في المائة من العقارات التي تم بيعها في هذا النطاق من الأسعار العام الماضي.

وبحسب شركة «سافيلس»، لا يزال الأوروبيون يشكلون النسبة الأكبر، على الرغم من أن الشركة لا تقسم المشترين وفقا للدولة.

ومع ذلك، بخلاف العملاء من روسيا والشرق الأوسط، يبحث عدد قليل من المشترين الصينيين عن شقق في لندن للعيش فيها. ويبحث غالبيتهم عن استثمارات في سوق عقارية ينظرون إليها على أنه أكثر استقرارا من السوق الخاصة بهم ويخططون لتلقي إيرادات ثابتة من الإيجار لمدة أعوام، حسبما ذكرت مينجيشي.

وبالنسبة إلى الآسيويين الأثرياء، فإن المخاوف من أن الحكومات قد تفرض مزيدا من القيود على أسواق العقارات المحلية في الداخل - جعلت الاستثمارات في الخارج أكثر جاذبية.

وتسبب النمو الاقتصادي السريع وسهولة الائتمان في أن ترتفع أسعار العقارات في الكثير من المناطق في آسيا ارتفاعا حادا نهاية العام الماضي. وفي هونغ كونغ، على سبيل المثال، قفزت أسعار المنازل الفاخرة بواقع 45 في المائة منذ عام 2009، وفقا لشركة «سافيلس».

وفي الشهر الماضي، ولمنع الأسعار من الارتفاع بصورة حادة، رفعت سنغافورة المبالغ المقدمة المطلوبة في صفقات شراء الكثير من المنازل. وجاءت هذه الخطوة عقب إجراءات مماثلة في البر الرئيسي الصيني وهونغ كونغ العام الحالي.

وعلى النقيض من ذلك، انخفضت الأسعار بأكثر من 10 في المائة في جميع أنحاء بريطانيا عقب انهيار مصرف «ليمان برازرز» عام 2008، على الرغم من أن أسعار العقارات الحصرية في لندن تبدو أفضل من أسعار العقارات في بقية أنحاء البلاد، مدعومة من قبل المشتريين الأجانب.

وارتفعت أسعار العقارات الراقية في لندن بواقع 8.75 في المائة عام 2009، مقارنة بانخفاض قدره 2.25 في المائة في جنوب غربي بريطانيا.

وليس من المستغرب أن صناعة العقارات في بريطانيا تكيف نفسها من أجل الوفاء بالطلب الصيني. يستعين السماسرة بأفراد يتحدثون اللغة المندرينية مثل مينجيشي، وأفراد يتحدثون اللغة الكانتونية لاجتذاب الأفراد من هونغ كونغ.

وعقدت شركة «سافيلس» حلقة نقاشية في شنغهاي في يوليو (تموز) الماضي لتعليم 100 عميل كيفية شراء العقارات في لندن. وفتحت وكالة منافسة تدعى «هامبتونز إنترناشونال» مكتبا في هونغ كونغ يحتوي على أربعة موظفين قبل نحو شهرين.

وعلى الجانب الآخر، تحذف بعض شركات التنمية العقارية الرقم أربعة من المباني الجديدة، لأنه يعتبر رقما قليل الحظ في الثقافة الصينية.

وقال ماثيو تاك، المدير بشركة «هامبتون» في لندن، «تدرج بعض شركات التنمية العقارية الصين في خططهم التسويقية. وسيكون من السخف عدم القيام بذلك».

وتلقي الزيادة في العمليات الضوء على تحول تدريجي في الثروة إلى آسيا، بما في ذلك البر الرئيسي الصيني. وبعيدا عن مستويات الديون التي لا تزال تؤرق الأسر والحكومات في الغرب، بدأت معظم الدول في آسيا التعافي سريعا من الانكماش الاقتصادي العالمي العام الماضي.

وعلى الرغم من أن أغلبية كبرى من الآسيويين يواصلون العمل بكد لتغطية نفقاتهم، فإن النمو المزدهر قد أوصل الكثيرين إلى صفوف الأثرياء. وفي بر الصين الرئيسي وحده، ارتفع عدد الأفراد الذين يمتلكون أصولا تتجاوز قيمتها 10 ملايين رينمينبي أو 1.5 مليون دولار، بواقع 6.1 في المائة، إلى 875 ألفا خلال عام، وفقا لمعهد هورون للأبحاث في شنغهاي.

ثم إن هناك الأفراد الذين يمتلكون ثروات خرافية مثل جوزيف لاو، ملياردير من هونغ كونغ يعمل في مجال العقارات وأنفق في الآونة الأخيرة 33 مليون جنيه إسترليني على منزل مؤلف من 6 طوابق في ميدان إيتون في لندن، وهو العنوان الذي يتقاسمه مع الروسي رومان إيه أبراموفيتش. ودرس نجل لاو، لاو مينغ واي، في مدرسة الاقتصاد في لندن، ثم عمل بمصرف «غولدمان ساكس» في لندن. وبسبب القيود التي تفرضها الصين على الاستثمارات خارج البلاد، فإن معظم المشترين من الصين يدفعون نقدا لتقليل الوثائق التي تشير إلى سجل أنشطتهم. ولم يكن أي من السماسرة في لندن الذين تم إجراء مقابلات معهم في هذا المقال مستعدين للكشف عن هويات المشترين أو تقديهم لأي صحافي.

وعلى الرغم من أن الصينيين أصبحوا أكثر نشاطا في الكثير من أسواق العقارات الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا القارية، لا تزال لندن تحظى بقدر كبير من الشعبية لعدة أسباب: لا يوجد في بريطانيا تقريبا أي قيود على تملك الأجانب للعقارات، كما أنها تعد سوقا مرنة للإيجار، وهو ما يعد أحد عناصر الجذب بالنسبة إلى المشترين الذين يسعون إلى تحقيق إيرادات من العقارات التي يمتلكونها. كما أن القضايا الثقافية، لا سيما التأكيد الصيني على التعليم، تفضل الحصول على عناوين في لندن.

وبصفة عامة، يعد التعليم أكبر بند في ميزانية الأسرة الصينية، وتأمل الكثير من الأسر إرسال أبنائها لجامعات النخبة في بريطانيا، التي تميل إلى قبول مزيد من الطلاب الأجانب أكثر من الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة، حسبما ذكر جيف كاو، رئيس قطاع الصين في وكالة «ثينك لندن»، وهي وكالة ترعاها الحكومة وتساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المدينة.

وارتفع عدد الطلاب الصينيين في الجامعات اللندنية بواقع 9 في المائة ليصل إلى 948 طالبا في العام الماضي مقابل 867 طالبا العام الأسبق، وفقا لخدمة القبول في الكليات والجامعات.

وقال كاو إنه بالنسبة إلى بعض المشترين الصينيين، فالفكرة هي العثور على شقق كبيرة بما فيه الكفاية لإمداد الأولاد بمساكن أكثر راحة من المدن الجامعية، والشقق التي تحتوي على غرف إضافية يمكن إيجارها. وبمجرد تخرج الأبناء، يتجه الآباء إلى إيجار الشقة بالكامل. وقال أحد المستثمرين من بر الصين الرئيسي، الذي يمتلك عقارات في لندن وأماكن أخرى، إن استثماراته في لندن كانت الأكثر ربحا بالنسبة إليه.

وقال لاي، المالك الذي رفض إعطاء اسمه بالكامل لحماية خصوصيته، «لقد اشتريت شقة لتستخدمها ابنتي عندما كانت تدرس في لندن، وشققا أخرى قمت بتأجيرها أو بيعها».

وقال لاي عبر البريد الإلكتروني: «يوجد في المملكة المتحدة على نحو تقليدي هيكل قانوني جيد للغاية، وقوانين ونظام جيد. وبالإضافة إلى المؤسسات المالية في المدينة وحب الشعب البريطاني لامتلاك المنازل الخاصة بهم، فإن ذلك يجعل سوق العقارات جذابة للغاية».

ويقول سماسرة العقارات، الذين يستهدفون العملاء الصينيين، إنه ليس من الواضح هل سيبدأ هذا الطلب من الصين في الانحسار أم لا ومتى سيحدث ذلك؟ بيد أنه لا يوجد أي إشارة للتراجع حتى الآن.

* شاركت بيتينا واسنر في إعداد هذا التقرير من هونغ كونغ

* خدمة «نيويورك تايمز»