دراسة: القطاع الخاص يعاني الفوضى وانحياز القوانين للقطاعين العام والتعاوني

رغم أنه يسهم بـ 75% من إجمالي الإسكان في سورية

TT

قالت دراسة إن قطاع العقارات في سورية يملك تاريخا حافلا بالمشكلات والتجاوزات والفوضى.

واصفة القطاع السوري الخاص العامل في مجال العقارات بأنه غير منظم وغير واضح المعالم ويفتقد إلى الإطار التشريعي الذي ينظم طبيعة عمله. فقد ساهمت القوانين المشرعة في السبعينات والثمانينات والإعانات المقدمة للقطاعين العام والتعاوني في تحجيم هذا القطاع وانسحابه تدريجيا من سوق العقارات النظامية وتركيزه على مناطق المخالفات أو مناطق السكن العشوائي.

إلا أن الدراسة التي وضعها المكتب المركزي للاستثمارات العقارية والسياحية، تقول: رغم ذلك فإن القطاع الخاص يساهم بنحو 75% من إجمالي الإسكان في سورية.

بدليل أن الكثير من شركات التطوير العقاري الخليجية قد امتد نشاطها إلى سورية وقامت بالاستثمار في مشاريع سكنية وتجارية وسياحية عملاقة مثل البوابة الثامنة لشركة «إعمار» الإماراتية والضاحية المالية لمجموعة «عارف» الكويتية.

وتقارن الدراسة بين تكاليف البناء لدى كل من القطاع العام والخاص.. مشيرة إلى أن التكلفة الكلية لبناء متر مربع واحد من قبل القطاع العام تبلغ (6943 ل س) في حين أن تكلفة البناء من قبل القطاع الخاص هي (7501 ل س)، إلا أن التدقيق في محتويات هذه التكاليف يلاحظ أن القطاع الخاص أكثر إنفاقا على الإكساء (4497 ل س للقطاع الخاص، مقابل 3280 ل س للقطاع العام)، لأنه يحتاج إلى تسويق منتجه، بينما هو أكثر كفاءة في البناء على الهيكل (2674 ل س للقطاع الخاص مقابل 3340 ل س للقطاع العام).

وإن كان ذلك يدل على شيء، تقول الدراسة، فإنه يدل على مدى الهدر والضعف في إنتاجية القطاع العام، وخصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم الإعانات التي يتلقاها هذا القطاع.

وتشير الدراسة إلى أن مجموعة الأنظمة والقوانين المنحازة إلى القطاعين العام والتعاوني قد أدت إلى تشويه وتهميش القطاع الخاص. ولم يستطع القطاعان العام والتعاوني النهوض بأعباء التوسع العمراني نتيجة للضعف في كفاءتهما الإنتاجية ونتيجة للمشكلات المتعلقة بتملك الأراضي والتخطيط التنظيمي. وعلى ذلك، فإن مهمة التوسع العمراني قد أخذت على عاتق قطاع خاص غير منظم في مناطق السكن العشوائي.

ومن هنا تبين الدراسة أن انتشار السكن العشوائي هو نتيجة لسوق عقارات تتميز بأن: المشكلات المتعلقة بالتخطيط التنظيمي وتملك الأراضي تشكل مشكلات أساسية فيها. وأن المعدلات العالية من الطلب على السكن، نتيجة للمعدلات العالية من التزايد السكاني، قد بترت نتيجة للمستوى المنخفض للدخل وضعف أساليب تمويل القطاع العقاري. كما أن القطاع الخاص مهمش بينما القطاع الحكومي يفتقد للكفاءة الإنتاجية. وتشير الدراسة إلى أن الطفرة الحالية في أسعار العقارات تعود بالدرجة الأولى إلى تدفق العراقيين ميسوري الحال في السنوات القليلة الماضية، مما خلق طلبا إضافيا على السكن، وقد ترجم هذا الطلب إلى طلب فعلي نتيجة للمستويات المرتفعة من الثروة التي يمتلكونها.

وهذا التزايد في الطلب الفعلي قد دفع إلى ارتفاع أسعار العقارات بدلا من تحقيق زيادة في العرض نتيجة للقيود الكثيرة المفروضة من جانب العرض (التخطيط التنظيمي - تملك الأراضي - تهميش القطاع الخاص - ضعف إنتاجية القطاع العام والتعاوني).

وعلى الرغم من ذلك فإن هناك رهانا على خلق إطار قانوني يشجع وينظم مثل هذه المساهمة يتجلى في إصدار وتطبيق قانون التطوير والاستثمار العقاري الذي سيتيح للقطاع الخاص المساهمة بفعالية بنشاط الإسكان، من خلال تأمين المقاسم من الأراضي المنظمة المخدومة، وزيادة المعروض من الوحدات السكنية، ومعالجة مناطق السكن العشوائي، وإعادة تأهيل مناطق سكنية قديمة.

بالإضافة إلى المساهمة بفعالية في الاقتصاد الوطني من خلال جذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، وخلق الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.

وهكذا فإن العوامل التي تشكل قيودا على العرض مثل وضع المخططات التنظيمية وعمليات الاستملاك يمكن أن تحد من فعالية قانون الاستثمار والتطوير العقاري. وتشير الدراسة إلى أنه في حال افتراض عدم وجود مثل هذه القيود، فإن الوقت اللازم لإنشاء مثل هذه الشركات، وحصولها على التراخيص اللازمة، وعقد الاتفاقيات مع الجهات الإدارية، والشروع بأعمالها، وإنجاز عمليات التطوير العقاري، قد يتجاوز زمن الخطة الخمسية العاشرة.

وعلى الرغم من هذا فإن الدراسة تعول على قانون التطوير والاستثمار العقاري في لعب دور محوري في حل مشكلة الإسكان على المدى المتوسط والطويل، وليس على مدى القصير وضمن الخطة الخمسية الحالية، وذلك إذا ما تم وضع حلول جادة لمشكلات التخطيط التنظيمي وعمليات الاستملاك وتوفير الأراضي.

هذا وبينت الدراسة أن الكثير من مشكلات السكن في سورية يعود تاريخها إلى 1952 بسبب وجود مرسوم قام بتجميد معدلات الإيجار وجعل عقود الإيجارات متجددة تلقائيا، مما أدى إلى انسحاب المؤجرين من الاستثمار في عقارات تأجيرية وفي أواخر الثمانينات شهدت سوق العقارات مضاربات كثيرة نتيجة لوجود القليل من الفرص الاستثمارية.

ومع تخفيض الفوائد ابتداء من 2004 من 9 إلى 5% فقد سحبت الكثير من الودائع المصرفية وتم ضخها في العقارات وشجعت الفرص الاستثمارية على ذلك، ومع وجود اللاجئين العراقيين فقد زاد الطلب على العقارات وأصبحت تجارة العقارات خلال السنوات الخمس الماضية هي الأكثر ربحية على الإطلاق في سورية، وهكذا تحولت سورية إلى واحدة من الدول المصنفة بغلاء العقارات بعد أن تضاعف الأسعار أكثر من 5 مرات في 5 سنوات، وتقدر المبالغ التي تم تداولها في سوق العقارات والأراضي في سورية خلال السنوات الخمس الماضية بأكثر من 3 تريليونات ليرة سورية.