بريطانيا: عقارات الطلاب «تسيل لعاب» المستثمرين المحليين والأجانب

تعتبر من بين أكثر القطاعات استقرارا في الظروف الحالية وتحقق عائدات جيدة

TT

رغم المخاوف التي تثار حول سوق العقار البريطانية وتحذيرات من عودتها إلى الركود، بعد أن انتعشت قليلا، فإن الاهتمام الأجنبي بالعقارات البريطانية قد زاد، على اختلافها وجميع أنواعها، سواء الفاخرة منها أو العادية والتجارية. وفي هذا السياق ذكرت مصادر بريطانية أن صندوق التقاعد الحكومي في ماليزيا الذي يعتبر أكبر صناديق الاستثمار العقاري في القارة الآسيوية ينوي شراء مبنى شركة «فيزا» في منطقة بادينغنتون وسط العاصمة لندن بمبلغ 150 مليون جنيه (225 مليون دولار تقريبا). وذلك في إطار خطة استثمارية عقارية في جميع أنحاء القارة الأوروبية تبلغ قيمتها مليار جنيه (1.5 مليار دولار تقريبا).

كما تنوي شركة أو مجموعة «كارلايل» الأميركية المختصة بالأصول الدخول في أسواق عقار الطلبة، عبر بناء عدد من المباني الخاصة بسكن الطلاب في العاصمة لندن بمبلغ قدره 350 مليون جنيه (525 مليون دولار تقريبا). وستصم هذه المباني ما لا يقل عن 18509 أسرة. ويأتي هذا أيضا في إطار خطة كبيرة للاستثمار في عالم العقار الطلابي حول العالم والمدن الأوروبية الكبرى بشكل خاص، إذ يعتبر هذه القطاع من أكثر القطاعات العقارية استقرارا في الظروف الحالية ويؤمن عائدات جيدة على المدى الطويل. وخصوصا أن الحاجة إلى العقارات الحديثة والطلب عليها بين طلاب الجامعات يزداد يوميا في جميع الدول.

من جهة أخرى أكد مؤشر «آي بي دي» (IPD UK) الأخير والخاص ببريطانيا أن أسعار العقارات التجارية ارتفعت بنسبة لا تقل عن 15.6 في المائة منذ 15 شهرا، أي منذ يوليو (تموز) 2009 بشكل عام. ولم تكن الفروق في نمو الأسعار والتعافي كبيرة كما يبدو من المؤشر بين مختلف قطاعات التجزئة والمكاتب والقطاع الصناعي.

وبلغت نسبة العائدات الشهرية على الاستثمار في القطاع العقاري التجاري نحو 0.7 في المائة وهي أقل نسبة تصحيح على العائدات منذ أكثر من 6 سنوات. وذلك على خلفية تراجع معدلات الإيجار بـ3 نقاط على المؤشر. وهذا التباين بين العائدات وأسعار الإيجارات لا يزال يؤثر على نمو رأس المال منذ أكثر من سنة ونصف في البلاد.

وفيما تعتبر نسبة الارتفاع على الأسعار هامة ودليلا على تعافي القطاع التجاري التدريجي، فإن نسبة النمو والارتفاع الخاص بالعام الحالي لم تتعد الـ6.2 في المائة. وفيما لا تزال عملية التصحيح على الأسعار في الخانة السلبية، سجل قطاع المكاتب نموا عليها بنسب 0.2 في المائة وقطاع التجزئة بنسبة لا تتعدى 0.1 في المائة. وتشير المعلومات المتوفرة في التقرير الذي نشرته الـ«آي بي دي» (قاعدة بيانات الاستثمار العقاري - شركة عالمية استشارية عقارية تعمل على تحليل أداء الأسواق للمستثمرين وأصحاب العقارات ومديريها) أيضا إلى أن القطاع الصناعي كان الأضعف من ناحية النمو والتعافي بين مختلف القطاعات العقارية، إذ لم تتعد نسبة النمو على الأسعار منذ يونيو (حزيران) حتى يوليو من هذا العام أكثر من 10.8 في المائة. أما نسبة النمو في قطاع التجزئة في خلال الـ14 شهرا الماضية فقد وصلت إلى أكثر من 18.7 في المائة ومنذ سنة سجل قطاع المكاتب نسبة نمو لا تقل عن 13.9 في المائة.

وهناك اتجاه مختلف في قطاع الإيجار في القطاعات التجارية، أي نحو الخانة السلبية على حد أرقام المؤشر والتقرير المرفق به. إذ بعد استعادة النمو في القطاع التجاري في يوليو الماضي أي منذ شهرين وبنسبة 0.1 في المائة عادت النسبة حاليا في سبتمبر (أيلول) إلى التراجع بالنسبة نفسها تقريبا. ولا تزال نسبة التراجع في قطاع الإيجار الخاص بقطاع التجزئة على حالها منذ سبتمبر 2008، أي 9.3 في المائة. وعلى العكس منذ ذلك وعلى جبهة المكاتب فقد ارتفعت معدلات الإيجار ونمت للشهر الرابع على التوالي حتى أغسطس (آب) بنسبة لا تقل عن 0.1 في المائة، ومنذ مايو (أيار) بنسبة 0.6 في المائة. وكما يبدو فإن قطاع المكاتب هو القطاع الوحيد الذي سجل نموا في عالمي الإيجار والعائدات الاستثمارية، مما ترك آثارا إيجابية على عملية تصحيح الأسعار ولو بنسب قليلة ومتواضعة.

ويقول المدير العام لـ«آ بي دي» فيل تيلي إن القطاع العقاري التجاري شهد أسرع تراجع في التاريخ الحديث من ناحية الأداء والعائدات منذ انهيار بنك ليمان براذرز قبل عامين. وحذر تيلي المستثمرين من تقلبات الأسواق وتذبذبها على الرغم من إشارات التحسن البسيطة مؤخرا، وخصوصا أصحاب المحافظ العقارية التجارية.

ومن جهة أخرى، على صعيد العقارات السكنية، وخصوصا قطاع العقارات الفاخرة، أشار تقرير أخير لمؤسسة «سافيلز» الدولية المعروفة إلى أن أسعار العقارات الفاخرة في لندن العاصمة حافظت على قيمتها بشكل أو بآخر، مخالفة التوقعات بتراجعها بعد صيف هذا العام على عكس ما يحصل على الصعيد الوطني العام الذي يشهد تراجعا ملحوظا كما يبدو هذا الشهر أكثر من أي وقت سابق خلال السنة والنصف الماضية. وتقول «سافيلز» إن الأسعار تباطأت في لندن على الرغم من أن نسبة النمو السنوية لا تزال 9.1 في المائة. ومع هذا فإن الأسعار حاليا في العاصمة أقل بنسبة 7.9 في المائة مما كانت عليه أيام الطفرة. وسجل مؤشر «سافيلز» نموا في الأسعار في العاصمة بنسبة لا تزيد عن 0.1 في المائة بين يوليو وسبتمبر هذا العام في معظم المناطق، لكن بعض المناطق الهامة شهدت وسجلت تراجعا للمرة الأولى منذ سنة ونصف. ففيما سجلت مناطق كينزيغتون وهولند بارك ونوتينغ هيل نموا في الأسعار بنسبة 2.1 في المائة سجلت بعض المناطق الهامة في نايتس بريدج وتشيلسي وبلغرافيا، وهي مناطق معروفة جدا في قطاع العقار الفاخر، تراجعا بنسبة لا تقل عن 1 في المائة.

وقد بدأ التراجع في بعض المناطق منذ 6 أشهر وبعد فترة من النمو المتواصل، لكن اهتمام الكثير من العاملين في قطاع المال ونشاط المستثمرين الأجانب الذين يحاولون استغلال سعر صرف الجنيه الإسترليني أمام العملات الرئيسية الأخرى منع من ارتفاع عدد العقارات المتوفرة في الأسواق، وبالتالي انخفاض الأسعار في بعض المناطق الأخرى كما حصل بعد أزمة الائتمان الدولية.

ولا يزال النشاط الأجنبي يشكل فارقا كبيرا بين قطاع العقارات الفاخرة في العاصمة وقطاع العقارات السكنية العادية التي تشهد تراجعا هاما منذ 3 أشهر هذا العام.

لكن من الملاحظ أن العقارات الفاخرة في المناطق الأخرى خارج لندن العاصمة بدأت تشهد تراجعا في عدد الصفقات والاهتمام بشكل عام وأصبحت السوق لصالح المشترين.

ويؤكد مؤشر مؤسسة «هوم تراك» المعروفة على صعيد العقارات السكنية العادية أن أسعار العقارات تراجع بين أغسطس وسبتمبر هذا العام بنسبة 4 في المائة ليصل معدل سعر العقار إلى 157 ألف جنيه (240 ألف دولار تقريبا). وكانت نسبة التراجع خلال الشهور الثلاثة الماضية الأكبر منذ مارس (آذار) 2009. ومع هذا سجلت الأسعار في سبتمبر هذا العام ارتفاعا بنسبة 1 في المائة مقارنة إلى ما كانت عليه في سبتمبر 2009.

كما تراجع الطلب على العقارات السكنية العادية حسب هذا المؤشر بنسبة لا تقل عن 3 في المائة منذ 7 أشهر. وتراجعت الأسعار في جميع المناطق البريطانية لأول مرة منذ أبريل (نيسان) 2009. وكانت المناطق الجنوبية الشرقية في إنجلترا الأسوأ على صعيد هذا التراجع وسجلت أكبر نسبة تراجع خلال الأشهر الثلاثة الماضية وبنسبة لا تقل عن 1 في المائة في هذه المناطق الهامة عقاريا.

لكن الأهم من ذلك، فإن التحذيرات التي صدرت مؤخرا من الكثير من المؤسسات العقارية الهامة من حصول ركود ثان في قطاع العقارات السكنية العادية، بعد الأرقام التي صدرت حديثا عن تراجع عدد القروض العقارية الممنوحة من قبل البنوك والمؤسسات المالية هذا العام، وهو أقل عدد من القروض الممنوحة منذ أكثر من 16 شهرا في بريطانيا. وتقول هيئة البنوك البريطانية الوطنية إن عدد القروض الممنوحة في أغسطس لم يتعد الـ31.767 ألف قرض، بعدما كان في يوليو قبل ذلك أكثر من 34.219 ألف قرض، أي بتراجع نسبته 22.3 في المائة عما كان عليه في أغسطس 2009. وبذلك يعود معدل القروض الممنوحة إلى ما كان عليه في ربيع 2009. وعلى هذا الأساس، وكما ذكرت «الشرق الأوسط» في تقارير سابقة خلال الأسابيع الماضية، يتوقع أن تتراجع أسعار العقارات، حسب مؤسسة «آي إتش سي غلوبال إنسايت» (IHS Global Insight) من الآن وحتى نهاية 2011. وبالطبع فإن هذا يعتمد كثيرا على الأداء الاقتصادي بعد قرار الحكومة الجديدة تطبيق جملة من الإجراءات التقشفية الصارمة لسد العجز في الميزانية وتخفيف المديونية العامة. ويتوقع أن تساهم هذه الإجراءات في تباطؤ التعافي الاقتصادي في البلاد وبالتالي رفع معدل البطالة العام ما من شأنه التأثير على حجم القروض العقارية الممنوحة. ولهذا لا يتوقع الكثير من الخبراء أن يتحسن الوضع الإقراضي أو يتحسن عدد القروض خلال السنة المقبلة أو أكثر من ذلك أيضا.

وإضافة إلى ذلك، أكدت هيئة البنوك أن الطلب على هذه القروض يشهد تراجعا هاما وملحوظا على الرغم من زيادة عدد العقارات المعروضة للبيع في الأسواق في جميع المناطق. ولا تتوقع الهيئة لهذا الطلب أن يتحسن أو يرتفع في ظل الأجواء والأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد حاليا.

ومع هذا فإن الأرقام على كثرتها قد تضلل المشترين والبائعين على حد سواء، إذ نشرت هيئة تسجيل الأراضي أرقامها الأخيرة التي تشير إلى أن أسعار العقارات السكنية العادية ارتفعت في أغسطس هذا العام بنسبة 0.3 في المائة أي بتراجع طفيف عن يوليو الذي سجل نسبة 0.4 في المائة. وتقول هذه الأرقام أيضا إن أسعار العقارات ارتفعت منذ عام في إنجلترا ومقاطعة ويلز بنسبة لا تقل عن 6.7 في المائة، ما يعني أن معدل سعر العقار قد وصل إلى 167.4 ألف جنيه (255 ألف دولار تقريبا). أما معدل الزيادة في لندن في الفترة نفسها فقد كان بنسبة 11.4 في المائة ما يعني أن معدل سعر العقار حاليا في العاصمة يصل إلى 345.7 ألف جنيه (525 ألف دولار تقريبا). وكانت أسوأ نسبة ارتفاع على الأسعار في الفترة نفسها أي منذ عام في المناطق الشمالية الشرقية أي في نورثامبرلاند ومناطق نيوكاسل وميدلزبرة وصندرلاند ودارام وغيرها.