أسعار العقارات مرتفعة في السعودية وصعب على محدودي الدخل تملك المساكن

عقاريون سعوديون يطالبون بحلول واقعية لمشكلة الإسكان

يجد محدودو الدخل صعوبة في تملك مسكن مع التضخم الذي أصاب القطاع العقاري السكني بسبب انخفاض المعروض (تصوير: خالد الخميس)
TT

عوامل متعددة دفعت بمؤشر سوق العقار شرق السعودية للتأرجح بين الصعود والهبوط دون أن يحدد له وجهة ثابتة بعد أن تواترت التوقعات حول خريطة المستقبل العقاري مشمولة بالنطاق العمراني الذي ظل حاجزا وحجر عثرة أمام الانطلاقة التوسعية، إضافة إلى ترقب الإعلان عن قانون الرهن العقاري الذي يلفه الغموض حتى الآن بالنسبة للمستثمرين أو المواطنين بصفة عامة، مقابل تزايد الطلب على الوحدات السكنية بالقرب من مناطق الخدمات.

وعلى الرغم من شبه الكساد في الحركة في سوق العقار، فإن هناك بعض المبادرات الخجولة في التوجه إلى إنشاء وحدات سكنية بنظام الشقق للتمليك أو الفلل الاقتصادية، ولكنها بأعداد محدودة وبأسعار قد لا تكون في متناول الكثير من محدودي الدخل.

وأجمع مستثمرون عقاريون في المنطقة الشرقية من السعودية على أن الحصول على سكن مناسب داخل النطاق العمراني سيكون من المهام الصعبة على محدود الدخل، وذلك لمحدودية المعروض والتكلفة الباهظة، إضافة إلى التوجه للاستثمارات العقارية في قطاع السياحة أو التجارة. وطرح مهتمون بالشأن العقاري مقترحات لفسح البناء في بعض المخططات التي لم تصلها الخدمات حتى الآن، أو طرح مخططات جديدة خارج نطاق مدن الدمام والخبر والظهران.

وأوضح خالد العبدالكريم رجل الأعمال واحد المستثمرين في قطاع العقار أن سوق العقار في المنطقة الشرقية يعد الأفضل بين الأسواق في مختلف المناطق أو الدول المجاورة، كونها من أكبر المناطق مساحة، عطفا على أنها تمثل عامل جذب للأعمال بحكم وجود شركات كبرى مثل «أرامكو السعودية» و«سابك» و«محطات التحلية» وشركات الصناعات البتروكيماوية والتحويلية. إضافة إلى ديمومية مشاريع التنمية والتوسعة في الأعمال والحديث للعبدالكريم، وبوتيرة متسارعة أحيانا، مما أوجد كثافة سكانية قد تتضاعف من وقت إلى آخر، سواء من جانب المواطنين القادمين من المناطق الأخرى أو العمالة الوافدة.

وتحتاج السعودية إلى مليون وحدة سكنية خلال 5 سنوات، وتسعى المملكة إلى سد الفجوة بين العرض والطلب من خلال خطة التنمية التاسعة التي تعمل عليها الحكومة السعودية.

وأشار خالد العبدالكريم إلى أن المشروعات الضخمة التي شهدتها المنطقة الشرقية، خاصة في السنوات العشر الأخيرة ساهمت مساهمة فعالة في ارتفاع أسعار العقارات في بعض المواقع والمدن وفي مقدمتها مدينة الجبيل التي أصبح من الصعوبة أن تجد فيها مسكنا متاحا بغض النظر عن السعر، وتزايدت شكاوى كثير من رجال الأعمال لعدم وجود أراض في أماكن معينة تخدم استثماراتهم.

وقال: «هذا لا يعني عدم توفر فرص بل هناك فرص خاصة في مخططات ضواحي ومداخل تلك المدن وأسعارها معقولة». مشيرا إلى أن فرص الاستثمار الآن لن تكون عوائدها مربحة بنسبة كبيرة تصل إلى 150 في المائة كما كان في السابق، بل سينخفض هامش الربح لعدة عوامل، ومع ذلك يبقى العقار هو الخيار الأفضل للاستثمار، في ظل التوسع في مشاريع البنية التحتية والاستثمارات التي تتدفق على المنطقة بحكم موقعها وبيئتها الاستثمارية.

وأشار إلى أن توجه السوق الآن نحو مشاريع المجمعات السكنية والفلل الاقتصادية والبنايات الاستثمارية قد يوجد وحدات سكنية مناسبة خلال الفترة المقبلة.

ولفت العبدالكريم إلى توجه الدولة لتمكين محدودي الدخل من تملك سكن من خلال إجراءات ومبادرات مختلفة تتمثل في توجيه مؤسسات التقاعد والتأمينات لتمويل الكثير من مشاريع الإسكان وفق آليات معينة، ووصفه بالتوجه السليم لما من شأنه الإسهام في تنشيط الحركة الاقتصادية، خاصة تسويق المنتجات المحلية من اسمنت وحديد ومواد بناء.

ودعا العبدالكريم إلى تبني مشاريع جبارة لإيجاد مستويات إسكان بمواصفات ومساحات مختلفة لتترك خيارات عدة أمام المواطن لاختيار المسكن الذي يناسب قدراته وإمكاناته، سواء على مساحة محدودة (100 متر مربع مثلا) أو مساحة أكبر، وهذا التوجه سيمكن الكثير من المواطنين من تملك مساكن لهم.

والسعودية تعد أقل الدول المجاورة في نسبة تملك المواطنين لمساكن خاصة، حيث إن أكثر 60 في المائة من المواطنين يسكنون في بيوت مستأجرة وبأسعار تعد مرتفعة مقابل الراتب الشهري المحدود في كثير من وظائف الدولة أو القطاع الخاص.

وبين العبدالكريم أن بعض الأنظمة السابقة ساهمت في تعثر الكثير من المشروعات وخاصة فيما يتعلق بالخدمات وتطوير المخططات ويعود ذلك للروتين الممل والشروط التي تضعها بعض الجهات الحكومية إضافة إلى تداخل الاختصاصات.

وقال إنه في حالة إقرار الرهن العقاري سينشط الحركة في سوق العقار، حيث إن البنوك ستكون لديها ضمانات لضخ مبالغ كبيرة لتمويل مشاريع عقارية، ولكن في نفس الوقت يجب أن يقابل هذا أيضا إيجاد مخططات ومواقع أخرى، بعيدا عن مناطق المضاربة والتضخم في الأسعار، كي يجد المواطن متوسط الدخل فرصة للاستفادة من قانون الرهن العقاري.

وحول المساهمات المتعثرة قال العبدالكريم لـ«الشرق الأوسط» في الواقع أن هناك مواقع معطلة لظروف مختلفة وتداخلت مع جهات مختلفة، وما زالت هناك تشابكات وثغرات، عطفا على الروتين في حل بعض الإشكالات القائمة، مطالبا الجهات المعنية التحرك للبت في هذه القضايا، مشيرا إلى أن هناك حلولا سهلة يجب أن تتخذ، وأبان العبدالكريم أن فك مثل هذه الأراضي المعطلة سيفتح الكثير من الفرص وسيخفف من أزمة الأراضي في المنطقة. خاصة أن المساحات المتوقفة والمتعثرة تقدر مجتمعة بأكثر من مائة مليون متر مربع.

ولفت العبد الكريم إلى أن عملية الاستثمارات العقارية مستمرة، ولن تتوقف في ظل النمو السكاني والتوسع في المشاريع والبنى التحية.لافتا إلى توفر الكثير من العروض ولكن تبقى عملية التمويل هي المعوق حتى الآن ولكن البوادر تشير إلى إيجاد حلول تخدم مصلحة الجميع.

الرهن قد يخدم شريحة كبيرة من موظفي:

من جهته قال أحمد الفهيد أحد المهتمين بقطاع العقار إن إحدى المشكلات التي تواجه قطاع العقار في المنطقة الشرقية استحواذ عدد محدود من الأشخاص على نسبة كبير من المخططات والأراضي، وعدم اقتناعهم بأرباح قليلة. وقال: «إن هذا ليس ذنبهم كون سوق العقار مفتوحة، ولكن تحديد النطاق العمراني وعدم طرح مخططات جديدة ساهم في ذلك بشكل كبير، ودفع لارتفاع الأسعار في هذه المناطق».

وأضاف الفهيد إلى أنه في إطار التوجه الحكومي للقيام بكثير من الإجراءات التي تسهم في بناء وحدات سكنية لتمكين الكثير من المواطنين لتملك وحدات سكنية فإن المنطقة الشرقية تحتاج إلى أكثر من 30 ألف وحدة سكنية الآن، مشيرا إلى أن الكثير من المواطنين والموظفين أصحاب الدخل المحدود الذين لا يتجاوز متوسط رواتبهم 5 آلاف ريال لا يستطيعون شراء أرض سكنية ومن ثم بناء مسكن لهم.

وشدد على أهمية مبادرات جديدة تتبناها أمانة المنطقة، خاصة أن أمامها حلولا كثيرة، منها طرح مخططات خارج المدن وبالتحديد على امتداد طريق بقيق وطريق المطار بنحو 30 ألف كيلو متر، وأن توجه المشاريع السكنية إلى استحداث أحياء نموذجية، وأن تتراوح مساحات البناء فيها مابين 200 متر مربع إلى 500 متر مربع، لأن الكثير من المواطنين يريدون تملك سكن، حتى ولو كان على مساحة صغيرة ولأنها توافق إمكاناتهم وحجم دخلهم الشهري، ثم إعادة صياغة بعض الأحياء القديمة مثل أحياء مدينة العمال في كل من الخبر والدمام، بفسح البناء لأربعة أدوار، ومن شأنه أن يعيد الحياة لهذه الأحياء التي أصبحت أوكارا لبعض العمالة، وسيعود بالنفع والفائدة على الورثة، وتحسين جمال المدن.

وذهب الفهيد إلى أن هناك معضلة حقيقية في إيجاد سكن للمواطنين، لأنه أيضا في المنطقة الشرقية يوجد أكثر من 150 ألف موظف، منهم 15 في المائة تقريبا يملكون سكنا في حين البقية ينتظرون دورهم في تحقيق حلمهم بامتلاك بيت العمر، مضيفا أنه على الجهات المعنية دور ومسؤولية كبيرة في تحقيق تطلعات الدولة التي لها توجه واضح واتخاذ إجراءات وسن قوانين تساعد على امتلاك المواطنين لمساكن.

وحول تأثير الرهن العقاري على سوق العقار في حالة إقراره قال الفهيد: «أعتقد أن قانون الرهن غير واضح حتى الآن، ولكن يظل المواطن الذي يقل راتبه عن 7 آلاف ريال غير قادر على الإيفاء باشتراطات التمويل إذا لم تكن هناك تسهيلات كبيرة تدعمها الدولة»، وفي نفس الوقت فإن الرهن قد يخدم شريحة كبيرة من موظفي الشركات الجديدة، والذين يتجاوز عدد موظفيهم أكثر من 70 ألف موظفا، وسوف يستحوذون على النسبة الكبرى من حجم التمويل الذي قد يضخه قانون الرهن العقاري.

وقال الفهيد إن المشروعات العقارية في المنطقة الشرقية قد لا تخدم أيضا محدودي الدخل، فمثلا إحدى شركات التطوير تبنت مشروعا استثماريا لبناء نحو 1000 وحدة سكنية، وبعض الوحدات يصل سعرها إلى 4 ملايين ريال والمتر المربع إلى 7 آلاف ريال، وأيضا شركة أخرى لديها مشروعات في حدود بناء 150 وحدة سكنية، في حين أن المنطقة بحاجة إلى مشاريع سكنية جبارة مثل المشاريع القائمة في بريطانيا على سبيل المثال التي تصل مشاريعها أحيانا إلى 10 آلاف وحدة سكنية.

في حين تتوجه بعض المشاريع الاستثمارية نحو الاستثمارات التجارية، أكثر من السكنية، وكذلك التركيز على المدن الصناعية سواء داخل أو بالقرب من النطاق العمراني وبالتالي الاستحواذ على الأراضي المجاورة لها لغرض التوسع، وهذا يسهم في استقطاع الكثير من الأراضي التي يجب أن توجه لمشاريع الإسكان، ولفت إلى أن أسعار العقار معقولة جدا، مشيرا إلى أن الاستثمار في العقار داخل السعودية وفي لبنان يمثل فرصا واعدة ويعد الأقل سعرا في المنطقة.

وتوقع استمرارية الأسعار على ما هي عليه خلال الفترة المقبلة، وإذا كان هناك تصحيح للعقار فلن يكون بخفض الأسعار بقدر طرح مخططات جديدة خارج النطاق العمراني للخبر والدمام.

من جهته يرى الدكتور فيصل الشيحة مدير عام «شركة السويدي العقارية» أن سعر العقار في المنطقة الشرقية ما زال معقولا وفي متناول المستثمرين مقارنة بوضع العقار في كل من الرياض وجدة، مشيرا إلى أن المنطقة الشرقية أصبحت جاذبة للمستثمرين في قطاع العقار مقارنة بالمناطق الأخرى، ودول الخليج وخاصة الكويت والإمارات.

وقال الشيحة إن السعر يحدده موقع العقار والذي يرتفع حتما وكنتيجة طبيعية كلما تم التوغل في النطاق العمراني أو المواقع التي يسكنها ما يسمى «فئة النخبة» أما الضواحي تمثل أفضل الفرص والأقل سعرا.

وأضاف: «في حين توفرت الخدمات المطلوبة في المخططات التي خارج النطاق العمراني والتي ما زالت أسعارها في متناول الكثير فإنها ستمكن الكثير من امتلاك مساكن لهم وبأسعار جيدة». مشيرا إلى دخول كثير من المستثمرين في مشاريع لبناء وحدات سكنية وهناك توجه للبنايات السكنية وتوفير شقق بمساحات مختلفة سواء للبيع أو الإيجار وهي تمثل فرصا وخيارات أمام متوسطي الدخل.

ولفت إلى أن قانون الرهن العقاري سيفتح قنوات تمويل جديدة للاستثمارات العقارية سواء البنوك التي ستتخلى عن حذرها وستمول مشاريع عقارية أو من خلال ممولين آخرين سيجدون الفرص متاحة أمامهم للاستثمار في هذا المجال كون الأصول العقارية تمثل ضمانات جيدة لهم، وهذا ما سينعكس إيجابا على سوق العقار وسيزيد الطلب على الأراضي والمساكن وسيحل الكثير من مشكلات الإسكان.

وطالب الشيحة بإيجاد تنظيم وإجراءات واضحة فيما يتعلق بأعمال كتابة العدل أو نظام التسجيل العقاري وذلك بتطوير الآليات والإجراءات بإدخال النظام الآلي لسرعة الإنجاز واختصار زمن الانتظار الممل، واستبدال الصكوك القديمة التي يصل طول بعضها إلى واحد متر تقريبا، مشيرا إلى أنه حان الآن الوقت لإصدار الصكوك أليا.

المشاريع بالمنطقة لا تخدم المواطنين بل السياح من جانبه قال عبد الله الدامغ عضو اللجنة العقارية في غرفة الشرقية سابقا: إن المنطقة الشرقية تختلف عن المناطق الأخرى، وتعاني من مشكلة محدودية النطاق العمراني الذي يصطدم بالبحر، وحجز شركة أرامكو السعودية لمساحات شاسعة من الأراضي، كما أن المنطقة تمثل جذبا سياحيا ولذلك فإن أغلب المشاريع العقارية لا تخدم أهالي المنطقة بل تخدم الزوار والسياح بشكل أكبر، وهذا يزيد من التضخم ويقلل من المعروض في سوق العقار.

وبين الدامغ أن من الحلول لتفادي مشكلات ارتفاع الأسعار وشح الأراضي أن توقف أرامكو منح موظفيها قروضا نقدية تمكنهم من شراء الأراضي المعروضة في السوق، وبالتالي التضييق على المواطنين الآخرين، وعليها أن تجد حلولا بتخصيص مساحات من الأراضي التي تمتلكها وغير المطورة وتقوم بتطويرها وتوزيعها على موظفيها بل تقوم ببنائها وإيجاد كامل التجهيزات وتمنحها لموظفيها.

وقلل من دور قانون الرهن العقاري في حل بعض المشكلات على المدى القصير، خاصة للمواطنين قليلي الدخل، مطالبا بتحويل البنك العقاري إلى بنك إسكان وخلق آلية تعاون له مع البنوك التجارية كي تكون هي مصدر التمويل وفق آليات معينة دون الرجوع لبنك الإسكان.