أحياء لندنية تكتسب جنسيات أصحابها.. وأثرياء العرب يفضلون «بلغرافيا»

70% من عقارات وسط العاصمة البريطانية التي يزيد سعر الواحد منها عن 5 ملايين جنيه إسترليني يشتريها أجانب

TT

ما زالت لندن هي الاستثناء في الكساد العقاري البريطاني بأسعار متزايدة في القطاع الفاخر يدفعها سيل لا ينقطع من الطلب الأجنبي. وتشير أبحاث شركات العقار في لندن إلى أن 70 في المائة من عقارات وسط العاصمة البريطانية التي يزيد سعرها عن خمسة ملايين إسترليني يشتريها أجانب. وفي بعض الأحياء اللندنية يزيد عدد الأثرياء الأجانب عن جيرانهم من الإنجليز إلى درجة يمكن معها تحديد الهوية الأجنبية لبعض أحياء لندن.

فالعرب مثلا يحتلون أحياء شمال حديقة هايد بارك التي تشمل مناطق بايزووتر و«كوينز واي وشارع إدجوير رود، كما يتركز الأثرياء منهم في حي بلغرافيا الفاخر شرق هايد بارك. ويذهب الروس حاليا إلى أحياء نايتسبردج ومايفير، بينما يتوزع المشترون من شرق آسيا في مناطق سوهو والمشاريع الاستثمارية الجديدة.

وفي الآونة الأخيرة احتلت الشقق المرتبة الأولى قبل المنازل المستقلة كخيار أول للأثرياء، وذلك بعد عدد من المشاريع الشهيرة التي رفعت معايير الشقق إلى آفاق غير مسبوقة، مثل مشروع «وان هايد بارك». ويفضل الأجانب الشقق ذات خدمات الحراسة و«الكونسيرج».

ولم يتأثر المشترون الأجانب بموجة الكساد الاقتصادي السائدة في أسواق العقار العالمية في الوقت الحاضر، بل إنها أضافت إلى المعادلة أثرياء جددا قادمين من الصين والهند وشرق آسيا. ويرى هؤلاء أن أول لوازم الثراء هو ملكية عقار في لندن.

وتشير شركة «نايت فرانك» إلى أن نسبة المشترين الأجانب زادت من 53 إلى 68 في المائة بين صيف 2009 والصيف الماضي. وترتفع هذه النسبة أكبر في قطاع قمة السوق. وتشير الشركة إلى أن أحد أسباب الإقبال على لندن هو انخفاض الجنيه الإسترليني الذي يوفر للمشترين الأجانب فرصا جيدة للحصول على تخفيضات كبيرة في القيم العقارية بعد تحويل العملة.

وتؤكد شركة «سافيل» أن الأجانب يسيطرون حاليا على المشتريات في أحياء كاملة مثل بلغرافيا ومايفير ونايتسبردج ونوتنغ هيل.

وقالت شركات عقار لندنية إن الطلب على العقارات التي يزيد ثمنها على عشرة ملاين إسترليني انطلق بداية من شهر أغسطس (آب) الماضي، بعد تأكد حي المال من أن الاقتصاد البريطاني لن يعود إلى موجة كساد ثانية. وفي الوقت نفسه خفض بائعو العقار من ناحيتهم الأسعار بعد القبول بأحوال السوق التي كانت تعاني من فائض الإمدادات منذ بداية العام.

وقال تيم ريان رئيس فرع كنسغنتون في شركة «نايت فرانك» العقارية إن لندن شهدت في بداية الصيف الكثير من الاستفسارات من مشترين أجانب، ولكن الصفقات ظلت قليلة حتى نهاية شهر يوليو (تموز). وبعد ذلك تم عقد الكثير من الصفقات المتتابعة.

ويضيف بحث ميداني من شركة «سافيل» العقارية أن عقارات قيمتها 1.1 مليار إسترليني في القطاع الذي تزيد فيه الأسعار عن عشرة ملايين إسترليني بيعت خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي. ولا تقل هذه القيمة عن الفترة نفسها من عام الذروة 2007 إلا بنسبة 20 في المائة.

وتعزو الشركة سبب عودة النشاط إلى لندن بهذه السرعة وفي القطاع الفاخر تحديدا إلى أن لندن لم تعد تقتصر على الطلب من السوق المحلية، وإنما هي سوق عقار عالمية يتنافس فيها الأثرياء، خصوصا من دول الاقتصادات الناشئة، التي تتكون فيها الثروات بوتيرة أسرع بفضل قابليتها للنمو السريع.

وكانت أرقام شركة «نايت فرانك» تشير إلى أن الطلب من الأثرياء الأجانب تراجع في النصف الأول من هذا العام بنسبة 30 في المائة، وأسهم ذلك في خفض الأسعار في هذا القطاع. ولكن مع حلول شهر أكتوبر (تشرين الأول) عاد المشترون ورجعت المعدلات إلى طبيعتها. وأسهم في ذلك التزام البائعين بأسعار معقولة تعكس حالة السوق وليس بها الكثير من المغالاة.

وتشير بعض الشركات أيضا إلى أن بعض المشترين هم من البريطانيين أنفسهم الذين هجروا الأسواق فترة ثم عادوا إليها. ولكن الإقبال على الشراء العقاري وزيادة الأسعار الذي تشهده لندن في قطاعها الفاخر لا ينتشر إلى كل قطاعات السوق الأخرى؛ فالصورة تختلف تماما في القطاعات المتوسطة وما دونها، حيث يقول الاقتصادي هاورد ارشر من شركة «غلوبال انسايت» الاستشارية إنه من الصعب توقع أي زيادة في الأسعار في هذه القطاعات خلال عام 2011 لأن المؤشرات السلبية السائدة حاليا سوف تزداد سلبية في العام المقبل. هذا وتقل الأسعار السائدة حاليا في العقارات البريطانية بنسبة 17 في المائة عما كانت عليه في صيف عام 2007.

وفيما يتعلق بالسوق البريطانية المحلية، قالت مصادر من مصلحة تسجيل العقارات البريطانية إن المزيد من التراجع سوف يحدث في أسعار العقار البريطاني، حتى يمكن الوصول إلى نقطة التوازن التاريخية بين أسعار العقار وقدرة الاقتراض العقاري. ولا توجد الآن أي فرص متاحة لتحسين نسب أو شروط الإقراض العقاري، مما يشير بقوة إلى أن البديل الوحيد المتاح هو تراجع أسعار العقار.

ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تتراجع الأسعار بنسبة صغيرة في النصف الأول من العام الجديد، قبل أن تستقر وتعاود صعودها البطيء. وكلما طال أمد الضغوط على الإقراض العقاري، زاد احتمال تراجع الأسعار أكثر.

وتقدر مصادر أن زيادة الأسعار الطفيفة التي تحققت هذا العام الماضي وبنسبة ستة في المائة كانت نتيجة ندرة في المعروض من العقارات في السوق، وكان سبب ذلك أن بعض البنوك رفض الحجز على بعض المدينين، والاستيلاء على عقاراتهم لبيعها في المزاد، لأن هذا كان من شأنه أن يصيب الأسعار بالمزيد من الانهيار، مما ينعكس بالخسائر على البنوك قبل غيرها.

ولكن البنوك لن تستطيع أن تستمر في هذا التوجه طويلا، خصوصا مع إجراءات التقشف الحكومي المتزايدة، وقد تزداد بقوة أعداد العقارات المعروضة للبيع في المزاد في العام الجديد مع تشدد البنوك، أو لدى أي ارتفاع كبير في أسعار الفائدة.

وسوف تواجه البنوك البريطانية المزيد من الصعوبات في الإقراض بعد سحب بنك إنجلترا المركزي نحو 400 مليار إسترليني من الأموال المخصصة لدعم الإقراض العقاري وتوجيه البنوك إلى السوق التجارية للحصول على التمويل المطلوب. وقد يكون هذا مكلفا للبنوك خصوصا مع تراجع وضع بريطانيا الائتماني بسبب ارتفاع معدل ديونها السيادية.

وتقول شركات العقار البريطانية إن معدلات البيع تراجعت في الشهور الأخيرة بنسب وصلت إلى 30 في المائة، لأن البائعين لا يرغبون في خفض الأسعار، والمشترين يأملون في تراجع الأسعار بعد فترة، ويفضلون الانتظار.

ولكن «العامل القاتل» على حد قول أحد مديري العقار في لندن، هو عدم القدرة على تمويل شراء العقار بالاقتراض. وترى هذه الشركات أن الوضع لن يتحسن حتى تنفرج أزمة الإقراض العقاري وترتفع نسب التمويل من 75 في المائة إلى 90 في المائة كما كان الوضع سابقا. وفي الوقت الحاضر ينظر المشترون بدقة إلى العقارات المعروضة للبيع ويفرضون شروطهم على ما يمكن اعتباره سوقا للمشترين.

أما عن تحولات المستقبل المتوقعة، فيشير إليها المستشار العقاري ديفيد سميث، من شركة «كارتر جونز» الاستشارية في لندن، حيث يقول إنه الارتفاعات السعرية التي شهدها السوق البريطانية مؤخرا، لا تعبر عن نشاط في السوق بقدر ما هي زيادة في الطلب عن العقار المحدود المعروض في الأسواق بأسعار تنافسية. وهو يضيف أن الزيادة مدعومة ببعض العوامل الأخرى مثل انخفاض سعر الفائدة الذي قد يرتفع مرة أخرى بأقرب مما يتصور البعض، نظرا لعودة خطر التضخم مرة أخرى.

ومع عودة ارتفاع أسعار الفائدة فإن نسبة تراجع أسعار العقار سوف تزداد، وقد يحدث هذا خلال النصف الثاني من العام المقبل. وهو يرى أن معظم المشترين في بريطانيا ينتظرون حاليا تفاعل أسواق العقار مع الميزانية الجديدة، قبل الارتباط بأي صفقات عقارية.

وأوضحت إحصاءات عن المشترين الجدد في السوق أنهم ما زالوا عند نسبة 26 في المائة، الأقل من النسبة التاريخية التي تصل إلى 40 في المائة، هذا على الرغم من وجود بعض الحوافز في السوق، مثل الإعفاء الجزئي من ضرائب العقار للمشترين الجدد.

والاعتقاد السائد هو أن أزمة التمويل عكست أوضاع السوق وأفرزت مناخا جديدا، وأثرت على جميع الناشطين في سوق العقار بصورة أو بأخرى؛ فالبنوك تستبعد الآن كل من تقل درجة ملاءته المالية عن الحد المقبول. وهي تفرض شروطا قاسية على تكاليف الإقراض وأسعار الفائدة على القروض العقارية التي انفصلت عمليا عن أسعار الفائدة الأساسية المعلنة من بنك إنجلترا المركزي.

وبات وضع الأسواق المالية صعبا أيضا على الشركات التجارية، التي وجدت أن التجمد الائتماني امتد إلى قطاعات استهلاكية، وأثر على نشاط البيع للسلع المعمرة والسيارات والمشتريات الموسمية. ويقول كريس مور، كبير الاقتصاديين في جمعية «نيشن وايد» أن هناك الكثير من عدم الثقة المبالغ فيه في الأسواق حاليا، بسبب عدم وضوح الرؤية، وأن هذا الوضع قد يؤدي إلى تجمد الكثير من القطاعات في السوق ويسبب المشكلات للبائعين والمشترين على السواء.

ولكن هذه الصورة القاتمة حاليا لن تستمر طويلا، حيث تشير أحدث أبحاث شركة «سافيل» العقارية إلى أن أسعار العقارات اللندنية في طريقها إلى الارتفاع مرة أخرى، وبنسبة الثلث، على خمس سنوات. وتؤكد الشركة أن أكبر نسب الزيادات سوف تكون في منطقة تشيلسي وكنسنغتون التي تقدر الشركة أن ترتفع أسعارها بنحو 33 في المائة لكي تكسر حاجز المليون إسترليني للعقار الواحد في المتوسط، كما تزيد أسعار شرق لندن بنسبة 30 في المائة بفضل تأثير دورة الألعاب الأوليمبية في عام 2012.

وأشار تقرير الشركة أيضا إلى تأثير موجة الشراء الأجنبية على رفع معدلات الأسعار في لندن، كما قسم لندن عقاريا إلى ثلاثة مناطق «أ» و«ب» و«ج». المنطقة الأولى هي للأثرياء الذين يشترون العقارات السوبر نقدا، ولا يحتاجون إلى قروض عقارية. والمجموعة الثانية هي للطبقة المتوسطة التي تحتاج إلى قروض عقارية وتشتري في القطاع المتوسط، أما الفئة الثالثة فهي للطبقات الفقيرة ويسودها الاستثمار بغرض التأجير.