خبراء: أسعار عقارات مكة المكرمة تواصل الارتفاع مع استمرار صرف التعويضات المقدرة بـ15 مليار دولار

الحركة تدب في الأرياف وانتعاش التداولات في أطراف العاصمة المقدسة

مكة المكرمة تتجه نحو منظومة عمرانية متكاملة خلال السنوات المقبلة (تصوير: خضر الزهراني)
TT

رجح خبراء عقاريون استمرار ارتفاع الأسعار في مكة المكرمة لمدة خمس سنوات مقبلة بحكم استمرار صرف الدولة السعودية للتعويضات، وهو ما يعني زيادة الطلب وقلة العرض في مدينة تشهد انحسارا جغرافيا وطبوغرافية أكثر تعقيدا، إضافة إلى جملة من مشاريع التطوير التي ستنعكس على العاصمة المقدسة في المستقبل القريب.

ودفعت إزالات مناطق الساحات الشمالية للحرم المكي، ومشاريع جبل عمر، عددا من صغار المستثمرين العقاريين، نحو إنعاش ضواحي العاصمة المقدسة الراغبين في تملك مساكن للسكن العائلي، حيث تعد تلك الضواحي بأسعار عقاراتها، متنفسا يجد فيه متوسطو الدخل المحدود ضالتهم بعد الارتفاع المهيب في أسعار الأمتار داخل نطاق الحرم المكي وخارجها.

وتشهد مكة المكرمة منظومة تطويرية متكاملة تقودها الحكومة السعودية، في وقت قدر خبراء عقاريون فيه حجم التعويضات التي قد تصرف للعقارات المنزوعة في مكة المكرمة خلال 5 سنوات، بنحو 56.2 مليار ريال (15 مليار دولار)، وذلك من قبل القطاعين العام والخاص عطفا على المشاريع التطويرية المزمع إنشاؤها في العاصمة المقدسة.

وتشكل المنظومة التطويرية في العاصمة المقدسة بشكل يتناسب مع حجم الحركة التي تشهدها على مدار العام، وتعتبر سوق مكة العقارية من أفضل الأسواق العقارية التي تملك جميع مقومات النجاح، تتمثل في الموقع والحركة ونسب النمو في إعداد الزوار، بالإضافة إلى البنية التحتية الضخمة التي تعمل عليها الحكومة السعودية.

واعتبر مراقبون أن من حسنات المشاريع التنموية والتطويرية التي حظيت بها العاصمة المقدسة، هي إنعاش المناطق القروية أو الريفية، إذ شهدت مناطق كثيرة خلف التنعيم والحسينية ومنطقة الكر، تناميا في ارتفاع معدلات بيع العقارات والاستراحات وبناء المساكن، حيث أشار مراقبون إلى أن الارتفاع تنامى بنسبة 35 في المائة في الفترات الأخيرة. وعزا المراقبون السبب في ذلك إلى الارتفاعات اللامنطقية في سعر العقارات في الخمس سنوات الماضية.

بندر الحميدة، الخبير العقاري قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن مشكلة تأخر المخططات في العاصمة المقدسة أدت إلى ندرة المعروض، وزيادة الطلب ورفع الأسعار»، وأشار إلى «أن السعودية أضحت تعاني مشكلة انحسار الوحدات الاقتصادية لفئات الشباب، وهو ما يفرض الحاجة إلى وجود شركات تمويل كبيرة. وأقترح أن تكون تلك الشركات، شركات مساهمة عامة، تلبي السكن، وتكون بنظام الأقساط، ولا يستطيع رجال الأعمال وحدهم بناء تلك الوحدات، ولو استطاعوا فلن يقوموا بتوفير الأعداد الملائمة والمناسبة، وغالبية المستثمرين في العاصمة المقدسة تتجه أنظارهم نحو الاستثمار في قطاع الحج والعمرة، وما إلى ذلك، وهو ما سبب خللا في السوق جراء عدم توفير السكن الدائم في مكة، ولا بد من وجود شركات تمويلية مساهمة توفر ذلك السكن عن طريق فلل الدوبليكس، حيث من الممكن توفير احتياجات المواطنين، وبخاصة الشباب».

وبين أن مدينة مكة المكرمة تظل مدينة جاذبة للسكن، وليس العكس. وأضاف «بعض الناس يذهبون إلى الضواحي بحكم أن أطراف المدينة أرخص من مركزها، على الرغم من أن الضواحي ارتفعت فيها الإيجارات وفرص العقار». وتابع «مكة تشهد ارتفاعا كبيرا في نسبة العقارات فيها، وقطاع الاستثمار العقاري المتخصص في الإسكان والوحدات السكنية، والمشكلات تكمن في عدم وجود شركات مساهمة عملاقة، وبخاصة في المنطقة الغربية التي تستهدف متوسطي الدخل والدخل المحدود، واختفاء تلك الشركات يفقد السوق أسعارها الطبيعية، ويحرم السوق كذلك من جدواها الاقتصادية، وسيستمر مسلسل الارتفاع متى ما استمر صرف التعويضات في الخمس سنوات المقبلة».

من جانبه عزا الدكتور محمد الجرف، أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» سبب ارتفاع العقار في مكة إلى عاملين، أولهما سبب سوقي، والثاني مصطنع، فالسبب السوقي يتمثل في مشاريع مكة والتوسعات والمشاريع التطويرية، والطرق الجديدة والكباري والأنفاق، وتمت إزالة الكثير من المباني والعمائر السكنية، وهذه المباني كانت تحمل أناسا وعائلات، وهو ما أوجد نقصا في الإسكان، وفاقم من درجة الطلب، ومن أجل استحضار البديل، والتعويض فإن الأمر يأخذ وقتا زمنيا كبيرا.

وتابع الدكتور الجرف تحليله للقضية، «انتقل الطلب على أثر ذلك إلى أماكن أبعد، أسهمت فيها جهات اتسمت بالجشع في زيادة الأسعار وبطريقة غير مبررة، وهذه الأزمة المتسبب الحقيقي فيها هو جشع بعض الناس، والأكاديميون أنفسهم ليسوا على دراية كاملة ووافية للمخططات الجاري العمل في تنفيذها، بغية الإسهام في إبداء الآراء الأكاديمية في الإشكاليات العقارية، وكان حريا بالجهات المعنية توفير البديل المناسب قبل الشروع في عمليات الهدم».

وزاد: «مثل هذه المشاريع ينبغي استحضار دراساتها قبل سنوات طويلة، ومعرفة الإشكاليات الزمنية التي قد تنتج جراءها، ولو كانت الدراسات مستفيضة في توخي الحذر في مشكلات الإسكان وفرص الاستثمار لأجيال قادمة، لما نشبت تلك المشكلات، التي اتضحت معالمها جلية في هذه الأيام».

وأشار الجرف إلى أن الاتصال بالجامعات وبمراكز الدراسات الاستراتيجية من أهم الأشياء المطلوبة في تغيير واجهات المدن وتطويرها، لأن التكاليف الباهظة وسلبيات القادم من اللامدروس يتحملها المستهلك البسيط، ولا بد من وجود دراسات استراتيجية تعنى بإيجاد البديل السكني.

وأفاد بأن المشاريع الكبيرة والتنموية التي تعيشها العاصمة المقدسة، كان بالأحرى أن تنفذ على دفعات متتالية، لا أن تنفذ جميعها مرة واحدة، لأن الناتج سيتمثل في أزمة إسكانية كبيرة على المقيم والوافد والزائر، فمشاريع كبيرة وضخمة مثل الخطوط الدائرية والموازية، تتطلب إزالات ضخمة وتشق المخططات.

وزاد: «تلك ميزة جميلة ونحن معها، حيث إنها كفيلة بالقضاء على العشوائيات، لكنها تحدث تراكمات ومشكلات إسكانية، ومكة المكرمة من دون غيرها من بقية مدن السعودية تحتم دراسات نوعية على مكامن العقار والأساليب الكفيلة بإنعاشه، وخروجه من المأزق».

وأضاف أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى أن الحجاج والمعتمرين، ودخولهم إلى الأراضي المقدسة ضاعف بحث الشباب عن فرص عقارية خارج مكة المكرمة، بحجة رغبة ملاك العقارات في توظيف السكن لموسمي الحج والعمرة، بحيث يعود عليهم بالريع الوفير، وفيه ضمانة لبقية عقاراتهم غير المستهلكة والجديدة، وحتى المهاجرون من مكة بحثا عن عقار، ستواجههم مشكلات حياتية يومية تتمركز في الحاجة الدؤوبة إلى خلق توازن بين الإيرادات والتكاليف.

ومن أجل أن يهاجر أي إنسان، أشار إلى ضرورة توفر مصدر دخل بديل له، من مدارس وسكن مطابق للمواصفات المطلوبة، ومن كانت لديه التزامات مباشرة في العمل، فيجب أن يضع في حسبانه أن تكاليف النقل في حال السكن في جدة، كمثال، توازي في المجمل السنوي بقاءه في مكة، وهذه إشكالية أخرى. ويضطر المؤجر في مكة لرفع سعر الوحدة السكنية بشكل كبير، نتيجة تغطية لقيمة الأرض، كما أن هذا النظام هو السائد فيما يقارب 90 في المائة من مخططات مكة المكرمة، فيما لو وجد نظام يسمح بزيادة عدد الأدوار السكنية ستكون كفاية المعروض للطلب كفيلة بسد الفجوة بين العرض والطلب ويخفض الأسعار بحيث تكون في متناول ذوي الدخل المحدود الذين وقع البعض منهم تحت طائلة منح الأمانة التي تخلو في غالبيتها من خدمات المرافق العامة.