قطر تقتحم أولمبياد لندن بعرض شراء نصف القرية الأولمبية

المنافسة ساخنة بين 9 شركات.. والنتائج تظهر في صيف 2011

القرية الأولمبية شرق لندن توشك على الاكتمال («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت هيئة تسليم المنشآت الأولمبية البريطانية (Olympic Delivery Authority) في مؤتمر صحافي في لندن عن لائحة مختارة من شركات القطاع الخاص التي سوف يتم دعوتها لتقديم مقترحاتها التمويلية والتطويرية لشراء وإدارة نصف القرية الأولمبية التي تقع ملاصقة للحديقة الأولمبية في شرق لندن.

وتضم القرية 2818 عقارا، سوف تتاح لشراء مستثمرين محللين بعد نهاية الأولمبياد في عام 2012. وتتصدر اللائحة شركة «ديار» القطرية، وهي ذراع هيئة الاستثمار القطرية التي تعمل بمثابة صندوق استثمار سيادي، في عطاء مشترك مع شركة بريطانية اسمها «ديلانسي». وتقدمت للعطاء أيضا 8 شركات أخرى من جميع أنحاء العالم.

وقد تم التعاقد بالفعل على بيع نصف عقارات القرية لشركة متخصصة اسمها «ترايثلون» لكي تشرف على مساكن شعبية بعد الدورة الأولمبية. وكانت قيمة هذه الصفقة 270 مليون إسترليني (419 مليون دولار).

وتعرض هيئة تسليم المنشآت الأولمبية النصف الآخر المكون من 1439 عقارا للاستثمار والإدارة لتحويلها إلى الملكية الخاصة بعد الدورة الأولمبية. وتضم الصفقة 6 قطع من الأراضي مخصصة للتطوير يمكنها استيعاب ما بين 2000 إلى 2500 عقار إضافي.

وكانت الهيئة قد دعت الشركات إلى تقديم عطاءات خاصة بنصف القرية الأولمبية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لكي تشمل الصفقة العقارات الأولمبية بالإضافة إلى الأراضي. وتبحث الهيئة عن أعلى العروض وأفضلها من ناحية الإدارة والالتزام بعيد المدى.

وقال الرئيس التنفيذي للهيئة ديفيد هيغينز للصحافيين إن نوعية اللائحة المتقدمة للعطاء تعد بمثابة تصويت بالثقة في نوعية عقارات القرية الأولمبية. وهو يرى أن تقدم هذه الشركات العالمية لإدارة وتطوير نصف القرية الأولمبية يعد بأن يكون أقوى تراث تتركه القرية الأولمبية بعد انتهاء الدورة في عام 2012.

وأكد هيغينز أن الأمر لا يتعلق فقط بتقديم أفضل عروض الشراء من الناحية المالية، وإنما أيضا بوجود الخبرة والحرفة لإدارة عقارات القرية للمدى البعيد. وتقدر قيمة الصفقة بما يزيد على 500 مليون إسترليني (775 مليون دولار). ويريد هيغينز أن يرى تطوير أحياء كاملة وتقديم الخدمات لها لكي توفر أفضل الخدمات المعيشية للسكان والكثير من خيارات المعيشة لجميع الفئات الاجتماعية، على حد قوله.

وأضاف هيغينز أن نوعية المنطقة من الناحية العقارية تم تأكيدها مع إتمام صفقة أخرى من «كونسورتيوم هولندي - كندي» بدفع مبلغ 870 مليون إسترليني (1.3 مليار دولار) لشراء مجمع تجاري في منطقة ستراتفورد اسمه «ويستفيلد»، وهو أكبر مجمع من نوعه في أوروبا.

وسوف يتم إرسال تفاصيل كاملة عن المعلومات التي يجب تضمينها في العطاءات إلى لائحة الشركات المختارة في بداية العام الجديد، ويتعين عليها أن تتقدم بعطاءات مفصلة عن قيمة عروضها وأفكار التطوير المقترحة في ربيع عام 2011. ومن المقرر أن يتم منح العطاء إلى الشركة أو المجموعة الناجحة في صيف عام 2011 بعد فترة تقييم كل العروض. وسوف يتحتم أن توافق الحكومة البريطانية على الصفقة قبل اعتمادها للتأكد من أنها تمثل أفضل قيمة للاستثمار في القرية الأولمبية. وتعود العوائد من الصفقة للخزانة البريطانية لصالح الميزانية العامة لدافعي الضرائب.

هذا وتتكون الصفقة من عدة عناصر أهمها:

1439 عقارا موزعة على 11 قطعة أرض تشمل مساكن بمساحات مفتوحة تتراوح بين شقق استوديو ومنازل مكونة من 4 و5 غرف.

مساكن جديدة مبنية حول مساحة مركزية شاغرة وطابق كامل لصف السيارات.

مجموعة من المساكن البيئية المصممة على أحدث وسائل الحفاظ على البيئة واستخدام المواد الطبيعية.

يتم استكمال كافة المنشآت قبل بداية الدورة الأولمبية في عام 2012، مع بعض التجهيزات الأخرى مثل تركيب مطابخ وذلك بعد نهاية الدورة الأولمبية. وسوف تكون العقارات جاهزة للسكن في فترات مختلفة تبدأ في عام 2013.

تضم الصفقة كذلك 6 قطع من الأراضي الشاغرة التي صدرت لها بالفعل تراخيص بناء، ويمكن بناء عقارات تجارية عليها للبيع المباشر إلى السوق، بعدد يتراوح بين 2000 و2500 عقار.

تساهم الكثير من الحدائق العامة والمناطق المفتوحة، تبلغ مساحاتها 10 هكتارات، في تعزيز قيمة العقارات في المنطقة. كما تقام في المنطقة أكاديمية علمية لنحو 1800 طالب بأعمار مختلفة تبدأ من ثلاث سنوات وحتى 19 عاما. وتضم المنطقة أيضا مركزا صحيا بعدد كبير من العيادات الطبية التي تتبع هيئة التأمين الصحي البريطانية.

هذا وقد بدأت بالفعل عمليات البناء في القرية الأولمبية منذ شهر يونيو (حزيران) 2008، وتم استكمال ما يقرب من ثلاثة أرباع المناطق السكنية في القرية الأولمبية. كما شارفت الأكاديمية على الانتهاء، وبدأت أعمال الإنشاءات في المركز الصحي والحدائق العامة. ومن المقرر أن تنتهي كافة منشآت القرية الأولمبية في بداية عام 2012. وسوف توفر القرية الأولمبية مساكن لنحو 17 ألف مشارك ومشاركة في الدورة الأولمبية من بين رياضيين ومنظمين للدورة.

مما يذكر أن القرية الأولمبية كان مقررا لها أن تكون مشروعا خاصا من البداية، ولكن الأزمة المالية حتمت أن تدخل الحكومة، من خلال هيئة المنشآت الأولمبية البريطانية، لكي تتكفل بأعمال البناء والإنشاء. وعلى الرغم من تقدم الكثير من الشركات العالمية والبريطانية للمنافسة على شراء نصف القرية الأولمبية فإن تركيز الإعلام البريطاني كان على العرض القطري، مع شبه قناعة أن العطاء لن يخرج عن نطاق شركة «ديار» المعروف عنها أنها تعرض أعلى الأسعار فيما ترغب في اقتنائه من عقار.

من العوامل التي تلعب في صالح العرض القطري أيضا أن المساحات الشاغرة من الأراضي المتضمنة في الصفقة سوف تحتاج إلى استثمار مكثف وباهظ التكلفة من أجل إنشاء ما يزيد على ألفي وحدة سكنية إضافية وإدارتها. ولا تستطيع أي من الشركات المتقدمة للعرض من منافسة موارد وسمعة شركة «ديار» في هذا المجال، خصوصا أن لها سجلا طويلا في المقتنيات ذات النوعية العالية والمشاريع التي تستكملها حاليا، خصوصا في العاصمة لندن.

* محفظة قطر الاستثمارية في لندن وحدها تفوق الـ10 مليارات إسترليني أهمها ثكنات تشيلسي وهارودز ومبنى هايد بارك

* بينما تختلف التقديرات العامة على قيمة استثمار قطر العقاري في بريطانيا، تجمع عدة مصادر صحافية على أن هذا الاستثمار في لندن يفوق العشرة مليارات إسترليني (15.5 مليار دولار). وهناك بعض الاستثمارات التي لم تعلن لها قيمة بعد، مثل مبنى السفارة الأميركية في حي المايفير، بينما أعلنت قيمة الاستثمارات الأخرى التي تتراوح بين ثكنات الجيش الإنجليزي السابقة في حي تشيلسي ومحلات هارودز ومبنى «وان هايد بارك».

ويعد مشروع ثكنات تشيلسي أكبر الصفقات حجما، وهو مشروع بلغ فيه ثمن الأرض وحدها ما يقارب المليار إسترليني (1.55 مليار دولار)، وتم شراء الأرض في ذروة الفقاعة العقارية في بريطانيا. وبعد تصميم المشروع والتقدم للحصول على ترخيص البناء، اعترض الأمير تشارلز على التصميمات مما أثار ضجة إعلامية صاخبة، خصوصا عندما سحبت الشركة القطرية المشروع وأعادت تصميمه من جديد، الأمر الذي أثار استياء مصمم المشروع الأصلي، اللورد روغرز، من تدخل الأمير تشارلز في مشروع تجاري، واتهمه بأنه أجرى اتصالات عالية المستوى لوقف المشروع. ومن المقرر أن يتكلف المشروع قيمة أعلى من قيمة الأرض لكي يفوق الثلاثة مليارات إسترليني عند اكتماله ليكون بذلك أكبر مشاريع قطر في بريطانيا.

كما اشترت مجموعة «قطر هولدنغز» محلات «هارودز» من رجل الأعمال المصري محمد الفايد في صفقة حجمها 1.5 مليار إسترليني (2.3 مليار دولار). وكان الفايد قد رفض من قبل الكثير من عروض الشراء إلى درجة أنه أعلن أنه سوف يموت ويدفن في «هارودز»! أما مبنى «وان هايد بارك» فهو أشهر المشاريع القطرية لأنه يدخل باستثمار مجمعات الشقق العقارية آفاقا لم تبلغها من قبل، بشقق لا تقل قيمة كل منها عن 10 ملايين إسترليني (15.5 مليون دولار) وبتجهيزات كانت تعد حتى وقت قريب من ضرب الخيال. وبيعت معظم وحدات «وان هايد بارك» حتى أثناء فترة الكساد العقاري، وكان معظم المشترين من الأثرياء الأجانب الذين يرغبون في وجود موطئ قدم لهم في لندن.

وهناك الكثير من المشاريع الأخرى التي تدخل فيها مجموعة «قطر هولدنغز» أو شركة «ديار» شريكا في الاستثمار، مثل مشروع ناطحة سحاب مدببة على شكل شظية زجاجية، يطلق عليها اسم «شارد أوف غلاس»، وهي ناطحة ستكون الأولى في أوروبا التي تخترق حاجز الألف قدم ارتفاعا، ويملك القطريون 80 في المائة منها. ويكتمل هذا المشروع في عام 2012.

ويجري العمل في شرق لندن على بناية أخرى بارتفاع 800 قدم عنوانها هو «رقم واحد كندا سكوير»، وهي الأعلى في منطقة كناري وارف، ويملك صندوق «قطر هولدنغز» حصة الأغلبية فيها.

ويساهم الاستثمار القطري كذلك في مشاريع أخرى منها حصة 20 في المائة من شركة «تشيلسفيلد» العقارية، التي تنفذ بعض أكبر مشاريع لندن العقارية من تطوير سوق كامدن إلى إعادة تجهيز مبنى معهد الكومنولث سابقا الذي يطل على شارع كنزنغتون الرئيسي. وينوه الإعلام البريطاني دوما بأن القطريين يملكون ربع شركة «سينزبري» للسوبر ماركت وحصة كبيرة في بنك باركليز، بالإضافة إلى حصة في بورصة لندن التي تعمل كشركة مساهمة.

وتنظر أوساط العقار البريطانية ببعض الفضول، ومن دون هجوم أو تهكم، إلى الاهتمام القطري بلندن والاقتصاد البريطاني بوجه عام وتعزو السبب إلى موقع لندن كمركز أعمال وعقار دولي. ولا تنسى الأوساط الإعلامية الإشارة إلى حجم قطر الصغير وتعدادها الذي تقول عنه إنه يماثل تعداد مدينة برمنغهام.

وتعترف هذه الأوساط أنه خلال فترة الكساد الحالية التي اختفى فيها المصرفيون من على الساحة، استطاع الاستثمار القطري إنقاذ الكثير من المشاريع التي كانت مشرفة على الانهيار أو كان من الصعب لها أن تتبلور من رسوم هندسية إلى مشاريع واقعية.

ويشرف على انتقاء المشاريع القطرية في لندن وإدارتها فريق بريطاني يرأسه جون والاس، مدير الاستثمار العقاري السابق في «بنك أوف سكوتلاند» ويساعده جيريمي تيتشن الذي كان يعمل في شركة استثمارية اسمها «كلايمت تشانس كابيتال». وتطلق الأوساط العقارية على الاثنين لفظ «والاس وغروميت» وهو اسم لمسلسل فكاهي كارتوني. وتعتقد الأوساط العقارية أن القرارات الحيوية بشأن الاستثمار العقاري لا تتخذ في لندن وإنما في الدوحة.

وتقول شركة «ديار» العقارية القطرية التي حققت صفقة شراء مبنى السفارة الأميركية في لندن، إن مجموع استثماراتها البريطانية يصل الآن إلى نحو 3 مليارات إسترليني، ولكنها تريد الوصول بها إلى نحو 5 مليارات إسترليني. ويقال إن رئيس شركة «ديار» في قطر، غانم بن سعد السعد، هو الذي أمر بإلغاء تصميم اللورد روغرز لمشروع تشيلسي في شهر مايو (أيار) الماضي. وقال وقتها إن الشركة تحترم ديمقراطية اتخاذ القرار في بريطانيا وتحترم الأمير تشارلز وعمدة لندن وتريد حلا يرضي الجميع. وانقسم الإعلام البريطاني وقتها بين مؤيد ومعارض. من المعروف أن مصدر الاستثمار الأصلي في العقارات الدولية هو صندوق الاستثمار القطري السيادي الذي يقع ترتيبه عالميا في المركز الـ12 بعد صناديق من أبوظبي والسعودية والكويت، وفق تصنيف المعهد الدولي للصناديق السيادية. ولكن المعهد يضيف أن الشفافية شبه معدومة في الصندوق القطري حيث يمنحه درجة واحد من 10 في الشفافية. ويدرس الصندوق حاليا إمكانية الانضمام إلى ما يسمى «كود ووكر» للشفافية والإفصاح عن الاستثمار في بريطانيا. ويقدم الاستشارات المالية والاستثمارية للصندوق بنك كريدي سويس السويسري.