قطاع الإسكان الأميركي لا يزال يعاني من آثار الأزمة المالية

الأسعار انخفضت خلال الشهر الماضي عند أدنى مستوى لها منذ 2004

TT

واصلت معدلات مبيعات المنازل الأميركية تباطؤها في الوقت الذي سجلت فيه خلال فبراير (شباط) المنصرم مبيعات تقدر بنحو 250 ألف منزل، مقارنة بـ301 ألف منزل في يناير (كانون الثاني) 2011، بمعدل هبوط اقتربت نسبته من 17 في المائة.

وتأتي تلك البيانات مؤكدة أن قطاع الإسكان في الولايات المتحدة الأميركية لا يزال يعاني من آثار الأزمة المالية، التي دفعت الاقتصاد الأميركي إلى الركود منذ 2008، وسجل متوسط أسعار المنازل الأميركية 186 ألف دولار خلال فبراير، بمعدل يعد أدنى مستوى منذ 2004، طبقا لبيانات الوكالة الفيدرالية لتمويل الإسكان.

وأكد لورانس ياو كبير اقتصاديي جمعية سماسرة العقار الوطنية أن استمرار هبوط أسعار المنازل الأميركية سيشكل انكماشا لتوقعات الجمعية بتحسن الوضع في المستقبل.

وتشير الأرقام الأخيرة إلى هبوط أسعار المنازل الأميركية في 11 مدينة أميركية بنحو 17 في المائة، مقارنة بمستويات أسعار المنازل في أبريل (نيسان) 2007، حسب استطلاع الوكالة الفيدرالية لتمويل الإسكان.

وشكلت ولايات كاليفورنيا، وفولوريدا، ونيفادا، وأريزونا، المواقع الأكثر تأثرا بهبوط أسعار المنازل، وساهم هذا الهبوط في خفض مستويات الدخل لدى الأفراد، الذين يعتمدون على تلك المنازل، كأصول مالية قابلة للرهن، من شأنها أن تساعد على تمويل غايات استهلاكية.

وعاد هبوط أسعار المنازل بخسائر جسيمة، تصل إلى 650 مليار دولار للأفراد والمؤسسات في الربع الأخير من العام المنصرم 2010 حسب مؤشر كيسشيلير.

ويعد الهبوط في أسعار المنازل بمثابة الدافع للكثير من الذين قاموا بتقديم طلبات رهن العقارات إلى سحب طلباتهم، تخوفا من استمرار هبوط أسعار المنازل في الفترة المقبلة، والذي يشكل ضعفا في معدلات الطلب على قطاع العقار الأميركي.

وشكل الضعف في طلبات شراء المنازل الأميركية، الذي يتزامن مع ارتفاع عدد المنازل التي احتجزت من قبل المؤسسات المالية والمصارف، بعد تعثر قاطنيها عن سداد مستحقات القروض التي حصلوا عليها مقابل رهن تلك المنازل، أمرا مساهما في زيادة معدلات الحجز على المنازل، بنسبة تقترب من 20 في المائة، مما أدى إلى ارتفاع فائض المنازل المعروضة للبيع في أسواق العقار الأميركية.

ودفعت مستجدات الحجز على المنازل الأميركية تيموثي غيتنر وزير الخزانة الأميركي إلى المطالبة بعقد اتفاقية بين الحكومة الأميركية والمصارف، للحيلولة دون استمرار عمليات الحجز على المنازل، إلى دفع قطاع الإسكان إلى حافة الهاوية.

وتأتي جهود وزير الخزانة الأميركي وسط محاولات لمجموعة من 50 مستشارا يعملون لدى جهات الادعاء العام في عدة ولايات، بهدف إقامة دعاوى قضائية ضد ممارسات وصفت بالتعسفية، تمارسها المصارف الأميركية على عقود الرهن العقاري، للكثير من الأفراد الذين تقدموا بشكاوى كثيرة للتحكيم، في خلافات طرأت بين الأفراد والبنوك، على سداد القروض، في أعقاب هبوط أسعار المنازل المرهونة.

وحاول الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دفع معدلات الفائدة المنخفضة جدا، لتحفيز معدلات شراء المنازل، عبر تيسير شروط إعادة تمويل قروض الرهن العقاري، والتي بدورها تعد محاولة لتعزيز أسعار المنازل الأميركية، إلا أن تلك المحاولة ما زالت مخيبة للآمال، نتيجة استمرار هبوط في أسعار المنازل الأميركية منذ أبريل 2007.

وعبّر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في تصريحات تلت اجتماع جمع أعضائه الأسبوع الماضي عن توقعه تشكيل أرضية صلبة لنمو الاقتصاد الأميركي، إلا أنه أشار إلى أن قطاع الإسكان ما زال في حالة كساد.

ولم يخفِ برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي قلقه من التطورات الأخيرة في قطاع الإسكان، حيث أفاد بأن الكثير من طلبات المنازل تواجه صعوبة في إيجاد تمويل مناسب، وسط استمرار هبوط أسعار المنازل.

وأشار برنانكي إلى أن قطاع البناء يواجه شحا في طلبات بناء المنازل الجديدة، مما يضفي انكماشا لقطاعات أخرى، بسبب تدهور قطاع الإسكان.

وحسب بيانات لوزارة التجارة الأميركية فإن طلبات البناء سجلت هبوطا بنحو 10 في المائة، مقارنة بشهر مارس (آذار) من العام الماضي، والذي يعد هبوطا قاسيا، لم يشهده قطاع البناء منذ أبريل 2009.

ومن الملاحظ أن بيانات قطاع الإسكان تأثرت بشكل كبير من تدهور سوق العمل الأميركية، حيث شكل ارتفاع مستويات البطالة إلى 9 في المائة ضغوطا سلبية على تدفق السيولة النقدية في ذات القطاع، الذي يعتمد بصورة كبيرة على طلبات تمويل شراء المنازل الأميركية.

وقامت أسواق الرهن العقاري بتقديم ما يصل إلى 10 تريليونات دولار، لإقراض المستهلك وتغذية معدلات الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة، وهو ما يفسر أهمية قطاع الإسكان، كأحد موارد الدخل لتمويل الإنفاق الاستهلاكي للفرد، والذي يقدر ببساطة بنحو ثلثي الإنفاق العام في الاقتصاد الأميركي.

ومن المهم دراسة سلوكيات المستهلك في أكبر اقتصادات العالم، ومعرفة الموارد التي يستطيع فيها المستهلك الحصول على تمويل، لإبقاء معدل الاستهلاك على درجة من (الثبات أو الارتفاع) لتحقيق أهداف النمو الاقتصادي، على اعتبار أحد أهم موارد المستهلك الأميركي لا يتجاوز الراتب الشهري الذي يتقاضاه، الذي يتطاير مع معدلات الاستهلاك المستهدفة، وعندما يصعب على المستهلك أن يطبق بعض السلوكيات لزيادة معدل الاستهلاك المستهدف من قبل الشركات، تقوم بعض المصارف بالإقراض من خلال تقييم الدخل المالي للمستهلك، ومن ثم قياس نسبة المخاطرة الناجمة عن إقراضه.

وفي حين تكون معدلات الاستهلاك أقل مما تود الشركات، تسعى مصارف كثيرة لغلق الفجوة بين معدلات الاستهلاك الحالية والمعدلات المستهدفة عن طريق الإقراض.

والجديد في هذا كله أن الكثير من المستهلكين قاموا برهن عقاراتهم للحصول على التمويل الذي يحقق معدلات الاستهلاك المستهدفة، بالإضافة إلى القروض التي يدينون بها لصناعة بطاقات الائتمان، وبالتالي فإن فرصة الحصول على قروض أخرى تصبح نوعا ما صعبة، خصوصا إذا أظهر سجل بيانات المستهلك عدم انتظام السداد والذي يقاس أداؤه بنقاط تسمى «Credit Score».

ومن هذه الزاوية بدأت بعض الشركات والمصارف باستهداف ذوي التقييم المالي الضعيف، مع رفع معدل الفائدة مقابل الإقراض لارتفاع مخاطر عدم السداد وارتفاع كلفة تحصيل المديونية، وهذا ما يسمى «Subprime Market»، بل زادت الرسوم المفروضة على طلبات الإقراض، مع عدم توافر مصدر آخر للإقراض بالنسبة للمستهلك.

وعلى نحو متوقع، ارتفعت تكاليف الإقراض مع تزايد كلفة الحملات التسويقية التي تزامنت مع ارتفاع عدد طلبات الإقراض المرفوضة، والتي أصابت ذلك القطاع بتباطؤ تراقبه الأسواق عن كثب.