العرب يقودون «الغزو الأجنبي» لسوق العقارات البريطانية

ارتفاع الطلب على عقارات لندن الفاخرة التي يتعدى سعرها 8 ملايين دولار

جانب من العاصمة البريطانية، لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أظهرت الإحصاءات والأرقام الأخيرة، تراجع النمو الفصلي في وسط العاصمة البريطانية، لندن، وزيادة معدل العقارات المتوفرة في الأسواق للبيع. ويبدو أن هذا النمو قد تراجع فعلا في الربع الأخير من العام الماضي وخصوصا في المناطق التي يشملها المؤشر الخاص بوسط لندن مثل مناطق تشيلسي الغالية الثمن والمعروفة وبيت الثري الروسي وصاحب نادي تشيلسي رومان إبراموفيتش المعروف بالإضافة إلى سانت جونس وود وماي فير ونايتس بريدج وكينزينغتون وهايد بارك وغيرها.

ويشمل المؤشر عادة المناطق الوسطى في العاصمة ومناطق الجنوب الغربي والمناطق الشمالية والشرقية الفاخرة. وتقول الأرقام الأخيرة لهذا المؤشر، إنه رغم التحسن الذي طرأ على النمو خلال الربع الأول من العام الحالي 2011، الذي كانت نسبته نحو 2 في المائة إيجابا، فإن هذه النسبة لم تتعد الـ0.2 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي 2010.

وكانت هذه المناطق، والمناطق الفاخرة بشكل خاص، قد عاكست التيار والتراجع الذي تعرضت له أسعار العقارات السكنية في بريطانيا والعاصمة، لندن، بشكل لم يسبق له مثيل خلال العامين الماضيين. وواصلت هذه المناطق نموها الكبير على عكس باقي القطاعات السكنية بسبب الطلب العالي على العقارات الفاخرة في لندن من الداخل والخارج وبسبب النقص الكبير في العقارات المتوفرة في الأسواق. ولهذا يأتي التراجع الأخير، حسب المؤشر، مفاجئا بعد سنوات طويلة من النمو الكبير.

كما يبدو أيضا أن سبب التراجع الأخير في النمو هو تراجع شعبية العقارات الفاخرة أو الشقق الفاخرة بشكل خاص بالنسبة للأغنياء، وتركيز الكثيرين من هؤلاء الأغنياء الأجانب على العقارات التي يتعدى سعرها الـ5 ملايين جنيه (8 ملايين دولار تقريبا). وكان التركيز العام الماضي ينصب على العقارات التي يتعدى سعرها الـ3 ملايين جنيه (5 ملايين دولار تقريبا) حسب ما تؤكده صفقات العقار التي أجرتها مؤسسة «سافيلز» في العاصمة لندن العام الماضي والعام الحالي. وهذا يؤكد مرة أخرى أيضا أن العاصمة لا تزال من أهم المناطق العقارية التي تجذب الأغنياء من جميع مناطق العالم، وخصوصا الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى أغنياء ألمانيا وآيرلندا وروسيا والولايات المتحدة. وقد شجع على ذلك بالطبع تراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني أمام العملات الأجنبية منذ أكثر من 3 سنوات أي منذ عام 2008. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية أيضا في عدم وصول التراجع إلى الحضيض واستعادته أنفاسه وعودته إلى الـ2 في المائة بعد أن كاد يصل إلى 0.2 في المائة العام الماضي، أي فترة من الركود أو الكساد على صعيد الأسعار.

ويظهر المؤشر أن التغيير الذي طرأ على نوعية الأجانب والمستثمرين من الخارج وطبيعتهم كان وراء التغيير في نسب النمو من العام الماضي حتى نهاية الربع الأول من هذا العام. ففي الربع الأخير من العام الماضي كان معظم المستثمرين من المتعاملين في اليورو وجاءوا إلى لندن لشراء العقارات الفاخرة على خلفية قوة اليورو في سوق الصرف. أما في الربع الأول من هذا العام فكان معظم المستثمرين الأغنياء الذين جاءوا إلى لندن لشراء العقارات الفاخرة فكانوا من منطقة الشرق الأوسط وروسيا، وعلى خلفية ارتفاع أسعار النفط وكذلك على خلفية الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط.

ولا شك أن عدم الاستقرار في الأسواق العالمية خلال السنوات القليلة الماضية وعلى الكثير من الصعد منذ أزمة الائتمان الدولية عام 2007 أسهم بشكل كبير في الغزو الأجنبي على عقارات لندن الفاخرة التي عادة ما تتمتع سوقها باستقرار أهم وأكبر بكثير من استقرار بقية الأسواق والعواصم. ويمكن الإضافة إلى ذلك موقع لندن المالي على الساحة الدولية الذي لا يمكن استبداله أو مقارعته فهي تضم إلى جانب الجامعات الهامة أهم المراكز المالية في العالم وأهم البنوك والمؤسسات المالية والتأمينية وغيرها من نخبة الشركات وصناديق التحوط والاستثمار.

ومع هذا لا يزال من الصعب معرفة وجهة الأسواق الفاخرة في العاصمة لندن، وما إذا كان النمو الحاصل حاليا سيتواصل، إذ يتوقع أن تنتهي فترة الإعفاء الضريبي المحدود، وأن يرتفع عدد العقارات المتوفرة في الأسواق للبيع على ما كان في السابق.

وعلى الرغم من هذا الحذر من المستقبل القريب، فإن الكثير من المؤشرات يؤكد أن العاصمة المستقرة لا تزال من أهم المحطات الدولية للعقار الفاخر بالنسبة لأغنياء العالم، ولا يزال الكثير من الأغنياء يعاملون أصولها العقارية أهم من الأصول الأخرى ويطمئنون إليها أكثر من العملات والتعامل في أسواق الأسهم.

وتشير الأرقام الأخيرة لمؤشر وسط لندن إلى أن أداء المنازل والبيوت والعقارات الكبيرة يظل أفضل من غيرها من العقارات، وخصوصا الشقق الفاخرة، فالمنازل أو القصور الصغيرة لا تزال تحافظ على أسعارها وتنمو بشكل أو بآخر كما كانت أيام الطفرة العقارية في عام 2007 ونمت في الربع الأول من هذا العام بنسبة لا تقل عن 4 في المائة على عكس الشقق التي لم تسجل نموا يتعدى الـ1.6 في المائة. وبشكل عام لا تزال العقارات الكبيرة أو المنازل تحافظ على أسعارها القديمة بينما تراجعت أسعار الشقق بنسبة لا تقل عن 10 في المائة نسبة إلى ما كانت عليه أيام الطفرة.

ولهذا السبب بالذات، نرى تفاوتا في النمو بين معظم مناطق العاصمة ووسطها، ففي المناطق التي تقل فيها نسبة العقارات المتوفرة في الأسواق، ترتفع فيها نسب النمو مثلما هو الحال حاليا في هولاند بارك وكينزينغتون وغيرها مثلا، التي سجلت نموا في الربع الأول من هذا العام بنسبة لا تقل عن 4 في المائة.

بأي حال، فإن التركيز حاليا أيضا ينكب على العقارات الغالية جدا التي يتعدى سعرها المليوني جنيه، أو بكلام آخر التي يتراوح سعرها بين مليوني جنيه (3.3 مليون دولار تقريبا) و15 مليون جنيه (24 مليون دولار تقريبا). كما أن المستثمرين المحليين أو البريطانيين، وجلهم من العاملين في الوسط المالي وعالم التأمين، لا يزالون يركزون في بحثهم عن العقارات الفاخرة في المناطق الإنجليزية التقليدية في العامة وبعضها في الجنوب والغرب (ووندزوورث وفولهام وباتني) وبعضها الآخر في الشمال (ايزلينغتن وهامبستيد). ومنذ سنوات طويلة يقل عدد العقارات الفاخرة والتقليدية في هذه المناطق ومناطق أخرى ويصبح أكثر ندرة، بسبب قلة الأراضي الشاغرة وقلة عدد العقارات الجديدة والمبنية بالطرق التقليدية. أما الأجانب، وجلهم من مناطق الشرق الأوسط وروسيا وأميركا وألمانيا والصين وغيرها، فيركزون على مناطق قريبة من ويست مينستر والوسط المالي والأسواق الفاخرة مثل تشيلسي ونايتس بريدج وماي فير وبلغارافيا والمناطق المحيطة بقصر باكنغهام.

وأظهرت آخر الأبحاث الخاصة بعقارات العاصمة لندن، أيضا، أن عدد العقارات المتوفرة في وسط لندن أو مخزونها من العقارات تراجع بنسبة 60 في المائة عما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. والأهم من ذلك أن هذا المخزون تراجع بنسبة لا تقل عن 95 في المائة نسبة إلى ما كان عليه نهاية الطفرة العقارية قبل 3 سنوات 2008. ويبدو أن ذلك يعود في معظمه إلى تردد أصحاب العقارات في وسط لندن في بيعها وتركها في ظل غياب أي بديل مناسب في العاصمة على خلفية الأوضاع الاقتصادية الحالية. ولهذا السبب أيضا تشهد منطقة بيملكو هجوما كبيرا من الباحثين عن العقارات في وسط العاصمة والعاجزين عن إيجادها في بقية المناطق، ومع اشتداد التنافس بين المشترين على عقار ينزل إلى الأسواق، إذ إن عدد الباحثين عن عقارات لندن ووسطها بشكل خاص لا يزال أعلى من عدد العقارات المتوفرة.

ويتم التركيز حاليا على عقارات بيملكو العائلية لرخصها نسبة إلى بقية المناطق.

ويتراوح سعر المتر المربع في المنطقة حاليا، وبسبب الطلب الكبير، بين 750 جنيها (1200 دولار تقريبا) و1000 جنيه (1600 دولار تقريبا)، وهذا تقريبا نصف سعر المتر المربع في المناطق المجاورة والمعروفة مثل بلغارافيا.

فالمنزل العائلي الذي يصل سعره في بيملكو إلى 5 ملايين جنيه لا يمكن العثور عليه في بقية المناطق في وسط المدينة بأقل من 10 ملايين جنيه (16 مليون دولار تقريبا). ويتركز الهجوم على منطقة بيملكو القريبة من متحف التيت الدولي المعروف وقريبة من نهر التيمس ولها محطتها الخاصة للمترو وقريبة من ويست مينيستر أيضا التي تحتضن مجلس العموم، من قبل المحامين والعاملين في الوسط المالي والمحترفين ورجال الأعمال الصغار والناجحين.