موسم الفرص العقارية الرخيصة في البرتغال

الدولة على حافة الإفلاس والعقارات في أدنى مستوياتها

جانب من مدينة ألغارف السياحية الشهيرة في البرتغال
TT

الفرص العقارية المتاحة في البرتغال حاليا لن تتكرر في المستقبل، على حد قول شركات العقار فيها، حيث تواجه البرتغال أكبر أزمة اقتصادية تعصف بالحكومة، مع تدن في القيم العقارية بنسبة 30 في المائة على الأقل. وعلى عكس المتوقع، فإن القطاع العقاري البرتغالي يبدو منتعشا هذه الأيام بالمقارنة مع كافة قطاعات الاقتصاد البرتغالي الأخرى. والسبب هو الوتيرة المتسارعة لصفقات البيع والشراء التي أفرزتها الأسعار المتدنية.

وكانت الأزمة البرتغالية قد ظهرت إعلاميا في الشهر الماضي عندما رفض برلمانها ميزانية التقشف التي قدمتها الحكومة، مما أجبر رئيس الوزراء خوزيه سقراطيس على الاستقالة. وتحولت الأزمة برمتها إلى الاتحاد الأوروبي لكي يدبر قرض إنقاذ للبرتغال للحفاظ على استقرار منطقة اليورو على غرار ما سبق أن فعله مع اليونان في العام الماضي.

وتم رفع ميزانية الإنقاذ المالي لمنطقة اليورو إلى 440 مليار يورو بدلا من 250 مليارا والاتفاق على تبني نظام مالي جديد بداية من عام 2013 يسمى «آلية الاستقرار الأوروبية». وتنعكس عملية الإنقاذ الأوروبي سلبا على البرتغال، وأقبلت وكالة تقييم الملاءة «فيتش» على خفض درجة البرتغال من «A+» إلى «A-».

وانعكس الوضع الاقتصادي المتردي في البرتغال على قطاع العقار فيها الذي تراجع بنسبة النصف. ويقول ميغيل بواسون رئيس شركة «ايرا» العقارية البرتغالية إن صفقات العقار التي تجري حاليا هي أقل من نصف ما كان يجري منذ عشر سنوات. ومع ذلك، فهو يؤكد أن الأزمة الاقتصادية انعكست إيجابا على نشاط شركته التي زادت مبيعاتها من العقار الرخيص هذا العام بنسبة 30 في المائة عما كانت عليه في العام الماضي. وأكد بواسون أن شركته باعت عقارات في العام الماضي بنحو 1.5 مليار يورو، وسجلت نحو 12 ألف صفقة عقارية.

وأشار إلى أن السوق لا تزال متخمة بالعقارات غير المباعة التي قدر حجمها بنحو 350 ألف عقار. ويحاول أصحاب هذه العقارات بيعها مباشرة بلا وسيط، ولكنهم في النهاية يلجأون إلى شركات العقارات المحترفة لكي تساعدهم في المهمة.

وهو يقدر أن عقارين من كل ثلاثة في البرتغال يتم تسويقهما من قبل شركات عقار محترفة، مقارنة بعقار من كل ثلاثة في السنوات الماضية. وهو يشير إلى أن عنق الزجاجة في الأسواق حاليا هو عدم القدرة على الاقتراض؛ الأمر الذي دفع الشركة إلى إجراء مفاوضات مع البنوك لكي تمد زبائن الشركة بقروض ضمن مجموعة ضمانات تشترك فيها الشركة مع العملاء.

وتعد شركة «ايرا» أكبر شركات العقار في البرتغال على الإطلاق، ويمكن النظر إليها كترمومتر سوق العقار البرتغالية. وتفتتح الشركة هذا العام 22 فرعا جديدا علاوة على 200 فرع تملكها في أنحاء البرتغال ويعمل فيها 2200 موظف. وتقول الشركة إنها عينت 602 من الموظفين في العام الماضي وسوف تزيد العدد بنحو 400 آخرين هذا العام. وتعرض الشركة للبيع نحو 145 ألف عقار برتغالي، وهو ما يزيد على مجموع ما تعرضه بقية شركات البرتغال مجتمعة. وهي تتوقع زيادة في أرباح عملياتها هذه العام بنسبة أعلى من 10 في المائة.

ويقول لويس ليما رئيس هيئة شركات العقار البرتغالية إن قطاع العقار في البرتغال يسير عكس التيار ويواصل انتعاشه بسبب تدني الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

وتقول شركات العقار في مدينة برايا دالوز، في منطقة ألغارف أن معظم مستثمري العقار في المنطقة هم من المترددين عليها الذين يعرفون تماما مزاياها وجوانب المناخ الجيد فيها. وبعضهم يشتري العقار من أجل الاستقرار في المنطقة وبداية نشاط تجاري أو مهني، والبعض الآخر يشتري عقارات ثانية يقيم فيها أثناء العطلات على فترات مختلفة من العام. وتقدم المنطقة مزايا الجمال الطبيعي ونظافة البيئة والشاطئ الهادئ بعيدا عن التيارات البحرية التي تنتشر في منتجعات البرتغال الغربية المطلة على المحيط الأطلنطي.

ولا تبعد المنطقة أكثر من ساعة عن المطار المحلي في مدينة فارو عاصمة الإقليم، وتصلح تماما لعطلات العائلات. ويتحدث أهل الجنوب البرتغالي اللغة الإنجليزية بفضل اعتماد المنطقة على السياحة ووجود جالية كبيرة من السياح والمقيمين الإنجليز.

وتقول شركة «سادلر» العقارية في بلدة لاغوش القريبة، وهي شركة مرتبطة بشركة «نايت فرانك» البريطانية المشهورة، إنها تتخصص في عرض العقارات على المستثمرين الأجانب المهتمين بالمنطقة. وتؤكد الشركة أن وتيرة البيع والشراء ازدادت في الآونة الأخيرة خصوصا من المشترين الإنجليز على رغم من انخفاض الجنيه الإسترليني.

وتتراوح الأسعار في برايا دالوز بين 200 ألف و450 ألف يورو للشقق، وما بين نصف مليون ومليوني يورو للفيلات، وفقا للمساحة والموقع والتشطيبات الداخلية. وتشير الشركات إلى أن المدارس الأجنبية في المنطقة مليئة بكامل طاقتها بالأطفال غير البرتغاليين الذين يعمل أهلوهم في صناعة السياحة المحلية. أما شركات تطوير المشاريع العقارية فقد أوقفت حملات التسويق المكثف لمشروعاتها الجديدة، وهي تركز على جوانب الحفاظ على البيئة المتضمنة في المشروعات الجديدة.

في منطقة الجنوب الشرقي التي تعرف باسم شرق ألغارف، وبالقرب من الحدود الإسبانية، زاد أيضا النشاط السياحي في المنطقة التي ينساب المرور فيها بين البرتغال وإسبانيا. وفي الماضي كانت طوابير السيارات والمشاة تزدحم عند مداخل الجمارك والجوازات. ولكن انضمام الدولتين إلى الاتحاد الأوروبي ألغى الحدود تقريبا بحيث لا يشعر السائق على الطريق بالنقطة التي تصبح فيها البرتغال إسبانيا أو العكس بالعكس. ولكن تبقى بعض الفروق البسيطة في أسلوب العمارة وفي ضرائب المبيعات التي تجعل البرتغاليين يشترون من إسبانيا والإسبان يقبلون على الصناعات اليدوية البرتغالية.

ولكن في مجال العقار تظهر الفروق شاسعة حيث قرارات الشراء واضحة بين من يريد الاستثمار في البرتغال أو في إسبانيا. وعلى الرغم من القرب الجغرافي، فإن شركات العقارات المتجاورة تسوق لمستثمرين مختلفين، حيث يلجأ البريطانيون من كبار السن إلى الاستثمار في إسبانيا التي فيها جاليات بريطانية أكبر لأنهم يخشون العزلة في البرتغال. وفي حين يبحث بعض المستثمرين عن الزخم السياحي في إسبانيا، يفضل البعض الآخر المناخ الريفي الهادئ في البرتغال.

من ناحية التكلفة، تعتبر العقارات البرتغالية أعلى ثمنا، حيث لا يوجد ضغط سلبي على الأسعار جراء كثافة المشروعات الجديدة. ولكن المقارنة من حيث مساحات العقار تجعل الأسعار متقاربة؛ حيث مساحة العقارات البرتغالية أكبر في العادة من مثيلتها في إسبانيا. ولكن المفارقة في الأسعار تتكرر مرة أخرى داخل الجنوب البرتغالي نفسه حيث توجد منطقة ألغارف. ويشار إلى المنطقة الوسطى من الجنوب البرتغالي الواقعة بين مدينتي فارو، عاصمة الإقليم، ومدينة البوفيرا التي تقع على بعد 30 كيلومترا إلى الغرب منها، على أنها منطقة ألغارف. ولكن المشاريع الحديثة والمد العمراني والسياحي باتجاه الغرب جعل الاسم يمتد حتى مدينة لاغوش التي تبعد هي الأخرى 60 كيلومترا غرب البوفيرا. أما شرق ألغارف فيمتد من مدينة فارو إلى الحدود الإسبانية. وهي منطقة غير معروفة سياحيا وتعتبر الأقل تطورا على الساحل البرتغالي الجنوبي. ويعتبر العديد من سكان المنطقة أن هذا الهدوء هو إحدى مزاياها.

ونظرا للطبيعة الريفية للمنطقة، فإن الأسعار فيها أقل منها في غرب الساحل الجنوبي، ويمكن بمبلغ لا يزيد على 300 ألف يورو شراء قطعة أرض كبيرة لبناء عقار فاخر عليها. وتصعد الأسعار في المنطقة بنحو 15 في المائة سنويا، ويجري العمل حاليا على العديد من المشاريع السياحية الجديدة وملاعب الغولف. وفي حين تقل الأسعار في الشرق عنها في الغرب بنحو 20 في المائة حاليا، فإن هذه الفجوة مرشحة للتلاشي في غضون عدة سنوات مع دخول المشروعات الجديدة إلى الساحل الشرقي. وهكذا تقدر الشركات أن الاستثمار في شرق ألغارف أفضل حاليا من الاستثمار في غربها.

وكان إنشاء الطريق السريع رقم 22 الذي يعبر الحدود إلى إسبانيا ويصل إلى إشبيلية (سيفيل) شرقا، من أهم عوامل الانتباه إلى أهمية منطقة شرق ألغارف وموقعها الاستراتيجي. فالوصول إلى مدينة تافيرا، وهي أكبر المدن شرق ألغارف، لا يزيد على نصف ساعة بالسيارة من مطار فارو. ويقل هذا الزمن عن نصف الرحلة إلى مدينة لاغوش غربا. ويفضل البرتغاليون أنفسهم هدوء منطقة شرق ألغارف، ويشتري أهل المدن الشمالية في مناطق الريف الجنوبي بغرض الاستثمار والسياحة.

وما يزيد من قيمة المنطقة وجود محمية ريا فورموزا الطبيعية غربي فارو ولمسافة 60 كيلومترا. وتم إعلان المحمية الطبيعية في عام 1987 لحماية البيئة ومنع التلوث فيها أو البناء السياحي العشوائي أو تجريف الرمال منها للبناء في مناطق أخرى. وهي توفر أماكن ساحرة لمراقبة الطيور، ويضمن القانون عدم البناء فيها في المستقبل.

وتعتبر مدينة تافيرا هي أهم مدينة شرقي فارو، وهي مدينة تاريخية بناها العرب في الأندلس وما زالت تحوي الكثير من الآثار العربية. وهي تمتاز بنوع أرقى من السياحة وبالبنيات التاريخية التي تطل على الساحل. ويستخدم السياح فيها زوارق للتنقل بين السواحل وبعض الجزر القريبة من الشاطئ.

ويقول خبير عقاري محلي إن الزائر الذي يريد أندية ليلية وملاعب غولف ومناخا سياحيا صاخبا، من الأفضل له أن يبحث عن موقع غير شرق ألغارف، أما الزائر الباحث عن الهدوء والصفاء والمساحات الشاغرة على الساحل وبين العقارات بعضها بعضا، فهذه المنطقة تعتبر نموذجية له. وهو يشير إلى أهمية وجود مساحات الأرض الكبيرة غير المتاحة على الساحل الغربي، فمن الممكن شراء قطعة أرض مساحتها عشرة آلاف متر مربع بسهولة، بينما لا تزيد أكبر قطعة أرض متاحة للبيع بالقرب من لاغوش على 600 متر مريع.

وفي الشمال الشرقي من مدينة تافيرا يجري بناء منتجع غولف على مساحة ألف هكتار من الأراضي الخضراء، وهو يقدم مستويات راقية من الخدمة بأسعار تقل بنحو 25 في المائة عن منتجعات الغولف التي تقع غربي الساحل. وانتقل إلى هذا المنتجع الذي يسمى «مونت راي» العديد من المستثمرين قادمين من منتجعات أخرى.

وسوف يستكمل المنتجع في عام 2012، ويحتوي على ملعبي غولف من تصميم اللاعب جاك نيكلاوس، منهما ملعب افتتح في الصيف الماضي بنجاح. ويضم المنتجع أيضا 900 عقار بأحجام وأسعار مختلفة ما بين شقق وفيلات وشاليهات. ويبلغ متوسط سعر الفيلا التي تصل مساحتها إلى ثلاثة آلاف متر مربع إلى ما بين 1.1 مليون إلى 1.9 مليون يورو. وهناك مشروعات أصغر حجما تقدم عقارات متواضعة بالمقارنة تتراوح بين شقق بأسعار تبدأ من 165 ألف يورو إلى بيوت بأسعار من 336 ألف يورو.

الجانب المهم في منطقة شرق ألغارف أنها بدأت متأخرة في سوق العقار، ولذلك استفادت من أخطاء الآخرين، ولذلك فهي تهتم بالتخطيط العقاري الجيد على مستوى المدن، ونوعية راقية للمنشآت وكثافة منخفضة للبناء. وتخضع كل المنطقة حاليا إلى قوانين عقارية وبيئية صارمة تم تطبيقها منذ عام 1991. وتعتزم الحكومة البرتغالية أن تبقي على طبيعة الساحل الجنوبي الغربي من دون كثافة عمرانية تقلل من قيمته المعمارية والسياحية.

وتعد البرتغال من الدول ذات النسبة الريفية الأعلى في أوروبا، بنحو 30 في المائة من السكان يعيشون خارج المدن. وهي بيئة متوسطية محافظة تتبع الطراز المعماري المنتشر في جنوب أوروبا. وتنعكس الأزمة الاقتصادية سلبا على عقارات الريف البرتغالي أكثر مما تنعكس على المدن أو المناطق السياحية.