قصور ريفية فرنسية بأسعار تبدأ من نصف مليون يورو

يعتبره البعض أفضل استثمار عقاري في أوروبا حاليا

القصور الريفية الفرنسية توفر فرصا استثمارية جيدة («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت صيحة شراء القصور الريفية الفرنسية بين كبار الأثرياء الفرنسيين وأصبحت غير معروفة لأثرياء العالم لسنوات طويلة، حتى وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية وتهاوت أسعار العقار في معظم القطاعات ومعها قطاع القصور الريفية. وهنا دخل السوق الكثير من المستثمرين الأجانب، وعلى رأسهم الروس والصينيون، لكي يزاحموا في مجال جديد يعتبرونه أفضل استثمار عقاري أوروبي في الوقت الحاضر.

فأسعار القصور الريفية الفرنسية (شاتو «Chateaux» بالفرنسية) تراجعت إلى مستويات متدنية من الأسعار لدرجة أن بعضها يباع بنحو نصف مليون يورو. وهي قصور تاريخية يعود بعضها إلى القرن الثاني عشر، وأفضلها يعود إلى حقبة نابليون الثالث في النصف الأول من القرن الـ19. وهي تنتشر في أنحاء الريف الفرنسي وملحق بها مزارع كروم والكثير من الملحقات التقليدية مثل الإسطبلات، والحديثة مثل حمامات السباحة المسخنة والقاعات الرياضية.

هذه القصور ما زالت تقتصر على الأثرياء في عمليات البيع والشراء. وهي تضفي على مشتريها هالة ارستقراطية تفوق ما يمكن أن يحققه من أرباح استثمارية، لأنها تقول عنه إنه خرج من الأزمة العقارية في حال جيدة وسيولة عالية ولم يتأثر بموجة الكساد العالمية.

ويضيف من جاذبية هذه القصور، والعقارات الفرنسية بوجه عام، تدني معدلات القروض العقارية الفرنسية التي لا تزيد في الوقت الحاضر عن ثلاثة في المائة لكبار المستثمرين. ولا تمانع البنوك الفرنسية من إقراض الأجانب بضمان أصولهم والعقارات نفسها، وتقرض في العادة نسبة 80 في المائة من قيمة العقارات.

ويعتبر مبلغ نصف مليون يورو هو الحد الأدنى للاستثمار في قطاع القصور الريفية الفرنسية، حيث تعرض شركة «نايت فرانك» الدولية قصرا قيمته 583 ألف يورو في منطقة تان اي غارون، وهو قصر يعود تاريخه إلى عام 1850 ويضم أربع غرف نوم على ثلاثة طوابق مع فدان ونصف الفدان من الأراضي الزراعية حوله. وهو يحتوي على حمام سباحة يمكن تسخينه.

ويفضل المستثمرون الأجانب وادي دوردوين حول مدينة برجيراك، الواقع بين مدينتي بوردو غربا وسارلانس شرقا. ويقول رئيس قسم العقارات الفرنسية في شركة «نايت فرانك»، ماثيو هودر ويليامز، إن البريطانيين يفضلون جنوب غربي فرنسا، ومن ضمنها منطقة غاسكوني بالقرب من جبال البيرانيز، وهي منطقة حكمها البريطانيون تاريخيا. أما بقية المستثمرين فلا يسعون نحو منطقة بعينها وإنما ينظرون إلى قيمة العقار نفسه وفائدته الاقتصادية.

ويركز الصينيون في استثماراتهم على القصور التي تنتج النبيذ من مزارعها، وبغرض تصدير إنتاجها إلى الصين التي خفضت الضرائب على النبيذ المستورد مما يجعله استثمارا جيدا لهم. وهم يدخلون السوق على نطاق واسع حيث يقول مندوب شراء عقاري فرنسي إن لديه عميلا من الصين ميزانيته 25 مليون يورو ويريد أن يشتري «شاتو» فرنسيا بمزارع كروم واسعة المساحة.

وإذا كانت ميزانية المستثمر تصل إلى مليون وربع مليون يورو يمكنه أن يشتري قصرا ريفيا شكله يشبه القلاع التاريخية في منطقة غاسكوني، جنوب غربي فرنسا، وهو يقع على هضبة تطل على مزارع فرنسية مترامية الأطراف. ويحتوي على سبع غرف نوم ولكنه يحتاج إلى بعض الديكور الداخلي والتحديث.

وفي قمة السوق تعرض شركة «نايت فرانك» قصرا ريفيا بالقرب من مدينة بوردو، وهو قصر يحيطه إطار عازل من المياه. والثمن المطلوب في هذا القصر هو 2.3 مليون يورو. وتعود أساسات القصر إلى القرن الحادي عشر وأعيد بناؤه في القرن السابع عشر ثم القرن التاسع عشر.

أما هؤلاء الذين يودون البقاء بالقرب من باريس فهناك قصر تعرضه شركة «تشسترتون هامبرت» بمبلغ 4.5 مليون يورو يحتوي على 29 غرفة نوم، وهو يستثمر حاليا كفندق سياحي تاريخي. وتعرض الكثير من شركات العقار الفرنسية قصورا تاريخية على أساس أنها توفر فرصا استثمارية نادرة لتحويلها إلى فنادق متخصصة مثل البوتيكات لنوع معين من النزلاء الذين ينشدون الهدوء والسكينة في مناخ ريفي.

ولكن ملكية «شاتو» فرنسي ليست عملية اقتصادية لأنها عقارات تتطلب الكثير من الإنفاق الاستثماري لصيانتها وترميمها. وهي أيضا تحتاج إلى تكاليف جارية أعلى من العقارات العادية، ولا بد أن تدخل في الاعتبار عند الشراء. ويحذر خبراء العقار من أن بعض المشترين يلجأون إلى شراء القصور الريفية لأنها أرخص من عقارات مثيلة في الحجم، ولكنهم لا يدركون حجم الأعباء المترتبة عليها. فلا بد من حساب تكاليف الترميم والصيانة والتدفئة وصيانة الحدائق.

وتقول مستثمرة فرنسية إنها اشترت أحد هذه القصور مع زوجها المدير المالي وأنفقت عدة سنوات على ترميم وتجديد القصر، وهي عملية ما زالت مستمرة. وهي تنصح من يود الإقبال على هذا المجال أن يكون الدافع هو حب العقار وليس الربح، وإلا فالأفضل البحث عن قطاع عقاري آخر.

الملكية الجزئية

* أما هؤلاء الذين لا يودون مسؤولية تجديد وصيانة «شاتو» بالكامل، فيمكنهم شراء حصة في قصر ريفي تحت إشراف شركة إدارة تستثمر في هذه القصور وتبيع غرفها مثل الشقق الخاصة. ويحصل المشتري على شقة ذات خصوصية مع المشاركة في الخدمات والتسهيلات التي تتاح معها مثل حمامات السباحة وملاعب التنس والحدائق. وتوفر الشركات أعمال النظافة والحراسة، كما تقوم بإدارة هذه الشقق وتأجيرها أثناء فترة غياب المالك مع الحصول على نسبة 40 في المائة من الإيجار.

ويبلغ سعر الشقة في أحد هذه القصور نحو 300 ألف يورو، كما يدفع المشتري رسوم خدمة وصيانة سنوية قدرها ثلاثة آلاف يورو. والفائدة الواضحة من هذا الأسلوب أن المشتري يستطيع أن يملك نسبة من قصر ريفي فرنسي لم يكن يستطيع أن يملكها دون هذا الأسلوب الجديد. كما أنه يستطيع في حالة الملكية الجزئية أن يدعو الكثيرين من معارفه وأصدقائه لزيارته في عقاره الفاخر في مناطق خلابة. كما أن المشتري يكون شريكا في رأس المال وفي ملكية العقار، وليس فقط مستخدما للعقار خلال فترة محدودة كل عام مثلما الحال في «التايم شير»، فهو يستفيد من نمو أسعار العقار عندما يحين وقت البيع.

وتقوم عدة شركات استثمارية في الوقت الحاضر بتسويق نوع آخر من ملكية العقار في قطاع القصور الفاخرة، وهو بيع القصر كله إلى عدد من الشركاء يمتلكه كل منهم لفترة معينة من العام. إحدى أشهر الشركات في هذا المجال شركة اسمها «بست غروب»، وهي تعتبر من مبتكري هذا النوع من الاستثمار العقاري. ومن بين مبيعات هذه الشركة قصر ريفي صغير يبلغ ثمنه نصف مليون يورو فقط، ولكنه موزع على خمسة مستثمرين اختارتهم الشركة من بين زبائنها لأن رغباتهم في الشراء وفي حجم رأس المال المتوافر لهم متماثل إلى درجة كبيرة. ويدفع كل مستثمر من الخمسة مائة ألف يورو، وبالمقابل يمتلك أحد أخماس القصر، أو نسبة 20 في المائة منه، تتيح له الاستخدام الشخصي أو تأجيره لمدة عشرة أسابيع كل عام.

هذا الأسلوب يناسب المستثمر المرتبط بأعمال وظيفية أو استثمارية لا تتيح له وقتا طويلا لقضائه في عقاره الريفي. كما أن البعض يختار هذا الأسلوب أيضا بعد متابعة قصص مستثمرين آخرين يمتلكون قصورا فاخرة بالكامل ويعانون من الكثير من المشكلات عندما تحتاج العقارات إلى أعمال ترميم وصيانة عاجلة. فهناك صعوبات بالغة في محاولة إجراء مثل هذه الإصلاحات عن بعد.

أما الملكيات المشتركة فهي تعتمد على شركة إدارة تقوم بكل الخدمات اللازمة للصيانة والتجديد، وأيضا إيجاد مستأجرين في الفترات الشاغرة. ويساهم المستأجرون بدورهم في تخفيض تكاليف الإدارة على المستثمر الذي يختار التأجير بدلا من الإقامة في عقاره خلال الفترة التي تخصه.

هؤلاء المستثمرون يتمتعون بفوائد استثمار العقار من حيث زيادة القيمة وربما من دخل الإيجار أيضا، ولكنهم في الوقت نفسه يتجنبون متاعب ومسؤوليات الملكية الكاملة. كما أنهم ليسوا مضطرين إلى التعرف على بقية المساهمين في العقار أو حتى اللقاء بهم لأن شركة الإدارة العقارية تأخذ على عاتقها كل الترتيبات المتعلقة بحاجات المساهمين، كل على حدة.

ولا تربط الملكية الجزئية المساهمين فيها بموعد بيع محدد أو بقرارات استثمارية غير مناسبة لهم، فمن يرِد من الشركاء بيع حصته يستطِع ذلك بسهولة عبر شركة الإدارة التي توفر مستثمرين آخرين يشترون الحصص المعروضة بسعر السوق.

وتنفي مجموعة «بست غروب» أيّ تشابه بين استثماراتها وأسلوب «التايم شير» القديم، وتقول إنها تبيع استثمارات فاخرة في مواقع رائعة بأسعار في متناول أغلبية المستثمرين. وتملك الشركة مواقع عقارية في أوروبا وفي أنحاء أخرى حول العالم. ويحصل المستثمر على حصة عقارية، تكون بحجم أحد أخماس في أغلب الحالات، ويتم تدوير هذه الملكية في أوقات مختلفة كل عام تباعا بما يناسب المستثمرين ويحقق العدالة في الاستفادة بأوقات العام المختلفة.

وتكون العقارات المعروضة بهذا الأسلوب مفروشة بالكامل وتحت الإدارة العقارية الدقيقة مثل فنادق الـ5 نجوم. وتشمل الخدمة توفير المناشف وأغطية الأسرّة وخدمات التوصيل من وإلى المطار. وبالطبع تكون الخدمات التي تقدم بهذه النوعية ذات ثمن مرتفع. وتحصل شركات الإدارة على نسبة تتراوح ما بين 35 إلى 40 في المائة من قيمة العقار سنويا. ويمكن إلغاء حصة من هذه الرسوم بتقديم العقار للإيجار لفترة من الأسابيع العشرة التي تدخل ضمن الملكية.

وبالإضافة إلى هذه التسهيلات توفر شركة الإدارة أيضا إمكانية التمويل لنصف حصص الملكية من مصارف تعرف هذا النوع من الاستثمار وتثق في قيمته، كما أنها تساعد أي مستثمر على بيع حصته في أي وقت يريد.

إحدى الشركات التي تقدم عقارات بأسلوب الملكية الجزئية تقول إن معظم زبائنها لا يضطرون إلى الاقتراض من أجل دخول هذا النوع من الاستثمار. ويقول مالك مجموعة من القصور الريفية التي تبيع بأسلوب الملكية الجزئية إنه تلقى عروضا لبيع القصور المعروضة في القرية لمستثمرين يريدونها بالكامل لأنفسهم وبأسعار تصل إلى 4.8 مليون دولار لكل من القصور التي يعرضها للبيع الجزئي. ولكنه يرفض لأنه باع قصورا سابقة بالكامل بهذا الأسلوب المفضل لديه، ويريد أن يكرر الوسيلة نفسها لبيع مجموعته الجديدة.

الإيجابيات والسلبيات متعددة في هذا الأسلوب الوسيط بين «التايم شير» والملكية المطلقة، فمن الإيجابيات أنه أسلوب مريح للبال من حيث تسليم العقار لشركة إدارة وتحمل نسبة من التكاليف مقابل إتاحة وقت كافٍ لكل أغراض الاستجمام، حيث لا يقضي المستثمر العادي أكثر من أربعة إلى خمسة أسابيع في العقارات السياحية، ويترك الفترات الباقية شاغرة. كما أن الأسلوب يتيح الاستفادة بملكية عقار فاخر في الفترة المتاح فيها لم يكن في مقدور المستثمر تحمّل تكاليفه بأسلوب الملكية التقليدي.

وهناك سلبيات أيضا لمثل هذا الأسلوب، ربما لم تظهر بعد لأنه أسلوب جديد في الأسواق. ولكن مساوئ أسلوب «التايم شير» يمكن أن تتكرر فيه، فظروف المستثمر تتغير بينما الملكية الجزئية أسلوب جامد يربط المستثمر بعقار واحد وبفترات محدودة وبتكاليف إدارة عالية هو في غنى عنها لو ذهب إلى فندق فاخر مختلف كل عام لقضاء وقت ممتع بلا متاعب ملكية، سواء كانت جزئية أو كلية.

من المشكلات التي سبق ونشأت من أسلوب «التايم شير» صعوبة البيع بأي ثمن لهذه الاستثمارات، خصوصا بعد اكتساب «التايم شير» لسمعة رديئة. ويمكن القول إن هذا النوع من الاستثمارات يتوجه أساسا إلى المرفهين من المستثمرين الذين لا يتطلعون إلى تحقيق مكاسب عقارية كبيرة من شراء العقار ثم بيعه، وإنما يلجأون إلى شراء العقار بغرض التظاهر وبغض النظر عن القيمة المضافة. وإذا افترضنا أن مثل هذا العقار سوف يزيد في القيمة ما بين ثلاثة وأربعة في المائة سنويا، فهذه النسبة تماثل ما سيدفعه المستثمر من تكاليف إدارة سنوية للشركة، أي أنه سوف يحصل فقط على ما دفعه ثمنا في حصته من العقار عند البيع، هذا إذا عثر على مستثمر آخر بالسهولة التي تدعيها الآن شركات الاستثمار بالملكية الجزئية. ولكنه على أي حال قطاع جذاب، قد لا يهدف إلى الربح في كل الأحوال، ولكنه يضفي على المستثمر هالة ارستقراطية لا يتيحها أي نوع آخر من العقارات.