سوق العقار الأميركية تواصل تراجعها.. للشهر الـ57 على التوالي

فقدت 29.5% من قيمتها منذ ذروتها في يونيو 2006

TT

سجلت سوق العقار الأميركية تراجعا بنسبة ثلاثة في المائة خلال الربع الأول من عام 2011 الحالي، وهو أسوأ إنجاز له خلال ثلاث سنوات وفقا لأبحاث أجرتها شركة العقار الأميركية «زيلو دوت كوم». ويعني هذا أن السوق الأميركية واصلت التراجع للشهر رقم 57 على التوالي. وتراجعت القيمة بنسبة واحد في المائة في شهر مارس (آذار) الماضي وبنسبة 8.2 في المائة منذ شهر مارس عام 2010. وتبلغ القيمة المفقودة من السوق منذ ذروتها في يونيو عام 2006 نسبة 29.5 في المائة.

وبيعت معظم العقارات في السوق الأميركية خلال شهر مارس الماضي بالخسارة، بينما زادت نسبة العقارات التي وقعت في فخ القيمة السلبية التي يفوق فيها حجم القرض العقاري قيمة العقار نفسه، إلى 28.4 في المائة من كل العقارات المخصصة لإسكان العائلات. وشمل هذا الوضع السلبي كل الولايات تقريبا مع مناطق كانت المعاناة فيها أكبر مثل ديترويت وأطلانطا وأوبالا (في فلوريدا) وبويبلو (في كولورادو). وكانت أسوأ النتائج في العقارات التي تقع في مدخل السوق حيث تراجعت بنسبة 14 في المائة، بينما تراجعت العقارات في القطاع المتوسط بنسبة 8.7 في المائة، وفي القطاع الفاخر بنسبة 4.3 في المائة.

وفقدت 75 في المائة من العقارات الأميركية نسبة من قيمتها خلال العام الأخير، مقارنة بنسبة 69 في المائة فقدت نسبة من قيمتها بين عامي 2009 و2010. وكانت السوق الأميركية قد أظهرت تحسنا نسبيا في العام الماضي بتراجع في نسب الخسائر، ولكن ذلك كان بفضل برنامج مساعدة حكومي منح المشترين ثمانية آلاف دولار من الإعفاءات الضريبية. ولكن تأثير هذه الحوافز كان مؤقتا. وتبعت إحصاءات «زيلو» ما سبق ونشرته شركة «ستاندرد أند بورز» في مؤشر شمل 20 مدينة أميركية أظهر أن الأسعار فيها تراجعت بنسبة 33 في المائة عما كانت عليه في ذروة السوق في عام 2006.

وتحاول شركات العقار الأميركية إغراء الأجانب بصفقات تبدو مغرية، حيث يمكن شراء عقار مكون من أربع غرف وحمام سباحة في فلوريدا بالقرب من ملاهي ديزني بمبلغ لا يزيد عن 150 ألف دولار، وهو عقار كان ثمنه في قمة السوق ضعف ذلك الثمن. ولكن بعد خمس سنوات من التراجع لا توجد أي علامات انتعاش في السوق في المدى المنظور، كما لا يوجد إقبال سريع على ملكية العقارات الأميركية، ربما تحسبا لمزيد من التراجع.

ومع استمرار تردي أحوال السوق يتجنب الأميركيون أنفسهم شراء العقارات في الوقت الحاضر. وتقلصت نسب الملكية إلى معدلات عام 1998، مع خوف من الامتناع في المستقبل عن الشراء على أساس أن العقارات ليست استثمارا جيدا. وتعترف شركة «شور» العقارية في فلوريدا بأن الكثير من المشترين في السابق خسروا أموالا طائلة في سوق العقار الأميركي. ولكنها تشير إلى أن هناك علامات تفيد بأن السوق بلغت مرحلة القاع وبدأت في الاستقرار. وتؤكد الشركة أن العقارات الشاغرة قليلة وأن الجيد منها لا يبقى في السوق طويلا. ويعترف مدير الشركة بأن الانتعاش غير وارد في الوقت الحاضر لأن الأزمة العقارية الحالية هي الأسوأ منذ مرحلة الكساد العظيم في الثلاثينات.

وتؤيد الأرقام هذه النظرة السلبية، فمنذ عام 2006 خسرت سوق العقار الأميركي تسعة تريليونات دولار، وسقطت 11 مليون أسرة في فخ القيمة السلبية للعقارات. كما فقدت مليون عائلة منزلها بسبب ضغوط الديون العقارية، وتراجع نشاط البناء الجديد للعقارات لأقل مستوى له منذ 27 عاما.

ويقول الاقتصادي في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» بول ديلز إن العقارات الأميركية تبدو كصفقات جيدة على الورق، فهي الأرخص منذ فترة طويلة، كما أن أسعار الفائدة في أدنى معدلاتها. ومع ذلك فلا يوجد مشترون في السوق. وهو يعتقد أن السبب قد يكون توقع المزيد من التراجع، فالعودة إلى الوضع الطبيعي، في رأيه، لن تكون قبل ثلاث سنوات على الأقل.

وهو يعدد أسباب متاعب الأسواق بالقول إن الاقتصاد الأميركي ما زال يعاني من معدلات بطالة عالية، مع تقييد في شروط الإقراض العقاري، كما أن الكثير من أصحاب العقارات يعانون من القيمة السلبية ولا يستطيعون الحركة لبيع عقاراتهم أو شراء عقارات أخرى. وساهمت هذه العوامل مجتمعة في تجميد السوق، خصوصا في قطاعي المدخل ووسط السوق.

وتضيف الشركة أن العاملين في قطاع العقار الأميركي يعرفون أن الوضع على الأرض أسوأ مما تقوله الإحصاءات بنحو 20 في المائة على الأقل. والنتيجة هي أن الشعب الأميركي فقد حبه لملكية العقار وتوجه إلى الإيجار. ولن يعود الانتعاش العقاري كما كان عليه إلا بعد عشر سنوات على الأقل.

وتحاول الحكومة الأميركية من ناحيتها دعم سوق العقار الأميركي، حيث يبلغ حجم الدعم الحكومي لمؤسسات التمويل العقاري، وأهمها «فاني ماي» و«فريدي ماك»، التي كانت قد أشرفت على الإفلاس، مبلغا لا يقل عن 177 مليار دولار، وهو أكبر حجما من الدعم الذي قدمته الحكومة منذ ثلاثة أعوام لبنوك التمويل العقاري من أجل إنقاذها، وكان حجمه 153 مليار دولار، وكذلك حجم الدعم الذي قدمته الحكومة لصناعة السيارات، وكان بمبلغ 117 مليار دولار.

وكانت أزمة العقار قد تبلورت عندما دخلت بنوك وول ستريت مجال التمويل العقاري بفكرة «تفصيل» عمليات إقراض معقدة يتم تمويلها من قطاع التمويل غير المضمون المسمى «صب برايم». وكانت الفكرة الأساسية في مد مثل هذا التمويل غير العقلاني هو أن أسعار العقار سوف تستمر في الارتفاع إلى ما لا نهاية. وقدمت البنوك هذه القروض لمقترضين معظمهم لا يكاد يغطي ديونه، ثم أعادت بيعها في صكوك استثمارية بضمان القروض. وعندما انهارت أسعار العقار في عام 2007 توقف المستثمرون عن شراء هذه الصكوك الاستثمارية، وانهار قطاع التمويل العقاري برمته وسط خسائر فادحة.

وبعدما تصاعدت خسائر المؤسستين مع تعثر المزيد من المقترضين، وأوشكتا على الانهيار، تدخلت الحكومة الأميركية بعملية إنقاذ أشبه ما تكون بالتأميم وضخت في المؤسستين 177 مليار دولار.

وتنقسم هذه المؤسسات إلى ثلاثة أقسام: أحدها يحتوي على الديون الرديئة بغرض تصفيتها، والثاني قسم حكومي معني بتوفير الاقتراض الرخيص بشروط، أما القسم الثالث فهو يتكون من بنوك خاصة تقدم القروض العقارية وتضمنها. والقسم الأول المعني بتصفية القروض الرديئة هو ما يخيف المستثمرين لأنه يخفض من قيمة الاستثمارات التي يملكونها الآن في الشركتين الأصليتين.

ويشرح أستاذ التمويل العقاري في جامعة جورج ماسون، أنطوني ساندرز، أن من الضروري تخليص قطاع التمويل العقاري من الدعم الحكومي وإلا فالاقتصاد الأميركي سوف يعاني المزيد من المتاعب. ولكنه يعترف بأن منع التمويل الحكومي لقطاع الإقراض الإسكاني من شأنه أن يجعل هذه القروض صعبة، فسوق التمويل العقاري الخاصة متغيرة ولا يمكن الاعتماد عليها. وكما حدث في العامين الأخيرين، فهي سوق يمكن أن تنضب تماما.

وفي قطاع القروض الكبيرة التي تسمى «جامبو» وتزيد في قيمتها عن 417 ألف دولار، تتجنب شركات مثل «فاني ماي» و«فريدي ماك» تقديمها، ولذلك يصعب الحصول عليها بالمرة في الأسواق الأميركية في الوقت الحاضر. وتطالب البنوك المستثمر الذي يطلب قروضا تزيد عن هذا الحد بأن لا يقل المقدم الذي يدفعه في العقار عن 50 في المائة من قيمة العقار. كما تزيد أسعار الفائدة على القروض الكبيرة لاعتبارها تحمل المزيد من المخاطر.

من الصعوبات الأخرى التي قد تواجه مشتري العقار الأميركي احتمال نهاية القروض ثابتة الفائدة التي اعتادت عليها السوق الأميركية، فعلى خلاف أسواق أخرى مثل كندا وبريطانيا وفرنسا التي تعتمد فيها القروض العقارية على أسعار فائدة متغيرة أو ثابتة لفترات بسيطة لا تتعدى عدة سنوات، فإن معظم القروض الأميركية ثابتة الفائدة لفترات تتراوح بين 15 و30 عاما. ومع نهاية الدعم الحكومي المؤسسي للسوق قد تنتهي القروض ذات الفوائد الثابتة وبالتالي تزداد مصاعب المشتري الأميركي خصوصا في الفترات الصعبة.

هناك أيضا مسألة تكلفة الإصلاح لدافعي الضرائب الأميركيين، فشركات التمويل العقاري التي تم إنقاذها من الإفلاس تدفع للخزانة الأميركية حاليا 10 في المائة من الفوائد الثابتة على القروض الهائلة التي دفعتها الحكومة. ولكن عودة قيمة هذه القروض للحكومة هو أمر غير محتمل وفقا لمصادر السوق التي تعتبر أن هذه الأموال قد ذهبت إلى غير رجعة لتعويض خسائر السوق.

وقد ينتهي أيضا تمويل الإسكان العقاري لمحدودي الدخل بعد إصلاح هذه الشركات، التي كانت لا تطلب من المشتري في السابق دفع أكثر من ثلاثة في المائة من مقدم الثمن لشراء عقار.

وأخيرا إذا تم تخصيص شركات تمويل العقار الأميركية لكي تعمل مثل جمعيات البناء البريطانية مثلا فسوف يتعين عليها أن تعيد بناء رأسمالها، وهو تمويل غير متاح حاليا. ويتعين على شركات الإقراض العقاري الاحتفاظ بنسبة رأسمال تصل إلى خمسة في المائة من قيمة القروض التي تقدمها. ويصل إجمالي القروض المقدمة فعلا من هذه الشركات حاليا إلى 5500 مليار دولار، أي أن عليها أن تحتفظ بمبلغ 250 مليار دولار كرأسمال احتياطي، وهو مبلغ غير متاح لها في الوقت الحاضر.

ولهذه الأسباب سوف تكون عملية إعادة هيكلة شركات الإقراض العقاري الأميركية عملية طويلة الأجل ومعقدة. ولكن كلما استمر قطاع العقار الأميركي في التراجع جرى تأجيل المشكلة إلى المستقبل.

ولكن على الرغم من مناخ عدم وضوح الرؤية فإن الأمر الثابت هو أن النموذج السابق لم يعد يصلح للمستقبل. وبينما يختلف الجميع على توجهات المستقبل، فهم على الأقل يتفقون على أن العودة إلى ما كان عليه الوضع في الماضي عملية غير مجدية. وهذا في حد ذاته تغيير كبير.

وبينما تتبلور هذه المتغيرات للمستثمر المحلي، فإن المستثمر الدولي يمكنه أن يستند إلى إحصاءات من مصادر كثيرة محايدة تؤكد أن أسواق العقار الأميركي ليست في طريقها إلى الانتعاش قريبا.

ويعتقد أكبر مستثمري العقار العالميين أن السوق الأميركية لن تشهد انتعاشا حقيقيا حتى عام 2013. وقال أحد هؤلاء، وهو المستثمر وارين بافيت، إنه لا يتوقع أن تعاود السوق الأميركية نموها حتى نهاية العام المقبل. وهو يعتقد أن السوق ما زالت تعاني من موجة الإفلاسات الجماعية في القطاعين التجاري والإسكاني وإن التخلص من أعباء هذه الإفلاسات سوف يستغرق بعض الوقت. ويضيف بافيت أن الأسعار سوف تستمر على معدلات أقل مما كانت عليه أثناء الفقاعة الأخيرة.

وإذا كانت هذه التوقعات صحيحة فهي تبرر إقبال المزيد من المستثمرين الأجانب على السوق الأميركية في العام الحالي على أساس أن الأسعار السائدة الآن تمثل قاع السوق. ويقبل الأثرياء على الاستثمار العقاري في أوقات عدم الثقة في الأسواق المالية، لأنها توفر المزيد من الاستقرار وتحافظ على القيمة. ويحتفظ الكثير من المستثمرين حول العالم بنسب كبيرة من السيولة استعدادا لظهور فرص استثمار جيدة، ويتركز بحثهم في الوقت الحاضر على الأسواق الأميركية كموضع آمن للاستثمار طويل المدى.

ويقول ليام بيلي مدير الاستثمار في القطاع الإسكاني في شركة «نايت فرانك» العقارية إن توقيت الاستثمار العقاري حاليا له جدوى كبيرة لأن الكثير من المواقع الجغرافية، ومنها السوق الأميركية، لم تشهد استثمارات كبيرة في الإمدادات العقارية بينما يزداد الطلب فيها على العقار باضطراد. وهو يلاحظ أن الكثير من المدن الرئيسية مثل لندن ونيويورك زادت في قيمتها العقارية في الشهور الأخيرة مخالفة تيار استقرار الأسعار السائد في الأسواق الدولية حاليا.

ويضيف أن معدلات الإيجارات في المدن الكبرى أخذ أيضا في الارتفاع التدريجي هذا العام، ومع ذلك فهو لا يؤكد أن التحولات الواقعة في المدن العالمية الآن تشير إلى بداية انتعاش عقاري مستدام فيها، فالأفق ما زال يتسم بنسبة كبيرة من عدم الوضوح مع أخطار متعددة تتراوح بين ارتفاع نسب البطالة وأسعار الفائدة إلى عدم وجود مصادر التمويل المتاحة للمستثمر.

ويعتمد القرار الاستثماري على فترة الاحتفاظ بالعقار، فكلما طالت هذه الفترة كان العقار مجديا، خصوصا في حالات الشراء في قاع السوق السائدة حاليا.