الصين تستنسخ بلدة هاليستات النمساوية الجبلية بتكلفة 6 مليارات دولار

تعمل على بناء أضخم مدينة في العالم تتسع لـ 42 مليون نسمة

TT

بدأت إحدى الشركات الصينية الخاصة بالتطوير العمراني والإسكاني مشروعا طموحا قبل أشهر لبناء مدينة جديدة بالقرب من مدينة شنغهاي. وما هو جديد في المشروع الذي تعرض لانتقادات كثيرة في وسائل الإعلام الغربية في الفترة الأخيرة، أنه يهدف إلى بناء البلدة كنسخة طبق الأصل لأجمل بلدات أوروبا والنمسا المعروفة سياحيا وهي بلدة هاليستات الجبلية الرائعة. وعادة ما تجذب البلدة التي تضم أقدم منجم للملح في العالم، ولجمالها، 800 ألف سائح سنويا ومن جميع دول العالم ومنهم الصينيون، لكن مع بناء البلدة الجديدة في الصين لن يضطر الصينيون إلى الذهاب إلى النمسا لرؤية البلدة الأصل والتمتع ببحيراتها وجبالها ومناظرها الطبيعية الخلابة والفريدة.

وستشمل عملية التقليد أو الاستنساخ المعماري بالضبط، كل مباني البلدة وجميع التفاصيل المعمارية النمساوية ومنها الجبال والبحيرات. وقد لجأ الصينيون ومن فترة طويلة (لمدة 3 سنوات) وبشكل سري إلى تصوير البلدة التي تقع في منطقة سالزكاميرغوت الرائعة، شارعا شارعا ومبنى مبنى وكل ما يخطر على بال.

وقد سمع مسؤولو البلدة النمساوية عن المشروع من الشركة الصينية المعنية بتنفيذه في مايو (أيار) الماضي عندما زار وفد اقتصادي نمساوي هونغ كونغ، حيث عرضت الشركة فكرة المشروع على الزورا وفكرة توأمة البلدتين. لكن اكتشاف السر الصيني تم فعلا بالصدفة عندما ترك سائح صيني في البلدة وراءه بعض الآثار على المشروع قبل رحيله. وكانت هذه الآثار عبارة عن رسوم دقيقة ومفصلة لفندق وينغر المعروف في البلدة الذي كان يقيم فيه الزائر.

رد الفعل على الفكرة من السكان والمسؤولين في البلدة التي يتعدى عدد سكانها 800 نسمة كان غاضبا ومستغربا، وقد اضطر رئيس البلدة ألكسندر شويتس إلى تقديم شكوى إلى السلطات المحلية ومنظمة اليونيسكو التي اعتبرت البلدة جزءا من التراث الإنساني الذي تجب حمايته عام 1997.

ومع هذا هناك من يعتبر القصة وعملية الاستنساخ، أنها ستعود بالفائدة وبطريقة غير مباشرة على البلدة، إذ ستسلط عليه الأضواء وتزيد من شهرتها وعدد السياح الراغبين برؤيتها.

ولهذا تقول باملا بلاندر المسؤولة عن المكتب السياحي النمساوي، إن القصة أشبه بهدية أو هبة ودعاية هائلة للنمسا والبلدة ومن شأن عملية النسخ زيادة الوعي بالنمسا في آسيا والصين بشكل خاص، ولهذا بالطبع مردود مالي هائل وضخم لا يمكن تصوره. ولهذا السبب أيضا اعتبر رئيس البلدية الأمر «مجاملة لبلدتنا» على حد تعبيره.

وهناك معارضة وغضب أيضا من قبل راهب الكنيسة في البلدة ريتشارد كزوريلو بسبب إمكانية تقليد مكان للعبادة لغايات سياحية.

تتطلب عملية نقل ونسخ مكان فريد في بلد غريب، كلفة باهظة ونشاطا هائلا من تسوية الأراضي وأعمال البناء، وتطرح عملية النسخ تساؤلات كبيرة حول إمكانات تحويل عمران بيئي طبيعي وجميل إلى مكان غريب وبعيد لا يملك نفس المواصفات الطبيعية، وما يحمله ذلك من تبعات بيئية هامة، قد تنتهي بإفشال المشروع في المستقبل وجعله كما يقال تجربة هجينة أو فيلا أبيض. ولذا يتخوف البعض تحت حجة تخفيف انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والملوثات، عبر تخفيف حجم السياح الصينيين الذين يزورون أوروبا والأماكن التاريخية الهامة، من اتباع هذا الأسلوب والبدء بتقليد ونسخ جميع الأماكن الجميلة من لندن إلى باريس وبرلين وغيرها.

وحسب هناس - يورغ كايسر، من المجلس النمساوي لحماية المعالم والنصب التي تأتي تحت رعاية اليونيسكو، فإن عملية التقليد عبر الصور قد تكون غير قانونية وغير شرعية، ولكن الأمر بحاجة إلى المزيد من البحث والتمحيص خصوصا أنه لا يعقل أن لا تكون الشركة الصينية التي تبنت بناء المشروع وتنفيذه قد أخذت نصيحة قانونية أو أي احتياط أو علم من هذا القبيل قبل بدء عمليات البناء في الصين.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها نسخ وتقليد المدن والبلدات الأوروبية في العالم والصين بشكل خاص، فقد بنى الصينيون عام 2007 مدينة صغيرة أو حيا كبيرا في منطقة جيادينغ المحاذية لمقاطعة جيانغسو، على بعد 30 كيلومترا من وسط مدينة شنغهاي تحت اسم «آنتينغ» الذي يعني «جناح السلام». واستوحت المدينة شكلها وعمرانها من مدينة ألمانية تقليدية متوسطة الحجم وخصوصا الطراز المعماري المعروف بباوهاوس الذي يدمج بين الحرف والفنون الجميلة السبعة الحديثة وفن العمارة. ومن المعالم الهامة التي ضمتها المدينة أيضا النوافير وتماثيل شيلير والكات والشاعر غوته. وقد ساهم الألمان ببناء وتصميم المدينة التي تضم 50 ألف نسمة وخصوصا مؤسسة البروفسور المعماري المعروف ألبرت سبيرون ومائة من خيرة المهندسين المعماريين الألمان وعشرين مؤسسة تصميم شهيرة. وتعتبر المدينة من أحدث المدن الصينية حتى الآن. وهي أيضا من المراكز الهامة في تصنيع المركبات ومركز لمشروع الشراكة الصيني الألماني: «شنغهاي فولكسفاغن» «الذي يعتبر الأهم في قطاع صناعة السيارات في الصين. ولهذا تم بناء أول حلبة لسباق الفورميولا واحد في البلاد بالقرب من المدينة. ولا بد من الذكر هنا، أن الصينيين بنوا أيضا مدينة أو حيا مشابها لمدينة دورشيستر الإنجليزية عام 2005 بسعة 200 ألف نسمة، في تشانغدو تحت اسم «تشانغدو بريتيش تاون»، واستنسخ المشروع الشارع الرئيسي للمدينة المعروفة بعمرانها الفيكتوري والجورجي. وبعد ذلك بعام أي عام 2006 تم تقليد مدينة «ثيمس تاون» أيضا بالقرب من شنغهاي مع كنيسة نسخة طبق الأصل لكنيسة مدينة بريستول التاريخية. وهذا ليس غريبا على شنغهاي بالطبع إذ إن هناك عددا من المناطق التي تضمها، وتستنسخ مدنا كمدينة برشلونة الإسبانية والبندقية في إيطاليا وبعض المدن الاسكندنافية. وعادة ما تشكل هذه المدن والمناطق المستنسخة نقطة جذب للسياح الصينيين من الطبقات المتوسطة، وعشاق الصور. وبالطبع الفارق بين هذه المدن المستوحاة في بعض معالمها من المدن الأوروبية، هو أنها ليست نسخا طبق الأصل عن هذه المدن بل شبيهة لها على عكس المشروع الجديد لهاليستات.

بدأ العمل على بناء البلدة في أبريل (نيسان) الماضي من هذا العام في مقاطعة قوانغدونغ الجنوبي في الصين، بكلفة لا تقل عن 6 مليارات دولار من قبل شركة «التطوير الإسكاني» الضخمة «مينميتالز». ويتوقع أن ينتهي العمل بالمشروع نهاية عام 2017، أي بعد ست سنوات تقريبا من الآن. وسيتم انتهاء العمل بالمرحلة الأولى منه بداية العام المقبل (2012).

يقول إعلان الشركة الصينية عن المشروع: «إنه قليل الكثافة السكانية، سكاني فاخر، تحيط به الجبال مع مواقع مطلة على البحيرات، مبني على الطراز المعماري الأوروبي مع شارع تجاري على غرار شارع في بلدة نمساوية». وتتوقع الشركة أن تكون المدينة نقطة جذب سياحية هامة ومنطقة عقارية فاخرة من الطراز الأول، أو ما يعرف بالنقاط العقارية الساخنة في منطقة «دلتا نهر اللؤلؤ». وتعتبر المنطقة حيث يصب نهر اللؤلؤ في بحر الصين الجنوبي، من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، واهم المناطق الاقتصادية في البلاد. وتعرف الدلتا التي تشكلها ثلاثة أنهار رئيسية أيضا بـ«دلتا قوانغ دونغ الذهبية» وتضم مدنا هامة مثل مكاو وغوانغجو وشينزين هويجو وفوشان وجوهاي ويانغمين وجونغشان ودونغوان والاهم هونغ كونغ.

وقبل فترة ذكرت وسائل الإعلام والمؤسسات العقارية المعروفة في أوروبا وآسيا أن الصين تخطط لبناء أكبر مدينة في العالم جامعة بين تسع مدن من مدن الدلتا الواقعة شمال هونغ كونغ، بين شين تشين وغوانغجو ومنهاهويجو وفوشان وجوهاي ويانغمين وجونغشان ودونغوان وجاوتشينغ. ويتوقع أن تضم المدينة التي ستنتشر على مساحة 16 ألف ميل مربع، 42 مليون نسمة. أي أنها ستكون مرة ونصف مساحة بلد مثل لبنان، و26 مرة أكبر من مدينة لندن، وضعفي مساحة مقاطعة ويلز. ويعتبر ذلك تحديا كبيرا من النواحي الاقتصادية والسياسية للعاصمة بكين ومدينة شنغهاي، إذ إنها ستشمل وتضم ما لا يقل عن 10 في المائة من الاقتصاد الصيني. وسيشمل المشروع الذي سيتم العمل عليه لمدة ست سنوات ربط البنى التحتية لهذه المدن على جميع الصعد سواء من ناحية المواصلات أو الاتصالات أو الطاقة والمياه وغيرها. وستربط المدينة الهائلة بخط جديد وحديث للسكك الحديدية (على الأرجح قطار فائق السرعة) مع هونغ كونغ. ويقول البعض إن الصينيين يحاولون امتلاك مدينة مشابهة لمدينة طوكيو من ناحية الحجم والضخامة، بعد أن أزاحت الصين اليابان واحتلت مكانها كأهم ثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة العام الماضي. ويقول ما جيانغ مينغ المسؤول الكبير عن مؤسسة تنفيذ المشاريع الحضرية والريفية في قوانغدونغ، بهذا الصدد إن الفكرة من بناء المدينة أو دمج عدد من المدن تكمن في منح السكان حرية أفضل للحركة بين المناطق والمدن واستخدام نظام الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الهامة والعامة في مناطق مختلفة. وهذه المشروع ليس المشروع الضخم والهائل والوحيد في الصين، إذ إن الصين ستضم في نهاية عام 2025 أكثر من 221 مدينة كبيرة تضم كل منها مليون نسمة، وثماني مدن تضم كل منها أكثر من 10 ملايين نسمة. ويقول بعض الخبراء إنه مع تزايد عدد المهاجرين من المناطق الريفية إلى المدن نتيجة التطورات الاقتصادية التاريخية من ناحية النمو، سيتم بناء ما لا يقل عن 5 ملايين مبنى جديد في الصين قبل عام 2020.

ومن المشاريع الجديدة التي يعمل على إنجازها حاليا، مشروع تحويل مدينة وويانغ في مقاطعة جيانغشي التي تضم 5 ملايين نسمة أكثر المدن الصينية خضرة من ناحية اللون والطبيعة. ويعمل على المشروع مع شركات أجنبية لتحويل المدينة إلى مدينة مشابهة للمدن الأميركية الحديثة التي يغلب عليها الزجاج والحديد. والمشروع جزء من المشاريع الحالية الهادفة إلى وقف التراجع الاقتصادي في المقاطعة والحد من التدهور الاقتصادي وخلق لفرص العمل واستعادة النمو. وستتبع المدينة في عمليات التوسع جميع المعايير البيئية التي تتبعها المدن الصينية الخضراء التي تعتمد في معظمها على نفسها في توليد جزء كبير من الطاقة التي تحتاجها ومعظمها طاقة نظيفة. وبالطبع إن المدينة ستضم في جزء منها الكثير من المراكز التجارية والعلامات التجارية الأميركية الهامة، للتحفيز الاستهلاكي والاقتصادي.

بأية حال فإن الصين كما يبدو أصبحت أكبر ورشة عمل في العالم بعد انطفاء نجم الولايات المتحدة في السنوات العشر الماضية.