البرلمان الهندي يتدخل لتنظيم سوق العقارات المحلية

يعتبر قطاعا «مارقا» لا يخضع للمراقبة

أحد المشاريع العقارية في الهند («الشرق الأوسط»)
TT

رسوم خفية وتأخيرات في مواعيد التسليم ووعود لا يتم الوفاء بها واختفاء للبنائين.. مثل تلك الأحداث المحبطة شائعة في سوق العقارات الهندية، والتي تعتبر إحدى أكثر الأسواق غير المنظمة في العالم.

وعلى الرغم من كون سوق العقارات مثار ازدراء وسخرية ومصدر إزعاج، فإنها باتت تحكمها مؤخرا مجموعة من اللوائح التي تعزز التعسف في إبرام الصفقات وتترك مساحة كبيرة لمنتهكي القوانين لانتهاج الأساليب الملتوية. ومن ثم، لحماية مشتري المنازل من المقاولين العقاريين غير الموثوق فيهم، تعكف الحكومة الهندية على وضع مشروع قانون للعقارات طال انتظاره، وكان يجري الإعداد لهذا القانون منذ نحو عقد كفكرة، وفي السنوات الثلاث الأخيرة كمشروع قرار.

ولكي يتم طرحه خلال الجلسة القادمة للبرلمان، يهدف التشريع إلى حماية مصالح المستثمرين والمقيمين المحليين وغير المحليين بالمثل، وتنظيم إجراءات تخليص العقارات. وهذا التشريع، حينما يوضع موضع التنفيذ، يمكن أن يدخل مزيدا من الإصلاحات الشاملة على النظام الضريبي الحالي في الدولة الذي يحكم حقوق المستثمرين، وفقا لمصادر مطلعة على الصناعة ومصادر قانونية.

«لقد تم الانتهاء تقريبا من صياغة مسودة مشروع القانون. وقد أرسلناها إلى وزارة العدل للحصول على تصديقها، وبالتبعية، سوف نرسلها إلى وزارات أخرى للتصديق عليها»، هذا ما ذكره إس كيه سينغ، السكرتير المشترك لوزارتي الإسكان وتخفيف الفقر الحضري، للمراسل. وقال سينغ «لن يغطي مشروع القرار سعر العقار، نظرا لأن الهدف ليس هو فرض قيود على القطاع، وإنما جعل الملكيات العقارية متاحة بشكل أسهل».

وتفتقر الهند إلى وجود قانون شامل وحصري لرعاية المعاملات والمنازعات ذات الصلة بالعقارات، لا سيما في الجزء السكني في المدن الكبيرة وضواحيها. وتخضع هذه المعاملات للعديد من القوانين غير المفهومة حتى للمثقفين. وهناك الكثير من القوانين الحكومية والمركزية التي تحكم المعاملات ذات الصلة بالعقارات، ومن المستحيل عمليا بالنسبة للناس العاديين أن يكونوا قادرين على فهم القضايا القانونية التي يجب أن توضع في الحسبان عند إجراء صفقة عقارية.

ومن الجدير بالذكر أن عمليات الاحتيال شائعة بصورة كبيرة في الهند، بما في ذلك البنوك والمقاولون والمشترون. ولا توجد ضوابط وموازنات كافية للتأكد من أن الصفقات التي يعقدها المقاولون والشركات تتم وفقا للقواعد واللوائح، إن وجدت.

وتشعر باروميتا بانيرجي، وهي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وتبلغ من العمر 32 عاما، بالغضب، حيث طلب مسؤول البناء منها أن تقوم بدفع مبالغ غير قانونية حتى يمكنها شراء شقة تبلغ قيمتها أربعة ملايين روبية في نويدا بدلهي. وكان يتعين على بانيرجي، التي لم يسبق لها إعطاء أو الحصول على رشوة، أن تدفع 200.000 روبية مقابل توصيل المياه والكهرباء، على الرغم من أن هذه تعد استحقاقات لها، كما يجب عليها دفع مبلغ مماثل للحصول على مكان للوقوف السيارات، ويجب عليها دفع كل هذه المبالغ غير القانونية نقدا. ويقول مسؤول البناء إنه عاجز عن عمل أي شيء، وإنه يتعين عليه دفع مبالغ للمسؤولين في الجهات الحكومة لإنهاء إجراءات المشروع. وقد قام مسؤول البناء بتقديم عرض إلى بانيرجي يوفر لها 50.000 روبية على هيئة رسم دمغة من خلال تخفيض 600.000 روبية من سعر التكلفة المذكورة، وهو ما يعد أيضا شيئا غير مشروع. ووفقا لمسح أجرته شركة «كيه بي إم جيه» للاستشارات، قال 32 في المائة من المستطلعين إن قطاع العقارات هو القطاع الأكثر فسادا في الهند. وقد جاء تصنيف الهند في المركز الأربعين في مؤشر «جونز لانغ لاسال» للشفافية، وبالتالي هناك حاجة إلى وجود آلية للتعامل مع ذلك الوضع.

وهذا هو السبب في تأكيد ديباكبارخ، رئيس شركة «إتش دي إف سي» وهي أكبر شركة تمويل عقاري في الهند، على أنه «من الضروري جدا» أن تكون هناك هيئة لتنظيم العقارات. وأضاف أن «عدم وجود مثل هذه الهيئة هو السبب الرئيسي وراء الفساد والقلق وسوء التصرف. وسوف تكون مهمة هذه الهيئة هي ضمان اتباع البناة للقواعد وضمان الجودة ومحاسبتهم إذا فشلوا في تحقيق مهمتهم. وهذا هو السبب وراء الأهمية الكبيرة لهذا القانون، حيث من الممكن أن يجعل البناة عرضة للمحاسبة أمام المشترين، كما أنه يمكنه الضغط على الحكومة لتصبح مسؤولة أمام البناة».

وسوف يكون إنشاء هيئة للتنظيم العقاري بمثابة خبر سار بالنسبة للمستثمرين غير المقيمين والذين عانى الكثير منهم من تجارب مريرة من خلال تعاملهم مع المقاولين. وقد اندلعت أزمة الشهر الماضي بعد صدور قرار باعتقال متعهدي شركة «أبل أداي»، وهي شركة مقاولات في ولاية كيرالا في جنوب الهند. وقد تعرض الكثير من المغتربين المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة للاحتيال من قبل مشاريع الشركة، مما أدى إلى تشريد أكثر من 800 عميل.

وسوف تقوم الهيئة التنظيمية الجديدة بالسيطرة على عمليات البناء والمبيعات ونقل وإدارة المباني السكنية وغيرها من العقارات، كما ستضمن أن المقاولين والمستثمرين العقاريين يتبعون الإجراءات نفسها. وفي حالة وجود خلافات - ستكون هناك خلافات بالطبع نظرا لطبيعة هذه الصناعة - سوف تقوم الهيئة بإنشاء محكمة استئناف مختصة بالعقارات للنظر في هذه الخلافات. وقال سينغ «بموجب مشروع القانون، يلتزم المقاول بتقديم جميع الوثائق وتوفير المعلومات اللازمة للمشتري حتى يكون هناك اتفاق مكتوب قبل اتخاذ سلفة أو وديعة. ويتعين على المقاول تقديم كل تفاصيل المشروع إلى الهيئة التنظيمية، وهو ما سيوفر الشفافية الكاملة للمشروع».

وكان الشيء الذي عكر صفو قطاع التطوير العقاري حتى الآن هو أن العقارات قد أصبحت تحت السلطة القضائية لكل ولاية على حدة، وليس على مستوى الدولة. وكان هذا هو السبب الرئيسي وراء تسلل التراخي إلى عملية مراقبة قطاع العقارات والسماح للمقاولين الذين كانوا يميلون لانتهاك القواعد بالإفلات من العقاب. وفي وقت سابق من هذا العام، اتخذ اتحاد المقاولين العقاريين في الهند خطوات طوعية لتحقيق مزيد من الشفافية في هذه الصناعة.

ويحتاج أي مسؤول بناء، في غالبية المدن الهندية، إلى ما يقرب من 60 موافقة قبل بناء العقار، ويجب عليه الحصول على 50 موافقة من هذه الموافقات من المجالس المحلية، وينبغي ألا يستغرق استخراج هذه التصاريح أكثر من ثلاثة أشهر، ولكن يستغرق هذا الأمر في معظم الولايات ما يتراوح بين سنة وأربع سنوات، وهو ما يرفع تكاليف المشروع بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المائة، وهو ما يؤثر على المستهلكين في نهاية الأمر ويؤدي إلى توسيع دائرة الفساد والرشوة. ولا يوجد قطاع في الهند يفلت من العقاب مثل قطاع العقارات، وذلك ببساطة بسبب الفساد المستشري في كل أجزائه.

ويعد البناة، بالتأكيد، هم ضحايا هذا النظام الفوضوي، لكنهم يقومون أيضا باستغلال هذا النظام الفوضوي خلال تعاملهم مع المشترين الذين لا يعرفون القواعد جيدا ولا يملكون المال الكافي للخوض في مثل هذه التفاصيل، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك مثل البيع غير المشروع لأماكن وقوف السيارات وقيام المشترين والبائعين على حد سواء بالتقليل من قيمة بيع العقار وذلك بسبب الضريبة التي تتراوح بين 5 و14 في المائة من قيمة البيع، بالإضافة إلى ضريبة أرباح رأس المال على المدى الطويل والتي تبلغ 20 في المائة.

وتم إرسال مشروع قانون تنظيم العقارات لعام 2011 إلى وزارة العدل الهندية، وتم إدخال بعض التعديلات على النص الأصلي للقانون لكي يتم وضع ضمانات تحمى المستهلكين من الغش والاحتيال. وبمجرد وضع هذا القانون حيز التنفيذ، سيتعين على المقاولين التسجيل في الهيئة التنظيمية وتقديم كل التفاصيل المتعلقة بمشروعاتهم، بما في ذلك الأراضي والموافقات، قبل أن يتمكنوا من الإعلان عن مشروعهم للجمهور. والشيء الوحيد المتبقي هو مراقبة إنشاء الهيئة التنظيمية حتى تقوم برعاية حقوق المستثمرين.

ومهما كان قدر المساواة في القانون بالنسبة لمواطني الهند، ينطبق الشيء نفسه على الهنود غير المقيمين والأشخاص ذوي الأصول الهندية والمواطنين الهنود المقيمين في الخارج. ومع ذلك، تم تقديم توصيات بإنشاء هيئة مستقلة في كل ولاية من أجل توفير حماية خاصة للمستثمرين من الفئات المذكورة أعلاه.

وفي غياب مثل هذه الصيغة، ما الذي يجب على مستثمر هندي مغترب أن يقوم به لكي يحمي نفسه؟ في الواقع، ينبغي أن يلتزم مسؤول البناء والمقاول بتقديم ضمان مصرفي للمستثمرين الذين يرغبون في الاستثمار في العقارات، نظرا لأنهم يقيمون في دولة أخرى ويجدون صعوبة في اعتماد أو مواصلة الإجراءات القانونية، إن وجدت، ضد المقاولين المتعثرين.