السعودية: دعوات لتشديد الرقابة على «البناء التجاري» الخاص بالمساكن

خبراء: 75% من عقاراته لا تراعى فيها أبجديات السلامة والاستمرارية

دعوات لمراعاة البناء الصحيح للمباني السكنية لإيقاف المشاكل المستقبلية لما يعرف بالبناء التجاري (تصوير: خالد الخميس)
TT

دفع نمو الطلب المطرد على المساكن في السعودية، خصوصا المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، بعض المستثمرين إلى توجيه دفة استثماراتهم نحو بناء أعداد كبيرة من المباني والفيلات لغرض بيعها فور الانتهاء من بنائها، وذلك قصد الاستفادة من ثورة البناء التي تعيشها السعودية في هذه الفترة لتغطية الطلب المتنامي.

وينعكس هذا الأمر سلبا على جودة وتحمل تلك المباني عقب الانتهاء من بنائها، حيث إن بعضها لا يستطع مقاومة التغيرات المناخية، فتتسبب في تشقق جدرانها، والبعض الآخر هدمت أرضيته، بالإضافة إلى مواجهة مشاكل سباكة البناية، أو ضعف أسلاك كهربائها وعدم تحملها للضغط المتواصل مما قد يتسبب في التماسها.

وجميع تلك المشاكل قد تجعل المشتري هو الضحية، والذي أراد الاستقرار في منزل يكفل له الاستقرار، ولم يعلم أنه وقع في مشاكل ومصاريف لا حصر لها نتيجة سوء البناء وعدم وجود قوانين صارمة عند البناء، وهي جميعها أمور لا يتحمل نتائجها سوى المشتري الذي سيتحمل أخطاء غيره، مؤمنا بالاضطرار بالمثل القائل «القانون لا يحمي المغفلين».

وقال عامر المشاري، وهو مستثمر عقاري، إن البناء التجاري (الاسم السائد لهذه النوعية من البناء) يفتقد إلى أساسيات البقاء أو البناء بطريقة صحيحة، وذلك لعدم انتهاج الطريقة الصحيحة في البناء، بسبب السرعة الكبيرة والوقت القصير الذي يبنى فيه المنزل، وهو أمر يضر بشكل كبير بالبناية، بل إنها قد تسقط في أي وقت.

وعزا ذلك إلى أمور كثيرة، أهمها اعتماد هؤلاء المستثمرين على مواد البناء التجارية ذات السعير الرخيص والتي دائما ما تكون ذات جودة رديئة وعمر افتراضي قصير، وتصبح البناية بعد بنائها بسنوات قصيرة ذات أعطال متكررة معظمها قد لا يمكن إصلاحه إلا بهدم بعض الجدران أو تكسير أجزاء من المنزل للإصلاح، مثل السباكة والكهرباء وإعادة بناء الخزان، وغالبا تبدأ الأعطال بعد انتهاء بنائها بثلاث سنوات، ولا تنتهي إلا بعد سقوطها أو دفع أموال طائلة لإعادة صيانتها وتجديد بنائها، وهي المدة التي تكون البناية فيها قد انتقلت من ذمة المستثمر واستقرت في ذمة المشتري الذي وقع ضحية لغش من نوع جديد.

من جهته، أوضح عبد العزيز الكليب، وهو مقاول عقاري، أن ما يتجاوز الـ75 في المائة من البناء التجاري، لا تراعى فيه أبجديات السلامة والاستمرارية، بل جميعها بنيت من أجل التكسب بالدرجة الأولى، ودائما ما يكتشف المشتري أنه وقع في ورطة كبيرة عند شرائه أي بناية من تلك النوع، مطالبا بتكثيف المتابعة والمراقبة من الجهات المختصة لوضع حد لهذا التلاعب الذي يقع فيه المواطن الذي ضحى بجميع ما يملك للحصول على سكن مناسب ليكتشف في نهاية الأمر أن ما اشتراه ليس سوى مقلب سيضطر إلى شربه رغما عنه.

وعن الأسباب الأخرى لسوء هذه النوعية من البناء كشف الكليب عن نقطة مهمة لا يراعيها هؤلاء المقاولون، وهي أنه عقب الانتهاء من بناء الطابق يستوجب التوقف لمدة لا تقل عن 4 أشهر وذلك حتى تجف المباني، ومن أجل أن يقوى ويتماسك عظمها، ومن ثم البدء في بناء الطابق الذي يليه، وهو ما لا توفره هذه البنايات، وذلك لرغبتهم في الانتهاء من البناء بأسرع وقت، حيث إنهم وفور الانتهاء من الطابق الأول يتم البدء في بناء الطابق الذي يليه مما يتسبب في تشقق وتصدع البناء بعد سنوات قصيرة من بنائه.

ويتوقع أن تصل القيمة الإجمالية لمشاريع البناء في السعودية - أكبر اقتصاد عربي- والتي تعد سوق البناء الأكبر في الشرق الأوسط، إلى نحو 237.4 مليار ريال سعودي بحلول عام 2012، وذلك بالتزامن مع بدء الحكومة السعودية في تنفيذ خطة التطوير الخمسية التاسعة.

ويشار إلى أن النمو الذي يحققه قطاع البناء في المملكة يشكل محفزا رئيسيا للنمو في قطاع آليات البناء، الذي يتوقع أن يسجل نموا بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2015.

وحول جودة وتحمل هذه الأبنية، أكد سالم العنيزان، صاحب شركة إنشاءات عقارية، أنها تفتقد إلى الجودة والهندسة القيمية، وأن الجهات الرقابية لا تفرض متابعة ومحاسبة كافية على هذه النوعية من البنايات، تاركة هذا الأمر إلى ضمائر المقاولين، الذين يتحكمون في البناء كيفما شاءوا من دون الاستناد إلى معايير ومقاييس صارمة للمحافظة على البناية.

وأشار إلى أن معظمها غير مجهز لمواجهة أدنى الكوارث الطبيعية أو البيئية، لافتا إلى أن الجهات الرقابية والمعنية يجب أن تنتبه جيدا ولا تهمل أو تقصر في محاسبة المقصرين حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه في المستقبل مثل سقوط البناية أو التماسها.

وفي السياق نفسه، كشف محمد الزامل، وهو مهندس معماري، أن أهم ما يسبب سقوط هذه الأبنية أو تصدعها هو مشكلة التلاعب بكمية الحديد خلال وضع الأساسات، ومحاولة توفير هؤلاء المقاولين أكبر كمية ممكنة من الحديد، مما يخلق مشكلة أكبر وهي احتمالية سقوط البيت أو تصدعه في أحسن الأحوال، وتصدع الجدار لا يصمد طويلا حيث سيضطر في نهاية الأمر إلى السقوط وذلك لخلوه من الكميات اللازمة من الحديد، وهي نقطة مهمة يغفل عنها أكثر المقاولين التجاريين الذين يهدفون إلى توفير تكاليف البناء لجني أكبر فائدة ممكنة.

وتابع أن «كمية الحديد تختلف من حي لآخر، ومن منطقة لأخرى، بحيث لا يمكن وضع كمية حديد ثابتة لكل بناء، إذ إن بعض الأراضي تحتاج إلى كمية مضاعفة من الحديد والقواعد وذلك لسوء أرضيتها أو هضمها للمباني، أو أن الأرض قد تكون واقعة على مشارف واد أو أرض منخفضة، وذلك ما لا تراعيه مخططات المقاولين حيث يعتمدون الكمية نفسها بغض النظر عن الظروف الأخرى واختلاف كمية احتياج البناء للحديد».