شهر رمضان يرفع تداولات أسواق مكة المكرمة والمدينة المنورة العقارية

مع توافد عدد من المستثمرين للمدينتين المقدستين

تشهد مكة المكرمة والمدينة المنورة حركة عقارية كبيرة في شهر رمضان الحالي (تصوير: مروان الجهني)
TT

مع دخول شهر رمضان تشهد تداولات سوق العقارات هدوءا نسبيا، يرجع إلى أن موسم العقارات يستعد للدخول في معترك البيع والشراء خلال الفترة التي تتبع عيد الفطر، في الوقت الذي تتجه أنظار أغلب العقاريين للعقارات المطروحة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وتأتي تلك التوجهات مع تردد الكثير من أصحاب القرارات على المدينتين المقدستين خلال شهر رمضان، في حين يسعى عدد من الوسطاء إلى الاستفادة من تردد العقاريين على مكة المكرمة والمدينة المنورة للاستفادة من تسويق عدد من العروض الخاصة بأراضٍ أو مبانٍ أو منتجات أخرى، خصوصا في ظل التطوير المستمر للمدينتين المقدستين من قبل الحكومة السعودية، وهو ما يساعد على مواكبة تلك المنظومة من خلال مشاريع تتماشى مع التطوير القائم الحالي، عبر مشاريع إسكانية أو فندقية أو غيرها من المشاريع العقارية.

وبحسب تقديرات سابقة فإن قيمة الاستثمارات المتوقعة في مكة المكرمة يصل إلى 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، وهو ما يبرز فرصا كثيرة في مكة المكرمة للمساهمة في تطوير العاصمة المقدسة، في الوقت الذي أعلنت استثمارات كثيرة ضخمة فيها، كاستثمار أبراج البيت التي يتوسطها برج ساعة مكة التي عملت على بنائها شركة «بن لادن» السعودية.

وبحسب عقاريين فإن وجود العقاريين في مكة المكرمة والمدينة المنورة في الشهر الفضيل أمر طبيعي لأداء مناسك العمرة وزيارة مدينة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وهو ما يساعد على تسويق الفرص العقارية المختلفة خلال الفترة الحالية، مع عمليات التطوير التي يعمل عليها عدد من الشركات للمساهمة في تطوير المدينتين المقدستين كمدينة المعرفة الاقتصادية في المدينة المنورة.

وقال خالد الضبعان الخبير العقاري إن شهر رمضان يشهد في العادة هدوءا في التداولات، خصوصا مع أن الكثير من الشركات تعمل على ترتيب أوراقها وطرح مشاريع جديدة لاستيعاب الطلب الكبير، خصوصا أن الفترة الماضية شهدت حركة بيع الأراضي المفردة بغرض السكن والاستثمار طفرة كبيرة، وحققت الشركات مبيعات عالية، مما يعطي مؤشرات بتعطش السوق لمنتجات مختلفة.

وتابع: «الآن فرصة للمسوقين والوسطاء العقاريين في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة لعرض الفرص العقارية على المستثمرين العقاريين الذين يزورون المدينتين المقدستين لأداء المناسك، حيث تتضمن الفرص العقارية مختلف المنتجات من أراضٍ ومساكن ومبانٍ وأبراج، وغيرها من العقارات المتداولة».

وتتركز أكثر استثمارات العقارات في ما يقارب 5 مدن رئيسية في السعودية، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة والعاصمة الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، في الوقت الذي يصل حجم السوق العقارية إلى 1.5 تريليون ريال (400 مليار دولار).

وشدد الضبعان على أن عوائد الاستثمار في مكة المكرمة قد تتراوح بين 6 و8 في المائة، إلا أن ثباتها قد يكون أطول من أي مدينة أخرى، وذلك لكون مكة المكرمة تحافظ على أسعار عقاراتها على المدى المتوسط والطويل، على عكس المدن الأخرى التي تحافظ على أسعارها على المدى القصير.

من جهة أخرى أشار تقرير لشركة «سي بي ريتشارد أليس» العالمية إلى أنه مع اتساع الفجوة بين العرض والطلب في قطاع الإسكان، لا تزال القدرة على تحمل التكلفة عائقا رئيسيا أمام ملكية المنازل بين المواطنين السعوديين.

وأضاف التقرير أن السعودية تعتبر أكبر سوق عقارية في دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها أقل سوق رهن عقاري تطورا بينها، وهذا ما أدى إلى نقص في المساكن التي يشغلها مالكوها، ولا سيما بين ذوي الدخل المحدود.

وأوضح التقرير الذي عنون بـ«نظرة عامة على سوق العقارات في السعودية» أن معدل اختراق الرهن العقاري في السعودية يقدر بنحو 2 في المائة، في حين تصل النسبة في أسواق مثل الإمارات إلى 14 في المائة، وهذا أقل بكثير من الأسواق الغربية الناضجة مثل المملكة المتحدة، حيث يبلغ معدل الاختراق حاليا حدود 70 في المائة.

وتابع: «على الرغم من ذلك واصلت أسعار العقارات الارتفاع في جميع القطاعات بسبب ضغط الطلب المتزايد وازدياد حجم المعاملات العقارية، ففي أجزاء كثيرة من المملكة أدت المضاربات إلى ارتفاع أسعار الأراضي بما يتجاوز قيمتها الاقتصادية، وكانت النتيجة عدم إمكانية تطوير مساحات كبيرة من الأراضي السكنية من الناحية العملية».

وتوقع صندوق النقد الدولي مؤخرا ارتفاع النمو الاقتصادي في السعودية إلى 6.5 في المائة في عام 2011، مقارنة بـ4.1 في المائة في عام 2010، وعلى الرغم من عدم اليقين السياسي في المنطقة فإن التزام الحكومة بالإنفاق العام الذي يتم تمويله إلى حد كبير من خلال ارتفاع أسعار النفط، يوفر حافزا كبيرا على المدى القصير بالنسبة للاقتصاد، على حد وصف التقرير.

وأوضح التقرير أنه مع استمرار اتساع الفجوة بين العرض والطلب على المساكن بسبب النمو السكاني القوي والعرض المحدود - خصوصا للمنازل المخصصة للعائلات المنخفضة والمتوسطة الدخل - لا تزال تواجه السعودية أزمة سكنية، وكانت النتيجة لذلك زيادة في أسعار العقارات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في النصف الأول من عام 2011.

وبيّن التقرير أن أقل من 35 في المائة من السعوديين يمتلك بيتا خاصا به، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم وجود التمويل العقاري المتاح، ولأن الحد الأدنى للراتب المطلوب للحصول على الرهن العقاري لا يزال بعيدا عن متناول معظم السكان.

وتابع: «قانون الرهن العقاري السعودي كان موضع شائعات وتكهنات لأكثر من عقد من الزمن، وبدا أن كل ذلك قد انتهى عندما قام مجلس الشورى في النصف الثاني من عام 2010 بتأجيل المشروع إلى أجل غير مسمى».

وأكد أنه مع ذلك، وفي أعقاب الاضطرابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وإدراكا منه لمطالب شعبه، قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتحديد قطاع السكن كأولوية وطنية، وأعلن في 18 مارس (آذار) 2011 عن برنامج لإنفاق 67 مليار دولار لبناء نصف مليون منزل، بالإضافة إلى تعهده السابق بصرف 15 مليار دولار لتمويل بناء 1.65 مليون منزل على مدى السنوات الخمس المقبلة.

بالإضافة إلى ذلك تم تحويل الهيئة المسؤولة عن الإسكان إلى وزارة مستقلة، بميزانية قدرها 4 مليارات دولار. وأضاف: «في أوائل أبريل (نيسان) 2011 وافق مجلس الشورى على التعديلات النهائية للقانون، والآن تم إقراره من قبل الملك عبد الله للحصول على الموافقة النهائية. ومن غير المعروف الجدول الزمني للتوقيع النهائي، ولكن الآثار المترتبة لهذا القانون على سوق الإسكان السعودي هائلة».

وأكد أن عدم وجود تمويل عقاري في السعودية أدى إلى أسعار مبيعات سكنية متأخرة كثيرا عن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وكانت النتيجة أن المطورين لا يستطيعون ببساطة تلبية الطلب للفئات المتوسطة والدنيا من السوق.

وتابع: «من المأمول أن يحرر قانون الرهن العقاري قدرة البنوك على تلبية احتياجات السوق، ولكن ينبغي هنا الحذر من التفاؤل المفرط. فمن المرجح أن يستغرق ذلك بعض الوقت ليتم تقييم القانون بالكامل، والأهم من ذلك اختباره في السوق. وعلى الرغم من الفرص الهائلة في مجال التمويل السكني لقطاع الخدمات المالية، قد تستمر البنوك في توخي الحذر على المدى القصير، وقد لا تنخفض تكلفة منتجات الرهن العقاري إلا بعد اختبار سلامة أموال المقرضين بشكل كامل في المحاكم».

وعلى الرغم من أن الكثير من الآمال معقودة على أن تنفيذ قانون الرهن العقاري سيكون مفيدا في سد الفجوة المتعلقة بالقدرة على تحمل التكاليف، فلن يكون لقانون الرهن العقاري تأثير حقيقي على السوق، وفقا لـ«سي بي ريتشارد أليس»، إذا لم تكن شروط التمويل في متناول أيدي السعوديين من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض.

وأكد أنه قد تستمر متطلبات خدمة الدين والأسهم في جعل امتلاك المنزل هدفا بعيد المنال بالنسبة للكثير من الأسر السعودية على المدى القصير، ونتيجة لذلك فإن قانون الرهن العقاري الجديد، الذي يستحق الثناء، قد يستغرق بعض الوقت ليدخل حيز التنفيذ.

وتابع: «هكذا في سوق تزداد فيه احتياجات الإسكان ويبقى فيه شراء العقارات بعيد المنال، واصلت سوق الإيجار في النصف الأول من 2011 تعرضها لضغط تصاعدي على جميع أنواع المنازل».

وتماشيا مع تفضيل السوق بشكل عام للفيلات، ارتفعت أسعار تأجير الفيلات بسرعة أكبر من الشقق في النصف الأول من 2011 وفقا لمسح عقاري أجري على مستوى المملكة من قبل البنك السعودي الفرنسي في أبريل 2011.

وشهدت العاصمة السعودية التي يقطن فيها ربع سكان المملكة ارتفاعا لأسعار الفيلات الصغيرة في جميع أنحاء المدينة بمعدل 11.5 في المائة خلال النصف الأول من عام 2011.

كما ارتفعت أسعار الشقق في الرياض، ولكن بنسبة أقل بكثير. ووفقا للبنك السعودي الفرنسي قفز متوسط السعر المطلوب للفيلات الصغيرة في بعض المناطق في شمال الرياض بنسبة 59.4 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي.

وتبلغ تكلفة فيلا صغيرة في الرياض في الوقت الراهن ما يقرب من 1.34 مليون ريال (357 مليون دولار)، في حين يبلغ المعدل للفيلات الكبيرة، من 400 إلى 700 متر مربع، 1.83 مليون ريال (488 ألف دولار).

وارتفعت الإيجارات للفيلات الصغيرة في العاصمة السعودية بنسبة 32 في المائة هذا العام، مقارنة بمعدل زيادة بلغت 15 في المائة على مستوى المملكة.

وفي جدة ارتفعت أسعار إيجار الفيلات الصغيرة التي تقع في المنطقة المركزية بنسبة 21.5 في المائة على أساس سنوي، في حين ارتفع المتوسط على مستوى المدينة بنسبة 6 في المائة في الفترة نفسها، وارتفعت إيجارات الفيلات في جدة بشكل عام بنحو 11 في المائة خلال النصف الأول 2011، في حين شهدت تكلفة الضواحي الشمالية الراقية ارتفاعا في قيم الإيجار للفيلات الصغيرة بنسبة 14.5 في المائة على أساس سنوي.

وتتوفر الفيلات في نطاق 300 : 400 متر مربع بمعدل إيجار سنوي يقارب 80 ألف ريال (21.8 ألف دولار) في الوقت الحاضر، وهذا أكثر تكلفة بنسبة 70 في المائة من ممتلكات مماثلة في المنطقة الشرقية.

وفي المنطقة الشرقية كانت أسعار العقارات في الخبر تاريخيا أقوى من تلك التي في الدمام والظهران، وقد اتسعت هذه الفجوة في الأسعار في السنوات الأخيرة، حيث كانت الفيلات الأكبر أكثر تكلفة بنسبة 60 : 65 في المائة في الخبر مقارنة بالدمام.

ومع ارتفاع أسعار بيع الفيلات شهدت سوق الإيجارات في المنطقة الشرقية أيضا تضخما معتدلا في أسعار إيجار الفيلات بمساحة 300 : 400 متر مربع والمتوفرة بمعدل سنوي يبلغ نحو 45 ألف ريال وفقا للتقرير.