سوق العقارات السعودية.. موسم جديد وتحديات قديمة

بعد فترة هدوء نسبية في العطلة الصيفية

لا يزال قطاع تطوير الأفراد للمساكن يتفوق على شركات التطوير العقاري في السعودية (تصوير: خالد الخميس)
TT

تعتبر الفترة الحالية في سوق العقارات السعودية فترة انطلاق الموسم الجديد، خصوصا مع انتهاء فترة عطلة الإجازة الصيفية وعودة الحياة إلى جميع الدوائر الحكومية وشركات القطاع الخاص، في فترة هدوء شهدتها السوق، لم تكن هدوءا تاما وإنما كانت نشطة بعض الشيء مع تحركات صندوق التنمية العقاري ومشاريع مكة المكرمة، إضافة إلى الإعلان عن توقيع بناء أطول ناطحة سحاب في العالم، أعلنت عنها شركة «المملكة» القابضة، وستنقل مدينة جدة في غرب السعودية إلى موقع مختلف في القطاع العقاري.

وبعودة النشاط في سوق العقارات السعودية فإن عوامل عدة تنتظرها السوق بحسب الخبراء العقاريين ستكون ذات تأثير كبير حول التحركات المستقبلية، وهي التي ستحدد تحركات السوق، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي تراجعا واضحا، مما يقلل فرص منافسة القطاعات الأخرى لجذب السيولة من القطاع العقاري على المدى القصير، وربما يكون المتوسط أيضا.

وتتمثل العوامل المؤثرة في سوق العقارات السعودية في الرهن العقاري الذي طال انتظاره في: تطورات الاقتصاد العالمي، وضوح رؤية مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية تقوم عليها وزارة الإسكان، أمر بها خادم الحرمين الشريفين، إعلان شركة التطوير العقاري في البلاد طرح المزيد من المشاريع العقارية خلال الفترة المقبلة، تسهيل عملية الحصول على قروض عقارية، إضافة إلى المضاربة.

وقال محمد القحطاني الخبير العقاري إن قطاعات العقارات السعودية هي مستودع للمدخرات الاستثمارية، في الوقت الذي لا تحقق القطاعات الأخرى مغريات أكثر في جذب المستثمرين لوضع سيولتهم في تلك القطاعات، إضافة إلى أن الأراضي تستحوذ على النصيب الأكبر في احتواء السيولة بشكل أكبر من المنتجات العقارية الأخرى، إضافة إلى أنها تحقق النمو الأكبر في الأسعار، إلا أنه استدرك وأكد أن قطاع الأراضي على الرغم من أنه المفضل فإنه يواجه في بعض الأحيان صعوبة تسييل الاستثمار بالسرعة المطلوبة.

وعلى الرغم من اتساع سوق العقارات في أكبر اقتصاد عربي، وقطاع التطوير العقاري بالتحديد، فإن نسبة تطوير الأفراد تفوق نسبة تطوير الشركات، الأمر الذي يدخل السوق في جزئية عشوائية في تنظيم عمليات التطوير، خصوصا أن السعودية من الدول التي تنخفض فيها أسعار المنازل مع مرور الأيام، نتيجة ظهور أحياء أكثر تطورا في المدن من خلال البنية التحتية.

وبالعودة إلى القحطاني أكد إلى أن الرهن العقاري هو وسيلة ستساعد على تملك المنازل، ولكن من الأفضل أن يكون هناك منازل للتملك، عبر منح شركات التطوير مميزات ومساعدتها في زيادة نسبتها في تطوير العقارات، الأمر الذي سيساعد على وجود تنظيم ويمكن من طرح المزيد من المنتجات العقارية واستيعاب الطلب الكبير.

ويقدر الطلب في السعودية - عضو مجموعة العشرين - بنحو 200 ألف وحدة سكنية سنويا، وتسعى الحكومة إلى بناء مليون وحدة سكنية حتى عام 2014 من خلال القطاع العام والخاص، وذلك من خلال خطة التنمية التاسعة، التي تسعى أيضا توفير 266 مليون متر مربع، لاستيعاب 80 في المائة من الطلب المتزايد، نتيجة النمو السكاني واستمرار نمو الاقتصاد، الذي يتوقع أن يتجاوز 4 في المائة في عام 2011.

وقال خالد الضبعان الخبير والمستثمر العقاري إن دخول المدن الاقتصادية في جذب الطلب على المساكن سيساعد على تخفيف الضغط على المدن الرئيسية، التي تتركز في العاصمة الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، وبالتحديد في مدن الدمام والخبر ومحافظة الأحساء.

وأضاف الضبعان: «النمو الاقتصادي خلال السنوات العشر الأخيرة ساهم في طفرة في الطلب على المساكن، وقد كان في وقت سابق على كل أنواع العقارات، إلا أن تركيز المطورين بشكل أكبر على المكاتب ساهم في تغطية جزء كبير من الطلب على القطاع العقاري التجاري، الذي كان يرى فيه المستثمرون أفضلية على القطاع السكني في عملية التسويق بالتعامل مع الشركات والمؤسسات».

وينتظر أن يشهد قطاع التطوير العقاري نقلة أكبر في حال بدأ صندوق التنمية العقاري صرف القروض العقارية للمتقدمين مؤخرا دون شرط امتلاك الأرض، مما يساعد على شراء المنتجات العقارية المعروضة، التي تم فتح باب الطلبات عليها مؤخرا.

ويمضي الضبعان في حديثه بالقول: «أكبر عائق قد يواجه تملك المسكن هو وجود صيغة مناسبة أو آلية لتمويل المساكن، وهو ما سيجعل المطالبة بالرهن العقاري ضرورة حتمية، حتى يساعد على تملك المساكن بالشكل المطلوب، في ظل صعوبة تحرك البنوك في هذا القطاع الاستثماري الضخم».

وبحسب إحصائيات غير رسمية فإن حجم السوق العقارية في السعودية يصل إلى 1.5 تريليون ريال (400 مليار دولار)، في الوقت الذي تعتبر فيه السوق العقارية في المملكة مهيأة لانطلاق قوية، والالتحاق بالاقتصاد الكلي، في الوقت الذي لا ترتبط به حاليا، وهو ما تعمل عليه الحكومة خلال الفترة المقبلة، من خلال عمليات ربط هذا القطاع الحيوي والاستفادة من مقوماته التي قد تمكن من جذب رساميل كبيرة خلال الفترة المقبلة.

وقد يكون تحرك هيئة سوق المال السعودية في إصدار تنظيم خاص بشركات التصنيف الائتماني، وهو ما يمكن من إنشاء شركات، وبالتالي تصنيف الائتمان لدى شركات التطوير أو التمويل العقاري، وتحريك القطاع بالشكل المطلوب خلال الفترة المقبلة.

وتعمل السعودية جاهدة على تنظيم عملية التمويل، في الوقت الذي تعمل فيه البنوك على إنجاز ما يمكن إنجازه من توسع في محافظها للتمويلات العقارية للأفراد، وفي الوقت الذي تجد فيه كبرى شركات المقاولات وشركات التطوير العقاري صعوبة في الحصول على تمويلات لازمة لتنفيذ مشاريعها، الأمر الذي دفع الحكومة إلى القيام بهذا الدور خلال الفترة الحالية.

وكانت تقارير عقارية قد ذكرت أن أسعار العقارات واصلت الارتفاع في جميع القطاعات بسبب ضغط الطلب المتزايد وازدياد حجم المعاملات العقارية، حيث أدت المضاربات إلى ارتفاع أسعار الأراضي بما يتجاوز قيمتها الاقتصادية، الأمر الذي تسبب في عدم إمكانية تطوير مساحات كبيرة من الأراضي السكنية من الناحية العملية.

وقالت شركة «سي بي ريتشارد أليس» للاستشارات إنه مع استمرار اتساع الفجوة بين العرض والطلب على المساكن بسبب النمو السكاني القوي والعرض المحدود - خصوصا للمنازل المخصصة للعائلات المنخفضة والمتوسطة الدخل - لا تزال تواجه السعودية أزمة سكنية، وكانت النتيجة لذلك زيادة في أسعار العقارات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في النصف الأول من عام 2011.

وأضافت: «حاليا، يمتلك أقل من 35 في المائة من السعوديين بيتا خاصا بهم، ويرجع ذلك إلى حد كبير لعدم وجود التمويل العقاري المتاح، ولأن الحد الأدنى للراتب المطلوب للحصول على الرهن العقاري لا يزال بعيدا عن متناول معظم السكان».

وأكدت أن قانون الرهن العقاري السعودي كان موضع شائعات وتكهنات لأكثر من عقد من الزمن، وبدا أن كل ذلك قد انتهى، عندما قام مجلس الشورى في النصف الثاني من عام 2010 بتأجيل المشروع إلى أجل غير مسمى.

وأشارت إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حدد قطاع السكن كأولوية وطنية، وأعلن في 18 مارس (آذار) 2011 عن برنامج لإنفاق 67 مليار دولار لبناء نصف مليون منزل، بالإضافة إلى تعهده السابق بصرف 15 مليار دولار لتمويل بناء 1.65 مليون منزل على مدى السنوات الخمس المقبلة. بالإضافة إلى ذلك تم تحويل الهيئة المسؤولة عن الإسكان إلى وزارة مستقلة، بميزانية قدرها 4 مليارات دولار.

وأشارت إلى أنه في أوائل أبريل (نيسان) 2011 وافق مجلس الشورى على التعديلات النهائية للقانون، والآن تم إقراره من قِبل الملك عبد الله بن عبد العزيز، للحصول على الموافقة النهائية، ومن غير المعروف الجدول الزمني للتوقيع النهائي ولكن الآثار المترتبة لهذا القانون على سوق الإسكان السعودي هائلة.

وأوضحت «سي بي ريتشارد أليس» أن عدم وجود تمويل عقاري في السعودية أدى إلى أسعار مبيعات سكنية متأخرة كثيرا عن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وكانت النتيجة أن المطورين لا يستطيعون ببساطة تلبية الطلب للفئات المتوسطة والدنيا من السوق. وقالت: «من المأمول أن يحرر قانون الرهن العقاري قدرة البنوك على تلبية احتياجات السوق، ولكن ينبغي هنا الحذر من التفاؤل المفرط. فمن المرجح أن يستغرق ذلك بعض الوقت ليتم تقييم القانون بالكامل، والأهم من ذلك اختباره في السوق. وعلى الرغم من الفرص الهائلة في مجال التمويل السكني لقطاع الخدمات المالية، فقد تستمر البنوك في توخي الحذر على المدى القصير، وقد لا تنخفض تكلفة المنتجات الرهن العقاري إلا بعد اختبار سلامة أموال المقرضين بشكل كامل في المحاكم».