القطاع العقاري الذي يسبح ضد التيار في لندن.. قفز بـ35% خلال عامين

أسعار المساكن في بريطانيا تراجعت بـ0.6% في الشهر الماضي

جانب من العاصمة البريطانية لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

تواصلت الأخبار السيئة لسوق العقار البريطانية في الفترة الأخيرة، وعلى خلفية التقلبات الاقتصادية وصعوبة تحقيق نمو ملحوظ والاضطرابات التي تشهدها أسواق المال والبنوك وأوضاع الاتحاد الأوروبي المالية، وهي بالطبع أوضاع مزرية لم يسبق أن مرت بها القارة الأوروبية منذ سنوات طويلة جدا. وكما يقول بنك إنجلترا فإن الأوضاع الاقتصادية البريطانية تشكل تحديا كبيرا للحكومة، إذ لم يتعد النمو الاقتصادي خلال الربع الثاني من هذا العام الـ0.2 في المائة، أي أقل بكثير من النسبة المتوقعة على المدى البعيد، التي تتعدى الـ0.7 في المائة. وأكد تقرير بنك «نيشين وايد البريطاني» الأخير، أن تراجع الأسعار على العقارات السكنية خلال الشهر الماضي (أغسطس 2011) كان الأسرع منذ أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي (2010). وحسب الأرقام التي نشرها التقرير، فإن نسبة التراجع التي سجلها الشهر الماضي وصلت إلى 0.6 في المائة. وعلى هذا الأساس يكون معدل سعر العقار السكني في بريطانيا قد تراجع بنسبة 0.4 في المائة عما كان في نفس الوقت من العام الماضي. ولا بد من الذكر هنا، وعلى سيرة التقلبات في شتى الأسواق، والأسواق العقارية واحدة من أهمها في بريطانيا، فقد ارتفعت أسعار العقارات السكنية في يوليو (تموز) هذا العام، أي الشهر السابق لأغسطس بنسبة لا تقل عن 0.3 في المائة. ويقول التقرير في تعليق على التطورات الأخيرة في أسواق العقار السكنية، إن تباطؤ الطلب على العقارات والارتفاع المتواصل في أعداد العقارات المعروضة للبيع في الأسواق، ساعد بشكل أو بآخر في الحفاظ على استقرار أسعار العقارات منذ الصيف الماضي، أي منذ سنة تقريبا. كما لا يتوقع الخبراء أيضا أن تتحسن الأوضاع حتى نهاية العام، إذ لا يتوقع أن تحصل أي تطورات اقتصادية إيجابية باستثناء تراجع معدل الفائدة العام ربما خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

ويقول الاقتصادي المعروف روبرت غاردنر في هذا الإطار: «على خلفية التراجع الحاصل، لا نزال نتوقع تأرجح أسعار العقارات أو تراجعها ببطء لبقية عام 2011».

وعلى الرغم من أن الأرقام التي نشرها بنك إنجلترا، تشير إلى أن البنوك والمؤسسات المالية العقارية المقرضة في يوليو وافقت على أكبر عدد من القروض منذ مايو (أيار) العام الماضي، فإنه لا يزال هذا العدد أقل بكثير من المعدل الشهري الذي كان عليه قبل الأزمة المالية الدولية عام 2008، مما يزيد من المشاعر المتشائمة بالأسواق العقارية خلال هذه الفترة.

وكما ذكرنا سابقا، فإن النمو الضعيف والبطيء للاقتصاد بشكل عام، يخلق مخاوف كثيرة، وله تبعات كبيرة على أسواق العقار، بحيث، إذا تواصل الأداء الاقتصادي الضعيف، فسيؤدي ذلك إلى إضعاف سوق العمل ورفع معدل البطالة، وبالتالي الإخلال بتوازن الطلب الدقيق مع العرض، ووضع ضغوط لتراجع الأسعار بنسب أكبر.

ومع هذا لا يزال غاردنر متفائلا بالنسبة للأداء الاقتصادي في المستقبل القريب، ويقول بهذا الصدد: «لا نزال نتوقع أن يتواصل التعافي الاقتصادي البريطاني تدريجيا خلال الفصول المقبلة، مما سيشكل مانعا أمام تردي الأوضاع، وخصوصا أوضاع السوق العاملة. وسيدعم معدل الفائدة العام الذي سيبقى على حاله حتى عام 2012، الإنفاق المحلي».

وهذا بالطبع مغاير بشكل كبير لتوقعات الأسواق المالية قبل أشهر؛ بأن توقعت ارتفاعا على معدل الفائدة العام قبل نهاية الصيف الحالي.

ولا بد من الذكر هنا أن أرقام وتقارير «نيشن وايد» تعتمد على إحصاءات البنك نفسه، وليست بالضرورة انعكاسا للصورة الشاملة للأسواق العقارية السكنية في بريطانيا، كما أنه مع مواصلة الانقباض الذي أصاب سوق القروض العقارية، يصعب معرفة وجهة الأسعار والأسواق. ولهذا يطالب الكثير من الخبراء والعاملين في الحقل العقاري التشديد على ضرورة زيادة عدد القروض الممنوحة مع الوقت، وعلى المدى البعيد تستعيد عافيتها السابقة والضرورية للنشاط العقاري. أضف إلى ذلك أن بعض المناطق في البلاد، وخصوصا العاصمة لندن، تشهد ارتفاعا على الأسعار، وهناك ارتفاع كبير في عدد الصفقات النقدية (الدفع نقدا).

وعلى هذا الصعيد الإيجابي، ذكرت كثير من التقارير المحلية والدولية، وخصوصا من «نايت فرانك» المعروفة، أن أسعار العقارات الفاخرة في العاصمة لندن قد ارتفعت بنسبة 35 في المائة خلال العامين الماضيين، ويتوقع أن يتواصل ارتفاعها في على المديين القريب والبعيد.

وقد تواصل النمو القوي للأسعار في القطاع الفاخر منذ أبريل (نيسان) عام 2009 حتى الشهر الماضي، حيث سجلت نسبة نمو لا تقل عن 1 في المائة. ومع هذا النمو تكون أسعار العقارات الفاخرة في لندن قد ارتفعت بنسبة 0.4 في المائة عما كانت عليه في مارس (آذار) عام 2008.

ولم يختلف الوضع في أغسطس الحالي عن الوضع في أغسطس العام الماضي، حيث شهدت سوق العقار الفاخر نشاطا ونموا ملحوظين.

وقد ارتفع في الفترة الأخيرة عدد الباحثين عن العقارات الفاخرة، وخصوصا خلال العام الماضي، حيث وصلت نسبة هذا الارتفاع إلى 11 في المائة، وزاد عدد الذين تفحصوا وشاهدوا العقارات الفاخرة بنسبة 23 في المائة، أما عدد الذين تقدموا بدفعة أولى للحصول على عقار فاخر، فقد ارتفع أيضا بنسبة لا تقل عن 13 في المائة.

وأضف إلى تلك الزيادة زيادة في عدد العقارات الفاخرة المعروضة للبيع بنسبة مناسبة لا تقل عن 13 في المائة، وزيادة عدد الصفقات بنسبة مماثلة، أي زيادة وارتفاعا على جميع الصعد، ويبدو أن الطلب الخارجي من قبل المستثمرين الأجانب، وخصوصا الأوروبيين والأميركيين، قد دعم هذا النمو في القطاع اللندني الهام منذ عدة سنوات، ولا يزال يدعمه حتى الآن، إذ إن سعر صرف الجنيه الإسترليني في أسواق صرف العملة لا يزال لصالح المستثمرين، حيث يمكن للأوروبيين المتعاملين باليورو توفير ما نسبته 10 في المائة من سعر العقار الفاخر الذي كان عليه قبل عام 2008، وأكثر من 18 في المائة بالنسبة للأميركيين المتعاملين بالدولار.

أضف إلى ذلك بالطبع معدل الفائدة العام الذي لا يتعد الـ0.5 في المائة، مقارنة بـ5 و6 في المائة من التسعينات حتى عام 2008.

ومع ارتفاع الأسعار منذ بداية العام بنسبة 11 في المائة، لا يزال الخبراء يتوقعون ارتفاعا على المديين القريب والبعيد، وخصوصا في العاصمة لندن.

وعلى هذا الصعيد، فقد ذكر تقرير آخر لنايت فرانك، أن المستأجرين الأجانب في قطاع العقارات الفاخرة قد رفعوا أسعار الإيجار في هذا القطاع بشكل لم يسبق له مثيل. وقد ارتفعت أسعار الإيجار في القطاع بنسبة لا تقل عن 27 في المائة منذ يونيو (حزيران) عام 2009. وقد ارتفعت هذه الأسعار في لندن وحدها كما يبدو بنسبة 7 في المائة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي. كما ارتفعت عائدات الإيجار في وسط العاصمة أيضا من 3.3 في المائة إلى 3.6 في المائة بين يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) هذا العام.

وتشير أرقام «نايت فرانك» أيضا إلى أن أسعار الإيجار قد ارتفعت بين يونيو وأغسطس بنسبة 23 في المائة، بالمقارنة مع ما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي. ويتوقع أن ترتفع هذه الأسعار في هذا القطاع خلال الفترة المقبلة بنسبة لا تقل عن 45 في المائة.

وسجل «نايت فرانك» ارتفاعا على الطلب نسبة إلى المعروض من العقارات الفاخرة للبيع بنسبة 16 في المائة على أساس سنوي.

ومرة أخرى، يؤكد تقرير «نايت فرانك» أن الطلب الخارجي أو الأجنبي كان ولا يزال وراء النمو الكبير في أسعار العقارات الفاخرة وأسعار إيجارها، إذ إن هناك ستة أجانب بين كل عشرة زبائن في القطاع المهم. وقد ارتفع عدد الزبائن من القارة الآسيوية ومنطقة الباسيفيك.

ولكن مؤسسة «برايم لوكيشين»، تشير إلى تطورات جديدة أخرى في هذا القطاع الفاخر خارج لندن، إذ تقول إن أسعار العقارات الفاخرة في بريطانيا ارتفعت بنسبة 3.4 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، والأهم أن لندن لم تعد عاصمة العقار الفاخر كما كان الحال في السابق، وقد بدأ أداء بعض المناطق والمدن الأخرى يتخطاها على هذا الصعيد، وخصوصا في بريستول ومانشستر وشيفيلد وكارديف. كما سجلت هذه المدن نموا أكبر من نمو العاصمة خلال النصف الأول من العام الحالي. ووصلت نسبة النمو في شيفيلد إلى 10.6 في المائة وبريستول إلى 9.7 في المائة ومانشستر إلى 7.9 في المائة، وكارديف بنسبة 8.1 في المائة، أي ثلاث مرات أمثال نمو العاصمة لندن في نفس الفترة، حيث لم يتعد الارتفاع في سعر العرض أكثر من 2.7 في المائة. وحسب تقرير «برايم لوكيشين» الأخير، فإن أداء العقارات الفاخرة والعقارات التي يطلق عليها عقارات البلاتينيوم الفاخرة، قد كان أفضل من أي من القطاعات السكنية الأخرى في بريطانيا في يوليو الماضي. وقد ارتفع سعر العرض لأفضل العقارات في هذا القطاع الأخير بنسبة لا تقل عن 0.6 في المائة على أساس شهري، أي ما يساوي 4 آلاف جنيه إسترليني تقريبا أو ستة آلاف دولار. وهذا يعني أن الزيادة اليومية في أسعار هذه العقارات البلاتينيوم وصلت إلى 129 جنيه إسترليني (195 دولارا تقريبا) في اليوم، مما يعني أن معدل سعر العقار الفاخر البلاتينيوم قد وصل حتى الآن إلى 652.8 ألف جنيه إسترليني (مليون دولار تقريبا).

ومهما يكن الأمر، فإن الأخبار السيئة التي يتقلب عليها قطاع العقارات السكنية العادية الشهر الماضي، ليست إلا جزءا من الصورة العامة لأداء الأسواق العقارية في بريطانيا، ولا تعبر عما يحصل في الكثير من القطاعات سواء أكان ذلك القطاع التجاري أو المكاتب أو القصور أو العقارات التاريخية والمهملة وغيرها. فلكل من هذه الأسواق ديناميكيته الخاصة وقدرته على الصمود في وجه العاصفة المالية. ولكن ما هو ثابت هذه الأيام أن القطاعات والعقارات التي ينشط فيها الأغنياء لا تزال بألف خير، ولم تتأثر بما يحصل على الرغم من الشحة الكبيرة في السيولة لدى الكثير منهم ومن مؤسساتهم.