الاستثمار العقاري الدولي يضبط «ساعته» على «وقت الأزمة»

الإعفاءات الضريبية أصبحت على رأس ساعته

TT

في مجال العقارات الفاخرة ظل وكلاء البيع يعتمدون لسنوات طويلة على النشرات المصقولة والصور وربما مقاطع الفيديو أيضا. ومؤخرا على مزايا جديدة مثل حمامات السباحة المتصلة بصريا بالبحر والمساحات الخضراء الشاسعة والواجهات الخلابة. ولكن مشتري العقار الثري يريد أن يسمع، بالإضافة إلى ذلك كلمات مثل «معفاة من ضرائب القيمة المضافة» أو «لا تفرض ضريبة تركات» حتى يبدي اهتمامه بموقع العقار. فالنظرة الجديدة للاستثمار العقاري في وقت الأزمة المالية تبحث أولا عن المزايا الضريبية بالإضافة إلى الحفاظ على قيمة العقار في عالم تنافسي منفتح يقدم للمستثمر الكثير من المواقع والاستثمارات البديلة.

ويبحث المستثمر الدولي حاليا على مواقع جيدة تقدم استقرارا لرأس المال وفرصة للنمو مع ضرائب منخفضة.

ويؤكد هذا التوجه مستشار قانوني اسمه فيليب مونرو يعمل مع شركة «ويثرز» العالمية التي تشرف على الكثير من الصفقات العقارية الدولية، حيث يقول إن العقارات مثلها مثل أي استثمار آخر تتأثر بعوامل متعددة تنعكس على عائداتها. وأحد أهم العوامل هو عامل الكفاءة الضريبية. وهو يعتقد أن العقارات البريطانية تبدو جذابة للغاية للمستثمر الأجنبي لأنها عالية الكفاءة الضريبية. فالمستثمر غير المقيم لا تعنيه ضرائب القيمة المضافة التي لا تفرض عليه. وهي حالة فريدة بين الكثير من الدول التي تفرض هذه الضريبة على عقاراتها.

ولكن القانون البريطاني يفرض ضرائب الدخل على العوائد الإيجارية للعقارات البريطانية حتى ولو كان المستثمر أجنبيا غير مقيم. ويمكن تقليص هذه الضرائب بالاقتراض على العقار وخصم فوائد القروض وكافة التكاليف المصاحبة للاستثمار العقاري من العوائد الإيجارية قبل فرض الضريبة على العائد المتبقي.

أما ضريبة الإرث أو التركات فهي من العوامل التي تشغل بال المستثمر مهما كان موقع استثماره. ويمكن ببعض التخطيط السليم تقليص هذه الضريبة إلى الحد الأدنى أو حتى التخلص منها.

ويقبل الأجانب على الاستثمار في العقار البريطاني لأن من السهولة دخول السوق، فلا عوائق أو موانع تمنع الأجانب من الاستثمار في بريطانيا. فالأراضي كلها تقريبا مسجلة وإجراءات البيع والشراء واضحة ومتماثلة في كل الحالات من الناحية القانونية.

وتقول خبيرة العقار نعومي هيتون بشركة «لندن بورتوفوليو» إن أفضل الاستثمارات اللندنية تقع في منطقة تشيلسي التي تحافظ على قيمتها ويسهل تأجيرها. وتنصح المستثمر بأن يركز على قطاع الشقق والبيوت الصغيرة التي تقع في المتوسط السعري ما بين 800 ألف و1.5 مليون إسترليني، بدلا من العقارات الأكبر حجما في قطاع الخمسة ملايين إسترليني. وتعتقد هيتون أن هذا القطاع الصغير يوفر أفضل فرص النمو والعوائد الإيجارية في الفترات التي لا يعيش فيها المستثمر في عقاره اللندني. وهي تعتقد أن القطاع الأكبر من المستأجرين هم من موظفي الشركات الكبرى من الأجانب الذين يبقون في لندن لمدة عامين إلى ثلاثة أعوام. ولدى هؤلاء ميزانية تصل في الغالب إلى نحو 1200 إسترليني في الأسبوع. وهي تعتقد أن هذا العائد يعد مغريا لمنزل في فئة سعرية تصل إلى 1.5 مليون إسترليني. أما الإيجارات الأعلى فلها نسبة زبائن أقل في لندن.

أما مواطنو بريطانيا المقيمون فيها، فالاستثمار العقاري يعد أقل جاذبية لأن المستثمر معرض لضرائب القيمة المضافة التي تصل في الوقت الحاضر إلى 28 في المائة في حدها الأقصى. وهم أيضا معرضون لضرائب الإرث عن ممتلكاتهم في كل أنحاء العالم، مما يترك هامشا ضئيلا لتقليل نسبة هذه الضرائب. ولهذا فإن أفضل مكان للشراء في العالم يعتمد على جنسية المستثمر وعلى مكان إقامته.

وبالنسبة للمستثمر البريطاني مثلا، فإن أفضل موقع استثمار عقاري من الناحية الضريبية يقع على مسافة 12 ألف ميل من بريطانيا، حيث لا تفرض نيوزيلندا أي ضرائب على الاستثمار العقاري فيها، سواء كانت ضرائب قيمة مضافة أو إرث، ولذلك يمكن أن تنتقل هذه العقارات إلى الأبناء والأحفاد بلا استحقاقات ضريبية. ويمكن أيضا تقليل ضرائب الدخل العقاري لغير المقيمين في نيوزيلندا بحساب كافة التكاليف المصاحبة لهذا الاستثمار. وهي علاوة على ذلك واعدة استثماريا حيث اقتصادها ينمو بقوة وقانون العقارات فيها مشابه للقانون البريطاني ولا موانع فيها على الاستثمار الأجنبي بالإضافة إلى أن خطف الصفقات بثمن أعلى يعتبر ممارسة غير قانونية، بينما هو أمر مشروع في بريطانيا. وعلى الرغم من موقعها النائي جغرافيا فإن الكثير من المستثمرين الأوروبيين يقبلون على نيوزيلندا لأسباب ضريبية واستثمارية.

أحد النماذج الناجحة لمثل هذا الاستثمار كان حالة الطبيب الآيرلندي بيتر مور الذي أعجب بمنزل له حديقة وساعة ومشاهد خلابة في نيوزيلندا واشتراه في عام 2008 بمبلغ 220 ألف دولار نيوزيلندي (نحو 150 ألف دولار). ومنذ ذلك الحين ارتفعت قيمة العقار عاما بعد عام بينما تراجعت في الكثير من أنحاء العالم الأخرى.

ويشير مؤشر شركة «نايت فرانك» لأسعار العقار الدولي إلى أن الدول ذات الكفاءة الضريبية العالية شهدت ارتفاعا في قيمة عقاراتها بنسب متفاوتة. وبلغت نسبة زيادة أسعار العقار في السنوات الخمس الماضية نحو 12 في المائة في سويسرا، و22 في المائة في نيوزيلندا، و30 في المائة في دبي، و39 في المائة في موناكو. ويؤكد الخبير ليام بيلي، من شركة «نايت فرانك»، أنه لا شك هناك في أن المواقع ذات الضرائب المنخفضة أنجزت أفضل من تلك ذات الضرائب المرتفعة وأفضل من المتوسط العالمي بشكل عام. وبينما تصارع الكثير من الدول موجات الكساد فإن الدول منخفضة الضريبة استأنفت نموها منذ العام الماضي.

من المواقع الأخرى التي تجذب الاستثمار الأجنبي هونغ كونغ التي لا تفرض ضرائب قيمة مضافة أو ضرائب إرث كما أنها تحقق النمو الاستثماري في أسعارها المتزايدة. ويقول خبير عقار مقيم فيها إن هونغ كونغ تقدم إعفاءات ضريبية جيدة إلا أنها تفرض رسوما على العوائد الإيجارية. وتصل هذه الرسوم إلى نسبة 15 في المائة من قيمة الأرض والعقار خلال سنة التقويم.

وتوفر الولايات المتحدة فرصة جيدة أيضا للأجانب على الرغم من وجود ضرائب دخل على العوائد الإيجارية تصل في المتوسط إلى نحو 15 في المائة. وهناك بعض الضرائب الأخرى التي تفرضها الولايات وتختلف بين ولاية وأخرى. وتفرض الضرائب في الغالب على العوائد الإيجارية. ويقول تيموثي بيرنز من شركة «ويثرز» أن هناك الكثير من الوسائل لخفض الأعباء الضريبية على العقارات الأميركية ولكن أثرها ينعكس في ضرائب أعلى عند بيع العقار. وتخضع العقارات الأميركية إلى ضرائب الإرث في حالة وفاة المستثمر، حتى ولو كان غير مقيم.

وبخلاف هذه المواقع هناك مواقع الاستثمار المعفاة من الضرائب. ولكن على الرغم من إعفاء ضريبي كامل في بعض الجزر الكاريبية فإن أسعارها ما زالت متضخمة. وفي جزيرة سان لوتشيا لا توجد ضرائب قيمة مضافة ولا ضرائب مبيعات أو ضرائب إرث، ويستفيد المستثمر بمبلغ أكبر من 350 ألف دولار إقامة دائمة في الجزيرة. وتفيد الإقامة في الإعفاء من الضرائب البريطانية المماثلة لأن معظم الجزر الكاريبية لديها اتفاقات عدم ازدواج ضريبي مع بريطانيا.

وينظر بعض المستثمرين لاتفاقيات منع الازدواج الضريبي لأنهم لا يريدون دفع الضرائب مرتين، مرة في بلد الإقامة ومرة أخرى في موقع العقار.

ويعتقد بعض المستثمرين أن الإفصاح الضريبي في بلد الإقامة يكفي، ولكن هذا قد يعرضهم لغرامات باهظة في البلد الذي يوجد فيه العقار. ولذلك لا بد من دراسة العواقب الضريبية قبل اتخاذ قرار الاستثمار العقاري الأجنبي، وسوف يكتشف المستثمر أن خريطة الاستثمار قد تقلصت كثيرا عند أخذ الضرائب في الاعتبار. وهي نقطة تتفوق فيها دول الخليج التي تقدم استثماراتها العقارية بلا ضرائب للمستثمر الدولي.

ولكن يبدو أن الاستثناء حتى الآن هو العقارات الفاخرة في العواصم، فهي تجذب كافة أنواع كبار المستثمرين من مديري صناديق الاستثمار السيادية إلى أثرياء الشرق الأوسط والأقصى، ولذلك فهي تخالف التيار وتواصل الارتفاع، كما هو الحال في لندن ومدن العالم الرئيسية الأخرى بغض النظر عن الوضع الضريبي.

وما يريده هؤلاء المستثمرون ليس زيادة الثروة أو توليد العائد بقدر المحافظة على قيمة رأس المال. وهم يرون قطاع العقار الفاخر في المدن الكبرى أكثر المجالات أمانا للحفاظ على رؤوس الأموال من التآكل. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه في المدى المنظور. وهو بالضرورة ينعكس سلبيا على بقية قطاعات السوق خصوصا خارج المدن الكبرى.

من ناحية البنوك، ما زال الكثير منها يرفض الإقراض العقاري ويضع شروطا تعجيزية للإقراض مما يساهم في تعميق حجم الأزمة، وتحاول البنوك المركزية ضخ المزيد من النقد في الأسواق لتسهيل السيولة. ولكن الوضع لن يتغير إلا مع محاولات جدية من البنوك لإصلاح ميزانياتها والتخلص من الديون الرديئة. وتحاول شركات العقار من ناحيتها تقديم «باقات» تشمل العقارات وضمانات لإيجارات بنسبة تصل إلى 6 في المائة لفترات تتراوح بين سنة وثلاث سنوات. كما تقدم هذه الشركات تسهيلات ائتمانية لتخطي عقبة امتناع البنوك عن الإقراض.

ويعاني المشترون الجدد من صعوبات التمويل حيث يحتاج المشتري إلى مقدم يتراوح بين 10 و20 في المائة من قيمة العقار، وهو ما يماثل 50 ألف إسترليني (75 ألف دولار) في المتوسط في بريطانيا بشراء عقار ثمنه ربع مليون إسترليني. وهناك بنوك قليلة في بريطانيا، من بينها «نورثرن روك» المؤمم حاليا، تعرض قروضا عقارية بنسبة 90 في المائة من أجل جذب المشترين الجدد. ومع ذلك فإن أكبر رادع أمام المشترين الجدد هو أسعار العقار الباهظة التي تفوق قدرتهم على السداد. وتمثل هذه الأسعار في الوقت الراهن خمسة أضعاف الدخل السنوي، أي أكبر من النسبة التاريخية المقبولة وهي أربعة أضعاف الدخل السنوي. وعلى الرغم من انخفاض أسعار الفائدة قياسيا فإن متوسط قيمة القرض العقاري يقتطع ثلث الدخل الصافي، مقارنة بنسبة تاريخية لا تزيد على 28 في المائة. وعلى هذا الأساس، وباستثناء لندن، فإن قطاع العقار البريطاني مرشح للمزيد من التراجع.