عقارات بريطانيا.. جنوب «مزدهر» وشمال «متعثر»

فارق قياسي ازداد اتساعا منذ أزمة 2008

TT

قد تكون أسعار العقارات في العاصمة البريطانية لندن نارا ملتهبة تحرق من يقترب منها.. وستجد صعوبة للعثور حتى على استوديو فما بالك بشقة من غرفة واحدة بأقل من 200 ألف جنيه إسترليني (260 ألف دولار) حتى في بعض ضواحيها، فلن تكون بحاجة للتنقل خارج بريطانيا ولا حتى خارج إنجلترا للعثور حتى على بيت من غرفتين مقابل أقل حتى من عشر هذا المبلغ، يكفيك التوجه شمالا، على بعد أربع ساعات في أقصى تقدير، إلى مقاطعة لانكشر بشمال إنجلترا، وبالتحديد مدينة بارنلي، لتجد منزلا من غرفتين معروضا للبيع مقابل 15 ألف جنيه إسترليني (21 ألف دولار) فقط!.

قد يكون هذا الفرق مفاجأة كبيرة خارج بريطانيا، لكنه ليس مفاجأة مدوية لمن هم في داخلها، والذين يعرفون الفرق الواضح والتاريخي بين أسعار العقارات في جنوب إنجلترا، وشمالها. لكن هذا الفارق يعرف تزايدا كبيرا وبمعدلات قياسية خاصة منذ تفجر الأزمة المالية في 2008. ففيما تعافت أسعار العقارات أو على الأقل استقرت أسعارها في جنوب إنجلترا من تبعات الأزمة المالية، فإنها تواصل تراجعها في شمال إنجلترا. ويبدو أن منطقة جنوب شرقي إنجلترا، خاصة التي تضم العاصمة لندن، والتي تعتبر قلب البلد الاقتصادي والسياسي، تسبح في فلك مختلف «عقاريا»، منفصل تماما عن شمال إنجلترا.

فقد أظهر تقرير حكومي بريطاني أخير أن أسعار العقارات تراجعت بـ1.3 في المائة في عموم بريطانيا خلال عام بين أغسطس (آب) 2010 وأغسطس 2011، أما في إنجلترا فقد أظهر تقرير وزارة الجماعات والحكومات المحلية أن شمال غربي إنجلترا شهد أكبر تراجع خلال الفترة نفسها بمعدل تراجع بلغ 4.8 في المائة في المقابل سجلت أسعار العقارات في لندن ارتفاعا بلغ 3.2 في المائة.

وقد اتسع الفارق بين عقارات شمال وجنوب إنجلترا بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تراجعت أسعار مبيعات العقارات في جنوب إنجلترا بنحو 42 في المائة، فيما هبطت مبيعات العقارات في شمال إنجلترا بـ51 في المائة، بينما تراجعت مبيعات المساكن بـ47 في المائة في عموم بريطانيا خلال السنوات الثلاث الماضية.

وأصبح واضحا أن بريطانيا عموما وبشكل خاص إنجلترا أصبحت سوقا عقارية من عالمين وقسمين مختلفين، كما يؤكد مارتن إيليس الاقتصادي المختص بشؤون الإسكان ببنك هليفاكس. ويقول إيليس: «هناك انقسام بين الشمال والجنوب بشكل واضح سواء في أسعار أو مبيعات العقارات. فالشمال يعاني فيما أداء القطاع في الجنوب معقول نسبيا، خاصة في تلك الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية الحالية. لقد تأثرت سوق العقارات عموما بفعل الأزمة المالية والركود، لكن تأثر الشمال كان أكبر، بينما كان الوضع أفضل نسبيا في الجنوب، الذي يعرف نشاطا اقتصاديا أفضل».

وتبدي لندن مناعة خاصة أمام تقلبات السوق العقارية، ولا يقتصر هذا على العقارات وسط لندن فقط أو العقارات الفاخرة، التي يتهافت عليها المستثمرون الأجانب، وفي طليعتهم المستثمرون العرب، إنما حتى في مناطق أخرى محيطة أو حتى بضواحي لندن، فقد سجلت أسعار العقارات في بلدية ايزلنغتون بشمال لندن زيادة قاربت 10 في المائة خلال العام الماضي، بينما سجلت أسعار العقارات في بلدية برانت أعلى معدل ارتفاع خلال السنوات الثلاث الماضية بمعدل بلغ 53 في المائة. وإذا كانت ايزلنغتون منطقة قريبة جدا من وسط لندن، وتضم ملعب «الإمارات» مقر نادي آرسنال، فإن برانت تعتبر من ضواحي لندن وهي تابعة إداريا لمحافظة لندن الكبرى، بينما هي في الحقيقة تقع في مقاطعة «ميدل سيكس»، ومن أشهر معالم «برانت» ملعب ويمبلي الشهير.

وبالنسبة لريتشارد دونيل المحلل العقاري بشركة «هاوم تريك» فإن «إقبال المستثمرين الأجانب هو (مفتاح) سوق العقارات في لندن، ومع إقبالهم فإن أداء سوق لندن يختلف. وبالنسبة للمستثمرين الأجانب فإن عقارات لندن (ملاذات آمنة) كما أن لندن كعاصمة عالمية مفتوحة لها جاذبيتها».