لهذه الأسباب يجب الحذر من الاستيلاء على عقارك بلندن في غيابك

استعادته قد تستغرق شهورا طويلة

صورة جوية لإحدى مناطق لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

ظهرت في الآونة الأخيرة عدة حالات صدمت الرأي العام في لندن لعقارات جرى الاستيلاء عليها من مجموعات من المتشردين في غياب أصحابها. وكان أبرز هذه الحالات لطبيب وزوجته الحامل، اكتشفا بعد إتمام إجراءات شراء عقار جديد في شمال لندن أن مجموعة من الشباب تقيم به بعد تغيير أقفال الأبواب. وفي حالة أخرى، سافرت ممرضتان في عطلة إلى موطنهما الأصلي في آسيا ولدى عودتهما وجدا منزلهما محتلا من غرباء! هذه الحالات وغيرها تجري تحت سمع وبصر الشرطة التي تقف عاجزة عن تنفيذ العدالة لقصور في القوانين المدنية التي تعطي الحق للمقيم بالعقار في الاستمرار في هذه الإقامة حتى يثبت الطرف الآخر أحقيته بالعقار، في إجراءات قد تستغرق شهورا طويلة. ويسمى هذا الحق (Squatters’ right) وهو يعتبر بوضوح ثغرة قانونية، يقال إن عصابات رومانية تستغلها لجلب مهاجرين إلى الإقامة في عقارات شاغرة وفرض إتاوات على إقامتهم.

وتعد الحكومة البريطانية الحالية بتعديل هذا الوضع الشاذ لكي يتم طرد المحتالين والمتشردين فورا، بل وتقديمهم للعدالة لاعتدائهم على ممتلكات خاصة بلا سند قانوني. ولكن القطاع الخاص لا ينتظر الحلول الحكومية التي قد تستغرق سنوات قبل تطبيقها، ويقوم ببعض المبادرات التي تحمي العقارات في غياب أصحابها.

إحدى هذه المبادرات «استئجار» حراس للعقار عبر تقديم عقارات لهم للإقامة لفترات محددة بإيجارات رمزية، وأحيانا مجانا، بشرط حماية العقار أثناء فترة إقامتهم. وتقدم شركات خاصة هذه الخدمات لأصحاب العقارات الشاغرة الذين يخشون من احتلالها من غرباء أثناء غيابهم. وهي تصلح أيضا لهؤلاء الذين ينتظرون بيع العقار أو تطويره أو حتى أثناء فترة انتظار تسلمه من البائع.

وتستعين شركات خاصة لإدارة العقار بحراس العقار للإقامة بشرط المحافظة على العقار وصيانته، كما تقوم بزيارات دورية للعقارات للتأكد من حالة العقار. ولا تقتصر خدمات هذه الشركات على العقارات السكنية، بل تمتد إلى كافة أنواع العقار حتى المكاتب الشاغرة التي تستعين فيها بحراس غير مقيمين.

وتعتقد شركات إدارة العقار أن هذا هو الحل الأمثل الذي يكسب معه الجميع، فلا أحد يريد عقارا شاغرا، كما أن حراسة العقار تلغي أخطار احتلال العقار أو تخريبه. وقد نشأت الفكرة أولا في هولندا خلال التسعينات عندما انتشرت حالات احتلال العقار الشاغر التي كانت قانونية في ذلك الوقت. ومن هولندا انتشرت الفكرة إلى ألمانيا الشرقية التي يبقى فيها نحو مليون عقار شاغر في مدينة لايبزغ وحدها. وتقوم شركات ألمانية متخصصة في العثور على حراس للعقارات يقيمون بها بلا إيجار، على شرط تجديد الديكورات دوريا والعناية بالعقار. وبعض العقارات المتاحة لهؤلاء المستأجرين تكون تاريخية وذات قيمة عالية، ولكن أصحابها لا يريدون إيجارا منها وإنما حمايتها من الاحتلال. وقد توفر هذه الحراسة تكاليف ضخمة للإجراءات القانونية اللازمة لطرد محتلي العقار، بالإضافة إلى إصلاح الأضرار التي قد يتسببون فيها.

وفي لندن، توجد في قلب العاصمة العديد من العقارات التي يحافظ عليها حراس أو أوصياء تستخدمهم شركات متخصصة. وبعضهم يدفع إيجارات رمزية للسكن في وسط العاصمة، أحيانا بالمشاركة مع آخرين إذا كان العقار كبير الحجم. وتقول الإحصاءات إن عدد هؤلاء يصل إلى عدة آلاف في بريطانيا وحدها. وهم يقومون برعاية كافة أنواع العقارات، ومنها عقارات تجارية تتم حراستها بعد ساعات العمل لمنع التسلل إليها.

وحتى يمكن التأهل لهذه المهمة يجب أن يكون حارس العقار يعمل في وظيفة ثابتة وغير متزوج ولا يعيش مع حيوانات أليفة، وفي أعمار تتراوح بين 25 و35 عاما. ويخضع هؤلاء إلى مقابلات شخصية في الوكالات التي تستأجر خدماتهم. ويتم التأكد من أن سجلهم الجنائي نظيف تماما وأن لديهم معارف يمكن الاستعانة بهم في توصية قبل الاستخدام. وتوقع الوكالة تعاقدا مع صاحب العقار تلتزم فيه بأنها مسؤولة عن حالة العقار وتضمن أن يترك حارس العقار موقعه في نهاية فترة التعاقد.

وبالنسبة لحارس العقار، فإن الفائدة الأساسية في اللجوء إلى هذه المهمة الحصول على السكن الرخيص. ويدفع الحارس نسبة إيجار رمزية إلى الوكالة، وإذا كان العقار تجاريا لا يدفع عنه ضريبة المجلس المحلي. ولكنه لا يحصل على حقوق الإيجار المتعارف عليها. وفي المقابل، يكون لمالك العقار حق دخول العقار وتفقده في كل الأوقات. ويتعين على حارس العقار أن يحضر معه مفروشاته، بالإضافة إلى طفاية حريق إجبارية.

أحد هؤلاء الحراس يعيش في مبنى حكومي سعته تماثل مساحة ملعبي تنس مع العديد من الغرف الإضافية، ولكنه لا يدفع أكثر من 270 جنيها إسترلينيا في الشهر، بينما وكالات العقار المحلية تعرض شققا في المنطقة نفسها بإيجار يصل إلى نحو ثلاثة آلاف جنيه شهريا. وهو يقول إن هذه المهمة في حراسة العقارات كانت أفضل قرار اتخذه في حياته لأنه أتاح له أن يعمل في مجالات حرة وأن يعيش في وسط لندن.

ولكنه يخشى أن تتغير ظروف العقار بالبيع أو إعادة التطوير فيفقد محل إقامته. ولا يتيح له التعاقد سوف أسبوعين فقط يتعين بعدهما إخلاء العقار. ولكن الوكالات المتخصصة تحاول جهدها أن توفر مواقع حراسة بديلة لمن يعملون في حراسة العقار.

ولا تحتاج العقارات التجارية إلى ترخيص لكي يقيم بها حراس العقار لأنهم لا يعتبرون ساكنين ويقومون بمهمة حراسة العقار إلى حين بيع العقار أو التصرف فيه. ويستمر مالك العقار في دفع الرسوم التي تفرض على العقارات الشاغرة.

ولكن بعض شركات التأمين لا تعترف بوجود حراس للعقارات الشاغرة وتستمر في فرض رسوم تأمين عالية على هذه العقارات، ولكن بعض الشركات بدأت في الآونة الأخيرة تقديم رسوم تأمين أرخص للعقارات التي يقيم بها حراس.

وهناك أيضا البعد الاجتماعي لهذا الأسلوب في حماية العقارات، لأن التقديرات الحالية تشير إلى وجود ما يقرب من 900 ألف عقار شاغر في بريطانيا في أي وقت، وقد يعني هذا أن مهمة حراسة العقارات يمكن أن توفر سكنا لعشرات الآلاف من الشباب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الإيجار الباهظة في المدن.

ويتكرر هذا السيناريو أيضا في جميع أنحاء العالم، فالعديد من الدول بها ملايين من العقارات الشاغرة. وتقول إحصاءات الحكومة الأميركية إن هناك 18.7 مليون عقار شاغر في أميركا. وتتكرر النسب العالية في كل مكان حتى في هونغ كونغ التي تقول إحصاءاتها إن نسبة 4.7 في المائة من عقاراتها شاغرة. كما توجد هذا الظاهرة في الصين أيضا، وإن كانت لأسباب مختلفة. فالمستثمرون في الصين يشترون مجمعات سكنية كاملة ويتركونها شاغرة لأن قيمة العقارات الجديدة أعلى من قيمة العقارات التي جرى استخدامها. ولا توجد إحصاءات رسمية في الصين بعدد العقارات الشاغرة، حيث لا تصرح الحكومة بهذه المعلومات التي تعتبرها سرية. ويتوجه المستثمرون في الصين إلى هذا النوع من الاستثمار للحفاظ على قيمة رؤوس الأموال من التآكل بفعل معدلات التضخم العالية ونسب الفائدة المتدنية.

ولكن نظام حراسة العقارات قد لا تصلح لكل الدول. ففي الولايات المتحدة مثلا لا ضرورة لتطبيق مثل هذا النظام لأن قوانين حماية العقار صارمة وأي دخيل على عقار لا يملكه يتم القبض عليه فورا وإيداعه في السجن. وتستخدم السلطات الأميركية أسلوب «عدم التهاون» في مثل هذه القضايا ويتم البت فيها وطرد الدخلاء فورا.

وحتى في أوروبا بدأت القوانين تتغير لصالح مالكي العقار وضد محتليه. وفي هولندا، أصبح الاستيلاء على العقارات غير قانوني بداية من العام الماضي، وفي بريطانيا أجرت الحكومة مشاورات هذا الشهر من أجل «تجريم» احتلال العقارات في إنجلترا وويلز. ولكن الحاجة تظل موجودة لدى أصحاب العقارات لحماية عقاراتهم من أعمال التخريب والسرقة أو سوء الاستعمال مثل إلقاء النفايات فيها.

وفي كتاب عن الظاهرة، قدر الكاتب روبرت نيورث عدد محتلي العقار في العالم بنحو مليار شخص. وأضاف أن سبب المشكلة هو أن القوانين السائدة لا تأخذ المشكلة على محمل الجد. ويشمل الكاتب ضمن تعريف احتلال العقار المناطق العشوائية في العالم الثالث التي تنشأ على حافة المدن بلا تراخيص بناء أو حقوق ملكية. وهي مناطق لا تتمتع بالصرف الصحي أو مياه الشرب النظيفة.

وفي أوروبا، يتم احتلال العقارات تحت دواع كثيرة منها التشرد وعدم وجود مأوى، والاعتراض على الانتظار الطويل على قوائم الإسكان الشعبي، وللخدمة العامة كاحتلال العقارات وتحويلها إلى استوديوهات للفنانين الفقراء أو مراكز اجتماعية، وأحيانا لأغراض سياسية لإبداء الاعتراض على سياسات معينة.

وتوجد منظمات وهيئات تعنى بشؤون محتلي العقار وتوفر لهم نشرة دورية وتقدم لهم المشورة القانونية. وتبيع هيئة تعمل من لندن كتيبات لتعريف محتلي العقار بحقوقهم القانونية. ويقول أحد هذه الكتيبات «إن احتلال العقارات ليس جريمة، وإنما مشكلة مدنية يتم التعامل معها عبر المحاكم». ويضيف أن مالك العقار لا يستطيع أن يخرج محتل العقار بالقوة بأن يستخدم معه العنف أو التهديد. وهو ينصح مستخدميه بكيفية العثور على العقارات الشاغرة وكيفية الدخول إليها بلا شهود وبلا كسر أبواب، ثم ضرورة تغيير أقفال العقار وإحكام منافذه. وأخيرا ينصح الكتيب بكيفية التعامل مع الشرطة وعدم فتح الباب وإنما التحدث إليهم عن الحقوق المترتبة على الوجود في العقار. ويشير الكتيب أيضا إلا أن العقارات المملوكة للمجالس المحلية يمكن أن تستغرق سنوات حتى يتم استعادة ملكيتها، بعكس العقارات الخاصة أو التي تحمل علامة «للبيع»، فهي تعني إجراءات سريعة لطرد المحتل منها. وهي في مجموعها إرشادات تدل فعلا على أن القوانين في إنجلترا بحاجة إلى تغيير سريع لضبط هذه الحالات واعتبارها جنائية وتعديا على حقوق الغير.

* كيف تتخلص من احتلال العقارات بطرق قانونية؟

* هناك تفاصيل كثيرة في القانون البريطاني حول تعريف احتلال العقارات، ويختلف التعامل فيها بين حالة وأخرى. فإذا عاد صاحب العقار من عطلة ووجد عقاره محتلا من غرباء يمكن الاستعانة بالشرطة وطردهم بموجب قانون التعدي على الأملاك الخاصة.

ولكن إذا كان مالك العقار يسير في إجراءات الشراء أثناء احتلال العقار عليه أن يلجأ إلى المحكمة لاستصدار قرار بوضع اليد على العقار قبل التوجه لتنفيذه قانونيا. ويستخدم أصحاب العقارات المؤجرة القانون نفسه من أجل طرد المستأجرين الذين يتخطون في إقامتهم في العقار فترة التعاقد. ويسمى قرار وضع اليد (Possession Order). وفي حالة المستأجرين لا بد من منح المستأجر شهرين لترك العقار قبل تنفيذ الإخلاء قانونيا.

وإذا أغفل محتل العقار قرار وضع اليد ورفض ترك العقار، فهو في هذه الحالة يرتكب مخالفة يعاقب عليها القانون.

ويختلف الأمر في اسكوتلندا التي يعد فيها احتلال العقار مخالفة جنائية في كل الظروف، يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة 21 يوما. ويمكن لأصحاب العقار الاستعانة بالشركة للقبض على محتلي العقار في حالة رفضهم المغادرة.

ويختلف الأمر في الولايات المتحدة بين ولاية وأخرى وأحيانا بين مدينة وأخرى، ولكن السلطات تتعامل بحزم مع قضايا احتلال العقار. وفي نيويورك تتشابه القوانين مع القوانين البريطانية في أن على المالك أن يحصل على قرار من المحكمة بإخلاء العقار. وكذلك تتشابه القوانين في هونغ كونغ مع القوانين البريطانية باعتبارها مستعمرة سابقة.

ولا يجب التساهل في مسألة احتلال العقارات، لأن محتل العقار يحصل على حقوق قانونية في العقار إذا مر عليه 12 عاما في العقار من دون اعتراض المالك الأصلي!