ارتفاع هائل لأسعار العقارات في كردستان العراق بسبب تدفق المشترين العرب

قطعة أرض 150 مترا قفز سعرها من 20 ألف دولار إلى 50 ألفا في أشهر

مساكن باربيا في أربيل كردستان العراق («الشرق الأوسط»)
TT

قبل سنوات قليلة أينما جلت النظر في المصايف والمتنزهات والمطاعم في مدن كردستان كنت ترى وجوها عربية بسحناتها المعروفة ولهجاتها المتميزة تملأ أرجاء المكان، حيث اعتاد الكثير من سكان وسط وجنوب العراق، وعلى الأخص سكان بغداد أن يأتوا إلى مدن كردستان للاصطياف أو قضاء العطلة الأسبوعية، ولكن اليوم أصبح معتادا أن تصادف عددا من الجيران العرب في الكثير من أحياء المدن، وخاصة الأحياء الراقية التي يقبل عرب العراق على شراء الدور السكنية فيها.

وبحسب عمر كريم، وهو صاحب مكتب للعقارات في أربيل فإن «معظم هؤلاء الوافدين هم من عائلات أو أقارب مسؤولين كبار في الدولة العراقية، فهم لا يترددون في عرض أعلى الأسعار الخيالية للدور السكنية في أرقى أحياء المدينة للاستقرار فيها، بعيدا عن أجواء العنف والفوضى في بغداد، فيبدو أن المسؤولين في الحكومة يريدون إرسال عائلاتهم وأقربائهم إلى مدن كردستان باعتبارها أكثر أمنا واستقرارا، وقد يأتون هم إليها أيضا لإمضاء عطلهم الأسبوعية». ويعتقد كريم أن «هذا هو السبب الرئيسي لارتفاع أسعار العقارات في مدن كردستان التي فاقت التصورات».

ويقول زميله محمد حسين صاحب مكنب للعقارات في حي أربيل الجديد «أثر هذا الإقبال العربي بشراء العقارات على أسعار قطع الأراضي بدرجة كبيرة، فقد كانت قطعة أرض 150 مترا مربعا تباع بعشرين ألف دولار قبل أشهر قليلة، أصبح سعرها الآن يتجاوز خمسين ألف دولار، وهذا ارتفاع هائل في ظرف أشهر قليلة». ويضيف «كانت الأسعار تتصاعد في السابق وفقا لمستوى الخدمات البلدية، فقطعة الأرض في الأحياء الجديدة التي لم تصلها خدمات البلدية كالمجاري والكهرباء ومد الطرق لا يتجاوز سعرها عشرة آلاف دولار، ولكن اليوم وحتى من دون وجود أي خدمات بلدية في تلك الأحياء تساوي أربعين ألف دولار، في السابق كانت الأسعار تتصاعد كل عدة أشهر، أما اليوم فإنها ترتفع بشكل يومي».

ويقول حسين إنني اشتريت قطعة أرض 100 متر مربع لأحد أقربائي بخمسة وأربعين ألف دولار، وبعد مرور عشرة أيام فقط اشتراها منه أحد الطالبين بخمسين ألف دولار، أي بربح خمسة آلاف دولار بظرف عشرة أيام». ويضيف «هؤلاء العرب الوافدون إلى أربيل لم يكتفوا بشراء الدور السكنية لإسكان عائلاتهم الهاربة من مناطق العراق، بل بدأوا يتاجرون أيضا في شراء وبيع قطع الأراضي، فلديهم مبالغ طائلة ولا يترددون بدفع أكبر مبلغ مقابل شراء أي قطعة أرض يتركونها لفترة ثم يبيعونها بأسعار أفضل».

ورغم أن حكومة الإقليم كانت ترفض في السابق تسجيل العقارات بأسماء الوافدين، ولكن في معظم الحالات كانت دوائرها تغض النظر عن الإجراءات سواء بسبب الواسطات أو غيرها. وهذا ما ألجأ الكثير من العرب الراغبين بشراء العقارات إلى تسجيلها بأسماء أقربائهم أو أصدقائهم من الكرد المحليين.

كان المواطن بلال محمد موظف لدى الحكومة يمني نفسه بإطلاق الحكومة للقرض العقاري لكي يشتري قطعة أرض صغيرة بمدخراته لسنوات طويلة، ويبني عليها دارا بمبلغ القرض الذي زادته الحكومة إلى 15 مليون دينار، ورغم أن هذا المبلغ لا يكفي لبناء الدار، ولكنه كان يساعد إلى حد ما بتدبير الجزء الأكبر من مصاريف التكلفة، لكنه فوجئ مؤخرا بأن ضعف مبلغ القرض العقاري لم يعد يكفي لشراء قطعة أرض بمساحة 100 متر مربع، فذهبت أحلامه بامتلاك الدار السكنية أدراج الرياح.

ومثله الكثيرون من أصحاب ذوي الدخل المحدود الذي باتوا عاجزين عن تدبير المبلغ الكافي لبناء دار سكنية بسبب ارتفاع أسعار الأراضي.

ويقول فاروق وهو موظف حكومي «يا ليت الحكومة لم تطلق القروض العقارية، فبدلا من أن تكون نعمة علينا أصبحت نقمة، وبدلا من أن تساعدنا على امتلاك سكنى لنا، أصبحت وبالا علينا، لأنها تسببت في ارتفاع أسعار الأراضي إلى حدود غير معقولة، لا يستطيع موظف مثلي أن يجمع ثمنها ولو بعشرين سنة من راتبه».

حاولت حكومة الإقليم تخفيف أزمة السكن من خلال بناء عدة عمارات سكنية، ونجحت في بناء ألف وخمسمائة شقة سكنية وزعتها على عدد من المستأجرين ومن الموظفين ذوي الدخل المحدود، وشجعت الحكومة الشركات الاستثمارية من خلال دعمها بصندوق الإسكان لبناء العمارات السكنية وبيعها للمواطنين بأسعار معقولة، ولكن إحدى هذه الشركات بصدد إنجاز مشروع لبناء شقق سكنية عرضت على المواطنين فرصة تسجيل أسمائهم لشرائها، وفوجئ الكثيرون منهم بالأسعار الخيالية لتلك الشقق، منهم سركار محمد الذي أبلغ بأن سعر الشقة السكنية في الطابع العاشر من العمارة بمائة وثلاثين ألف دولار، وفي الطابق العشرين بمائتين وسبعين ألف دولار. ويقول «هذا السعر الخيالي لشقة سكنية لا وجود لها حتى في بريطانيا وأميركا».

رغم أن هناك حركة عمرانية واسعة النطاق في مدن إقليم كردستان، ورغم أن ما يقرب ما بين 20 - 30 ألف وحدة سكنية جديدة قد تم بناؤها في المدن والأقضية والنواحي، منها حكومية ومنها أهلية، ولكن تظل أزمة السكن قائمة، خاصة مع ازدياد رغبة المواطنين في تملك الدور السكنية الخاصة بهم، والتي أصبحت اليوم من أول شروط الزواج مع تطور عادات المجتمع الكردستاني. ويبقى الموظف البسيط والشباب المتخرج حديثا محروما حتى من الزواج بسب شرط السكن الذي أصبح مع هذا الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات حلما بعيد المنال.