السعودية: خبير اقتصادي يقدر العوائد السنوية على «الأراضي البيضاء» بـ59 مليار دولار

في حال فرض رسوم تقدر بـ1% فقط

يخزن العقاريون ثرواتهم في الأراضي البيضاء ويتوقفون عن عرضها للبيع منتظرين تنامي أسعارها مع مرور الوقت (تصوير: خالد الخميس)
TT

قدر خبير اقتصادي حجم الأموال التي ستجنيها خزينة الدولة في السعودية من فرض رسوم على الأراضي البيضاء بأكثر من 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار) سنويا، وذلك كرسوم سنوية يتوجب على مالكي الأراضي غير المستخدمة دفعها للحكومة.

وتنتشر الأراضي البيضاء (غير المستخدمة) في المدن السعودية؛ حيث تشكل 77% من العاصمة الرياض، ونحو 60% من حجم حاضرة الدمام؛ حيث يخزن العقاريون فيها ثرواتهم ويتوقفون عن عرضها للبيع منتظرين تنامي أسعارها مع مرور الوقت، وذلك لمأمونية الاستثمار فيها؛ لأن الحكومة لا تفرض عليها ضرائب.

وقال تركي الحقيل، الخبير الاقتصادي: إن فرض رسوم بنسبة 1% على هذه الأراضي سيعادل أكثر من 11% من قيمة الناتج المحلي للسعودية، وسيضع العقاريين أمام خيارات صعبة، من ضمنها الاستمرار في ملكية الأراضي مع دفع رسوم سنوية عليها، أو عرضها للبيع، مما سيزيد من تكلفة العرض على واقعها الحالي الذي يتحكم فيه كبار العقاريين.

ويبني الحقيل تقديراته على بيانات نشرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التي حددت مساحة النطاق العمراني في مدينة الرياض بنحو 2435 كيلومترا مربعا، وقال تقرير الهيئة إن نحو 77% من النطاق العمراني أراضٍ بيضاء، بينما في حاضرة الدمام، بحسب أمين المنطقة الشرقية، تشكل ما نسبته 60% من الكتلة العمرانية، هذه المساحات هي فقط تلك التي تقع داخل النطاق العمراني، وإلا فإن النسبة ستكون أكبر في محيط المدن.

يقول الحقيل: إن سعر المتر المربع داخل مدينة مثل الرياض يصل إلى أرقام كبيرة تتجاوز في بعض المواقع 4000 ريال (1066.6 دولار)؛ لذلك وضع متوسط سعري للمتر المربع بـ1000 ريال (266.6 دولار) وبعملية حسابية تقديرية وصلت قيمة الرسوم السنوية على هذه الأراضي إلى نحو 19 مليار ريال (5.07 مليار دولار) ويبين أنه أضاف لهذا الرقم تقديرات متحفظة للأراضي خارج النطاق العمراني لمدينة الرياض، ووضع التقديرات ذاتها على المنطقة الشرقية ومدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة ومدينة جدة وبقية المدن السعودية.

ويشدد الحقيل على أن الأسعار ستنخفض لأن المبالغ اللازمة كرسوم يجب دفعها على الأراضي مبالغ كبيرة، ولأن السيولة المالية لتجار الأراضي لا تتوازن مع هذه الرسوم المقدرة بنحو أكثر من 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار) عند فرض رسوم بقيمة 1% فقط من قيمة الأرض، فكيف سيكون الحال لو تم فرض 2% الذي يعتبر متوسط الرسوم بين دول مجموعة العشرين؟ ويضيف: هذا سيخفض أسعار الأراضي (التي لا تتوافر لها أي خدمات وتعرض بأرقام فلكية) ما بين 25 و30% من أسعارها الحالية.

وقال الحقيل: إن الضريبة أو الرسوم على الأراضي الشاغرة داخل النطاق العمراني أو خارجها التي يجمدها كبار العقاريين سنوات طويلة سوف تضع المستثمر العقاري أمام خيارات عدة، من ضمنها:

1- التخلص من الأرض وتفادي دفع هذه الرسوم التي من الصعب تلبيتها.

2- تقسيم الأراضي لقطع صغيرة وتطويرها ثم بيعها بأسعار مناسبة لأغلبية المواطنين.

3- تجميد الأرض، كما هو الحال الآن، وهذا أمر مستبعد لأسباب من ضمنها السيولة غير المتوافرة لدفع الرسوم.

وأضاف أن فرض الرسوم سوف ينعش سوق العقار السعودية وسيجلب الطمأنينة السياسية للبلاد؛ حيث يعيش اليوم نحو أكثر من نصف سكان البلاد في مساكن مستأجرة، وفي آخر الإحصاءات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات التابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط، أكدت أن 60% من السكان لا يملكون منازل، وتعد تلك النسبة مؤشرا خطيرا في عملية تملك المواطنين للمنازل.

ولفت الحقيل إلى حقيقة مهمة، هي أن الشباب السعودي لا يستطيع شراء المساكن؛ لأن أسعارها تصل إلى أرقام عالية جدا ومبالغ بها أكثر مما ينبغي، وفي حين يمثل السعوديون الذين تقل أعمارهم عن 14 عاما نحو 37% من مجموع المواطنين، يمثل الذين تقل أعمارهم عن 29 عاما نحو 66% من مجموع المواطنين، فإن هذه مشكلة يجب أن يضع صانع القرار خطوات عملية لحلها قبل أن تتفاقم، فالوضع أصبح اليوم صعبا للغاية لارتفاع قيمة الأراضي وإيجار المساكن.

وفي حين ينتظر السعوديون إقرار نظام الرهن العقاري كآلية واضحة للتمويل البنكي لشراء منازل، يقول الخبير الاقتصادي: لكي يترك قانون الرهن العقاري آثارا إيجابية ملموسة على السوق العقارية، ينبغي على شروط التمويل أن تكون سهلة على عامة السعوديين.

وأضاف أن إحدى العقبات التي تعترض ذلك القانون هي الأجور والرواتب الحالية للقطاعين الخاص والحكومي؛ لأن معظم فئاتها لا تسمح للعاملين بشراء مساكن، كما أن أسعار فائدة القروض السكنية تصل أحيانا إلى مستويات لا تطاق؛ إذ تتراوح في السعودية حاليا بين 3% و7% للقروض الممنوحة إلى الأفراد وتعتمد على مدة القرض ونوعه.

ويضع الحقيل فرضية أن شابا سعوديا أراد تملك عقار (شقة) في مدينة كالعاصمة الرياض عن طريق التمويل البنكي؛ حيث يتوجب عليه دفع 10% من قيمتها كدفعة أولى، في حين يبلغ متوسط مساحتها 190 مترا مربعا، وسعرها 575 ألف ريال (153.3 ألف دولار)، فمع نسبة فائدة للبنك تصل إلى 7% خلال 15 سنة، سيكون القسط الشهري لسداد هذا القرض السكني نحو 4 آلاف ريال (1066.7 دولار) فإذا كانت قيمة القسط تساوي 34% من المرتب فإنه يحتاج إلى دخل شهري قدره 12 ألف ريال (3200 دولار)، وإذا فكر في شراء فيللا (بيت صغير) مساحتها تتراوح بين 300 و400 متر مربع، فإنه يحتاج إلى دخل شهري يصل إلى 23 ألف ريال (6000 دولار)، في حين يبلغ متوسط رواتب موظفي القطاع العام باستثناء الكفاءات العالية نحو 6 آلاف ريال (1600 دولار) بينما متوسط رواتب موظفي القطاع الخاص 3477 ريالا (927 دولارا).

ويتوقع الحقيل أن تمرير قانون ونظام الرهن العقاري السعودي الذي طال انتظاره سيؤدي إلى تحفيز القطاع العقاري المحلي، وقال: من المتوقع أن يعزز القانون العناصر الأساسية للسوق العقارية المحلية وأن يوفر المزيد من فرص التمويل لذوي الدخل المتوسط والمحدود في حال إقراره وفرض تطبيقه. ويشير إلى أن المواطن الذي يريد شراء مسكن في الوقت الراهن يضطر إلى الاعتماد على مدخرات عائلته أو إلى الاقتراض من البنوك بأسعار فائدة مرتفعة، علما بأن هذا الخيار متاح فقط لأولئك القادرين على تأمين دفعات أولى كبيرة وسداد القروض خلال 15 سنة أو أقل.

ويضيف أن البنوك لا تمنح قروضا سكنية إلا للذين يصنفون ضمن الفئة ذات المخاطر المحدودة نسبيا، وقال: إن نظام الرهن العقاري يمكنه أن يغير هذه المعادلة تماما لكن على حساب بعض الحماية الاجتماعية التي تضمن عدم مصادرة بيوت المقترضين وإخراجهم منها، مبينا أن القانون يستطيع تغيير المعايير السائدة حاليا من خلال السماح للبنوك باستعادة العقارات من المالكين الذين يتخلفون عن سداد القروض السكنية.

وتابع: «تجيز قواعد الائتمان العقاري للبنوك عالميا طلب سداد كامل القرض إذا تخلف المقترض عن دفع الأقساط المستحقة، وفي حالة عجز المقترض عن سداد القرض، يعين القاضي وكيلا لكي يبيع العقار في مزاد علني لكي يسترد البنك قرضه، وتعتبر هذه الممارسة، في الغالب، متناقضة مع الشريعة الإسلامية؛ لذا من الحاسم مراقبة كيف سيعالج قانون الرهن العقاري الجديد هذه المسألة»، مع ذلك، والحديث للحقيل، فقد تم تطبيق قواعد الرهن العقاري بنجاح في دول إسلامية أخرى، مثل مصر وماليزيا.

ولفت الحقيل إلى أن مشروع القانون ونظام الرهن العقاري السعودي الجديد يشتمل على عدة عناصر، أهمها: ضوابط تسجيل العقارات، وآليات فرض تنفيذ القانون والنظام، وقواعد عمل شركات الرهن، والمؤسسات المالية الخاصة والعامة الناشطة في مجال التمويل العقاري. وأضاف: من الحاسم أن ينشئ هذا النظام دائرة عامة لتسجيل سندات الملكية يتم من خلالها استبدال النظام الحالي القائم على خدمات كاتبي العدل.

وبين أنه بموجب نظام الرهن العقاري الإسلامي، تشتري البنوك المسكن نيابة عن المشتري ثم تبيعه إليه بربح محدد وتسمح له بسداد ثمن العقار على أقساط، مشيرا إلى طريقة أخرى يمكن العمل وفقها، وهي الإيجار المنتهي بالتمليك، وتقضي هذه الطريقة بأن يشتري البنك المسكن ويؤجره إلى المقترض الذي يدفع الإيجار وأقساط ثمن المسكن مع الحصول على حصة فيه.

وقال الحقيل: إن غياب قانون رهن عقاري واضح يحكم امتلاك العقارات وإعادة امتلاكها ويفرض مصادرة العقارات وطرد مالكيها منها في حال تجاوزهم للقانون، تسبب في إحجام البنوك عن توسيع نشاطها في مجال الائتمان العقاري، وإذا توافرت الحماية الكافية للبنوك، ستوسع تمويلها العقاري حتما في المدى البعيد وستكون أقل تلافيا للمخاطر، الأمر الذي سيعزز قدرة المواطنين ذوي الدخل المحدود على شراء المساكن، وعندما يدخل قانون الرهن العقاري الجديد حيز التنفيذ، ستتمكن المؤسسات الائتمانية أيضا من خفض أسعار فائدة القروض السكنية في النهاية؛ لأن هذا القانون سيدعم التمويل العقاري.