2012.. عام القرارات الصعبة في أسواق العقار

توجد فرص للربحية أفضل قليلا من 2011.. ولكنها في مجالات ضيقة

مسارات أسواق العقار العالمية في عام 2012 غير واضحة بعد
TT

لم يكن عام 2011 سهلا بأي مقياس، فقد استمر خلاله تراجع القيمة في أسواق العقار في ما عدا استثناءات قليلة مثل المدن الكبرى التي يتصاعد فيها الطلب بلا هوادة. وفي عام 2012 تستمر التحديات التي سادت الأسواق في العام الأخير بلا تغيير جذري يذكر، ولكن خبراء العقار يؤكدون وجود فرص جيدة في الأسواق، مثل قطاعات الاستثمار العقاري البديل والتجاري، ويقولون إن فرص تحقيق الربح في العام الجديد قد تكون أفضل قليلا مما كانت عليه في العام الأخير ولكنها تتطلب اتخاذ قرارات صعبة واختيار توقيت مناسب ومواقع غير تقليدية.

وفي عام 2011 عانت الأسواق من الخمول بوجه عام، وكانت مرحلة وصفتها شركة «شرودر» الاستثمارية بأنها «مرحلة إعادة هيكلة وإعادة تمويل». وأدى هذا الوضع إلى تحذير من بعض الأسواق الناشئة، وذلك لوجود العديد من الفقاعات السعرية التي لم تمر بفترة تراجع وتصحيح، كما حدث في الأسواق الأوروبية والأميركية. وما زال بعض هذه الأسواق مسعرا بأكثر من قيمته الحقيقية، ولذلك ليس من المرجح أن يعود الاستثمار الأجنبي إلى الأسواق الناشئة في المدى المنظور.

على الجانب الآخر من المعادلة تواجه الدول الغربية مشاكل هيكلية سواء مشكلة تمويل القروض العقارية في أميركا أو أزمة اليورو في أوروبا، الأمر الذي سوف ينعكس سلبيا على أسواق العقار في هذا الدول، كما يحبط فيها الطلب على الاستثمار العقاري سواء في الأسواق المحلية أو العالمية.

وتعتقد شركة الأبحاث «كامز» أن التحديات التي سادت في الأسواق خلال عام 2011 سوف تستمر خلال العام الجديد أيضا، وسوف يتعين على المستثمر أن يبحث عن فرص عقار بديلة مثل الاستثمار في قطاع الإسكان الجامعي أو الإسكان العلاجي للعجائز. وهي عقارات تتميز بأنها ذات عوائد مرتفعة ومعدلات إشغال عالية ومناعة ضد التضخم. ويزداد الطلب في المجتمعات الغربية على إسكان العجائز نظرا لارتفاع معدل الأعمار بين التعداد العام وعدم وجود تسهيلات حكومية للعناية في هذا القطاع.

من ناحية أخرى، تعتقد الشركة أن معظم الاقتصادات الغربية، وبريطانيا على وجه الخصوص، تتحول من نموذج ملكية العقار بغرض الإقامة إلى نموذج تأجير العقار للمدى الطويل. وأهم أسباب هذا التحول هو ارتفاع أسعار العقار بالمقارنة مع معدلات الأجور وصعوبة التمويل لندرة الأموال المتاحة من البنوك لمجال ملكية العقار. ومن المتوقع أن ينتج عن هذا التحول زيادة في الطلب على الإيجار العقاري بنسبة 7 في المائة سنويا على الأقل، مع تراجع الإمدادات المتاحة للإيجار في السوق وبالتالي ارتفاع معدلات الإيجار.

ونتج عن هذا الموقف أن بعض كبار المستثمرين مثل صناديق المعاشات قررت أن تتوجه إلى القطاع العقاري في عام 2012 للاستثمار فيه بغرض المحافظة على رؤوس الأموال وتحقيق هوامش ربح مستقرة بعد أن اكتوت من خسائر البورصات في العام الأخير. ويقول سايمون بريجيس، مدير الاستثمار في مؤسسة «ستيت ستريت» والمسؤول عن منطقة أوروبا والشرق الأوسط، إن أسواق العقار وتوقعات المستثمرين تغيرت جذريا منذ عام 2007. وهو يعتقد أن المستثمرين يحاولون العودة إلى العقار «كملاذ آمن» في فترة اضطراب بدأت منذ الأزمة المالية ولم تنته بعد. ولكن العديد من مديري الاستثمار يخالفون هذا الرأي ويحاولون إثناء المستثمرين عن عزمهم في التوجه إلى العقار كبديل للأسهم.

ويقول جيم ريلاندر، مدير الاستثمار في شركة «يورو إنفستور»، إن أفضل دليل على اضطراب أسواق العقار أن أزمة اليورو الأوروبية انعكست أكثر على قطاع العقار الأوروبي الذي خسر خسائر جسيمة منذ عام 2007. ولكنه اعترف أن بعض أركان السوق الأوروبية ما زالت قوية مثل ألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية. وقال إن هناك استثناء واضحا للتراجع الأوروبي؛ وهو مدينة لندن، وخصوصا الحي الغربي فيها.

أما مدير الاستثمار في شركة «شرودر»، روب هول، فقد عبر عن عدم ثقته في قطاع العقار في العام الجديد بخفض نسبة تعرض الصندوق الذي يديره للأصول العقارية. ويشاركه في الرأي مدير الاستثمار في شركة «ابردين» للاستثمار، واسمه ميلان خاطري، الذي أكد في تقرير الشركة عن توقعات عام 2012 أن أسعار العقار في معظم دول العالم ما زالت متضخمة بأكثر من قيمتها الواقعية ولا تمثل فرص استثمار جيدة.

وهو يتوقع أن تتراجع الأسعار طفيفا خلال عام 2012 ويقول إن من يرَ أن العقار يدر عوائد إيجارية عالية فعليه أن يراجع عوائد السندات لأن بعضها ما زال أفضل من العقار في الوقت الحاضر.

من الصناديق التي ألغت مشاركتها في قطاع العقار الأوروبي بالمرة كان صندوق «مورغان ستانلي»، الذي يقول مديره، ماثيو ليمان، إنه يبحث عن أفضل الشركات في نسب العوائد بالمقارنة مع المخاطر، وإنه بعد البحث اكتشف أن معظم قطاع العقار الأوروبي لا يقدم قيمة جيدة في الوقت الحاضر حتى بالمقارنة مع قطاع العقار البريطاني. وقدر الصندوق أن تتراجع قيمة العقار الأوروبي في عام 2012 بنحو 2.6 في المائة، وأن لا تزيد العوائد على العقار حتى عام 2016 على 2.9 في المائة. وتنظر بعض أوساط السوق إلى هذه الأرقام على أنها تمثل تحسنا للأوضاع بالمقارنة بما كان عليه الوضع في عامي 2008 و2009، حيث هبطت خلالهما قيمة العقار الأوروبي بنسب 12 في المائة و7 في المائة على التوالي.

وتبدو الصورة قاتمة أكثر لدول جنوب أوروبا مثل إسبانيا وإيطاليا التي لن تتحسن فيهما الأوضاع خلال العام الجديد.

ويؤكد البنك الألماني «ديكا بنك» أن أوضاع أسواق العقار الأوروبية لن تبدأ في التحسن إلا في عام 2013، بينما لن تتحسن الأسواق الهامشية وتلك التي تعد الآن من الدرجة الثانية، إلا في حدود عام 2016. ويعتقد البنك أن ألمانيا سوف تظل ملاذا آمنا للاستثمار العقاري الأوروبي، بينما سيكون الإنجاز الفرنسي جيدا بعض الشيء.

ويقارن البنك بين سوقي العقار التجاري في كل من ألمانيا وإسبانيا، ويشير إلى أن نسبة النمو الاقتصادي في كلا البلدين سوف يكون لها تأثير جذري على قطاع العقار التجاري. وفي ألمانيا لن يزيد الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012 إلا بنسبة 0.1 في المائة، ثم يرتفع بنسبة 1.6 في المائة خلال العام التالي. ولذلك يتوقع البنك أن تستقر أوضاع سوق عقار المكاتب في ألمانيا خلال العام الجديد على أن تعاود نموها بنسبة 2 في المائة سنويا في ما بعد حتى عام 2016.

أما في إسبانيا، فإن الناتج المحلي الإجمالي سوف ينكمش خلال عام 2012 بنسبة 0.4 في المائة ثم يستعيد نموه بنسبة 1.2 في المائة في عام 2013. ولذلك يتوقع البنك أن تتراجع قيمة العقارات التجارية في إسبانيا بنسبة 4.5 في المائة في عام 2012 ثم بنسبة 2 في المائة في العام التالي. ولن تستأنف أسواق العقار الإسبانية نموها إلا في عام 2014، وفقا للبنك الألماني.

ويقترح البنك التحول إلى الأسواق الأميركية التي سوف تدخل مرحلة النمو قبل الأسواق الأوروبية. ويعتقد البنك أن أسواق العقار الأميركية سوف تدر عوائد بنسبة 3.5 في المائة خلال العام الجديد، خصوصا في المدن الكبرى مثل سان فرانسيسكو وبوسطن وسياتل.

أما أهم مدن النمو في قارة أميركا الجنوبية فهي مكسيكو سيتي وسانتياغو.

* الأسواق الآسيوية

* وتبدو السوق الآسيوية واعدة، وإن كانت تعاني من الاعتماد بشدة على الصادرات، ولذلك فإن أي انكماش في هذا القطاع سوف يؤثر سلبيا على قطاع العقار فيها، وخصوصا العقار التجاري. ويعتقد بعض الخبراء أنها تقدم أفضل الفرص في عام 2012 مقارنة بالأسواق الأخرى، ولكن البعض الآخر يحذر من فقاعة، خصوصا أن أسعار بعض العقارات الآسيوية تضاعفت خلال العامين الماضيين. وتحاول الحكومات الآسيوية تطبيق بعض المعايير الجديدة الموجهة نحو تهدئة وتيرة أسواق العقار، مما يمكن معه توقع تراجع العوائد واستقرار الأسعار هذا العام. ولكن أساسيات الأسواق الآسيوية ما زالت مشجعة وفيها الكثير من العوامل الجاذبة غير المتاحة في الأسواق الغربية مثل معدلات النمو الاقتصادي الإيجابية وارتفاع قيمة عملاتها والعمران المدني المتوسع دوما فيها. ولكن السؤال الحائر هو: هل وصل ارتفاع أسعار العقار الآسيوي إلى مداه أم لا؟ والمؤشرات الآتية من الصين تشير إلى تراجع الأسعار في الشهور الأخيرة بعد سنوات من الصعود المتواصل بلا هوادة. وهي بلا شك مقبلة على فترة تصحيح قد يحين وقتها في عام 2012.

من مؤشرات تراجع الأسواق الآسيوية أيضا أن الاستثمار الأجنبي القادم إليها من الخارج، لم يعد يصل إليها بالوتيرة نفسها في الآونة الأخيرة نظرا لمتاعب السيولة في المناطق الأخرى. وليست هناك أي بوادر تشير إلى عودة ملموسة لموجات الاستثمار الأجنبي إلى آسيا خلال العام الجديد.

وفي المدى المنظور تظل الأسواق الآسيوية أفضل حالا من الأسواق الأميركية والأوروبية التي لن تتحرك كثيرا عن موقعها الحالي بسبب استمرار الإفلاسات العقارية وارتفاع معدلات البطالة وأزمات تراجع النمو الاقتصادي وتراكم الديون الأوروبية.

* السوق الأميركية

* كان عام 2011 عاما بائسا لقطاع العقار الأميركي، وتعتقد مصادر السوق، ومنها موقع «بروبرتي ابرود» العقاري، أن العام الجديد سوف يكون أفضل للعقار الأميركي على أساس أن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر مما هي عليه الآن. ويبلغ معدل الأسعار الأميركية الآن ما كان عليه في عام 2003، ومع ذلك فالإحصاءات تشير إلى استمرار التراجع مرة أخرى بعد فترة استقرار. والسبب الرئيسي وراء هذه الانتكاسة ارتفاع معدلات البطالة التي لا تقل عن 8.6 في المائة.

ولكن هناك بعض بوادر للأمل أيضا حيث الطلب الإيجاري قوي، ويدفع هذا مستثمرين من داخل وخارج الولايات المتحدة إلى شراء العقارات المصادرة من أجل استثمارها في الإيجار. ويسهم هذا النشاط في التخلص من التراكم الهائل للعقارات المصادرة التي هجرها أصحابها لعجزهم عن سداد قروضهم العقارية.

وتؤكد الأرقام والإحصاءات واقع سوق العقار الأميركية حاليا. فأبحاث شركة «كورلوجيك» تؤكد أن 10.8 مليون عقار أميركي، أي نحو 22 في المائة من العقارات التي تخضع لقروض عقارية، تعاني من قيمة عقارية أدنى من قيمة القروض، وهو ما يسمى بالقيمة السلبية. وتعاني نيفادا من القيمة السلبية بنسبة 68 في المائة من إجمالي العقارات التي اقترض أصحابها لشرائها. ويوضح هذا الوضع حجم المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي والتي لن تحل خلال العام الجديد على الرغم من الإعفاءات الضريبية والحوافز الأخرى.

وتشير شركة «ستاندارد آند بورز» الاستثمارية أن توقعات الوظائف السلبية وصعوبة الحصول على التمويل سوف تسهم في جعل 2012 عاما «سلبيا» في ما يتعلق بالأسعار. وعلى الرغم من ظهور إحصاءات أخيرة تشير إلى انخفاض معدلات البطالة الأميركية هامشيا، فإن بوادر الانتعاش العقاري لم تظهر بعد بسبب تراكم الديون التي تثقل كاهل القطاع. وتراجعت معدلات الإفلاس العقاري في الشهور الأخيرة، إلا أنها ما زالت تمثل نسبة ملحوظة من القروض العقارية. وترى عدة جهات أميركية لأبحاث العقار أن العامل الوحيد الذي من شأنه قلب المعادلة ودفع القطاع نحو الانتعاش هو نمو الوظائف الأميركية مع خروج الاقتصاد من حالة الركود التي يعاني منها حاليا.

وعلى الرغم من أن أسعار العقار بالمقارنة بمعدلات الدخل وصلت إلى نسب متدنية، فإن صعوبة شراء العقار مستمرة بسبب إحجام البنوك عن الإقراض العقاري في الوقت الحاضر. وتريد البنوك أن تتأكد من نسب ربحيتها قبل الإقبال على مغامرة الإقراض العقاري مرة أخرى، ولن يتحقق هذا إلا بعودة الانتعاش إلى البورصات.

ولا أحد يعرف على وجه التأكيد تحولات الاقتصاد الدولي في عام 2012 ولا مصير أزمة اليورو. ولكن انتعاش أسواق العقار الدولية يعتمد إلى حد كبير على إيجاد حلول لأزمة الديون في منطقة اليورو وعودة النشاط الاقتصادي الأميركي الذي يخفض نسبة البطالة. وفي مثل هذه الحالات لن يكون صعبا على أسواق العقار معاودة نموها مرة أخرى.

ولكن الأرجح هو أن يكون عام 2012 استمرارا لحالة الجمود في أوروبا، والأمل في أميركا، والخوف من الفقاعات في آسيا. أما أسواق العالم الثالث فينصح الخبراء بالابتعاد عنها في الوقت الراهن حتى تستقر أوضاعها السياسية وتبدأ في تطبيق إصلاحات اقتصادية تأخرت كثيرا.